الفصل الثاني

3535 Words
اندفع إليها سهيل يجذب شعرها بعنف جعلها تصرخ بخوف, يقول من بين أسنانه بشراسة مرعبة:" سنتعرف الآن جيدا أيتها الوضيعة.. أنا سهيل رشدان.. ابن عم تمارا.." في الخارج في ممر الطابق الخالي المكون من شقة واحدة حسب تكوين المبني ليعطي خصوصية للقاطنين بها.. كانت طرقات ميلينا القوية مع صوت هتافها الصاخب وهي بملابسها الفاضحة ووجهها المحتقن غضبًا, لا تعرف ما يجري بالداخل؛ ولكن صوت صرخات روز وصلتها ليقع قلبها رعبًا؛ وبعد ذلك انقطع مرة واحدة لبعض الوقت, فكرت كثيرًا فيما يجب عليها فعله, ولكن هاتفها الجوال بالداخل ولا تستطيع إخبار الأمن بحسب تعليمات روز.. فإن أخبرت أحدهم سيسرع ليخبر عائلتها, والتي لن تتوانى عن الحضور والتصرف بطريقة مؤذية سواء لها أو لروز.. كما حدث سابقًا.. كانت طرقاتها تتزايد بهلع مع انقطاع الصوت؛ ولكنها تراجعت للخلف خطوة بعد أن انفتح الباب؛ وظهر سهيل بإبتسامة هادئة مخيفة, دبت الرعب في أوصالها.. هتفت بإرتياع مندفعة, عاقدة حاجبيها: "ماذا فعلت بروز؟.." التوت شفتي سهيل أكثر بإبتسامة جانبية, وعدل من ملابسه بلا مبالاة, ينظر لها بعبث ولم يعلق وتحرك بخطوات متمهلة يضع يديه بجيب بنطاله.. نظرت ميلينا لظهره بذعر حتى اختفى, وركضت للداخل, تهتف منادية:" روز.. روز أين أنتِ؟.." اتسعت عيناها وهي ترى روز منكمشة على نفسها ساقطة أرضًا بهيئة مزرية, وشعر مشعث، ترتجف بشدة, أصابعها تنزف وتضع يديها الداميتين على وجهها تنظر للفراغ أمامها.. صرخت ميلينا برعب حقيقي وهي تراها بذلك المنظر, وأسرعت إليها تجلس بجوارها, وتهتف بذعر:" روز.. تحدثي معي.. ماذا فعل بكِ ذلك الرجل؟.." لم تجد منها إجابة فهزتها بقوة.. انتفضت روز تنظر إليها بهلع, وعيناها متسعتين بشدة, وابتلعت ريقها وهي تهمس برعب متعلثمة:" م.. ميلينا.. هل.. هل رحل؟.." أومأت برأسها عاقدة حاجبيها, وتسائلت بتوتر:" ماذا حدث لكِ؟.. أنتِ تنزفين.." ارتجفت شفتاها وأهجشت بالبكاء, تنظر لأصابعها الدامية, تقول بنبرة مختنقة متألمة:" لقد.. لقد كاد....." بترت كلماتها وهي تخفض رأسها وتبكي بصوت أعلى.. اشتعلت غضبًا, وصاحت بعصبية:" ذلك الحقير.. عليه أن يدفع الثمن.. سنبلغ الشرطة.." رفعت روز رأسها سريعًا وأمسكت بها, هاتفة بذعر:" لا.. لا.. لن نفعل.. دعينا ننسى ماحدث هنا.." نظرت لها بدهشة, ورددت:" ننسى ما حدث!!.. كيف؟.. ألا ترين منظركِ؟.. لنخبر عائلتكِ ليتعاملوا معه.." هزت روز رأسها نفيًا بلا وعي, وهتفت بهلع:" لن أخبر أحدًا.. لن أتذكر أي شيء مما حدث.." ورفعت يديها المرتعشتين إلى وجهها تتلمسه, وقلبها ينتفض كأرنب مذعور تلهث, مكملة بلا وعي:" لن اقترب منها مجددًا؛ فهي خاصة به.." لم تفهم ميلينا ما يحدث مع روز, وهذيانها بتلك الكلمات الغربية, وحاولت معرفة من يكون ذلك الشاب الذي فعل بها ذلك ولماذا.. ولكن روز لم تخبرها.. وبكت بشدة.. لن تستطيع إخبار أحد؛ فكلمات سهيل كانت محددة وواضحة, ولن يستطيع أحد أن يخلصها من يديه إن خالفت أوامره.. للمرة الأولى "روز سيرمان" تشعر بالخوف من أحدهم؛ بل تكاد تموت رعبًا من رؤيته مرة أخرى.. كلمات محددة طرقت برأسها " على كل شخص أن يحدد ممتلكاته؛ ومن يتعدى عليها بعد معرفتها فليتحمل العواقب.." لن تستطيع أن تخبر عائلتها فإن علمت بما تفعله مرة أخرى؛ ستعاقب وهذه المرة لن تكون **ابقاتها هي لا تهتم بالعقاب, ولا تخافه ولكن خوفها من سهيل.. حذرتها عائلتها مما تفعله وعوقبت من قبل, فكيف لعائلة *سيرمان* أن تكون لديهم ابنه م***فة ذات ميول جنسية شاذة!.. عائلة لها اسمها ووضعها ستكون محط أنظار المجتمع, ستنتهز الصحافة والخصوم أي قصة؛ لتثير فضيحة علنية لها.. عائلة من الصفوة المسيحية تنظر للمثلية على أنها غير أخلاقية, وخطيئة تعارض الطبيعة البشرية التي فطر عليها الإنسان, و يجب المعاقبة عليها وبقسوة حتى لا تنتشر, ولذلك عندما علموا بأمرها سيكون عقابها شديد.. "دائما العقاب دون معرفة العله..." نظرت إليها ميلينا بإشفاق وحزن شديدين, فهي تحبها بشدة ومعها منذ سنوات, منذ أن تعرفت عليها وأصبحا صديقتين وحبيبتين.. تعلم خوف روز من العقاب النفسي والبدني في بعض الأحيان.. تن*دت بأسى ولم تحاول الضغط عليها؛ ستعلم ماحدث معها فيما بعد, ولكن الآن لتهتم بمعالجة جراحها, قالت بنبرة خافتة رقيقة:" هيا بنا حبيبتي, انهضي معي لنعالج جروحكِ.." أومأت روز برأسها بضعف, ونهضت معها ببطء, واسندت رأسها على كتف ميلينا, وتحركت بخطى متثاقلة واهنة من فرط ما تشعر به.. ***** وصل عمار أسفل المنزل وهاتف تمارا التي هبطت ركضًا, وعيناها تشعان بسعادة وتشوق.. دلفت إلي السيارة وقبلت وجنته برقة, وقالت بحماس:" مرحبًا عمار.. أنا متشوقة لرؤية الصغير.. ما شكله؟.. كيف هو.. هل...." قاطعها ضاحكًا بمرح:" رويدًا.. تمارا.. سنذهب لرؤيته.." ثم أكمل مبتسمًا برقة, وعيناه تلمعان بإشراق:" إنه رائع الجمال تمارا.. عيناه ووجهه الصغير الوردي.. إنه مثالي.." اتسعت إبتسامة تمارا تنظر إليه, قائلة بلهفة:" إذًا اسرع.. أريد رؤيته.. أنت تجعلني أموت شوقًا لرؤيته.." أومئ برأسه مبتسمًا وتحرك بالسيارة, وقال بنبرة محذرة برفق:" تمارا لا تشا**ي غريس كعادتكِ.." ضحكت تمارا بشقاوة, وقالت بأدب:" حسنًا.. أعدك لن أشا**ها فهي متعبة, وقد أحضرت لنا هديتنا الصغيرة.." ثم الفتت إليه تقول بتقرير:" لكن لا تنكر أنها سمجة.." هز عمار رأسه يأسًا ولم يعلق, وأسرع لرؤية الصغير.. عندما وصلا إلى المشفى لم يكن يدري أي منهما يركض أسرع من الآخر.. تمارا المتلهفة لرؤية الصغير.. أصغر فرد انضم مؤخرًا لعائلة رشدان.. "يوسف".. أم عمار الذي حين أبصره منذ ساعات بعد ولادته, لم يدري كيف يشعر سوى أنه يحمل قلبه بين يديه!.. صغير أتى للدنيا ليضيف إليها بهجة جعلته يظن أنه لم يكن يشعر بالسعادة يومًا؛ سوى في تلك اللحظة التي حمل فيها الصغير بين ذراعيه.. كم كان صغيرًا ناعمًا ذو لون وردي.. ساكن بين يديه.. كتلة لا تتعدى السبعة باوندات يسلب لبه, يجعله كطفل صغير حصل على هدية كان يتمناها دومًا.. لم يرد تركه مطلقًا؛ لولا وعده لتمارا أن يقلها لتراه حين ولادته.. دلفا إلى الغرفة سريعًا ليجد غريس جالسة على الفراش تحمله بسعادة ومعها والدتها تتحدثان.. حين رأت تمارا وسهيل ابتسمت لهما, وأسرعت تمارا إتجاهها لترى الصغير.. هتفت غريس بنبرة متحمسة:" انظري تاما.. إنه رائع.." اقتربت تمارا أكثر