#إنّي_اقترفتُكِ
[[ الفصل الثاني ]]ِ
_ ما لا يُبتاع بمالٍ _ِ
---------------------------------------------------------
هدأت أنفاسها قليلًا جراء كلماته، ثم استقامت أمامه مُجددًا بلا ريبة أو ذرة خوف .. لوت شفتيها بمرارة وهي تستشعر شيء من الإستهانة بشأن جُرحه لقلبها، لا مشاحة أنه كان رحيمًا بها أثناء زواجهما .. فلم يكن يصرخ عليها إلا قليلًا وعندما عرف بحملها لجنينهُ بدا وكأنه خُلق من جديد، يُعد المائدة في بعض الأحيان بنفسه ويُكلف أحدهم بشراء حاجيات البيت .. لم يكُن بقاسٍ التصرف معها أبدًا ولكنه لم يحس حُبها .. حتى أنها كانت تشعر لوهلة بأنه خُلق بغير قلبٍ .. تلهفت مرارًا لسماع كلمة غزل واحدة منه ولكنها من المستحيلات قطعًا .. فزواجهما كان بورًا .. لم يسقهِ روايه .. فدبلت بذرة الحُب قبل أن تُولد.
كُلّ من ينظُر إلى وجهه القاسٍ لا يسعهُ سوى أن يَكن له الكثير من الحُبٍ والتقديرٍ .. يمتلك سحرًا ذي مفعول مُدمر .. لم تسلم هي أيضًا من سحرهِ الغريب .. فقد رغبت في الطلاق منهُ في سنة زواجهما الأولى وقد حاولت وضع حُجج تُعينها على الإنفصال ولم تستطع حتى أن تكرهه فلم تفعل.
قامت بعقد ذراعيها أمام ص*رها وسط نظراته الحادة فيها، نظرت إليه بعينين مملؤتين بالدموع وبنبرة متحشرجة قالت:
_ " وهو إنت فاكر إنك عادي توجع قلبي بكُل بساطة كده؟!".
أطاح بالحزام حتى سقط على الفراش، أدار رأسهُ نحوها وبنبرة غير مُتكلفة قال بنبرتهُ الرخيمة:
_ " ما فكرتش إنك هتتوجعي، أنتِ ناسية إن ماحدش فينا كان بيحب التاني؟!".
طار عقلها لمّا رأتهُ يُشكك في حُبها له، وجدت نفسها لا إراديًا تضغط على ص*ره بإصبعها السبابة ثم تقول وهي تنظر داخل بؤبؤ عينيه مُباشرة:
_ " تقصد زيّ ما هي ما فكرتش إنك هتتوجع؟!، لية بتنتقم مني أنا في جرح سببته غيري؟! وإزاي حكمت على مشاعري وإنّي ما حبيتكش! إنت بتكذب الكذبة وبتصدقها؟! .. أنا بحبك بس إنت أناني".
أنهت كلامها ثم تخطتهُ حيث الباب، زمجر بضيقٍ ثم التفت إليها وراح يقبض على ذراعها بقوة آلمتها قائلًا:
_ " أنا كلامي لسه ما خلصش يا مدام!!".
أشاحت بوجهها بعيدًا عنهُ، تشتاق له كثيرًا .. تحن للحظة في الماضي كانت تتفرس فيها ملامحه بدقة بينما هو في ملكوت آخر. ولكنها لا ترغب في إظهار مشاعرها أمام قلبه المُتبلّد وعينيه الصقريتين المُخيفتين، تن*دت بانفعال خفيفٍ ثم قالت:
_ " بس أنا ما أقدرش أقف أتكلم مع واحد خاني أكتر من كده يا حضرة الظابط .. بخلافك قدرت تعمل علاقة مع واحدة باعتك علشان الفلوس !!".
_ " آسيا؟!!!!!".
هدر بها بصوتٍ جهوريٍ بينما تشتدّ قوة قبضته على ذراعها أكثر، ضغطت على عينيها تتحمل الألم الذي أكتنفها دون أن تنبس ببنت شفةٍ، بينما تابع هو بنبرة تعبق بحرارة عميقة وهو يُقرب وجهه منها:
_ " إنتِ مُتأكدة كده ليه إنّي خونتك؟!".
طرقت برأسها أرضًا تتجنب نظراته فيها، أخذ يجول بعينيه بين ملامحها الرقيقة في لحظة عابرة بينما أضافت هي بنبرة حزينة:
_ " جوزي بيفتح ليّ باب شقته اللي بيهرب مني ليها وهو عريان من فوق .. وبكل برود بيمنعني أدخلها وإذ فجأة ألاقي الهانم اللي صورها كانت مالية دولابك بتظهر قدامي بلبس فاضح وتقولي إنتِ متأكدة إزاي إنّي خونتك؟!".
أومأ برأسه عدة إيماءات خفيفة، حرر ذراعها من بين قبضته وأصبحت قسمات وجهه أكثر حدة وهو يسألها بنبرة ثابتة:
_ " يعني أنا لو قلعت قميصي دلوقتي أبقى عملت معاكِ حاجة؟!".
زمت شفتيها باستنكار وازدراء، نظر إليها في تعبير مُبهم فابتلعت غِصة في حلقها بينما صاح بها مُكررًا سؤاله:
_ " انطقي؟!".
_ " لأاااا طبعًا".
