الفصل الأول
في السكن الجامعي دلفت إلى الغرفة المشتركة لفتاتين, وأيقظت تلك الفتاة النائمة بهمس..
نظرت إليها الفتاه بدهشة؛ لكنها أشارت إليها بصرامة آمرة بالخروج, عيناها تتوعداها إذا اعترضت..
نهضت الفتاه بحنق, تخرج صاغرة مغلقةً الباب خلفها..
تحركت إتجاه "تمارا" النائمة, وضوء الغرفة الخافت مضاء كالعادة, جلست تتطلع إليها بعينين لامعتين..
شعرت "تمارا" بمن يتسطح بجوارها من الخلف, يد تمتد لتتلمس بشرة ذراعها العاري برقة, ثم ارتفعت اليد لتلامس وجنتها, أنفاس حارة تداعب وجهها, قبلة ناعمة تلتها قبلات كرفرفات الفراشة..
فتحت عينيها بتثاقل تتململ في نومها, ونظرت للفراش الآخر؛ لكنه كان فارغ..
رمشت بعينيها تحاول الإستيقاظ, عقدت حاجبيها بإستغراب, تشعر باليد تتحرك بحميمية على جسدها؛ فنظرت بطرف عينها من فوق كتفها..
لتنتفض ناهضة مبتعدة, تهتف بذهول متحشرج من أثر النوم:" روز!.. ماذا تفعلين هنا؟.."
ابتسمت روز تنظر إليها بنظرات متفحصة لمنامتها الرقيقة المكونة من قميص بحملات, وبنطال يكاد يلامس ركبتيها، تقول متن*دة بنعومة:" آسفة عزيزتي لم أقصد إيقاظكِ.."
نظرت إليها بريبة, تبتلع ريقها, متسائلة بتحفز:" ماذا تفعلين هنا؟.. وأين ذهبت كوردينيا؟.."
تمطت "روز" بتكاسل ولازالت على ثغرها نفس الإبتسامة، قائلة بهدوء:" لقد أخرجتها من الغرفة.."
_لماذا؟..
_أريدكِ تمارا..
نظرت إليها تمارا ببلاهة, مرددة:" تريدينني؟!.."
أومأت برأسها تعتدل, تنهض متحركة بخطوات متمهلة إتجاه "تمارا" قائلة بنبرة لاهثة بنبرة غريبة:" أجل أريدكِ عزيزتي.."
واقتربت تلامس ذراع تمارا مرة أخرى تدور حولها,
مكملة بهمس أجش:" أريدكِ فأنا أحلم بكِ منذ أن رأيتكِ.. واعدت الكثير من الفتيات, لكنكِ مختلفة.. أريدكِ.."
ثم وقفت أمامها, ودنت منها محاولة تقبيلها..
انتفضت مبتعدة للخلف, عيناها تتسعان بذهول, قائلة بإنشداه كمن يقرر واقعًا:" يا إلهي أنتِ شاذة!.."
ابتسمت وقالت مصححة بخفوت ولا مبالاة:" تستطيعي تسميتها كما تشائين.. أنتم العرب تسموه شذوذ؛ لكنها حرية شخصية.. فنحن ببلد منفتح عزيزتي.."
زمت شفتيها بغضب ها قد عدنا.. تلك النظرة للعرب على أنهم متخلفين رجعيين, وأن تلك القذارة التي يعيشون فيها هي الحرية واﻹنفتاح..
نظرت إليها بإشمئزاز, وأردفت بتقزز:" إن كانت تلك هي الحرية فلا نريدها.. مارسي حريتكِ بعيدًا عني.."
وأشارت إلى باب الغرفة آمرة:" هيا اخرجي من هنا.."
تهادت روز بخطواتها تقترب أكثر منها, قائلة بدلال وقوة متسلطة:" هل تظنين أنني سأترككِ.. وقد أعجبتني!.. لا عزيزتي فأنا أحصل على ما أريد.."
احتقن وجه تمارا, وهدرت بغضب:" وهل تظنين أنني سأرضخ لكِ؟!.. مخطئة.. هيا انقلعي من الغرفة قبل أن أطلب لكِ الأمن.."
أظلمت عينا روز واكفهر وجهها؛ فلا أحد يعاملها بتلك الطريقة أبدًا.. عائلتها معروفة, لها مكانتها بل لهم أسهم بالجامعة, السكن تحت أيديهم من تلك الفتاة التي ترفضها.. بل عربية تنظر لها بعنجهية..
زفرت نفسًا حانقًا، وقالت بهدوء رغم غضبها:" حسنًا تمارا أعلم أنكِ متفاجئة ولكن لا بأس سأصبر عليكِ حتى تليني.."
ثم تغيرت نبرتها لقوية محذرة:" لكن اعلمي أنكِ تحت أنظاري.. وكل من هنا يعمل رهن إشارتي.. لا تغضبيني وإلا ستندمين.."
ابتسمت إبتسامة جانبية مرسلة قبلة لها في الهواء, فتحت باب الغرفة وخرجت..
لتجد كوردينيا مستندة على الجدار تقاوم النعاس, وما أن رأتها اعتدلت.. حدجتها روز بنظرة غاضبة, وقالت آمرة:" ادخلي وإياكِ أن تخبري أحدًا عما حدث.."
أومأت برأسها بإذعان ثم دلفت إلى الغرفة؛ لتجد تمارا تقف بمنتصف الغرفة تلهث بإنفعال, وعلى وجهها أمارات الغضب، وما إن رأتها حتى..
عنفتها بعصبية:" كيف تسمحين بذلك كوردينيا؟.. لِمَ خرجتِ من الغرفة وتركتني معها؟.. لِمَ لم تنبهينني؟.."
زمت كوردينيا شفتيها بإمتعاض، وتحركت نحو فراشها تجلس عليه, قائلة:" لم أعرف تمارا.. لقد دلفت وأيقظتني.."
حدجتها بنظرات مستاءة, وقالت مستنكرة:" وأنتِ رضختِ لها!.."
أطرقت برأسها, مهمهمة بخفوت:" إنها روز سيرمان عزيزتي.. لا أحد يستطيع قول لا.. أو الإعتراض على أوامرها.."