وانحنت إليهم, تبتسم لغريس ولم تعلق على تصحيح اسمها الذي دومًا ماتنطقه بهذا الشكل.. كان تركيزها علي ذلك الصغير.. رفعت غريس ذراعيها قليلاً, وأعطته لتمارا تحمله.. حملته الأخيرة بعينين متسعتين إنبهارًا, ووقف بجوارها عمار ملتصق بها ينظر إليهما.. نظرت تمارا لعمار, وقالت بإنبهار مشدوهة:" انظر عمار إنه.. إنه رائع.. وجنتاه تجعلني أرغب في تناوله كثمرة الكرز اللذيدة.." ضحك عمار بخفوت, وعيناه تنظران برقة إليهما.. في نظره صغيرة تحمل صغير.. يكاد قلبه يتوقف من سعادته.. حتى أنه شعر بوخزة أراد أن يمسد ص*ره.. هل يمكن للسعادة أن تجعل دقات القلب مؤلمة؟!.. لكن ذلك الألم كان له طعم آخر يدفعك بالترحيب به.. هتفت غريس بهلع:" ماذا تقولين تاما؟.. تريدين أكل صغيري.. يا إلهي أنتِ مجنونة.." نظرت لها تمارا بطرف عينها بحنق, تحاول كبح كلمات تحارب الخروج من فمها.. غريس الحمقاء السمجة لا تفهم لغتهم ولا مزاحهم.. لا تدري كيف تزوجها عمار وتحملها؟.. دومًا تثير غضبها وتتفوه بكلمات مستفزة.. حين لمح عمار وجه تمارا ونظراتها الممتعضة؛ رفع يده يضغط على ذراعها برفق لتنظر له, ويبتسم بتوسل ألا تعلق.. زفرت تمارا بحنق ثم ابتسمت بسماجة لغريس, وقالت من بين أسنانها:" غريس إنها دعابة فقط.. لن أتناول الصغير بالطبع.. ثم أخبرتك أن اسمي تمارا وليس تاما.. وهو ليس صعب النطق.." عقدت غريس حاجبيها, وقالت تطرق برأسها بإمتعاض:" لد*كم دعابات غريبة.. وأنا لا أفهمها.." ثم تسائلت بلهفة:" هل أخبرتم جيك؟.." هتفت والدتها متأوهة:" أوه.. لم نخبره عزيزتي.. لقد سرق الصغير كل تفكيرنا.." لكن غريس نظرت لعمار نظرة ذات مغزي, وقالت بعتاب:" ولكن ذلك لم يمنع عمار عن تذكر تاما وإخبارها.." زم عمار شفتيه بضيق من حديثها فهي تشعر ببعض الغيرة من تمارا, وتلمح دائمًا بذلك الأمر, أخبرها مرارًا أن تمارا بمثابة أخته الصغيرة كميرا تمامًا, لكنها لا تصدقه, وتتهمه أنه يهتم بها بطريقة مبالغ فيها.. نظرت إليها تمارا تضيق عينيها بنظرة شر تكاد تفترسها من حديثها السمج, فغرت فاها لترد عليها, لكن.. أسرع عمار يرد بنبرة هادئة:" لا بأس غريس سأتصل به.. وأيضا أخبر والدايّ وميرا.." ثم أخذ الصغير من يديّ تمارا وانحنى يعطيه لغريس بحذر, اعتدل في وقفته, وأشار لتمارا أن تتبعه للخارج ليتحدث بالهاتف؛ لن يتركها معها بنظرة تمارا تلك ستفترس غريس بلا ريب وربما والدتها معها.. أومأت تمارا برأسها وتحركت خلفه على مضض, تحدج غريس بنظرة حارقة.. وما إن خرجا.. هتفت غريس بغضب:" أرأيتِ أمي!.. دومًا تاما.. ينسى الجميع ولا ينساها.." زفرت والدتها بيأس, وقالت بتريث:" غريس كفي عن ذلك.. هو يعتبرها كأخته.. ثم إنها أصغر منه بعشر سنوات.. حبيبتي لا داعي لهذا الغضب.. عمار شاب جيد وأنتِ تعلمين ذلك.. هل تكرهين تمارا لهذه الدرجة؟.." عقدت حاجبيها, وقالت بخفوت نافية:" لا أمي على الع**, تاما تعامله كأخيها, لكني أشعر أن عمار يخفي شيئًا ما.. وتمارا تعرفه.. هما يتحدثان سويًا وبينهما أسرار.. تلك العلاقة بينهما تثير غيرتي أريد أن يكون معي هكذا.." تسائلت والدتها بريبة:" غريس.. هل هناك مشاكل بينكما؟.." تن*دت بتثاقل تطرق برأسها تنظر