تفاجأت بالاستاذ نبيل .
نبيل بخوف وقلق :
ممكن نتكلم شوية .
فايا بخوف :
استاذ نبيل ،أنت إزاي تمسكني بالطريقة دي ، لو سمحت سيب ايدي أحسن حد يشوفنا تبقى حكاية .
ترك نبيل ذراعها ، ثم قال بعيون تشع نورا من شدة إعجابه بها .
نبيل :
أنا كنت عايز أطلب منك تحديد ميعاد من والدك ، عايز أعمل زيارة ليكم أنا ووالدي .
استغربت فايا طلبه ، لم تعتقد أبدا ما قاله عندما سألته .
فايا :
خير يا أستاذ .
نبيل :
خير يا فايا ، أنا كنت عايز أتقدم لك ، أنا بحبك وعايز أتحوزك .
انفلتت من فمها ضحكة سخرية ثم قالت بازدراء :
أنت تتجوزني أنا ، شكلك كده حصل لك حاجة في عقلك ، روح يا شاطر شوف لك واحدة غيري ، أنا مش بفكر في الحاجات دي دلوقتي ، أنا ورايا هدف أهم ، ولما أحققه هبقى أفكر في الجواز ، وعلى فكرة أنت آخر واحد ممكن أفكر فيه ، وآه اللي حصل النهارده لو حصل تاني مش هيحصل لك كويس ، سلام .
وقف نبيل كالمبلول ، لقد حطمته بما قالته له ، بعثرته مثل ما تفعل الرياح بالرماد ، تناثرت حبات كرامته ، فلم يستطع ال**ود ولم يقدر على استجماع ما أهدرته تلك الفتاة منه .
عاد منزله وهو متخذ قرار بعدم الذهاب إلى تلك المدرسة مرة أخرى .
عادت فايا إلي المنزل ، كانت والدتها فاطمة في انتظارها كما تفعل كل يوم ، تخاف عليها من بطش عمها خاصة أن والدها رجل ضعيف الهمة ، لا يستطيع مواجهة أخيه الكبير .
استقبلت فاطمة فايا بابتسامة عريضة .
فاطمة :
حمد لله على سلامتك يا حبة عيني .
فايا :
الله يسلمك يا ماما ، الغدا جاهز .
فاطمة :
أيوة يا حبيبتي ثواني وهيكون جاهز .
كانت زينب زوجة زيد تستمع إلي حديثهما وبداخلها بركان يهدد بالانفجار ، فهي لا يعجبها تربية فاطمة ودلعها الغير مبرر لفايا .
زينب :
ابتدينا الدلع الماسخ ، ما تقومي يا بنت أنت تغرفي لنفسك وتاكلي أنت مش صغيرة . .
حاولت فايا الاستمرار على عدم الدخول في أي جدال قد يضعف من عزيمتها في تكوين شخصيتها الجديدة ، لذلك قالت لزوجة عمها ، بصوت هادئ لأمر مرة في حياتها .
فايا :
تصدقي عندك حق يا طنط ، أنا خلاص كبرت ولازم أعتمد على نفسي ، خليكي أنت يا ماما ، وأنا هدخل أجهز الغدا .
استغربت كل من فاطمة وزينب من تصرفها ولكنهما لم يعلقا . ابتسمت فايا في داخلها لأنها استطاعت أن تكمل أول خطوة في تحقيق أهدافها .
سمعت فايا صوت عمها زيد في الخارج ، سقط الكوب من يدها ، وان**ر ، تناثرت قطع الزجاج في كل مكان بالمطبخ ، كانت تشعر بالخوف والرعب منه ، انكمشت في ركن في المطبخ عندما سمعت صوته يقترب منه ، دخل زيد ، لاحظ تناثر قطع الزجاج في كل مكان ، صرخ بعلو صوته ثم قال :
يا زينب ، أنت يا ولية يا اللي اسمك زينب ، مين اللي **ر الكوباية دي ، وسابها كده من غير ما يلم الزجاج .
حاولت زينب إخراج الحروف التي تجمعت مثل الغصة في جوفها ، وتحدثت بصوت متقطع يشوبه الخوف من نظرات زيد المتصلبة .
زينب :
دي ، دي ، دي ، . .
زيد بعنف وحدة :
دي مين يا ولية انطقي .
جاء صوتها من خلفه ، فاطمة زوجة أخيه أكمل ، إمرأة من البندر ، ذات جمال أخاذ ، وصوت ناعم كالعصفور الذي يغرد بأطيب الألحان .
فاطمة :
أنا آسفة يا حاج ، الكوباية وقعت مني ، وملحقتش ألمها ، كان التليفون بتاعي بيرن ، واتلهيت في الكلام مع الدكتورة صفية أختي .
كان فاطمة تقصد ذكر اسم أختها صفية ، تلك الفتاة التي عشقها زيد ولكنه لم يستطع أن يقف أمام العادات والتقاليد ويتزوجها ، لقد خشي من حديث الناس ، كيف لرجل ذو هيبة وسلطان على معظم أهل القرية أن يتزوج مرة أخري على زوجته من فتاة صغيرة في السن .
رضخ زيد لكلام والده الذي منعه من مجرد التفكير بها .
شرد زيد في صفية ، تلك الوردة الذي رواها من نبضات قلبه ، زهرة ولدت علي يديه ، وكان سببا في ازدهارها ، عشقها من كل قلبه ، كما عشقته هي ، قررت صفية التخلي عن كل شئ في سبيل الزواج به ، ولكنه كان ضعيف ، أضعف من أن يتنازل عن سيطرته وهيبته في سبيل سعادته .
لاحظت زينب شرود زوجها عند ذكر اسم صفية ، لقد انفطر قلبها فهي تعلم بقصة الحب التي جمعت بينهما ، وكانت سببا في تفريق العائلة لسنوات ، لقد تركته زينب لأكثر من عامين ، ولم تعد إلا عندما ذهبت تلك الحية الصفراء عن المنزل ، ظلت تلوح زينب أمام عين زيد حتي انتبه لها ، قال بصوت رخيم تشوبه نبرة حانية وهو ينظر إلي فاطمة تؤام محبوبته :
خلاص يا صفية حصل خير .
انتبهت زينب إلي خطئه ، قالت له بصوت حاد :
دي فاطمة يا حاج ، خلي بالك ، اللي واخد عقلك . .
شعر زيد بالاحراج ، ظل ينظر إلي الفراغ بدون أي هدف ،ثم تركهما وذهب ، كانت فايا تنظر إليه بعيون زائغة متوترة ، لا تصدق ما حدث للتو بين والدتها وعمها ، خرجت فايا من مخبأها عندما تأكدت ذهاب عمها .
كانت زينب في قمة غضبها ، بركان ثائر بداخلها ينذر بانفجار حممه وانتشارها عي كل مكان تحرق كل من تلتقي معه .
نظرت زينب إلي فايا بغضب ، ففي نظرها أن فايا هي سبب في ما حدث منذ الآن .
أمسكت زينب فايا من شعرها الذهبي الطويل الذي يتشابه مع شعر خالتها صفية ، وجذبتها منه بعنف ، لم تستمع إلى توسلات فاطمة التي تترجاها أن تترك الفتاة ، ولكنها كانت كالأنعام لا تسمع ، ولا تفهم ، ظلت تض*ب فايا التي تحملت ولم تلفظ لفظا خارجا واحدا كما كانت تفعل سابقا ، لم تندهش مما فعلته زينب ،فهذا المشهد هو مشهد مكرر بالنسبة لها ، يكاد يحدث كل يوم ، لم تستطع والدتها إنجادها ، دخل مصطفى في تلك اللحظة ،وجد والدته تمسك بفايا وتدفعها أرضا ، سقطت فايا على الزجاج الم**ور ، انجرحت يدها ، ونزفت الدم بغزارة ، شهقت والدتها بصوت عالي ،وظلت تبكي خوفا عليها . .
حملها مصطفى ثم صعد إلى غرفته ، تبعته والدتها هي الأخرى ، خيط مصطفى الجرح بعد أن نظفه وطهره ، قام بربطه بقليل من الشاش ، استمرت فايا في **تها ، لم تتحدث ولم تتمرد كما تفعل دائما ، استغرب الجميع حالتها تلك ، ظن مصطفى أن شيئا قد حدث ، سألها ولكنها لم تجاوبه ، ذهبت فايا وعادت إلى غرفتها بعد أن انتهى مصطفى من خياطة الجرح . .
لم تذهب فايا إلى المدرسة يومين كاملين ، ظلت جالسة في المنزل تدرس بجد ، عندما شعرت فايا بتحسن حالة يدها ، قررت الذهاب إلي المدرسة ،ولكنها تفاجأت بغياب رغد هذا اليوم ، سألت فايا عن مستر نبيل ،أخبرتها الفتيات أنه لم يأتي إلي المدرسة منذ يومين ، انتهي اليوم الدراسي ، وخرجت فايا كي تعود إلى المنزل ، كانت تشعر بالسعادة بدون أي سبب ، كانت تسير في الطريق وهي تغني ، وترقص ، لم تنتبه لذلك الرجل الذي كان يراقبها ويتأمل تحركاتها التي أثارته ، دخل الرجل مسرعا إلي الكوخ ، وأخبر أصدقائه عن تلك الفتاة .
الرجل الأول :
أما أنا جايب لكم حتى خبر مش هتصدقوه .
الرجل الثاني :
قول يا خوي ، لما نشوف .
الرجل الأول :
فيه حتة بنت إنما أيه قمر ، شعرها طويل ولونه أصفر كيف أشعة السمس ، لأ وكمان مش لابسة هدوم ، ذراعها عريانة .
الرجل الثالث :
بس يا واد أنت شكلك اتسطلت بدري ، ومين في البلد هنا بتمشي خالعة رأسها وكمان ذراعتها باينة ، أنت أكيد الحشيش عمل عمايله معاك بدري .
الرجل الأول :
طيب قوم هم بسرعة وأخرج شوفها ، قبل ما تمشي .
الرجل الثالث والثاني في صوت واحد :
طيب يلا لما نشوف ، خرجوا جميعا ،جحظت عيونهم جميعا وهو ينظرون إليها برغبة وإثارة .
الرجل الأول :
هم يا ولد منك ليه ، عشان نلحق نمسكها ونجبها الكوخ قبل ما حد يشوفنا .
جري الجميع خلفها ، انتبهت فايا هي الأخرى لهم ، ازدادت دقات قلبها من شدة الخوف ، لم تفكر كثيرا ، ظلت تجري وهم يلحقونها حتى كادوا أن يمسكونها ، لولا وجود سيارة آتية من بعيد ، كان ذلك مصطفى انتهي من العمل في المستشفى فهو في السنة النهائية لكلية الطب ، توقف مصطفى بالسيارة ، ثم ترجل منها وظل يلكم الرجال حتى فروا من أمامه كالأطفال .
أقترب مصطفى من فايا ، نظر إليها بغضب ثم قال لها بعنف :
أيه اللي أنت عاملاه في نفسك ده ، ليه خلعتي البلوزة بتاعتك ، وماشية في الطريق عريانة .
فايا :
أصل الجو حر قوي ، وأنا بصيت ملقتش حد ، قولت هخلع البلوزة ولما أقرب من البلد هلبسها تاني .
اندفع مصطفى ثم قال بغضب شديد :
ممكن أعرف أنت هتفضلي كده لحد أمتى ، امتى هتتخلصي من أنانيتك وكبريائك ، وتعرفي إن الله حق واللي بتعمليه ده غلط ها .
فايا بنرفزة :
أنا مسمحلكش تتكلم معايا بالطريقة دي .
أقترب منها مصطفى ثم أمسكها من ذراعها ، ضغط عليه بقوة ثم قال :
ما تحطي واطي شوية بقى ، أنت ليه مش مقدرة الموقف اللي أنت فيه ، أنا لو اتأخرت شوية كان زمانهم اعتدوا عليكي ولا زمانك مقتولة دلوقتي أنا مش عارف أنت بتفكري في أيه ، تركته ثم صعدت إلى السيارة بدون حديث ،توجه هو الآخر ، أدار محرك السيارة ، ثم قادها ولكنه لم يتجه إلى المنزل ولكنه أخذها بعيدا كي يتحدث معها ، ظلت تتحدث بضجر فهي تريد العودة إلى المنزل ولكنه أبى ، أوقف السيارة أمام أحد الكافيهات ،طلب منها الترجل ، فعلت بغضب ، جلست فايا على الكرسي ، ثم قالت له بضجر :
إخلص يا مصطفى ، قول اللي انت عايزه بسرعة ، أنا مش فاضية .
ابتلع مصطفى ريقه بصعوبة ثم قال لها بصوت مهزوز خائف من الرفض . .
يا ترى مصطفى كان عايز فايا في أيه .
ده اللي هنعرفه الفصل اللي جاي .
أتمنى لكم قراءة ممتعة .
دمتم بخير وعافية .