زمت تمارا شفتيها تجذ على أسنانها بغضب، قائلة ترفع رأسها بإيباء وشموخ:" لست أنا من ترضخ لتلك الحقيرة.. سأريها.."
تن*دت كوردينيا بتثاقل، وقالت بقلة حيلة:" افعلي ما تريدين، ولكن ابعديني عن هذا الأمر.."
اتسعت عيناها, تفغر فاها, مرددة بذهول:" ابعدكِ عن اﻷمر!.."
ثم تسائلت بترقب:" وماذا إن أبلغت عنها؟.. ألن تشهدي معي؟.."
تسطحت على الفراش وأولتها ظهرها، قائلة بسلبية ولا مبالاة:" لا لن أشهد.. حلي مشاكلكِ بنفسكِ.."
والتفت برأسها محذرة:" ولكن احذري.. فروز وضعتكِ برأسها, ولن تتوانى عن فعل أي شيء حتى تصل إليكِ.. تصبحين على خير.."
نظرت تمارا لظهرها بعينين متسعتين، تهز رأسها بعدم تصديق؛ لكن هكذا هم الغرب لا يتدخلوا فيما لا يعنيهم, كل يحل مشاكله بنفسه..
حمدت الله أن مجتمعها الشرقي ع** ذلك.. حتى وإن كان به بعض المساوئ والسلبيات؛ لكن لا أحد يجاهر بالفواحش..
ما أن يقع أحد بمشكلة حتى تهب ألف يد لمساعدته, ويكونوا خير العون..
كان مجتمعها الشرقي بنظرها كشمس مضيئة تشعر بالفخر منه؛ ربما لأنها عايشت المجتمع الغربي في سنوات دراستها الأخيرة، وقارنت بينهما ووجدت فضله عليها.. كم تشتاق للعائلة واﻹحتواء..
اﻹحتواء!.. ضحكت داخلها بسخرية مريرة.. أي إحتواء تتحدث عنه؟.. ذلك كان بالماضي البعيد..
********
بعد يومين دلفت "تمارا" إلى الغرفة لتجد فتاة أخرى تجلس على الفراش بالغرفة, وترتدي من الثياب ما لا يستر, تنظر إليها من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها نظرة تقييمية لا تخلو من الإستخفاف..
عقدت حاجبيها، وتسائلت بتوجس:" من أنتِ؟.. وماذا تفعلين هنا؟.."
لوت الفتاة شفتيها للجانب, وقالت بلامبالاة: " أنا رفيقتكِ الجديدة.. كوردينيا تم نقلها.."
اتسعت عينا تمارا بدهشة، ثم تسائلت بترقب:" بأمر من؟.."
_أظنكِ تعرفين جيدًا..
أظلمت عيناها وقد فهمت مغزي الحديث.. ليس سواها "روز".. حذرتها كوردينيا أنها وضعتها برأسها, ولن تتوانى عن الوصول إليها، لكن ليست "تمارا" من ترضخ, أو تخاف من أحدهم..
اقتربت بخطوات واثقة من الفتاة، وانحنت مواجهة لها, قائلة بتشديد بطيء, عيناها تكادا تحرقاها غضبًا وإزدراءً:" اخبري من أرسلتكِ، أنني لن أذعن لها.. ومهما فعلت لن تستطيع أن تقترب مني.."
ثم قلبت شفتها السفلى تنظر إليها نظرة تقييمية مشمئزة, ثم ابتعدت عنها تجمع بعض أغراضها، ترحل من الغرفة صافعة الباب خلفها بعنف..
تن*دت الفتاة تلوي شفتيها بإمتعاض, متمتمة بحنق وعدم رضا:" ماذا بتلك العربية تعجبها لكي تفعل ما تفعله؟.."
*********
صراخ وبكاء صغيرة تحاول جاهدة الوصول إليه؛ لكن يد صارمة تمسك بذراعها تمنعها، وفتى آخر يقف متوارٍ يبكي ب**ت, يرتجف لا يستطيع الإقتراب أو الحديث.. من ذلك الساقط أرضًا أسفل السلم ينظر إليهم بعينين دامعتين, ونظرات متظلمة، يحاول جاهدًا الحديث ولكن..
صوت أحدهم الهادر بقسوة:" لن أستمع منك كلمة واحدة.."
ينظر إليه من علوه بنظرات محتقرة:" أمثالك مكانهم أسفل أرجلنا.. انقلع ولا ترني وجهك مرة أخرى.."
رفع عينيه ينظر للصغيرة التي تحاول الإفلات بشراسة، وقال بنبرة مختنقة مدافعًا بضعف:" أقسم لك لم أفعلها.. استمع إليّ أرجوك.."
هدر الصوت مجددًا بعنف آمرًا:" اخرجوه من هنا.. لا أريد رؤيته أبدًا.. ثم أكمل بتوعد.. سأريك.. أقسم أن أجعلك تندم, وترى العذاب لما فعلت.."
ثم أيادي تسحبه وترميه خارجًا، وصوت الطفلة يصل إلى مسامعه تصرخ بإسمه:" سهيييييييييل.."
انتفض من نومه ينظر حوله بإرتياع, وتشوش يتصبب عرقًا، ثم هدأ تدريجيًا, وأغمض عينيه يبتلع ريقه بصعوبة، يأخذ نفسًا عميقًا, ثم يزفره..
تطلع للساعة المعلقة على الجدار أمامه ليجدها الواحدة مساءً.. حرك رقبته يمينًا ويسارًا بألم خفيف، صداع يعصف برأسه؛ يبدو أنه أكثر الشرب ليلة أمس, وعاد إلى المنزل بعد قضاءه ليلة مع إحداهن..
نهض ودلف إلى حمامه ونزع ثيابه، ووضع نفسه أسفل المياه الباردة علها تخفف مما يشعر به.. و شرد بحلمه؛ هاقد عاد كابوسه مرة أخرى منذ مده لم يحلم به، لكنه عاد ليطارده مره أخرى..
مط شفتيه للجانب بحنق، أغلق المياه, يخرج من الحمام يرتدي ثيابه, ينظر نظرة تقييمية لنفسه بالمرآة, وهو يعدل خصلة من شعره بأصابع يده، يبتسم بغرور ورضا لهيئته..
"سهيل رشدان" صائد النساء المخضرم الملقب "بالصياد"..