لصغيرها, وقالت بنبرة غامضة:" ليس تمامًا.. لكن أظن مهما كان فوجود جوزيف الآن سيزيله.." في الخارج ابتسم عمار لتمارا بلطف, يحاول استرضاءها, ثم طلب منها أن تتصل بميرا لتخبرها بقدوم الصغير ريثما يخبر جيك.. زفرت تمارا بضيق وأمسكت هاتفها تتصل بميرا تخبرها بالأمر.. في حين عندما أخبر عمار جيك.. هتف جيك بنبرة عالية حانقة:" ماذاااااااا؟؟.. وُلد الصغير ولم تخبروني.. هذا ليس عدلا.." تن*د عمار, وقال بتثاقل:" جيك.. جيك.. توقف عن الصراخ.. غريس وضعت الصغير منذ ساعات.. واتصلت بك الآن.. هل ستأتي, أم ستظل تتحدث هكذا؟.." أسرع يقول بلهفة:" بالطبع سأحضر.. لقد كنت انتظر بفارغ الصبر.." ثم تسائل:" كيف حاله, وحال غريس؟.." ابتسم عمار, وقال برقة:" رائعان.. جوزيف رائع ي**ق الأنفاس.. وأختك بخير لا تقلق.." ابتسم بسعادة, وقال مسرعًا:" حسنا أنا قادم في الحال وداعًا.." أغلق جيك الهاتف وأسرع يلتقط جاكيت بذلته يرتديه على عجل, يجمع متعلقاته, يفتح باب مكتبه يتحرك بخطوات راكضة.. لمحته فيبي فعقدت حاجبيها بريبة, ووقفت تتسائل بقلق:" سيد جيك.. هل هناك مشكلة؟.." كان وجه جيك مشرقًا وعندما رأى فيبي أمامه اقترب منها, وقال بنبرة سعيدة:" كل شيء على مايرام.. لقد وضعت شقيقتي صغيرها.. أنتِ رائعة فيبي.." وأمسك بوجهها بين كفيه وانحنى يقبل وجنتها سريعًا برقة وأسرع خارجًا, وهو يكمل:" اخبري سهيل بالأمر حين يأتي.. وداعًا.." اتسعت عيناها بصدمة تضع يدها على وجنتها مكان قبلة جيك.. هل قبلها وقال لها أنها رائعة؟.. يا إلهي ماذا يحدث؟.. ألم يكن منذ قليل يوبخها؟.. ذلك الجيك غير طبيعي بالتأكيد.. لكن لحظة.. ألم يكن وسيمًا بدرجة مؤلمة؟.. ياله من شعور رائع حين قبل وجنتها شعرت بدغدغة في جميع أوصالها.. عيناه الزرقاوين لامعتين بطريقة خ*فت أنفاسها, عطره القريب منها أسكرها.. تُرى ماذا سيكون مذاق قبلته على شفتيها؟.. وهي بين ذراعيه.. عند هذه النقطة انتفضت تهز رأسها تبعد تلك الأفكار عن عقلها.. وبخت نفسها بغضب:" كفي عن حماقتكِ فيبي ماذا تفعلين؟.. مجرد قبلة على وجنتكِ تجعلكِ تفكرين بتلك الطريقة.. حمقاء.. هو سمج مستفز وسيظل كذلك.. ليس لأنه وسيم وبهيئة رائعة سيجعلكِ تنسين تصرفاته معكِ.. هيا لتعودي للعمل.." زفرت تعتدل تعدل من ملابسها, تتحرك تجلس على مقعدها خلف مكتبها؛ لتنجز أعمالها حتى لا يعود ويوبخها.. ربما ما حدث وحديثه معها الآن هو من تأثير سعادته بوضع المولود الجديد.. سيعود لطبيعته المستفزة فيما بعد.. وانهمكت في أعمالها مرة أخرى تنتظر حضور سهيل لتخبره بالأمر.. *********** على الجانب الآخر في منزل كبير تشعر بالراحة بداخله بحديقته الواسعة خارجًا, والتي تنتشر بها الورود الجميلة والإضاءة الناعمة التي تع** سعادة, وهدوء داخلي في ذلك الليل الدافئ نسبيًا.. على السلم كانت تنزل وهي تتراقص كفراشة تكاد أصابع قدميها تلمس الأرض وفستانها الرقيق يتطاير حول ساقيها, حركته تتناغم مع حركة جسدها وشعرها العسلي القصير.. تهتف بنبرة مرحة رقيقة:" يا أهل البيت أين أنتم؟.. لدي أخبار سعيدة.." لم تجد أحد بالداخل لتبتسم بإتساع, وهي تنطلق بخفة إلى الخارج للحديقة.. لتجد والديها يجل**ن بهدوء يتحدثان