اِفتر ثغرهُ عن ابتسامة سمجة ثم قال بلهجة ملول:
_ " عرفتي ليه يا آسيا مش بفكر أقدم قلبي كبش فدا لواحدة ست؟ علشان تافهين وفاكرين اللي بين إيد*كم، قلب اللي بيكون فرو وبييجي لكم هدايا دا .. بتهينوه .. والدليل، إنك يوم ماشوفتيني معاها في صالة الشقة .. يعني مش في أوضة النوم .. ما فكرتيش تسأليني ولا تلوميني .. مشيتي وبس!! .. فليه أظلم قلبي وأهينه مع واحدة تفكيرها محدود".
آسيا وهي تنظُر إليه بتوجس:
_ " إنت تقصد أيه؟!".
اياس بابتسامة باردة تُخفي في طياتها الكثير:
_" أقصد إن دا كان اختبار ليكِ، وإنتِ فشلتي فيه .. وما تعيشيش دور الضحية .. مش يمكن أكون حبيتك وإنتِ خسرتيني بغبائك؟!".
قاومت البكاءَ لفترة من الوقت وبعدها انسابت الدموع من عينيها وهي تنظُر إليه نظرة تأنيب:
_ " علاقة 4 سنين قدمت لك فيها كُل حاجة علشان تديني بس قلبك وجاي دلوقتي تقولي مش يمكن أكون حبيتك .. إنت مش بني آدم .. إنت حجر .. بس حياتي مش هتقف عليك يا اياس .. بكرا هقابل عبد الرحمن وهدي فُرصة لنفسي أكون مع حد عنده قلب وهنساك زيّ ما كُنت بتنساني وتفتكر غيري وأنا جنبك".
_ " مش هيحصل، أنا اللي تخلف مني ما تخلفش من غيري ولو عايزة تتجوزي .. مش همنعك .. بس مش هتشوفي رتيل تاني".
قبض على كتفها بقوة ثم هزّها مرارًا، وما أن أنهى كلامه حتى قادها عنوة خلفه ومازال قابضًا على ذراعها .. ســار بها ناحية الممر المؤدي إلى بوابة الطوارئ حيث يتسلل منها العاملون مُضيًا إلى الباب الرئيسي .. كانت تبكي وهي تسير معه بنبرة صامتة .. لا تفهم إلى متى سيدوم وجعهما لبعضهما، باتت تعلم بأنه يُحبها رغم أنه يعزف عن البوح بذلك، مخافةً أن تُحطمه كغيرها .. يبغض الحُبَ وكأنه عدوًا، فيتصارعان .. من يُمكنه هزيمة الآخر أولًا .. بينما هي تبقى أسيرة لا حُرية لها من دونه ولا حُب له معها .. لِمَ لا يعترف بأنه عاشق؟ .. هل حُكم على حُبهما أن يبقى أسير نفوسهما طيلة العمرٍ!!!.
----------------------------------------------------------
_ رتيل؟ أمال فين خالو؟!
قالتها "أُلفت" وهي تجوب ببصرها الغرفةَ ببصرها بحثًا عنه، رفعت رتيل أحد كتفيها ثم قالت بنبرة هادئة:
_ " مشي ".
قطبت ألفت ما بين حاجبيها بغضبٍ شديدٍ، وما أن تداركت إلى أين يكون قد ذهب حتى أومأت برأسها في وعيد ثم التقطت كف الصغيرة ونزلت بها إلى صالون الڤيلة وما أن دخلتهُ حتى صاحت بزوجها في انفعال حاد:
_ " شوفت إبنك بيعمل أيه؟ قايل ليّ إنه مش عنده شغل النهاردة وفص ملح وداب؟!".
كان ثابت مُنكبًا على الجريدة يقرأها كعادته باهتمام، تن*د تنهيدًا ممدودًا بعُمقٍ ثم قال بنبرة هادئة:
_ " يمكن ظهر له شُغل فجأة .. ليه مكبره الموضوع؟!".
ض*بت أُلفت على ساقيها بانفعال، ثم تابعت وقد تقلصت قسمات وجهها بضيق:
_ " ظهر له شغل فجأة؟! اللي يشوفك يقول مش فاهم .. أبنك راح للغندورة .. أبنك حاطط عينه على أرملة يا ثابت !".
زفر ثابت مطولًا، يُجاهد في التكيف مع شخصيتها المُتسلطة دائمًا لأجل تؤامه وحتى لا يلومه الناس بعد كُل هذا العمُر، مسح على وجهه بهدوء ثم قال بنبرة ثابتة:
_ " البنت صغيره عندها 27 يعني لسه في عز شبابها ومش ذنبها إنها بقيت أرملة بدري .. والأهم إن ابنك بيحبها وهو اللي بيجري وراها .. وأنا ما أقدرش أقف قدام قلبه".
لوت ألفت شدقها ثم صاحت مستهجنة قوله:
_ " يعني إنت عايزنا نعيد الكَرَّة من تاني؟ أنا يوم ما أفرح بإبني هفرح بيه مع بنت بنوت، مش واحدة استعمال غيره، وبعدين هو إنت ناسي اللي ابن عز عمله في بنتي، لازم تفهم يا ثابت إنه على جُثتي يطول ضوفر من بنتي تاني وابنك لو فكر يدخل البنت دي وسطنا .. أنا هسيب لكم البيت وأمشي .. أنا ق*فت منكم .. إنت مش مقدر خوفي على ولادي ليه؟ .. أنا أُم ".