ولِمَ لا!.. فبهيئته الوسيمة وجسده المتناسق النحيف، وطوله المناسب ليس الفارع ولا القصير..
نظرته الو**ة, إبتسامته الجانبية من تستطيع مقاومته..
ضحك بسخرية بداخله.. كلهن فاسقات ينجذبن للرجال بدون تفكير, لا يهمهن سوى المال أو المظهر.. أو الشهوة.. ويعيبون على الرجل إذا كان زير نساء.. والنساء هن الضحية..
ضحية خبيثة كفريسة تجذب الصياد بإستفزاز لصيدها, ولا تبذل أي جهد للمقاومة..
ابتسم بإغواء وغمز لنفسه بالمرآه.. وتناول متعلقاته, وخرج من غرفته هم بالذهاب لعمله؛ لكنه لمح ضوء غرفتها مضاء..
عقد حاجبيه وتسائل عما تفعله هنا!.. من المفترض أن تكون بجامعتها..
زفر بحنق شديد وإتجه إلى الغرفة يهم بالدخول؛ لكن توقفت يده على مقبض الباب يعتصره بعنف، يستمع إلى صوتها الحانق المتذمر وحديثها الذي جعل عيناه السوداوين تتزدادان قتامةً كعتمة بئر ساحق لم يرى قاعه الضوء أبدًا..
*****************
على الهاتف كانت "تمارا" تحادث صديقتها "فيبي" تخبرها بما حدث من "روز" وتغيير رفيقتها بالسكن, وتوعد "روز" لها..
حيث أن "فيبي" قد مرت على "تمارا" بغرفتها بعد الدوام ولم تجدها..
فتسائلت فيبي:" ولِمَ رحلتِ تمارا؟.."
زفرت بنفاذ صبر, وقالت:" ألم تستمعي كلمة مما قلته لكِ فيبي؟.. تلك الحقيرة تتقرب مني.. ولا تريد تركي بحالي.."
أومأت برأسها متفهمة, لكنها قالت بتريث:" أفهم عزيزتي, ولكن مافعلته يسمى هروب.. وسيوضح لها خوفكِ.."
عقدت حاجبيها بحنق وانحنى كتفاها, هاتفة بتذمر:" أعلم.. أعلم فيبي.. ولكن عليّ أن أفكر فيما سأفعله مع تلك ال......."
واقشعر جسدها بصورة ملحوظة, تكمل بتقزز:" أقسم لكِ أنني أشعر بالتقزز والغثيان كلما تذكرت لمستها على ذراعي.. لكن عليّ التفكير جيدًا.."
مطت فيبي شفتيها للجانب, تحرك حدقتيها بتفكير:" امممم.. معكِ حق؛ فهي روز سيرمان.."
هتفت بجدية تنتصب بشموخ, تفرد جسدها كقوس مشدود الوتر, ورفعت سبابتها:" أنا لست خائفة منها.. كل ما في الأمر أنني أريد أن أفكر دون تهور.. وإلا سأقوم بنتف شعرها وألقنها درسًا لن تنساه أبدًا.."
ضحكت بمرح, تهز رأسها موافقة, قائلة بتسلية:" نعم.. نعم.. هاقد ظهرت نزعتِ المجنونة.. و....."
قطع حديثها صوت أحدهم يتحدث خارجًا..
لذلك عادت تهمس لتمارا بتبرم:" حسنًا تمارا سأحدثكِ فيما بعد.. فيبدو أن سبب معاناتي قد وصل.."
ضحكت تمارا, قائلة تحرك حاجبيها بتسلية ماكرة:" ااااه.. أتقصدين جيك!.. لا بأس.. سأترككِ الآن.."
زمت شفتيها بإمتعاض, وقالت بفظاظة مضحكة:" وهل هناك بلاء غيره؟.. وداعًا.."
وتن*دت بتثاقل منهية الحديث والتفتت لتنظر خلفها لتجده..
يقف ينظر إليها برفعة حاجب, عينان زرقاوان بترقب, متسائلاً بفظاظة:" خيرًا آنسة فيبي.. هل هناك مشكلة؟.. يبدو أنكِ مستاءة من شيء ما.. "
ابتسمت إبتسامة صفراء, وقالت بنبرة هادئة متهكمة:" بالطبع لا سيد جيك.. فهل من يعمل هنا سيجد مشكلة؟.."
ابتسم جيك بتسلية, قائلاً بنبرة رقيقة مصطنعة:" مايهمنا هنا راحة العاملين.. وأنا يهمني شخصيًا راحتكِ.. فهل هناك ما يزعجكِ؟.. خاصةً وأنني سمعت أن هناك من هو سبب معاناتكِ.."
نظرت إليه فيبي بوجوم تود لو تض*به بأي شيء أمامها؛ لتنزع تلك الإبتسامة السمجة عن وجهه..
يسألها ماهو سبب معاناتها؟.. حسنًا ماذا لو قالت له أنه إنسان سمج، مستفز، مثير للأعصاب؛ يكاد يصيبها بإرتفاع في ضغط الدم.. يتفنن في إثاره غيظها وحنقها..
وما يثير غضبها أنه مرح, متواضع مع الجميع؛ إلا معها هي.. يتعمد إلقاء المهام على عاتقها, يوبخها إذا أخطأت..
عندما أطالت النظر إليه؛
هتف جيك بنبرة جافة آمرة:" إذا كنت قد أنهيت النظر إليّ فعودي إلى عملكِ.."
اقترب منها يميل إلى أذنها, هامسًا بتحذير:" كفي عن الشكوى لتمارا، فهي لن تستطيع فعل شيء لكِ.. إلا إذا أردتِ الإنتقال إلى عمال الإستقبال.. ولا تنسي قهوتي"
واستقام منتصبًا وتحرك ناحية مكتبه بإبتسامة واسعة متسلية, يكاد ينفجر ضحكًا على منظرها الحانق..
************
في غرفة "تمارا" ما إن أنهت المكالمة, حتى أجفلت منتفضة بمفاجأة حين وجدت الباب يفتح بعنف، وسهيل يدلف بهيئة غاضبة,
متسائلاً بعصبية:" ماذا تفعلين هنا؟.."