لمحتها والدتها فأشارت لها, وقالت بإبتسامة:" ميرا قادمة.. يبدو أن هناك ما ستخبرنا به.. تكاد تطير.." ضحك الوالد, وقال بتقرير:" منذ متى لا تطير هكذا؟.. هي دومًا فراشة تحلق بالمنزل وتضفي علينا ألوانها الجميلة.." هتفت ميرا من الخلف بنبرة حالمة ممازحة:" أوه أبي ما هذا الكلام الرقيق!.. قلبي الصغير لا يتحمل.." ضحك غسان بخفة, وقال:" قلبكِ الصغير لا يتحمل!.. ماذا هناك؟.. أخبرينا بما لد*كِ عزيزتي.." اعتدلت ميرا في وقفتها وشع وجهها بحماسة, وقالت:" حسنًا هاتف*ني تمارا للتو.. ولدي نبأ لا أدري إذا كان مفرحًا, أم سيجعلكما ممتعضان.." عقدت عاليا حاجبيها, وتسائلت بحيرة:" ماذا هناك ميرا؟.. وجهكِ سعيد للغاية ولكن لِمَ سيضايقنا الخبر!.. هل تمارا بخير؟.." هزت ميرا رأسها إيجابًا, لكنها قالت بتنبيه:" ما سأقوله الآن سيحتاج لهدية.." نظر لها والدها بترقب, لتهتف مهللة وهي تتقافز, وتصفق بجذل:" لقد رزق أخي عمار بالصغير اليوم.. وأسماه يوسف.." فغرت عاليا فاها بذهول غير مصدقة.. في حين هتف غسان بسعادة:" حقا!.. ياله من خبر رائع حبيبتي.. حقًا تستحقين هدية.. " اقتربت ميرا منه وجلست على طرف مقعده تعانقه, وتقول بفرح:" انضم إلينا فرد جديد أبي.. صغير سنلعب معه قريبًا.. أنا سعيدة جدًا.. لقد أصبحت عمة أخيرًا.." أومأ غسان برأسه موافقًا وهم بالحديث, لكنه نظر لزوجته ليجدها صامتة ولم تتفوه بكلمة, فتسائل بقلق:" ماذا هناك عاليا؟.. هل أنتِ على مايرام؟.." انفجرت عاليا بالبكاء مما أثار ريبة ميرا وغسان.. أسرعت ميرا لوالدتها تتسائل بلهفة:" ماذا هناك أمي؟.. لِمَ تبكين؟.. ألم يسعدكِ الأمر؟.." هزت عاليا رأسها نفيًا, وقالت بنبرة متحشرجة بتقطع:" بالطبع أسعدني.. لقد رزق ابني بصغير أخيرًا.. لكنه بعيد عنا كثيرًا.. لا نستطيع رؤيته الآن.." _أمييييي.. هتفت ميرا ممتعضة, وأكملت بعتاب: "هل تبكين لأجل هذا.. نستطيع السفر إليه غدًا.." أمسكت عاليا بمحرمة, ومسحت دموعها, وقالت:" إنها أيضًا دموع الفرحة.." وزمت شفتيها بإستياء.. ابتسم غسان إبتسامة جانبية, وقال بمكر:" وهل ذلك العبوس أيضًا سعادة؟.." وتوجه لحديثه لميرا:" والدتكِ سعيدة ومستاءة أيضًا.. فمعنى أن يكون لها حفيد الآن فسيجعلها أكبر سنًا.." هتفت عاليا معترضة:" ليس صحيحًا أنا لست كبيرة في السن.. لا أزال صغيرة.. من يراني يظن أنني أخت ميرا الصغرى حتى.." لوت شفتيها وغمغمت:" ليس لهذه الدرجة أمي لا تبالغي.. لد*كِ ابن بالثامنة والعشرين.. وأصبح أبًا وتقولين هذا.." _ماذا تقولين؟.. ابتسمت ميرا, وقالت برقة:" بالطبع أمي من يراكِ يظنكِ كذلك.." دفعتها عاليا برفق تبعدها عنها, وقالت ممتعضة:" كفي عن حديثكِ الخافت أيتها الفتاة.. ابتعدي عني.. دعونا نهاتف عمار ونبارك له.." أومأت ميرا موافقة وأسرعت للإتصال به, تعطي الهاتف لوالدتها التي بدأت بالبكاء مرة أخرى, فأخبرتها ميرا بمكر أن تنتبه للتجاعيد من كثرة البكاء, لت**ت على الفور ويضحك والدها على مشا**اتهما.. ***************** حين دلف إلى الشركة كعادته يجذب الأنظار بملابسه المختلفة عن الكلاسيكية المعهودة لرجال الأعمال, لا يرتدي البذلات في العمل؛ بل مجرد ملابسه؛ كأنه ذاهب لنزهة أو