دقق "ثابت" النظر داخل عينيها ثم أردف بنبرة جامدة:
_ " إنتِ أُم لولادك بس، لكن مع ولاد الناس على الأمومة السلام".
تجهمّت معالم وجهها بصورة واضحة وكبا لون وجهها للإحمرار من شدة غضبها من كلماته، رمقته بنظرة نارية أخيرة قبل أن تتوجه إلى غرفتها .. زفر ثابت بأريحية بعدما تركته وشأنه .. هرعت "رتيل" إليه ثم صاحت به بنبرة طفولية وهي تضع كراسة رسوماتها على ساقيه:
_ " شوفت رسمتي يا جدو !!".
قام " ثابت" بوضع الجريدة على الطاولة الزجاجية المجاورة له، أسرع بحملها على ساقيه ثم التقط الكراسة بين كفيه المُجعدين .. ربت على ظهرها بحنان بالغٍ ثم قال بابتسامة واسعة:
_ " الله .. مين اللي رسم الرسمة الحلوة دي؟!"
رتيل وهي تضم كفيها إلى بعضهما في خجل:
_ " رتيل".
ضحك " ثابت " ملء شدقيه وهو يطبع قُبلة طويلة على وِجنتها الناعمة ثم قال بتساؤل مُهتم:
_ " ومين دول بقى؟!".
رتيل وهي تتحسس الرسمة بأصابعها تدُله على هوية الأشخاص بالرسمة:
_ " دول مامي وبابي .. ودا يزيد .. رسمته علشان أنا بحبه".
أسرع "ثابت" بوضع كفه على فمها بطريقة مُبهمة عليها بين الدُعابة والجد وبنبرة خفيضة قال والابتسامة لم تفارق وجهه البشوش:
_ " أوعي تقولي كده قدام تيتا، وألا هتمسكنا سِلك الكهربا عريان".
أسرعت "رتيل" بوضع أصابعها على عينيها ثم صاحت بضحكة خجولة وهي تنكمش على نفسها بين ذراعي جدها:
_ " يييييي، عيب يا جدو، لازم يلبس هدوم".
----------------------------------------------------------
جلست الطبيبة خلف مكتبها وقد شبكت كفيها معًا، تن*دت بأسف ثم توجهت بالحديث إلى هذه التي تجلس أمامها وابنها بينما تنظُر إليها مريم نظرات متوجسة وقلبها يدُق مخافة أن تكون حالة ابنها المُضطربة قد ازدادت سوءً .. ابتسمت الطبيبة في خفة ثم استرسلت بوجه بشوش:
_ " أحب أطمنك على يزيد يا مدام مريم، حالتهُ اتطورت عن زمان بكتير وطالما مواظبة على العلاج .. ما تخافيش".
تنفست "مريم" الصعداء، تهللت أسارير وجهها وهي تعبث بفروة شعره وبنبرة مُتلعثمة تابعت:
_ " طيب يا دكتورة، بالنسبة لمخارج الحروف اللي بيلجلج فيها دايمًا؟ وكمان رسمه كُله عن الض*ب والحروب والدم؟!".
الطبيبة وهي تومئ برأسها في تفهم:
_ " طبيعي جدًا يقلّد المشاهد اللي كان بيشوفها، أنا مش بكبر المشكلة عليكِ ومش عايزين في نفس الوقت نستهين بيها، كُل اللي عليكِ تكلميه كتير .. أعملي له الحاجات اللي بيحبها وهيأي له جو هادئ ومع العلاج حالته هتتحسن".
وقفت " مريم" في مكانها ثم صافحت الطبيبة مُمتنة لها، التفتت إلى صغيرها ثم دنت منه وقبلتهُ بهيام وبعدها غادرا العيادة هابطين الدرج لنهايته .. استحالت قسمات وجه "يزيد" ال**بسة إلى سرورٍ هائجٍ وهو يهرول إلى ذاك الواقف أمام بوابة البناية يفتح له ذراعيه.
_ " عمو آصف!! ".
نظرت إليه في دهشة وسرعان ما ابتسمت بصدق وهي ترى فرحة صغيرها العارمة لوجوده .. مشيت إليهما في توترٍ .. فهو لم يُسء لها يومًا .. وقف إلى جوارها مُنذ أن علم ظروفها .. لا تنسى رجولته لكي ينتشلها من حالتها النفسية المُزمنة بعدما وقع زوجها صريعًا من ض*بتها ولكنها لم تبقَ طويلًا في السجن بعدما شَهد والد سراج على عُنفه ضدها وكذلك الأدلة المطبوعة على جسدها .. وما ثقل نسبة براءتها بأن ش*يقها هو المُقدم "اياس العزاوي" .. تقابلت وقتها مع آصف عندما مرّت هذه الواقعة بشهور وقتما ذهبت مع أهلها في زيارة لبيت العروس.
_ " حبيب عمو، أيه يا بطل، كده ما تسألش عني؟!".
تشبث " يزيد" بخصره في سعادة جمَّة، بينما نظر " آصف إليها قائلًا بنبرة ذات مغزى:
_ " ولا التقصير مش منك؟!".
تنحنحت " مريم" برقة ثم وقفت أمامه مُباشرة وراحت تُصافحه في ثبات:
_ " أزيك يا آصف؟!".
صافحها بدوره ولكنه شدّ على كفها برفق، سرحت وهي تنظُر في عينيه قليلًا بينما يتفرس هو وجهها بدقة ونظراته تُرسلُ إليها رسائل حُب، تعجبت من الأقدار المرسومة لها حرفيًا .. ثمة من تُريد أن ترتدي فستانَ زفاف كيفما تحلُم فحسب، تظُن بأنها ستكون به إحدى أميرات الديزني في قصرٍ أميرها وأنه سينهال عليها بكُل كلماتٍ الغزل والعشق كهي في صغرها عندما أجرمت في حق نفسها وتزوجت كي تكون عروس فحسب، فيما يسعى البعض منهن إلى تكوين ذاتهن أولًا قبل أن يتأبطن ذراع أحدهم من أجل ارتداء ثوب زفاف لساعات كزوجة ش*يقها، في الحالة الأولى خسرت من ولّت قلبها مقاليد أحلامها .. وربحت من اتخذت من كيانها حصنًا وولّت عقلها مقاليد قرارها .. الآن هي أرملة لطفلٍ يُعاني أمراضًا نفسيّة مُزمنةً بينما آسيا وضعت ب**تها في قلب رجُلٍ لن يتركها تشيخ إلا على وسادته .. ها هي الأقدار الغريبة .. بدا للناس في السابق بأنها مرغوب فيها والأُخرى ليست سوى عانس بينما جعلتها الأقدار ملكة على عرش قلبه مهما طال خصامهما. فكُل ما يظهرُ للناس جميلًا يبقى سطحيًا مهما حاولوا اختلاس النظر لداخله .. فـ للقدرُ رأيّ آخر.
_ " مريم ".
انتفض جسدها على صيحته الخافتة بها، أشاحت بعينيها بعيدًا عن ناظريه بينما أردف بنبرة عابثة:
_ " عيني عجباكِ، حلوة مش كده؟!".
مريم بتوتر:
_" أنا آسفة والله، سرحت مش أكتر".
أومأ " آصف " برأسه في خفة وقد اِفتر ثغرهُ عن ابتسامة عريضة ثم قال بنبرة ذات مغزى:
_ " تقصدي إن عيوني مش جميلة، وإنّي مش أد المقام؟!".
نظرت إليه بعينين مُتسعتين من حُكمه المُسبق لها، ثم قالت بتلقائية فذّة:
_ " لا جميلة طبعًا، أنا ما أقصدش".
سرّت كلماتها قلبه وتهللت أسارير وجهه، آصف وهو يغمز لها بعينيه:
_ " بجد؟ عجباكِ يعني!!".
ابتلعت مريم ريقها بصعوبة، وهي تلوم نفسها على ما قالتهُ بينما رفع هو الحرج عنه مُتوجهًا بالحديث إلى يزيد الذي يتابع ما يحدُث بسعادة شديدة .. فهو أول الأشخاص المؤيدين لزواجهما:
_ " ها يا بطل تحب أفسحك فين؟!".
سار "آصف" مُمسكًا بكف "يزيد" برفق، وكذلك مشت "مريم" إلى جوارهما دون اعتراض منها على هذه الخروجة لطالما ستُسعد طفلها .. وفي هذه اللحظة، باغتها "آصف" مُتسائلًا وهو ينظُر إلى شعرها:
_ " إنتِ ليه بتحبي الشعر القصير؟ جربي تسيبيه يطوّل كتجديد؟!".
ألقى سؤاله عليها بنية صافية لكونه يعشق ذوات الشعر الطويل، بينما كان السؤال كوقع صاعقة عليها .. تن*دت بخفة ثم قالت بنبرة ضاحكة بينما شعور البكاء يتنامى داخلها:
_ " علشان لمّا ماما تجبرني أتجوز، جوزي مايلاقيش حاجة يجرجرني منها".
آصف وهو ينظُر داخل عينيها مُباشرة وكأنه يُخبرها بطريقة حاسمة بأنها لن تكون لغيره أبدًا:
_ " بس إحنا رجالة وما بنمدش إيدينا على حريمنا !!".
تخضبت وِجنتيها بشكل ملحوظ، أشاحت بوجهها للجهة الأخرى ثم فلتت من بين شفتيها ابتسامة خفيفة، فأسرعت بمحوها قبل أن يُكشف أمرها.
----------------------------------------------------------
انقضى اليومُ سريعًا، وحل الصباحُ .. إنها الساعة الواحدة ظُهرًا .. جلس " اياس" إلى طاولة الفطور بصُحبة والدته وش*يقته وابنها .. استعدوا جميعًا للذهاب إلى الفيلة التي تعيش بها " آسيا ورتيل " لحضور حفل عيد الميلاد .. أجبر اياس طليقتهَ على المكوث بها كي تكون ابنته نُصب أعيُنه .. وقد جاء والدي آسيا لحضور الحفل ثم العودة إلى المنصورة.
تنحنحت " زينب " في خفة، التفتت ببصرها إليه ثم قالت بسعادة:
_ " رتيل وآسيا وحشوني أوي .. منه لله اللي بعدهم عننا وحرض آسيا علينا".
يزيد مُتدخلًا بنبرة حزينة:
_ " هنروح أمتى عند رتيل يا مامي، عايز أشوفها وأديها الهدية".
ربتت " مريم " على ظهر ابنها بحنان بالغٍ، ثم نحت ببصرها إلى والدتها وقالت وهي تزم شفتيها بتساؤل:
_ " هم مين دول اللي حرضوا آسيا علينا".
زينب وهي تقول بنبرة شرسة:
_ " هو في غيرها، أُلفت ال*قربة، أكيد لعبت في دماغ بنتها لحد ما سابت زينة الشباب ابني".
كان يتناول فطوره في **ت تامٍ، لا يُنصت إلى ما تقوله والدته حتى .. وما أن أحس بوابل من الكلمات والشكاوى في طريقها إلى خارج فم والدته حتى قال بصوت رخيمٍ يميل إلى الغضب:
_ " مش وقته يا أُمي .. مش وقته الكلام دا".
في هذه اللحظة، سمعوا صوت طرقات على باب المنزلٍ .. همّت مريم أن تُلبي نداء الطارق بينما أشارت لها والدتها بكفها أن تجلس فانصاعت .. اتجهت زينب إلى الباب ثم نظرت من العين السحرية وبعدها زفرت بغيظٍ ومالت بجذعها العُلوي قليلًا ثم التقطت خُفها وراحت تفتح الباب .. انهالت على الطارق تض*به بخُفها مرارًا .. صرخت نيهال بأعلى صوت لها بينما توقفت "زينب" عن الض*ب وراحت تفتعل دهشتها وهي تُلقى بالخُفٍ أرضًا ثم تشهق:
_ " نيهال؟ حبيبتي يا بنتي ، هو الض*ب جه فيكِ!! وأنا اللي كُنت فكراها الولية أم سعد بتاعة الأنابيب .. هاتك يا تخبيط .. هاتك يا تخبيط لمّا صدعتنا .. معلش يا حبيبتي .. امسحيها فيّا المرة دي".
هرعت "مريم" إلى الباب بعد سماع صراخ الأُخرى بينما بقى هو مكانه لعلمه التام بأنها مصيبة من مصائب والدته .. دلفت "نيهال" إلى الداخل وما أن رأتهُ حتى صاحت به في سعادة:
_ " حبيبي، أيه رأيك في الفستان دا؟!".
اياس ببرود وهو ينظُر إليها بطرف عينه:
_ " حلو ".
مشيت نيهال إليه ثم وقفت خلفه ومضت تنحني إلى الأمام ثم مدّت يدها والتقطت **يرة خُبر مغمسة بالعسل وقرّبتها من شفتيه .. ظنته سيتناولها منها في مشهد رومانسي خلاب ولكنها وجدته ينتشل قطعة الخُبز ضاغطًا على أصابعها ثم يرميها في الطبق مُجددًا وهو يقول بنبرة غليظة اخافتها:
_ " نيهال؟!!!".
أرتعدت أوصالها من صوته، أبعدت من خلفه على الفور وداخلها يشتعل غضبًا منه .. نهض في مكانه على الفور ثم أمرهم بأن يستعدون للإنطلاق لأن هناك الكثير من العمل يبقى على عاتقهِ ولكنه آثر المرور بابنته وتهنئتها أولًا قبل الذهاب.
----------------------------------------------------------
مرّ الكثيرُ من الوقتٍ، بقيت عيناها متربصين بالبوابة في انتظاره .. تحوم رتيل حولها طيلة الوقت وعلى ل**نها سؤال واحد:
_ " فين بابي؟!".
تن*دت "آسيا " بضيقٍ، وضعت وجه ابنتها بين كفيها ثم قالت بنبرة حنون:
_ " بابي عنده شُغل، وأكيد زمانه جاي .. يلا روحي ألعبي مع أصحابك".
أُلفت وهي تلعن حظ ابنتها ببعض الكلماتٍ الناقمة عليه:
_ " بتكدبي على البنت؟ دا لو كان فيه الخير ما كانش رماه الطير".
ضيقت "آسيا" عينيها باختناق، فيها ما يكفيها كي تحزن وليست بحاجة لكلمات والدتها كي تُصعب الأمور عليها أكثر، بقت لبعض الوقتٍ مُنخرطة في الحُزن .. تجلس بصُحبة والديها على طاولة خشبية تتوسط الحديقة .. بينما تمتليء الحديقة بالبالونات والكثير من الأل**ب .. وهنا أردفت أُلفت بحنقٍ:
_ " بقولك أيه يا ثابت، الحفلة تخلص من هنا، ونتكل على الله إحنا".
تهللت أسارير وجهها وهي تجدهُ يدلف من البوابة، انتفضت واقفةً في مكانها .. كان يُراقبها والدها بحُزنٍ وأسى على لهفتها التي لم تُقدر من قِبله .. سارت إليهم كي تستقبلهم وسرعان ما اختفت البسمة عن وجهها ما أن رأت الأُخرى .. هرعت مريم إليها تحتضنها بسعادة وكذلك فعلت زينب التي انهالت عليها بالقُبلات والأحضان الحانية.
زينب بحُب صادق لها:
_ " وحشتينا يا آسيا، يعزّ علينا فُراقك يا غالية".
ابتسمت آسيا بهدوء وكافحت كي تُبقي دموعها أسيرة مُقلتيها، احتضنتها زينب مرة أخرى .. دفنت آسيا وجهها في كتف السيدة زينب ثم سالت قطرة من عينيها وهي تقول بنبرة مُتحشرجة:
_ " وإنتِ كمان وحشتيني يا ماما زينب".
زينب وهي تبتعد عنها قليلًا:
_ " يااااه، أي نعم كُنتِ مجنناني بس وحشتني مامـا زينب أوي منك".
جاءهم السيد "ثابت" يستقبلهم بالسلامات بينما بقيت والدة آسيا مكانها لم تزح عنه .. اصطحبهم ثابت إلى نفس الطاولة بينما نادت "آسيا" على ابنتها عندما وجدته يقترب عليها بصُحبة هذه.
وقفت على بُعد مسافة منه، رمقتهُ بنظرة سوداوية وهي تجد إحداهن متعلقة بذراعه ثم أدركت بعد ثوانٍ بأنها "خطيبته" على ما يبدو فهي لم ترَها مُسبقًا. ابتلعت غِصة في حلقها غيرةً وألمًا فقد استبدلها في غضون شهرٍ واحدٍ بأُخرى ولم يتكلف عناء البحث عن غيرها حتى، فقد كثُرت علاقاته الغرامية في الآونة الأخيرة وهذا هو السبب وراء طلاقهما.
كانت ترتدي ثوبًا من اللون الأخضر بالغ النعومة دون أكمام ويصل إلى ما بعد الركبة بقليل وصففت شعرها على شكل كعكة رقيقة كما ارتدت ابنتها التي تبلُغ من العمر ثلاثة أعوام ثوب يُحاكي ثوب والدتها بالضبط .. تشبثت بذراع صغيرتها بقوة، فدائمًا يُراودها هاجسًا قهريًا بأن طليقها لديه مُخططًا لا****ف ابنتهما.
تن*دت تنهيدًا ممدودًا بعُمقٍ وهي تجدهُ يقترب منها بخطوات راسخة، فهو فارع الطول ذو ملامحٍ صلبة وقاسية، يُخطيء ولا يكلف نفسه عناء الاعتذار .. ي**ن ولا يلوم نفسه .. لا يبتسم إلا قليلًا .. تزوجا لمدة أربعة أعوام عن غير حُب .. حاولت جاهدةً بأن تغير في شخصه ما لا تُحبه ولكنه أبى التزحزح والخروج عن هالة قسوته .. تحركت مشاعرها ناحيته خلال الأربعة أعوام بينما بقيت مشاعره في سُبات قَهرها - من وجهة نظرها -.. لم يتقبل جنونها أمام روتين يومه .. فقررا الانفصال .. رغم ما يكمن بين أضلعها له .. رغم ما لم يفعل من أجلها .. بلى، لقد بحث عن أُخرى بعد انفصالهما بشهر واحد فقط .. مسكينة هي تسير إلى جواره في المناسبات .. ستكون هذه مُهمتها الوحيدة فقط.
_" أزيك؟".
قالها وهو يتفحص الثوب عليها بإمعان ونظرة غامضة، فيما أومأت برأسها تُجيبه دون أن تنبس ببنت شفةٍ وهنا وصلها انعكاس ضوء الشمس في دبلة الأخرى وكأنها تتعمد إيقاظ غيرتها المكبوتة، ثم قالت نيهال بنبرة باردة وهي تلمس ذقن الصغيرة بأطراف أصابعها:
_ "Happy birthday
يا حلوة، أقنعت بابا بالعافية إنه يسيب الشغل ويحضر حفلة
عيد ميلادك".
قدحت عيناها شررًا من كلامها، رفعت الصغيرة كتفها وهي تتجنب اللمسة بامتعاض .. فيما تابع هو مُحدثًا طليقته بنبرة جامدة أو ربما غير راضية:
_ "أية اللي لابساه دا؟!".
اِفتر ثغرها عن ابتسامة ساخرة من جانب فمها ثم أشارت بسبابتها إلى الواقفة بجواره وبنبرة حانقة رددت جملته:
_ "أية اللي هي لابساه دا؟ أظن إن الجملة دي تتقال لخطيبتك مش طليقتك؟؟".
أبعد العلقة المُلتصقة به عنه قليلًا، ثم تقدم خطوتين صوبها لتعود هي إلى الخلف بتوتر بالغٍ فمازالت تخشى غضبه عليها، ما زالت تشعر بقوة قبضته المُحكمة على مع**ها حتى تلوّن بالأزرق والأحمر معًا وبصوتٍ أجشٍ صاح بها:
_ "وإنتِ أُم بنتي، يعني قُدوة ليها ولازم تبقي أد دورك وإلا هاخدها منك، ودا أمر مُسلم بيه".
تقلصت المسافة بينهما للغاية، بينما اخترقت الصغيرة هذه المسافة المُتبقية بينهما ومضت تصرخ بانفعال طفولي وهي تلوي فمها اعتراضًا على ما قالهُ:
_ "أنا مش بحبك .. ماما بس جميلة .. ودي وحشة".
تشبثت الصغيرة بساقي والدتها، بينما دنى الآخر منها حتى رفعها على ذراعه وبنبرة حانية رغم قسوته قال:
_" بس بابا بيحبك ! وطنط كمان".
الصغيرة وهي تنظر للأخرى وقد امتقع وجهها وهي تصيح:
_ "دي ييييييع ".
جدحتها الأخرى بنظرة ناقمة، لمست ذراعه في خفة ثم قالت وهي تكتم غيظها بداخلها:
_ "حبيبي، قدم لها الهدية ويلا نمشي علشان تلحق شُغلك".
أومأ برأسه مُتفهمًا .. قدم هديته لتسعد ابنته بها .. وما أن أنزلها عن ذراعه جرت مهرولةً في سعادة ناحية صديقاتها. تنحنح ببرود ثم قال:
_ "خلي بالك من البنت، بنتي في كفة والدنيا كلها في كفة".
أنهى كلامهُ ثم قبض على كف الأخرى مواليًا ظهره لها وسار بها ناحية باب الخروج .. أغرورقت عيناها بالدموع ثم رفعت كفها حتى وضعته على ص*رها بألمٍ شديدٍ .. تتوق نفسها للبكاء كثيرًا من فرط غيرتها ولكن عليها أن تبقى رابطة الجأش أمام الجميع.
توقف عن السير فجأة عندما وجد شابًا يدلف من الباب ويشير لها بكفه وسرعان ما قادته قدماهُ إليها ثم قال بنبرة سعيدة:
_ "كُل سنة وهي طيبة".
قالها "عبد الرحمن" وهو يلثم كفها برقة تصرُف منه، استشاط الآخر غضبًا وقرر العودة إليها ثانية مما جعلها تنتفض خيفة من ردة فعله .. قطعًا سيهددها بضم ابنته إليه لأنها لم تكن أُسوة حسنة لها.
وقف خلف الشاب ببضع سنتيمترات ثم رمقها بطرف عينيه، وبنبرة نارية قال:
_ "ممكن شوية يا مدام؟!".
همّت أن ترد عليه، ولكنه قبض على ذراعها بشراسة ثم جذبها خلفه حتى دلفا داخل الڤيلة وسط حركات الأخرى المُتأففة.
_ "للمرة الكام هقولك إن من واجبك تحترمي أدوارك في حياتي، أوعي تكون فاكرة إنك خلصتي مني؟ إنتِ أُم بنتي وطليقتي يعني اسمك مربوط باسمي "مرتين".
تلألأت عيناها بالدموع ثم صرخت به في انفعال:
_ "أنا مابعملش حاجة تسيء لبنتي، دا هيكون جوزي في خلال شهور ولا إنت فاكر إنك لوحدك اللي بتنسى !".
استحال لون وجهه إلى الأحمر القاني، أفقدهُ اتقاد الغضب رُشدهُ مما جعله يضغط على فكيها بقبضته وباليد الأخرى وضعها حول خصرها قائلًا بعنف قاتل:
_ "جوزك؟ اللي تتجوز سيادة المقدم، ما تتجوزش بعده، لأني ساعتها هحرمك من بنتك طول العُمر دا غير إني مش هخليه يتهنى بيكِ لحظة".
نظرت داخل عينيه بقوة وقد راقها ما تفوه به ونست الألم الذي اكتنف فمها للحظة .. لا تُنكر أنه قاسي القلب لا يلين ولكنه أوقعها في حُبه جراء ما يقبع خلف قناع قسوته، جراء ما يقوله في لحظة غضبه .. تشم رائحة الغيرة في عينيه الحمراوتين وعُنفه الغير مؤذي .. ولكنه لم يؤكد لها أن ما يحرق روحه بالفعل غيرة .. لم تفهم بأنه حاد الطباع، يعجز عن إظهار مشاعره .. فقد ظنته شحيح العاطفة طيلة العامين.
_ "ايه مش عايزني أتجوز؟ هعيش على ذكرياتك العُمر كُله! ثم إني بحبه! .. آآآآه ".
اشتدت قبضته على فمها أكثر ما أن لفظت كلمتها الأخيرة، حررها بسرعة ثم ضغط على ذراعها بوحشية وجذبها ثانية حيث الدرج يصعدانه وما أن وصل إلى غرفتها حتى دفع الباب بقدمه وتوجه صوب خزانتها ثم صرخ بها أن تفتحها:
_ "افتحي الدولاب دا؟".
قامت بفتح الخزانة ببرود شديد، بينما التقط ثيابها بين كفيه ومضى يرفعهم أمامها ثم يُلقي بهم على الفراش وهو يهتف بغضب ناريٍ:
_ "كُل دا لبس عند معاليكِ، وإنتِ واقفة ليّ زيّ الباربي اللي رايح واللي جاي يتف*ج على جسمك .. بكرا البنت تعمل زيّك!"
تن*دت هي بعمق، ثم وقفت أمامه مُباشرة وهي تضع ذراعيها حول خصرها وقد تحرر شعرها من فرط حركتها الغاضبة وتعمدت النظر إلى عينيه مُباشرة لتقول بنبرة هادئة:
_ "البنت .. البنت .. البنت .. طول الوقت بتداري غيرتك بتهديدك دا! .. لا منك عايز تعترف إنك بتغير ولا حتى هتاخد البنت علشان هي الحاجة الوحيدة اللي بتدي لك الفرصة إنك تشوفني ! .. أنت بتعمل كدا ليه يا سيادة المُقدم؟!".
كان يعبث بالثياب، ثم التقط ثوبًا منهم وألقاها به وهو يقول بنبرة مُختنقة:
_ "ألبسي دا وغطي جسمك وبلاش فلسفة .. ما تحاوليش تضغطي على أعصابي أكتر من كدا.. أنا لا بحبك ولا زفت .. إنتِ مُجرد غلطة وصلحتها".
في هذه اللحظة، اسودت الدنيا من حولها ثم أجهشت في البكاء بصوت عالٍ، اقتربت منه أكثر ومضت تض*ب ص*ره بقبضتها في إنهيار:
_ "وأنا بكرهك، كفاية بقى، كفاية كلامك بيتعبني نفسيًا، أخرج من حياتي بقى ".
ضغطت بأناملها على ياقة قميصه الأبيض ثم شدته وسط أنهيارها فطار الزرار منه وسقط أرضًا .. اتسعت عيناها في دهشة ثم توقفت عن البكاء وهي تنظُر إلى حروف اسمها كاملة مكتوبة في المساحة ما بين مِفصل ذراعه والعُنق، أسرع بترتيب القميص ثانية بعدما عدل من وضع الياقة أكثر بينما تابعت هي بنبرة متلعثمة تحاول نزع القميص عن رقبته من جديد:
_ "ايه دا؟! .. أبعد إيدك عايزة أشوف .. أنا شوفت اسمي؟ .. أوعى بقى؟".
صرخت به بنبرة باكية، فيما ضغط هو على مع**يها بقوة حتى يكبل حركتها .. ضغطت على عينيها بألم ضارٍ .. ثم تابعت بنبرة خافتة:
_ إنت عايز توصل لأيه من كُل اللي بتعمله دا؟!
انزل ذراعيها إلى جانبها، رفع أحد ذراعيه إلى شعرها ثم جمعه كُله على كتف واحد ونظر من المرآة التي تع** صورتهما ليجد وشم باسمه قابعًا على ظاهر عُنقها .. تن*د بخفة ثم قال وهو ينظر داخل عينيها بحنين:
_ "مش سايبة ليّ فرصة أختار .. كُل الطرق بتوصلني ليكِ.. كُل البنات، إنتِ".
رفعت بصرها إليه .. تنظُر داخل عينيه مُباشرة .. وعيناه تفيضان بما لم يقله يومًا .. سالت دموعها أكثر وهي تقول بنبرة مُتلهفة:
_ " طيب ليه؟ ليه بتعمل فينا كده؟! ليه خونتني واستبدلتني بجديدة؟! .. عاجبك اللي بتعيشه رتيل؟ .. أب ع**د وأم تعبت وحياة غير مُستقرة .. صعب عليك تقول للبنت اللي كرست 4 سنين من عُمرها علشانك، إنك بتحبها !! .. مبسوط لمّا خرجت من دايرة مشاعرك".
ابتعد اياس عنها على الفور ما أن أحس بضعفه الذي أوشك على أن يفضحه، عَدل من وضع ثيابه ثم وضع كفيه في جيبي بنطاله وهو يقول بثبات:
_ " المشاعر نُقطة ضعف أي بني آدم، فكان لازم أرميها من جوايا .. وما تنسيش إنك إنتِ اللي طلبتي مني الطلاق".
آسيا وهي تجلس إلى طرف الفراش باختناق:
_ " علشان كُنت تعبت، غيرتي عليك قتلتني وإنت بتقدم لغيري اللي ما قدمتهوش ليا".
اتجه اياس صوب باب الغرفة يفتحه ثم قال بنبرة جامدة قبل أن يخرج منه:
_ " وإنتِ أخدتي مني اللي مفيش بنت بعدك هتطوله"
ترجل فور كلامه بينما صرخت به باكية:
_ " هنساك يا اياس، هنساك وهتجوز عبد الرحمن، هنساك علشان قلبك حجر".
التفت لها بهدوء ثم رمقها بنظرة غامضة أخيرة ومضى يهبط الدرج مُقررًا الذهاب إلى عمله .. وجد نيهال في انتظاره بوجه عابس أمام البوابة .. قبض على ذراعها بقوة ثم ترجلا معًا للخارج .. همّت أن تفتح فمها لتتحدث ولكنه أوقفها قائلًا بنبرة صارمة:
_ " أقلعي الدبلة دي، فكرة إن بنتي ما تحبكيش، معناه إن الموضوع دا هينتهي هنا".
جحظت عيناها في صدمة من كلامه بينما ذهب إلى سيارته يركبها وتركها تستشيط غضبًا منه.
----------------------------------------------------------
مرّت ساعات الحفلٍ حتى قارب على نهايته، ظلت زينب بصُحبة آسيا وحفيدتها وكذلك مريم التي وجدت ابنها مشغولًا باللعب مع رتيل وقد انضم إليهما "آصف" مؤخرًا.
مُنذ ذهابه وهي مُتجهمت الوجهٍ لا تبتسم إلا قليلًا، تجلس بصُحبة ابن خالتها "عبد الرحمن" إلى طاولة مُنفردة حتى يُتيح لهما فرصة الحديث .. كانت زينب تشتعل غضبًا منه .. وَدت لو تصرخ بالجميع بأن آسيا ابنتها ولا تُريدها أن تكون لأحدٍ سوى ابنها القاسي .. فهي وحدها مَن تحملته وتستطيع تجشم المخاطر لتغييره.
وفي هذه اللحظة، لاحت العيون إلى فيلق من العساكر يترأسهم ضابطًا .. يدلفون من بوابة الڤيلة .. هرع آصف إليهم ثم قال بنبرة متسائلة:
_ " خير؟!".
_ " مين فيكم اسمه عبد الرحمن الدهشوري؟!".
قالها الضابط بنبرة صارمة، فيما نهض عبد الرحمن من مكانه مندهشًا وهو يقول باستغراب:
_ " أيوة أنا؟!!!".
الضابط وهو يأمر العساكر بالقبض عليه:
_ " معانا أمر بالقبض عليك".
يتبع
#إنّي_اقترفتُكِ
#علياء_شعبان