نظرت إليه بتوجس وأعين متسعة تبتلع ريقها بصعوبة، ثم استجمعت قوتها,
هاتفة بفظاظة حانقة:" وما شأنك أنت؟.. أليس منزلي كما هو منزلك!.."
اقترب منها خطوات بطيئة, عيناه تطلقان شررًا؛ جعلها تتراجع للخلف بخوف تحاول مداراته، هامسًا بنبرة مخيفة:" ألم أخبركِ من قبل ألا تأتي إلى هنا دون سابق إنذار؟.."
ثم هدر بجنون:" أنا بمفردي هنا أيتها الحمقاء.."
عقدت حاجبيها, تنظر إليه بقلق، ثم قالت بنبرة متريثة كمن يخاطب طفلاً صغيرًا:" لست بمفردك بالمعنى الحرفي.. هناك مدبرة المنزل.. وأيضا أنت لن تأكلني.."
جذ على أسنانه بغضب, يكور قبضتيه بقوة حتى ابيضت مفاصل أصابعه, وقال من بين أسنانه آمرًا:" سأخرج الآن وأعود لأجدكِ عدتِ إلى سكنكِ الجامعي.. لا أريد أن أرى وجهكِ هنا.. سمعتي.." ثم خرج مسرعًا وكأن الشياطين تطارده..
نظرت بتبرم إلى الباب حيث خرج, تتن*د بأسى حيث كان منظرها كطفل وبخ لتوه..
لا تفهم سبب غضبه منها كلما رأها، ماذا فعلت له ليعنفها؟.. دومًا "سهيل" هكذا..
منذ ما حدث وغيابه تلك السنوات, وبعدها عودته تحول إلى ذلك الشخص البغيض.. زفرت بيأس،
ثم ابتسمت برقة وهي تستمع إلى رنين هاتفها ونغمته المميزة، نظرت لشاشة هاتفها لتطالعها صورة لوجه دافئ, عينان بهما حنان ورقة، أمسكت به وضغطت زر الرد..
ليصلها صوته الهاديء برفق:" كيف حال الصغيرة اليوم؟.."
ابتسمت بإشراق, وقالت برقة:" بخير عمار.. اشتقت إليك.."
ضحك عمار بخفوت, وقال بمرح:" حسنًا أيتها الصغيرة حضري نفسكِ فهناك مفاجأة سارة.. وصل بعد انتظار.."
قفزت تمارا تهتف بعدم تصديق, وسعادة جلية:" حقا عمار؟!.."
أومئ بسعادة, وقال:" أجل عزيزتي.. هيا سأمر عليكِ بعد قليل لتريه.."
أومأت برأسها سريعًا, وقالت بلهفة:" حسنًا..حسنًا.. دقائق وأكون جاهزة.. أنا بالمنزل مر عليّ.."
عقد حاجبيه بإستغراب, وتسائل بتعجب:" بالمنزل!.. ماذا تفعلين هناك؟.."
هتفت سريعًا منهية الحديث:" سأخبرك فيما بعد.. وداعًا الآن لأحضر نفسي.."
ابتسم برقة, وقال بهدوء:" حسنًا.. أراكِ فيما بعد.."
******************
في السيارة كان غضبه يكاد يعميه عن الطريق، أمسك هاتفه وعبث بأرقامه ليجد مبتغاه؛ يضغط زر الإتصال ليأتيه الرد بعد عدة لحظات..
جيك بنبرة مرحة:" مرحبا سهيل.. هل لازلت نائمًا حتى الآن؟.."
أتى صوت سهيل بشراسة آمرة:" جيك أريدك أن تحضر لي عنوان فتاه تدعي * روز سيرمان*.."
ضحك بتسلية, وقال بترقب:" ماذا أيها الصياد؟.. هل هي فريسة جديدة؟!.."
صرخ بجنون؛ جعل جيك يجفل بإرتياع:" كف عن الحديث, وابدأ بالبحث حالاً.. أريد مكانها فورًا.."
ابتلع جيك ريقه بتوتر, وقال بقلق:" حسنًا اهدأ، نصف ساعة, وستجد العنوان.."
أغلق "سهيل" الهاتف ينظر أمامه بنظرات مخيفة ينتظر؛ وكأنه على آتون مشتعل يقود سيارته بلا وجهة, وبعد بعض الوقت تلقى اتصالاً من "جيك" يخبره العنوان.. لينطلق سريعًا إليه..
بعد عشر دقائق كان يقف أمام الباب, يدق الجرس بإلحاح؛ لتفتح الباب فتاه ترتدي ثوب فاضح, تتسائل بحنق:" ماذا هناك؟.. من أنت, وماذا تريد؟.."
تسائل سهيل بهدوء مخيف:" هل أنتِ روز سيرمان؟.."
تأففت الفتاة قائلة بإنزعاج, وكأنه قاطعها عن شيء ما:" لا.. لست هي.. هي بالداخل.. من أنت؟.."
نظر لها نظرة مرعبة, يقول وهو يدفعها بقسوة خارج المنزل ويدلف هو:" إذا ابقي خارجًا.." وأغلق الباب بوجهها المذهول من فعلته..
لتتدارك الأمر وتطرق الباب, صائحة بغضب:" هااااااي.. أنت افتح الباب.. ماذا تفعل؟.."
لم يعيرها إنتباه وتحرك إتجاه الصوت بالداخل الذي وصله متسائلاً:" من الطارق ملين.....؟.."
لكن قبل أن تكمل وجدت "سهيل" يقف أمامها ينظر إليها بقتامة,
متسائلاً بتحفز:" هل أنتِ روز سيرمان؟.."
نظرت إليه "روز" برفعة حاجب مترقبة, تجلس بأريحية على أريكتها الفاخرة، تنظر إليه من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه, قائلة بدلال:" أجل.. من أنت؟.. وماذا تريد؟.."
لكنها ارتاعت تتراجع في جلستها من مظهره المرعب الخطير؛ وهو يتحرك نحوها بخطوات فهد مفترس يحوم حول فريسته, وقد وقعت في فخه..
اندفع إليها "سهيل" يجذب شعرها بعنف جعلها تصرخ بخوف, يقول من بين أسنانه بشراسة مرعبة:" سنتعرف الآن جيدًا أيتها الوضيعة.. أنا سهيل رشدان.. ابن عم تمارا.."