سهرة ما.. ورغم ذلك لا تقلل من هيبته.. هيئته ال**بثة وإبتسامته اللعوب التي لا تغادر شفتيه تجعل الفتيات تتهاف*ن عليه.. وهو لا يقصر في إغوائهن.. لكن في عمله يضع قناع الصرامة.. في طريقه إلى مكتبه كان يتذكر حديثه مع روز, وما حدث بينهما.. ابتسم بتسلية, وتن*د بإرتياح تلك الحقيرة ستفكر ألف مرة لتقترب من تمارا, أو حتى تمر بجوارها.. وهو سيضع عينه عليها.. عائلة سيرمان.. لم تهز له شعرة عندما هددته بأنها ستخبرهم؛ بل زادته جنونًا.. سهيل رشدان لا يخاف شيء.. بل لا يكترث لأحد سوى مايريده.. وهي تعدت على ممتلكاته, وليست أي ممتلكات تلك العينين البنيتين والنظرة المشتعلة بينهما تخصه.. ابتسم وكاد عقله ينجرف بخيالاته الخاصة, لكن أخرجه منها صوت مديرة مكتبه "تانيا" وهي تتحرك خلفه وهو يدلف لمكتبه, لتخبره عن موعد إجتماعه مع بعض العملاء.. زفر بحنق من أولئك المتنمقين أصحاب الأحاديث المترفعة.. كم يكرههم.. أخبرها أنه سيقابل العميلين بمكتبه, وليس بقاعة الإجتماعات, أخبرها أن توصله بمكتب جيك.. وبعض الأوامر التي دونتها تاليا بعملية, وانطلقت خارج المكتب.. حين رن هاتف مكتبه رفع السماعة, وصله صوت فيبي وهي تقول:" سيد سهيل.. السيد جيك لن يستطيع حضور الإجتماع.. فقد غادر لأن شقيقته وضعت صغيرًا.. وأخبرني أن أخبرك بذلك.." زفر سهيل بحنق, وقال بإمتعاض بكلمات مقتضبة:" حسنًا.." وأغلق الهاتف.. عمار رزق طفلاً إذًا لا بأس سيرسل هدية له.. والآن عليه أن يقابل العملاء بمفرده ويتحمل دمهم الثقيل بالنسبة له.. بعد نصف ساعة وصل العميلان, ودلفا ليتحدثا عن بعض المعاملات الخاصة بالحملة التسويقية لماركة, شكل السيارة الجديدة التي ستطرح بالأسواق قريبًا.. لكن أحد العميلين, تسائل فجأة:" سيد سهيل.. لم تخبرنا من قبل ما هو مؤهلك الدراسي!.." نظر له سهيل بطرف عينه, وقال بنزق:" وماذا سيفيد ذلك بالأمر؟.." هز العميل كتفه, وأجاب برسمية:" أنت تعلم أن الكثير من رجال الأعمال في الحملات الدعائية يتشارك بمؤهلاته, ودرجاته العلمية التي ترفع من مستواه.. وهذا يدعم العمل.." لم يرفع سهيل نظره, وقال بلا مبالاة:" لم أكمله.." عقد العميل حاجبيه, وتسائل بعدم فهم:" لم تكمل ماذا سيد سهيل؟.." أجابه العميل الآخر بتلقائية:" يبدو أن السيد سهيل لم يكمل بعد الجامعة.." ولكن سهيل قال بنبرة عادية وعيناه قاتمتان بهما نظرة تكاد تعصف بأحدهم:" بل لم أكمل تعليمي الجامعي.. لم أدخل حتى العام الأول.." نظر العميلان إلى بعضهما بعدم تصديق, سهيل رشدان من يدير شركات رشدان لصناعة السيارات لم يكمل تعليمه.. كيف يعقل ذلك!.. تجرأ أحدهما وتسائل:" هل يمكنك أن تخبرنا السبب؟.." نظر له سهيل نظره جمدته بمكانه, جعلته يبتلع حديثه, وهو يقول بنبرة جليدية:" هل هذا مجال حديثنا.. هل أتيت لتتسامر معي, وأخبرك عن حياتي ولِمَ لم أدرس!.. استمع إليَّ أنت هنا لأنك تحتاجني وتحتاج للصفقة.. لذلك تحدث فيما يخصك؛ وإلا فسأركل مؤخرتك للخارج.." نظر له العميل بغضب, وهتف بإحتجاج:" ماذا تقول؟.. كيف تتحدث معنا بهذه الطريقة؟.. نحن.." قاطعه سهيل قائلاً بصرامة بعد أن ضغط زر استدعاء تانيا:" اصطحبيهما للخارج.. لقد ألغي الإجتماع والصفقة