*****************
#دموع_رسمها_القدرالمقدمة
في السكن الجامعي دلفت إلى الغرفة المشتركة لفتاتين, وأيقظت تلك الفتاة النائمة بهمس..
نظرت إليها الفتاه بدهشة؛ لكنها أشارت إليها بصرامة آمرة بالخروج, عيناها تتوعداها إذا اعترضت..
نهضت الفتاه بحنق, تخرج صاغرة مغلقةً الباب خلفها..
تحركت إتجاه "تمارا" النائمة, وضوء الغرفة الخافت مضاء كالعادة, جلست تتطلع إليها بعينين لامعتين..
شعرت "تمارا" بمن يتسطح بجوارها من الخلف, يد تمتد لتتلمس بشرة ذراعها العاري برقة, ثم ارتفعت اليد لتلامس وجنتها, أنفاس حارة تداعب وجهها, قبلة ناعمة تلتها قبلات كرفرفات الفراشة..
فتحت عينيها بتثاقل تتململ في نومها, ونظرت للفراش الآخر؛ لكنه كان فارغ..
رمشت بعينيها تحاول الإستيقاظ, عقدت حاجبيها بإستغراب, تشعر باليد تتحرك بحميمية على جسدها؛ فنظرت بطرف عينها من فوق كتفها..
لتنتفض ناهضة مبتعدة, تهتف بذهول متحشرج من أثر النوم:" روز!.. ماذا تفعلين هنا؟.."
ابتسمت روز تنظر إليها بنظرات متفحصة لمنامتها الرقيقة المكونة من قميص بحملات, وبنطال يكاد يلامس ركبتيها، تقول متن*دة بنعومة:" آسفة عزيزتي لم أقصد إيقاظكِ.."
نظرت إليها بريبة, تبتلع ريقها, متسائلة بتحفز:" ماذا تفعلين هنا؟.. وأين ذهبت كوردينيا؟.."
تمطت "روز" بتكاسل ولازالت على ثغرها نفس الإبتسامة، قائلة بهدوء:" لقد أخرجتها من الغرفة.."
_لماذا؟..
_أريدكِ تمارا..
نظرت إليها تمارا ببلاهة, مرددة:" تريدينني؟!.."
أومأت برأسها تعتدل, تنهض متحركة بخطوات متمهلة إتجاه "تمارا" قائلة بنبرة لاهثة بنبرة غريبة:" أجل أريدكِ عزيزتي.."
واقتربت تلامس ذراع تمارا مرة أخرى تدور حولها,
مكملة بهمس أجش:" أريدكِ فأنا أحلم بكِ منذ أن رأيتكِ.. واعدت الكثير من الفتيات, لكنكِ مختلفة.. أريدكِ.."
ثم وقفت أمامها, ودنت منها محاولة تقبيلها..
انتفضت مبتعدة للخلف, عيناها تتسعان بذهول, قائلة بإنشداه كمن يقرر واقعًا:" يا إلهي أنتِ شاذة!.."
ابتسمت وقالت مصححة بخفوت ولا مبالاة:" تستطيعي تسميتها كما تشائين.. أنتم العرب تسموه شذوذ؛ لكنها حرية شخصية.. فنحن ببلد منفتح عزيزتي.."
زمت شفتيها بغضب ها قد عدنا.. تلك النظرة للعرب على أنهم متخلفين رجعيين, وأن تلك القذارة التي يعيشون فيها هي الحرية واﻹنفتاح..
نظرت إليها بإشمئزاز, وأردفت بتقزز:" إن كانت تلك هي الحرية فلا نريدها.. مارسي حريتكِ بعيدًا عني.."
وأشارت إلى باب الغرفة آمرة:" هيا اخرجي من هنا.."
تهادت روز بخطواتها تقترب أكثر منها, قائلة بدلال وقوة متسلطة:" هل تظنين أنني سأترككِ.. وقد أعجبتني!.. لا عزيزتي فأنا أحصل على ما أريد.."
احتقن وجه تمارا, وهدرت بغضب:" وهل تظنين أنني سأرضخ لكِ؟!.. مخطئة.. هيا انقلعي من الغرفة قبل أن أطلب لكِ الأمن.."
أظلمت عينا روز واكفهر وجهها؛ فلا أحد يعاملها بتلك الطريقة أبدًا.. عائلتها معروفة, لها مكانتها بل لهم أسهم بالجامعة, السكن تحت أيديهم من تلك الفتاة التي ترفضها.. بل عربية تنظر لها بعنجهية..
زفرت نفسًا حانقًا، وقالت بهدوء رغم غضبها:" حسنًا تمارا أعلم أنكِ متفاجئة ولكن لا بأس سأصبر عليكِ حتى تليني.."
ثم تغيرت نبرتها لقوية محذرة:" لكن اعلمي أنكِ تحت أنظاري.. وكل من هنا يعمل رهن إشارتي.. لا تغضبيني وإلا ستندمين.."
ابتسمت إبتسامة جانبية مرسلة قبلة لها في الهواء, فتحت باب الغرفة وخرجت..
لتجد كوردينيا مستندة على الجدار تقاوم النعاس, وما أن رأتها اعتدلت.. حدجتها روز بنظرة غاضبة, وقالت آمرة:" ادخلي وإياكِ أن تخبري أحدًا عما حدث.."
أومأت برأسها بإذعان ثم دلفت إلى الغرفة؛ لتجد تمارا تقف بمنتصف الغرفة تلهث بإنفعال, وعلى وجهها أمارات الغضب، وما إن رأتها حتى..
عنفتها بعصبية:" كيف تسمحين بذلك كوردينيا؟.. لِمَ خرجتِ من الغرفة وتركتني معها؟.. لِمَ لم تنبهينني؟.."
زمت كوردينيا شفتيها بإمتعاض، وتحركت نحو فراشها تجلس عليه, قائلة:" لم أعرف تمارا.. لقد دلفت وأيقظتني.."
حدجتها بنظرات مستاءة, وقالت مستنكرة:" وأنتِ رضختِ لها!.."
أطرقت برأسها, مهمهمة بخفوت:" إنها روز سيرمان عزيزتي.. لا أحد يستطيع قول لا.. أو الإعتراض على أوامرها.."
زمت تمارا شفتيها تجذ على أسنانها بغضب، قائلة ترفع رأسها بإيباء وشموخ:" لست أنا من ترضخ لتلك الحقيرة.. سأريها.."