أيضًا.." وقف العميلان, وهتف أحدهما بتوعد:" مافعلته لن يمر هكذا سهيل.. وسترى.." لم يكلف نفسه النظر إليه, لكنه قال بنبرة جعلته يرتجف رعبًا:" أستطيع إلقاءك من النافذة الآن, لد*ك خمس ثوان للمغادرة.." حدجه العميل بنظرات ساخطة واندفعا للخارج تاركينه خلفه يرجع رأسه للخلف وينظر للفراغ أمامه بشرود.. *************** في المساء بعد أن قضيا عمار وتمارا اليوم مع الصغير خرجت غريس من المشفي واصرت على البقاء بمنزل والدتها مع جيك.. ولكن عمار لم يبق معها, وفي طريقه لإيصال تمارا للمنزل كان شاردًا ولا يتحدث.. وضعت تمارا كفها على ذراعه ونظر لها, فتسائلت:" ماذا هناك عمار؟.. تبدو غير مرتاح.." ابتسم وقال بهدوء:" لا شيء تمارا.. تعلمين لا أحب البقاء بمنزل والدة غريس.. لا أشعر بالإرتياح.." ثم تسائل مغيرًا الحديث:" ولكن لما أنتِ بالمنزل؟.." زفرت تمارا بضيق, وقالت:" لا شيء.. لدي بعض الإختبارات والعديد من الفتيات غادرن للعطلة, وفضلت العودة للمنزل.." نظر إليها بشك وقال:" هذا فقط!.. لكن سهيل يرفض بقاءكِ.." زمت شفتيها, وهتفت بحنق:" ليس من حقه.. منزلي كما هو منزله.. يرحل هو إذا كان متضرر.." ضحك عمار, وقال بتريث:" حسنًا.. حسنًا لا تغضبي.. يرحل سهيل.. هاقد وصلنا.." أسرعت تمارا تقول:" عمار ما رأيك أن تبقى معنا بالمنزل؟.. فغريس بمنزل والدتها وستكون بمفردك.. وأنا أحب وجودك.. أرجوك وافق.." نظر إليها ب**ت, لكن عيناها ترجتاه للبقاء, هي تريد البقاء معه.. يبدو أن هناك خطبًا ما.. تسائل عمار:" تمارا ماذا هناك؟.. يبدو أنكِ تريدين الحديث.." ضحكت تمارا بتوتر, وقالت بهدوء مصطنع:" لا شيء, فقط كالأيام الخوالي.. وافق أرجوك.. ستكون وحيدًا هناك.." تن*د عمار وأومئ برأسه موافقًا, لتتسع ابتسامة تمارا بإرتياح.. حين دلفا للمنزل لم يجدا سوى مدبرة المنزل, والتي سألتهم عما إذا كانا يريدان تناول العشاء, ولكنهما رفضا.. كان اليوم حافلاً فاتجه عمار لغرفته الخاصة, يقول:" تصبحين على خير تمارا.. أراكِ غدًا.." هتفت تمارا من خلفه بلهفة:" عمار.. في آخر مرة كنت هناك.. هل رأيت أبي؟.." تشنج جسد عمار, وأظلمت عيناه, يجذ على أسنانه بغضب, ثم زفر بحنق, وقال دون أن يلتفت إليها بنبرة حاول أن تكون هادئة:" لم أره تمارا.. هو مشغول.." أطرقت برأسها, وقالت بنبرة خافتة حزينة:" حسنًا.. تصبح على خير.." قبض على قبضتيه بقوة حتى ابيضت مفاصل أصابعه, و التفت يتحرك نحوها, قائلاً بنبرة رقيقة مواسية يرفع يده يربت على وجنتها بحنان:" أنتِ تعلمين أن أعماله كثيرة.. لا بأس سيتصل بكِ قريبًا.." ابتسمت له بإهتزاز, وقالت:" هل تستطيع أن تقلني للجامعة غدًا في طريقك!.." أومأ برأسه موافقًا, فأكملت:" تصبح على خير.. ستكون أبًا رائعًا عمار.. يوسف محظوظ بك.." تركته تتجه لغرفتها تحاول منع دموعها من السقوط.. وما إن دلفت حتى تركت لها العنان؛ لتهدأ ما تشعربه.. أما عن عمار فقد شعر بالحزن عليها دومًا تسأل عنه, وتأمل أن يتحدث معها؛ لكن عمه لا يعيرها إنتباه.. تلك الصغيرة رغم قوتها تعاني.. تن*د بأسى ثم إتجه لغرفته لينال قسطًا من الراحة, ولم ينتبه لتلك الأعين التي تراقبهما بغضب عاصف وألم.. في الصباح خرجت تمارا