تن*دت كوردينيا بتثاقل، وقالت بقلة حيلة:" افعلي ما تريدين، ولكن ابعديني عن هذا الأمر.."
اتسعت عيناها, تفغر فاها, مرددة بذهول:" ابعدكِ عن اﻷمر!.."
ثم تسائلت بترقب:" وماذا إن أبلغت عنها؟.. ألن تشهدي معي؟.."
تسطحت على الفراش وأولتها ظهرها، قائلة بسلبية ولا مبالاة:" لا لن أشهد.. حلي مشاكلكِ بنفسكِ.."
والتفت برأسها محذرة:" ولكن احذري.. فروز وضعتكِ برأسها, ولن تتوانى عن فعل أي شيء حتى تصل إليكِ.. تصبحين على خير.."
نظرت تمارا لظهرها بعينين متسعتين، تهز رأسها بعدم تصديق؛ لكن هكذا هم الغرب لا يتدخلوا فيما لا يعنيهم, كل يحل مشاكله بنفسه..
حمدت الله أن مجتمعها الشرقي ع** ذلك.. حتى وإن كان به بعض المساوئ والسلبيات؛ لكن لا أحد يجاهر بالفواحش..
ما أن يقع أحد بمشكلة حتى تهب ألف يد لمساعدته, ويكونوا خير العون..
كان مجتمعها الشرقي بنظرها كشمس مضيئة تشعر بالفخر منه؛ ربما لأنها عايشت المجتمع الغربي في سنوات دراستها الأخيرة، وقارنت بينهما ووجدت فضله عليها.. كم تشتاق للعائلة واﻹحتواء..
اﻹحتواء!.. ضحكت داخلها بسخرية مريرة.. أي إحتواء تتحدث عنه؟.. ذلك كان بالماضي البعيد..
********
بعد يومين دلفت "تمارا" إلى الغرفة لتجد فتاة أخرى تجلس على الفراش بالغرفة, وترتدي من الثياب ما لا يستر, تنظر إليها من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها نظرة تقييمية لا تخلو من الإستخفاف..
عقدت حاجبيها، وتسائلت بتوجس:" من أنتِ؟.. وماذا تفعلين هنا؟.."
لوت الفتاة شفتيها للجانب, وقالت بلامبالاة: " أنا رفيقتكِ الجديدة.. كوردينيا تم نقلها.."
اتسعت عينا تمارا بدهشة، ثم تسائلت بترقب:" بأمر من؟.."
_أظنكِ تعرفين جيدًا..
أظلمت عيناها وقد فهمت مغزي الحديث.. ليس سواها "روز".. حذرتها كوردينيا أنها وضعتها برأسها, ولن تتوانى عن الوصول إليها، لكن ليست "تمارا" من ترضخ, أو تخاف من أحدهم..
اقتربت بخطوات واثقة من الفتاة، وانحنت مواجهة لها, قائلة بتشديد بطيء, عيناها تكادا تحرقاها غضبًا وإزدراءً:" اخبري من أرسلتكِ، أنني لن أذعن لها.. ومهما فعلت لن تستطيع أن تقترب مني.."
ثم قلبت شفتها السفلى تنظر إليها نظرة تقييمية مشمئزة, ثم ابتعدت عنها تجمع بعض أغراضها، ترحل من الغرفة صافعة الباب خلفها بعنف..
تن*دت الفتاة تلوي شفتيها بإمتعاض, متمتمة بحنق وعدم رضا:" ماذا بتلك العربية تعجبها لكي تفعل ما تفعله؟.."
*********
صراخ وبكاء صغيرة تحاول جاهدة الوصول إليه؛ لكن يد صارمة تمسك بذراعها تمنعها، وفتى آخر يقف متوارٍ يبكي ب**ت, يرتجف لا يستطيع الإقتراب أو الحديث.. من ذلك الساقط أرضًا أسفل السلم ينظر إليهم بعينين دامعتين, ونظرات متظلمة، يحاول جاهدًا الحديث ولكن..
صوت أحدهم الهادر بقسوة:" لن أستمع منك كلمة واحدة.."
ينظر إليه من علوه بنظرات محتقرة:" أمثالك مكانهم أسفل أرجلنا.. انقلع ولا ترني وجهك مرة أخرى.."
رفع عينيه ينظر للصغيرة التي تحاول الإفلات بشراسة، وقال بنبرة مختنقة مدافعًا بضعف:" أقسم لك لم أفعلها.. استمع إليّ أرجوك.."
هدر الصوت مجددًا بعنف آمرًا:" اخرجوه من هنا.. لا أريد رؤيته أبدًا.. ثم أكمل بتوعد.. سأريك.. أقسم أن أجعلك تندم, وترى العذاب لما فعلت.."
ثم أيادي تسحبه وترميه خارجًا، وصوت الطفلة يصل إلى مسامعه تصرخ بإسمه:" سهيييييييييل.."
انتفض من نومه ينظر حوله بإرتياع, وتشوش يتصبب عرقًا، ثم هدأ تدريجيًا, وأغمض عينيه يبتلع ريقه بصعوبة، يأخذ نفسًا عميقًا, ثم يزفره..
تطلع للساعة المعلقة على الجدار أمامه ليجدها الواحدة مساءً.. حرك رقبته يمينًا ويسارًا بألم خفيف، صداع يعصف برأسه؛ يبدو أنه أكثر الشرب ليلة أمس, وعاد إلى المنزل بعد قضاءه ليلة مع إحداهن..
نهض ودلف إلى حمامه ونزع ثيابه، ووضع نفسه أسفل المياه الباردة علها تخفف مما يشعر به.. و شرد بحلمه؛ هاقد عاد كابوسه مرة أخرى منذ مده لم يحلم به، لكنه عاد ليطارده مره أخرى..
مط شفتيه للجانب بحنق، أغلق المياه, يخرج من الحمام يرتدي ثيابه, ينظر نظرة تقييمية لنفسه بالمرآة, وهو يعدل خصلة من شعره بأصابع يده، يبتسم بغرور ورضا لهيئته..
"سهيل رشدان" صائد النساء المخضرم الملقب "بالصياد"..
ولِمَ لا!.. فبهيئته الوسيمة وجسده المتناسق النحيف، وطوله المناسب ليس الفارع ولا القصير..
نظرته الو**ة, إبتسامته الجانبية من تستطيع مقاومته..
ضحك بسخرية بداخله.. كلهن فاسقات ينجذبن للرجال بدون تفكير, لا يهمهن سوى المال أو المظهر.. أو الشهوة.. ويعيبون على الرجل إذا كان زير نساء.. والنساء هن الضحية..
ضحية خبيثة كفريسة تجذب الصياد بإستفزاز لصيدها, ولا تبذل أي جهد للمقاومة..
ابتسم بإغواء وغمز لنفسه بالمرآه.. وتناول متعلقاته, وخرج من غرفته هم بالذهاب لعمله؛ لكنه لمح ضوء غرفتها مضاء..
عقد حاجبيه وتسائل عما تفعله هنا!.. من المفترض أن تكون بجامعتها..
زفر بحنق شديد وإتجه إلى الغرفة يهم بالدخول؛ لكن توقفت يده على مقبض الباب يعتصره بعنف، يستمع إلى صوتها الحانق المتذمر وحديثها الذي جعل عيناه السوداوين تتزدادان قتامةً كعتمة بئر ساحق لم يرى قاعه الضوء أبدًا..
*****************
على الهاتف كانت "تمارا" تحادث صديقتها "فيبي" تخبرها بما حدث من "روز" وتغيير رفيقتها بالسكن, وتوعد "روز" لها..
حيث أن "فيبي" قد مرت على "تمارا" بغرفتها بعد الدوام ولم تجدها..
فتسائلت فيبي:" ولِمَ رحلتِ تمارا؟.."
زفرت بنفاذ صبر, وقالت:" ألم تستمعي كلمة مما قلته لكِ فيبي؟.. تلك الحقيرة تتقرب مني.. ولا تريد تركي بحالي.."
أومأت برأسها متفهمة, لكنها قالت بتريث:" أفهم عزيزتي, ولكن مافعلته يسمى هروب.. وسيوضح لها خوفكِ.."
عقدت حاجبيها بحنق وانحنى كتفاها, هاتفة بتذمر:" أعلم.. أعلم فيبي.. ولكن عليّ أن أفكر فيما سأفعله مع تلك ال......."
واقشعر جسدها بصورة ملحوظة, تكمل بتقزز:" أقسم لكِ أنني أشعر بالتقزز والغثيان كلما تذكرت لمستها على ذراعي.. لكن عليّ التفكير جيدًا.."
مطت فيبي شفتيها للجانب, تحرك حدقتيها بتفكير:" امممم.. معكِ حق؛ فهي روز سيرمان.."
هتفت بجدية تنتصب بشموخ, تفرد جسدها كقوس مشدود الوتر, ورفعت سبابتها:" أنا لست خائفة منها.. كل ما في الأمر أنني أريد أن أفكر دون تهور.. وإلا سأقوم بنتف شعرها وألقنها درسًا لن تنساه أبدًا.."
ضحكت بمرح, تهز رأسها موافقة, قائلة بتسلية:" نعم.. نعم.. هاقد ظهرت نزعتِ المجنونة.. و....."
قطع حديثها صوت أحدهم يتحدث خارجًا..
لذلك عادت تهمس لتمارا بتبرم:" حسنًا تمارا سأحدثكِ فيما بعد.. فيبدو أن سبب معاناتي قد وصل.."
ضحكت تمارا, قائلة تحرك حاجبيها بتسلية ماكرة:" ااااه.. أتقصدين جيك!.. لا بأس.. سأترككِ الآن.."
زمت شفتيها بإمتعاض, وقالت بفظاظة مضحكة:" وهل هناك بلاء غيره؟.. وداعًا.."
وتن*دت بتثاقل منهية الحديث والتفتت لتنظر خلفها لتجده..
يقف ينظر إليها برفعة حاجب, عينان زرقاوان بترقب, متسائلاً بفظاظة:" خيرًا آنسة فيبي.. هل هناك مشكلة؟.. يبدو أنكِ مستاءة من شيء ما.. "
ابتسمت إبتسامة صفراء, وقالت بنبرة هادئة متهكمة:" بالطبع لا سيد جيك.. فهل من يعمل هنا سيجد مشكلة؟.."
ابتسم جيك بتسلية, قائلاً بنبرة رقيقة مصطنعة:" مايهمنا هنا راحة العاملين.. وأنا يهمني شخصيًا راحتكِ.. فهل هناك ما يزعجكِ؟.. خاصةً وأنني سمعت أن هناك من هو سبب معاناتكِ.."
نظرت إليه فيبي بوجوم تود لو تض*به بأي شيء أمامها؛ لتنزع تلك الإبتسامة السمجة عن وجهه..
يسألها ماهو سبب معاناتها؟.. حسنًا ماذا لو قالت له أنه إنسان سمج، مستفز، مثير للأعصاب؛ يكاد يصيبها بإرتفاع في ضغط الدم.. يتفنن في إثاره غيظها وحنقها..
وما يثير غضبها أنه مرح, متواضع مع الجميع؛ إلا معها هي.. يتعمد إلقاء المهام على عاتقها, يوبخها إذا أخطأت..
عندما أطالت النظر إليه؛
هتف جيك بنبرة جافة آمرة:" إذا كنت قد أنهيت النظر إليّ فعودي إلى عملكِ.."
اقترب منها يميل إلى أذنها, هامسًا بتحذير:" كفي عن الشكوى لتمارا، فهي لن تستطيع فعل شيء لكِ.. إلا إذا أردتِ الإنتقال إلى عمال الإستقبال.. ولا تنسي قهوتي"
واستقام منتصبًا وتحرك ناحية مكتبه بإبتسامة واسعة متسلية, يكاد ينفجر ضحكًا على منظرها الحانق..
************
في غرفة "تمارا" ما إن أنهت المكالمة, حتى أجفلت منتفضة بمفاجأة حين وجدت الباب يفتح بعنف، وسهيل يدلف بهيئة غاضبة,
متسائلاً بعصبية:" ماذا تفعلين هنا؟.."
نظرت إليه بتوجس وأعين متسعة تبتلع ريقها بصعوبة، ثم استجمعت قوتها,
هاتفة بفظاظة حانقة:" وما شأنك أنت؟.. أليس منزلي كما هو منزلك!.."
اقترب منها خطوات بطيئة, عيناه تطلقان شررًا؛ جعلها تتراجع للخلف بخوف تحاول مداراته، هامسًا بنبرة مخيفة:" ألم أخبركِ من قبل ألا تأتي إلى هنا دون سابق إنذار؟.."
ثم هدر بجنون:" أنا بمفردي هنا أيتها الحمقاء.."
عقدت حاجبيها, تنظر إليه بقلق، ثم قالت بنبرة متريثة كمن يخاطب طفلاً صغيرًا:" لست بمفردك بالمعنى الحرفي.. هناك مدبرة المنزل.. وأيضا أنت لن تأكلني.."
جذ على أسنانه بغضب, يكور قبضتيه بقوة حتى ابيضت مفاصل أصابعه, وقال من بين أسنانه آمرًا:" سأخرج الآن وأعود لأجدكِ عدتِ إلى سكنكِ الجامعي.. لا أريد أن أرى وجهكِ هنا.. سمعتي.." ثم خرج مسرعًا وكأن الشياطين تطارده..
نظرت بتبرم إلى الباب حيث خرج, تتن*د بأسى حيث كان منظرها كطفل وبخ لتوه..
لا تفهم سبب غضبه منها كلما رأها، ماذا فعلت له ليعنفها؟.. دومًا "سهيل" هكذا..
منذ ما حدث وغيابه تلك السنوات, وبعدها عودته تحول إلى ذلك الشخص البغيض.. زفرت بيأس،
ثم ابتسمت برقة وهي تستمع إلى رنين هاتفها ونغمته المميزة، نظرت لشاشة هاتفها لتطالعها صورة لوجه دافئ, عينان بهما حنان ورقة، أمسكت به وضغطت زر الرد..
ليصلها صوته الهاديء برفق:" كيف حال الصغيرة اليوم؟.."
ابتسمت بإشراق, وقالت برقة:" بخير عمار.. اشتقت إليك.."
ضحك عمار بخفوت, وقال بمرح:" حسنًا أيتها الصغيرة حضري نفسكِ فهناك مفاجأة سارة.. وصل بعد انتظار.."
قفزت تمارا تهتف بعدم تصديق, وسعادة جلية:" حقا عمار؟!.."
أومئ بسعادة, وقال:" أجل عزيزتي.. هيا سأمر عليكِ بعد قليل لتريه.."
أومأت برأسها سريعًا, وقالت بلهفة:" حسنًا..حسنًا.. دقائق وأكون جاهزة.. أنا بالمنزل مر عليّ.."
عقد حاجبيه بإستغراب, وتسائل بتعجب:" بالمنزل!.. ماذا تفعلين هناك؟.."
هتفت سريعًا منهية الحديث:" سأخبرك فيما بعد.. وداعًا الآن لأحضر نفسي.."
ابتسم برقة, وقال بهدوء:" حسنًا.. أراكِ فيما بعد.."
******************
في السيارة كان غضبه يكاد يعميه عن الطريق، أمسك هاتفه وعبث بأرقامه ليجد مبتغاه؛ يضغط زر الإتصال ليأتيه الرد بعد عدة لحظات..
جيك بنبرة مرحة:" مرحبا سهيل.. هل لازلت نائمًا حتى الآن؟.."
أتى صوت سهيل بشراسة آمرة:" جيك أريدك أن تحضر لي عنوان فتاه تدعي * روز سيرمان*.."
ضحك بتسلية, وقال بترقب:" ماذا أيها الصياد؟.. هل هي فريسة جديدة؟!.."
صرخ بجنون؛ جعل جيك يجفل بإرتياع:" كف عن الحديث, وابدأ بالبحث حالاً.. أريد مكانها فورًا.."
ابتلع جيك ريقه بتوتر, وقال بقلق:" حسنًا اهدأ، نصف ساعة, وستجد العنوان.."
أغلق "سهيل" الهاتف ينظر أمامه بنظرات مخيفة ينتظر؛ وكأنه على آتون مشتعل يقود سيارته بلا وجهة, وبعد بعض الوقت تلقى اتصالاً من "جيك" يخبره العنوان.. لينطلق سريعًا إليه..
بعد عشر دقائق كان يقف أمام الباب, يدق الجرس بإلحاح؛ لتفتح الباب فتاه ترتدي ثوب فاضح, تتسائل بحنق:" ماذا هناك؟.. من أنت, وماذا تريد؟.."
تسائل سهيل بهدوء مخيف:" هل أنتِ روز سيرمان؟.."
تأففت الفتاة قائلة بإنزعاج, وكأنه قاطعها عن شيء ما:" لا.. لست هي.. هي بالداخل.. من أنت؟.."
نظر لها نظرة مرعبة, يقول وهو يدفعها بقسوة خارج المنزل ويدلف هو:" إذا ابقي خارجًا.." وأغلق الباب بوجهها المذهول من فعلته..
لتتدارك الأمر وتطرق الباب, صائحة بغضب:" هااااااي.. أنت افتح الباب.. ماذا تفعل؟.."
لم يعيرها إنتباه وتحرك إتجاه الصوت بالداخل الذي وصله متسائلاً:" من الطارق ملين.....؟.."
لكن قبل أن تكمل وجدت "سهيل" يقف أمامها ينظر إليها بقتامة,
متسائلاً بتحفز:" هل أنتِ روز سيرمان؟.."
نظرت إليه "روز" برفعة حاجب مترقبة, تجلس بأريحية على أريكتها الفاخرة، تنظر إليه من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه, قائلة بدلال:" أجل.. من أنت؟.. وماذا تريد؟.."
لكنها ارتاعت تتراجع في جلستها من مظهره المرعب الخطير؛ وهو يتحرك نحوها بخطوات فهد مفترس يحوم حول فريسته, وقد وقعت في فخه..
اندفع إليها "سهيل" يجذب شعرها بعنف جعلها تصرخ بخوف, يقول من بين أسنانه بشراسة مرعبة:" سنتعرف الآن جيدًا أيتها الوضيعة.. أنا سهيل رشدان.. ابن عم تمارا.."
*****************
انتهى الفصل الأول
قراءة ممتعة