من غرفتها لتذهب مع عمار لجامعتها؛ لكنها وجدت سهيل معه بالخارج يتحدثان.. وصلهما صوتها تقول:" هل أنت جاهز عمار؟.. ستقلني بطريقك.." _سأقلكِ أنا بطريقي.. نظرت له تمارا بدهشة, فتابع سهيل بلا مبالاة:" عمار لديه عمل طاريء.." جاء صوت عمار معتذرًا بضيق:" آسف تمارا, لكن هناك مشكلة حدثت وعلي حلها.." ونظر لسهيل شزرًا وأضاف:" أحدهم هدد عميل بإلقائه من النافذة.. وأعلم أنه لن يتراجع عن حديثه.." تحرك سهيل بخطوات متمهلة وقال:" هيا بنا حتى لا نتأخر.." وخرج من المنزل فنظرت تمارا لعمار ثم تحركت خلف سهيل.. في السيارة كانت تمارا ترتب بعض الأوراق ومنشغلة, حين سمعت سهيل يقول:" هل ستعودين للسكن الجامعي؟.." نظرت له تمارا بطرف عينها, وقالت ببرود:" لا.. سآخذ بعض الأوراق من المكتبة وأعود للمنزل.." قبض على مقود السيارة بغضب, وهم بالحديث ليعنفها فأكثر ما يغضبه هروبها من مواجهة روز؛ لكن رنين هاتفها قاطعه, وتمارا تقول:" مرحبًا أمي.. نعم أنا بخير.. اشتقت إليكِ أيضًا.." -هل اتصل بكِ والدكِ؟.. تجمدت يد تمارا على الهاتف ونظرت أمامها ب**ت لثوان, ثم ابتلعت غصة استحكمت بحلقها, وقالت بهدوء:" لا أمي فهو مشغول.." سمعت والدتها ترغي وتزيد بكلمات حانقة وساخطة, لم تكن تريد سماعها في ذلك الصباح؛ فقاطعتها تمارا متسائلة:" هل العم جاد بجواركِ؟.." تعلثمت والدتها, وقالت بإرتباك:" لا ليس هنا.." ابتسمت تمارا, وقالت بنبرة ذات مغزي:" ابلغيه تحياتي أمي.. عليَّ الذهاب الآن.. وداعًا.." أغلقت الهاتف وتن*دت بيأس والدتها وحديثها المعتاد عن والدها وعدم اهتمامه.. رغم طلاقها منه لا تزال تتصيد أخباره منها.. وكأنه يهتم لها!.. رفع يده يضعها على وجنة تمارا التي تسمرت تنظر إليه مصدومة؛ نظره عينيه الدافئتين الداعمتين ذكرتها بسهيل قديمًا فأغمضت عينيها تمرغ وجهها بكفته, تتن*د بحزن ليميل مقتربًا منها يقبل وجنتها الأخرى, يقول بنبرة عذبة:" لا بأس.. كل شيء سيكون علي مايرام.." ثم ابتعد عنها يعتدل بجلسته, قائلاً:" هيا اذهبي.." جمعت أغراضها تفتح باب السيارة, تهبض تبتسم برقة؛ لكن قبل أن تغلق الباب خلفها وصلها صوته لتلتفت إليه.. _تمارا.. هل تعرفين فتاة تدعى روز سيرمان؟.. اكفهر وجه تمارا وتلاشت إبتسامتها, تسأله بنبرة قاتمة:" لماذا تسأل؟.." هز سهيل كتفيه, وقال ببساطة:" إن قابلتها.. فاخبريها أنني أرسل لها التحية.." تسارعت أنفاسها, وقالت بحدة تغلق الباب بعنف:" أوصله لها بنفسك.. فلست مرسال لك.. أحمق.." ورحلت بخطوات ساخطة وهي تلعنه وتلعن روز معه.. في حين ابتسم سهيل إبتسامة جانبية, وغمغم بتسلية:" لا بأس.. ستصلها تحياتي أينما ذهبت.." ****************** في المساء بعد عودة تمارا للمنزل وجدت باب المنزل يطرق, ولم يفتحه أحد لذلك إتجهت لتفتحه, فتجد سامر يفتح ذراعيه ويقول بإبتسامة واسعة, ونبرة مهللة:"مرحبااااااااااا أخي هاقد أتيت.. أين أنت ياحبيبي؟.." لكن تلاشت إبتسامته, يلوى شفته العليا, قائلاً بنزق:" تمارا.." نظرت له تمارا بنفس نظرته, وشفتها العليا مرتفعة, قائلة بفظاظة:" سامر..." ************* انتهى الفصل الثاني قراءة ممتعة
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD