تطلع بها بإستغراب نبرتها المرتبكة, عدم قدرتها على مواجهته تبدو غريبة؛ فتسائل بقلق:" هل أنتِ بخير غريس؟.. تبدين متوترة.."
أطرقت رأسها للأسفل, تفرك يديها بعصبية, تقول بخفوت:" عمار أنا أواعد أحدهم.."
للحظات لم يستوعب اﻷمر, يهتف ببلاهة:" ماذا؟.."
زاد ارتباكها أكثر, تهمس بتعلثم:" أ.. أواعد أحدهم من فترة.."
تلك القبضة الجليدية التي اعتصرت قلبه. آلمته لدرجة أنه رفع يده يمسد ص*ره, ينظر إليها بعينين متألمتين معاتبتين, وهي لا تستطيع النظر إليه ومواجهته.. تشعر وكأنها ارتكبت ذنب لا يُغفر..
تدارك اﻷمر سريعًا؛ يعرف غريس شابة, تريد أن تشعر بالحياة, وهو لا يلومها؛ بل هو من دفعها لذلك..
حاول رسم إبتسامة م***بة على ثغره, قائلاً بنبرة دافئة:" لا بأس أتمنى لكِ التوفيق.. لكن لا أريد أن تتغير علاقتنا بسبب ذلك.."
رفعت رأسها تنظر إليه, تقول بلهفة:" بالطبع لا.. أنا لن أتغير أبدًا.. أنا فقط...."
**تت لا تعرف كيف تكمل, تزفر بإحباط..
تسائل بإهتمام:" ماذا غريس؟.. لا تبدين مرتاحة!.."
تجهم وجهها, تقول بخفوت ممزوج بالحيرة:" أنا فقط لا أدري هو شخص جيد, راقٍ, ومتفهم، لكني لا أشعر بالإرتياح.. أنا أحاول أن أمضي قدمًا بحياتي؛ ولكن لا أحد يعوض غيابك عمار.. لازلت أحبك وأتمنى عودتك.. ولكنك ترفض.."
ابتسم بألم, وقال بهدوء:" تحدثنا فيما سبق غريس أنا ببداية مشوار علاجي, ولا أعرف تقلباته.. ماتشعرين به أمر طبيعي التذبذب, والقلق, لكن مع الوقت ستستطيعين المتابعة.."
نظرت إليه بفاه مفغر صدمة, تتسائل بذهول:" هل أنت راضٍ عن مواعدتي لرجل آخر؟.."
ابتلع غصة مسننة استحكمت بحلقه ماذا يخبرها؟.. هل يخبرها أن قلبه قد طُعن بكلمتها, يشعر كأنه طير مذبوح يتخبط, وهو ينازع الموت؟..
هل يخبرها أنه يريد الصراخ, يريد أن يصفعها لوقاحتها بإخباره اﻷمر؟..
لكنه هو من يدفعها بعيدًا عنه, ويحثها على مواصلة حياتها،
ابتسم بهدوء بقدر مايستطيع, وقال:" أنا سأكون سعيدًا لسعادتكِ.. تستحقين الأفضل غريس.."
نظرت إليه بدهشة ممزوجة بالغضب, تجذ على أسنانها, لا فائدة من الحديث معه تحاول وتحاول, وهو يدفعها, تتقرب منه, ويركض هو بالإتجاه الآخر, رغم أنها قابلت أحدهم وواعدته؛ لكنها لا تشعر بشيء ناحيته..
ظنت أنها إن أخبرت عمار عن علاقتها الجديدة سيتحرك ولو قليلاً, يصرخ بوجهها, يصفعها, أو يخبرها برغبته في العودة حتى لو أمرها بأن تنتظره حتى يشفى..
حاولت وحاولت, طوال العامين, تركض خلفه بكل مكان, تواظب على حضور جلساته العلاجية؛ رغم عدم إخباره لها بالمواعيد, تتحجج بجوزيف؛ وتتصل به, تدعوه للمنزل لتقضي الوقت معه؛ لكنه هادئ شارد وبعيد عنها,
أين عمار حبيبها؟.. أين من كانت تلمح حبه الدافئ الذي يفيض من عينيه؟..
رغم نظرته الحانية الدائمة إليها حتى الآن؛ لكنها تفتقد الحبيب, الزوج, تفتقد حياتها العاطفية؛ تحاول التلميح؛ لكنه يغض الطرف عنها متقصدًا..
والآن يتمنى لها السعادة, ألهذه الدرجة لم تعد تمثل له شيء؟.. هل بحياته أخرى ولا تدري؟.. هل يتحجج بمرضه ليبتعد عنها, ويكون مع غيرها؟..
لكن لِمَ لايخبرها بذلك ويريحها من عذابها؟..
لقد تعبت وأُثقل كاهلها من كثرة التساؤلات التي تدور برأسها..
ألا يحق لها أن تعيش حياتها مع من تحب؟.. لكن من تحبه بعيد عنها دومًا.. إختار البعد عن البقاء.. الفراق عن مد وصول التشبث بالعائلة..
لا تريد أن تبقى أمًا عازبة وترعي طفلاً بمفردها.. تريد الأسرة الكاملة.. زوج, أب.. وهو يبخل عليها بكل ذلك..
زفرت بحنق تشيح بوجهها, قائلة بجمود:" شكرًا لك عمار.. وأنا أتمنى لك السعادة.."
ابتسم لها ولم يعلق ينظر أمامه يراقب يوسف بألم داخلي, هو يحب غريس ويريدها؛ لكن بذات الوقت لا يستطيع أن يبقى معها وهو مريض, يخشى عليها وعلى الصغير, لا يريد لهم أن يروه بحالة سيئة قد تنتابه بفعل الأدوية كما يحدث معه..
رغم أن الطبيب أخبره بإستقرار وضعه, لكن بعض الأدوية تصيبه بالعصبية الشديدة, حالة من غياب الوعي لبعض الوقت, يفقد فيها السيطرة على نفسه, لا أحد يعلم ما يدور بداخل غرفته وهو حبيسها, لا أحد يشعر بألامه, هو يتألم لإبتعاده عن غريس, وعن صغيره..
طالما حلم بالأسرة والعائلة, أن يكون له صغارًا يعتني بهم, ويكون معهم؛ لا زيارات كالغرباء..
يكون مع من يحب دون خوف من مجهول, ومشكلات قد تفسد حياتهما كما حدث من قبل, دون تذمر من زوجة قد تصبر؛ لكن ستمل مع مرور الوقت وتفقد روحها, هو تعب مما حوله ولم يعد يستطيع المقاومة, ليت كل شيء يعود كما كان قبل مرضه..
هو خائف من مجهول ومرض يفتك به, يعلم نهايته مهما طالت أو قصرت المدة..
فلِمَ لا يكون وداعه لمن يحب ببطء, وهدوء؟.. حتى لا تكون الصدمة دفعة واحدة كإنهيار لسد يفقد الجميع سعادتهم وراحتهم..
*********************
بعد رحيل تمارا وعمار من منزل غريس كان يقود السيارة شاردًا بحزن يفكر بحديث غريس, وكيف ستكون مع غيره تزهر معه، بل ستبتعد أكثر وتنشئ حياة جديدة بدونه, ولن يكون دوره بحياتها سوى أنه والد طفلها، اﻷلم يعتصر قلبه بشدة..
لاحظت تمارا نظرته الحزينة منذ تواجدهما بالمنزل, وحديثه مع غريس يبدو أن هناك ما أزعجه..
التفتت إليه متسائلة:" ماذا هناك عمار؟.. تبدو حزينًا.."
نظر إليها بطرف عينه, يتشاغل بمتابعة الطريق, وأجاب بخفوت:" لا شيء عزيزتي.."
رفعت حاجبها تنظر إليه بعدم تصديق, وقالت بجدية:" بل هناك شيء.. منذ خروجنا وأنت شارد الذهن، حتى أنك لم تتحدث معي.. اخبرني بما يشغلك.."
_غريس تواعد أحدهم..
اتسعت عيناها بذهول لحظي, ثم ابتلعت ريقها ورقت عيناها,
تتساءل بأسى:" هي أخبرتك بذلك؟.. وماذا قلت لها؟.."
_أتمنى لكِ السعادة..
خرجت كلماته موجعه لروحه رغم نبرته الساخرة..
جذت على أسنانها بغضب لاتفهم سر ابتعاده عنها, رغم أنه يحبها وهي كذلك.. بل يدفعها للمضي بحياتها بنفسه..
فقست نظراتها, وقالت بجفاء:" حسنًا أتمنى لها التوفيق أيضًا.. هذا جيد بالنسبة لها.. أنا سعيدة من أجلها.."
التفت إليها يعقد حاجبيه بدهشة, يردد بصوت باهت معذب:" سعيدة!.."
رفعت ذقنها تنظر أمامها تأمره ببرود:" تطلع للطريق عمار لا أريد أن تتسبب بحادث.."
نظر إلى الطريق بألم جلي ولم يعلق, لكن اشتدت قبضتاه على مقود السيارة؛ ظن أنها ستواسيه؛ أو حتى تطيب خاطره، أراد الحديث والفضفضة أن يخبرها بجرحه؛ لكنها صدمته بردها..
وتابعت بقسوة معنفة:" إن كنت تنتظر مني تعاطف, أو مواساة فلن تجدها.. لا أشفق على من يتخلى عن حبه مهما كانت أسبابه.. خاصة أسبابك أنت التي لا أفهم مغزاها وتحفظك عليها..
تحبها وتدفعها بعيدًا عنك.. وهي تحاول جذبك وأنت تقاوم بغباء.. ثم تخبرك بمُضيها بحياتها فتبتسم بوجهها وأنت تموت قهرًا.. أنت منافق عمار.."
اتسعت عيناه ينظر إليها بذهول, مرددًا بإنشداه:" منافق!.."
لم تلتفت إليه, وقالت مؤكدة بقوة جليدية:" أجل.. تُظهر إبتسامة راضية بوجهها تقنعها بتقبلك اﻷمر, وأنت تغلي غضبًا وتنزف ألمًا.. منافق بوجهين.. حتى وإن كان الوجه اﻵخر معذب..
الرجال حمقى من يعذب نفسه, ويبعد حبه لأجل سبب أو معاناه, أو حتى ماضٍ مش*ه؛ متحججًا بخوفه عليهم؛ أو حتى هلعه من عدم قدرة شريكه على التحمل هو أحمق.. أنتم لا تقدرون قوة وصلابة النساء..
تظنوها هشة ضعيفة وهي ع** ذلك, بل تكاد تفوقكم قوة وصلابة..
لذلك أتمنى لغريس السعادة.."
انحنت زاويتي عينيه بألم, وقال معاتبًا:" أنتِ قاسية ياصغيرة.."
زمت شفتيها تتنفس بغضب, تحاول التحكم في أعصابها, لكن تتعاظم قسوتها, وسخطها على جميع الرجال..
أردف عمار بصوت باهت, كأنه يكشف مابداخلها:" أصبحتِ قاسية تمارا.. تغير شئء بكِ.. رغم قناعكِ الذي ترتدينه, لكنكِ تتألمين أعلم ذلك.. أنا أعرفكِ.. لم يخفى عليَّ ماتمرين به.."
اكتست ملامح وجهها الصلابة, وواجهته بنبرة جامدة:" بل تغيرت للأفضل.. لم أعد أتألم.. ولم أعد صغيرة.. لقد أدركت الحياة حولي.. لا تدير دفة الحديث عليَّ.."
ابتسم بأسى, يقول بمرارة:" لن أفعل تمارا.. ربما أنتِ محقة أنا من دفعت غريس بعيدًا.. كما حدث معكِ..
لكن احذري من تلك القسوة, والظلمة التي بدأت بالتوغل داخلكِ وقد تبتلعكِ ولن تستطيعي الهرب منها.."
أخذت نفسًا عميقًا ثم زفرته, ترمش بعينيها, قائلة بجفاء:" إن كنت تظن أنك تستطيع رؤية روحي بشفافية، فأنت مخطيء, أنا لم أشعر بالراحة والهدوء كما أنا اﻵن.. اهتم بأمورك عمار وحاول التراجع قبل فوات اﻷوان.."
**تت و**ت هو، كل منهما شارد بأفكاره..
عمار يفكر ربما لو كانت تعلم بما يعانيه؛ لكان رد فعلها مغاير لقسوتها الحديثة وروحها الحاقدة..
وتمارا التي تشعر بقسوة داخلية لا تدع لها مجال للإشفاق على عمار, وغضبها يتزايد من موقفه السلبي..
حين وصلا للمنزل أوقف عمار السيارة, وقال بهدوء:" لدي عمل ما.. اصعدي أنتِ.."
كانت نظراتها جامدة لا توحي بأي تعبير, مدت يدها تفتح الباب, لكن قبل أن تهبط, قالت بنبرة مبهمة:" مهما كان سببك وحجتك القوية للإبتعاد, حاول أن تضع سعادة من تحب أمام عينيك وحاجتهم إليك, اقترب منهم مهما كانت حاجتك للإبتعاد..
الفراق قد يُغفر إن كان رغُمًا عنك وبيد القدر, لكن إن كان بيد*ك أنت وبرغبتك قد لا يُغفر أبدًا.."
خرجت من السيارة تغلق الباب خلفها تدلف المنزل,
تاركة خلفها عمار ينظر إليها حتى اختفت عن ناظريه' متمتمًا بعذاب:
" ربما كنت أمهد لفراق يرسمه القدر, ويخطه ببطء؛ لكن لا فرار منه.."
*****************
في منزل كبير يتسم بالعراقة بإيطاليا, تقبع بغرفتها أو حبسها المنفرد كما تسمية غرفة مغلقة بإحكام, وأمامها حارس يمنع خروجها؛ كأنها تستطيع حتى التفكير بالأمر..
كعادتها ساهمة على فراشها منزوية بركن ما تضم ركبتيها إلى ص*رها..
تتطلع أمامها بشرود تفكر بوضعها؛ هاهي هنا منذ عامين لا تخرج من ذلك المنزل البائس سوى مع ميشيل ولحفلات لتوضع بالصورة التي تريد العائلة وضعها بها,
أو مرغمة إلى الكنيسة وإلا تعرضت للعقاب, تكره هذا المنزل بشدة تشعر بداخله بالإنقباض..
كل ليلة تظل متيقظة بتأهب تتطلع للباب المغلق برهبة ورعب مما قد يحمله لها, كلما سمعت مقبض الباب يدور ينقبض قلبها ويرتجف جسدها بعنف الذكرى,
حتى الآن الوضع آمن ربما عاقبها ميشيل, لكن عقابه لم يكن جسدي؛ فهو لا يهوى العنف, ضحكت بسخرية وماذا عن العذاب النفسي التوعد بعقاب تنتظره دومًا؟.. تموت رعبًا مما قد يحمله لها بجعبته, أو من قد يسلمه أمرها فيفعل بها ما يشاء كما سبق..
تن*دت بتثاقل تنظر للنافذة ذات القضبان الحديدية بالجانب الآخر تراقب غروب الشمس بحمرتها في الأفق, تريد الخلاص, الهروب..
الفرار من ماضٍ بائس ينغص حياتها؛ بل ويترك ندوبًا جديدة تضاف إلى ندوبها القديمة.. وجه يثير بها الرعب منذ مراهقتها, وجه يظهر الهدوء والإتزان, ويخفي خلفه س***ة مرعبة لم تظهر سوى لها, وتسببت في جعلها ماهي عليه..
قيل أن أول ممارسة وإتصال بالجنس الآخر هي من تحدد إتجاهاتك, ميولك, ومصيرك..
وأول مواجهة لها كانت مرعبة حد الموت, إنتهاك دون موافقة بل إجبار بقوة, وتسلط لم تستطع فيه حتى النطق..
وتهديد إن أخبرت أحدهم بما حدث ستلاقي أسوء عقاب.. بل سخرية من سذاجتها..
لن يصدقها أحد ستتعرض للعقاب من الطرفين.. من جانب العائلة ومن جانب المعتدي.. هل سيصدقها أحدهم؟..
أن صديق العائلة من تربى على الفضيلة ويعتبر مثل يحتذى به, بل هو مثل ميشيل الأعلى.. هو من انتهك الصغيرة, وليس مرة بل مرات..
ابتلعت غصة استحكمت بحلقها تغمض عينيها, تعتصر جفنيها بقوة تهز رأسها بعنف تبعد تلك الذكريات عن رأسها, لكنها أجفلت حين سمعت صوت أحدهم يأمر الحارس بالإنصراف, ومقبض الباب يدور ويفتح, تنظر للقادم..
اتسعت عيناها متجمدة بمكانها, تتوقف أنفاسها؛ لا تصدق من أمامها أغمضت عينيها وفتحتهما, ترمش مرات تحاول إبعاد ذلك الوجه عن خيالها, هل وصل رعبها لتتجسد لها ذكراه, وتجده أمامها بإبتسامته المقيتة؟!..
شهقت برعب ترتجف شفتاها, وهي تراه يقترب منها, يقول بصوت خافت عابث:" مرحبًا روز.."
انتفضت تتراجع للخلف بهلع تهز رأسها بعدم تصديق, تهذي:" لا لا.. لا يمكن أن تكون هنا.."
اتسعت إبتسامته, وقال مؤكدًا مع كل خطوة يخطوها نحوها:" بلى.. إنه أنا.. لقد اشتقت إليكِ.. ألم تشتاقي أنتِ إليَّ.."
عيناها متسعتان بطريقة مرعبة, لا تستطيع النطق أو الصراخ كعادتها في حضرته, تهز رأسها نفيًا بلا وعي, هل عاد حقًا؟.. أم هو مجرد كابوس متجسد, وعليها أن تستيقظ منه؟..
دنا منها يرتكز بإحدى ركبتيه على الفراش ينظر إليها متفحصًا وجهها وجسدها بطريقة أثارت بها الغثيان, يمرر ل**نه على شفته السفلى بإشتهاء..
مد يده يتلمس وجهها فتراجعت للخلف لا تجد ملاذًا الجدار خلفها, وهو يحاصرها..
ضحك بتسلية, وهمس:" ماذا حلوتي؟.. هل فقدتِ النطق؟.. ألم تشتاقي كارلوس!.."
نظرت له بأعين دامعة متوسلة, شفتها السفلى ترتجف تهمهم بكلمات غير مفهومة..
عيناه تزدادان لمعانًا بقتامة عاطفة وشهوة, يكمل بصوت خشن:" لكني اشتقت إليكِ روز الصغيرة.. وهل يمكن أن أنسى صغيرتي الجميلة, أول تجربة لي ولها؟.."
هذه المرة ارتعش جسدها بأكمله تريد الصراخ؛ لكن صوتها مختنق بحلقها يأبى الخروج؛ كأنما أصابها الخرس, وهو يقترب منها أكثر حتى شعرت بأنفاسه تلفح وجهها, فأشاحت بوجهها للجانب قدر ما تستطيع بعيدًا عنه..
ارتسمت إبتسامة وحشية على ثغره, وتسارعت أنفاسه, هامسًا بجنون:" لابأس سنعيد أنا وأنتِ ما مضى.. وسأطهركِ بنفسي كما كنت أفعل سابقًا.."
جاهدت بإستماتة ليخرج صوتها متحشرج بتقطع:" أرجوك.. توقف.. يكفي.."
فمال برأسه للجانب, يعقد حاجبيه بتأثر مصطنع, قائلاً بعتاب:" أنا لم أبدأ بعد روز.."
همست محاولة إثناؤه:" ميشيل هنا.. سيراك.."
ضحك بإستمتاع, ولمعت عيناه بإثارة, قائلاً بتسلية:" ميشيل منشغل قليلاً مع خادمته الحسناء.. فغدًا سيسافر وسلم أمركِ لي, وسنبقى بمفردنا نستمتع أكثر.."
وكأن أخاها سلم الشاه للذئب ليلتهمها بمشروعية تحت سلطة صاحبها وبأمر منه..
وانقض عليها يخرس باقي كلماتها وتوسلها بين شفتيه, لتتجمد برعب كعادتها بين يديه, تبكي وتتمنى الخلاص أو الموت..
*******************
بعد يومين بمنزل سيرمان بأميركا كان الجميع يجلس على مائدة الطعام يتناولون الغداء ب**ت؛ لا يقطعه سوى صوت أصوات أدوات الطعام المستخدمة..
قطع ال**ت صوت جوانا والدة ميشيل, متسائلة بخفوت:" ميشيل.. كيف حال روز؟.."
التفت إليها ميشيل, قائلاً بهدوء:" بخير أمي لا تقلقي.."
تنحنحت جوانا, وقالت بحذر:" لقد مكثت هناك عامين.. ألم تنتهي مدة عقابها؟.. أعني ألا يكفي!.."
زفر ميشيل بحنق وزم شفتيه يطرق رأسه يتطلع لطبقه, قائلاً:" لا تقلقي عليها أمي.. هي بخير.. لقد أوكلت أمرها لكارلوس.. سيعتني بها جيدًا.."
فغرت جوانا فاها لتتحدث,
لكن قاطعها فيكتور بصوت حازم:" أفضل بقاؤها هناك.. تحت رعاية ميشيل وكارلوس.. حتى لا تعود لما تفعله.."
_ولكن..
هتف فيكتور بصرامة:" لا لكن.. روز تسببت بالكثير من المشاكل هنا.. حاولنا بقدر إستطاعتنا أن نخفيها.. هناك أفضل.. لقد تحدثت مع كارلوس وهو يوافقني الرأي.."
همست جوانا بأسى:" أشتاق إليها فيكتور.."
نظر ميشيل لوالدته بإشفاق, وابتسم مسترضيًا:" لا بأس أمي.. سافري معي المرة القادمة و ابقي هناك قليلاً.."
والتفت لوالده قائلاً بتهذيب:" أظن أن جميعنا سنسافر لأجل الحفل القادم أبي.."
أومئ فيكتور برأسه موافقًا, وقال بقوة:" معك حق.. سنسافر جميعًا.."
إبتسمت جوانا لميشيل بإمتنان, رغم صرامة ميشيل التي ورثها من والده؛ لكنه يعامل والدته برقة لا متناهية, يُشعرها أنها محور حياته؛ بل يقوم بكل ماتريده ليسترضيها..
ربما تظهر جوانا بعض القسوة إتجاه روز؛ لكنها تحبها فهي ابنتها؛ لكن أفعالها سيئة لا يمكن التغاضي عنها, ويجب الحزم معها,
تعرف قسوة فيكتور في التعامل ولا تستطيع أن تبدي برأيها في أي شيء, هي مثال للزوجة المطيعة بكل شيء,
لكن من تستطيع التحدث معه ويستمع إليها ويفهمها ميشيل, بل يتحدث مع والده ويخبره ببعض الأمور التي تريدها جوانا مدعيًا أنه هو من يريد..
رغم فظاعة تصرفات روز, وغضب ميشيل منها, لكنه كان يغض الطرف عنها على مضض بسبب توسلات والدته, كان يرضخ حبًا لها ومسترضيًا..
لكن ما إن تمادت روز ولم يعد بيده الصبر, أقنع والدته بواجب معاقبتها ولثقة والدته به وافقت على الأمر.. تشعر بالفخر والسعادة لأنها أنجبت ميشيل, الأقرب إلى قلبها..
أجفلت على صوت فيكتور, وهو يقول بصوت آمر:" اتبعني ميشيل إلى المكتب لنتحدث ببعض الأمور.."
أومئ ميشيل برأسه, وقال:" حسنًا.."
نهض فيكتور وغادر غرفة الطعام, لينظر ميشيل لوالدته, قائلاً برفق:" لابأس أمي.. لا تقلقي سيكون كل شيء على مايرام.."
ابتسمت جوانا, وقالت بحنان:" أعرف عزيزي.. أنا أثق بك.."
نهض ميشيل واستأذن والدته بتهذيب ليغادر خلف والدته؛ لكنها أوقفته قائلة برقة:" اشتقت إليك ميشيل.."
اتسعت إبتسامة ميشيل, وقال:" وأنا أيضًا أمي.. انتظريني وسنتحدث فيما بعد كثيرًا.."
ابتسمت جوانا وهزت رأسها موافقة تتطلع لظهر ميشيل حتى اختفى عن ناظريها متن*دة بإرتياح..
******************
في شركة رشدان لصناعة السيارات بدأت تمارا العمل منذ شهر, كانت تعمل بجد, وتقوي مركزها لتثبت أنها تستطيع الإعتماد على نفسها, بل تجابه سهيل ببعض الأمور..
كان الجميع ينظر إليها بدهشة فهي وحدها من تستطيع أن تعاند, وترفض بعض قراراته, ورغم غضبه؛ لكنه يرضخ ببعض الأوقات..
كانت تجلس خلف مكتبها على كرسيها تتطلع لشاشة الحاسوب تتفقد بعض الأمور, لكنها شعرت ببعض الصداع؛ فأغمضت عينيها تمسد بإصبعيها جبينها, متن*دة بتثاقل..
فتحت عينيها تتطلع للوقت فوجدت أنه قارب وقت إستراحة الغداء.. تحركت من خلف مكتبها, وخرجت متجهة إلى مكتب جيك لتخبره بأمر ما, ثم تتجه لفيبي لتتناول معها الغداء, وتتحدث قليلاً فمنذ عملها وهي مشغولة دومًا..
اتجهت لمكتب جيك, ولم تجد مديرة مكتبه, فزفرت بضيق, تتحرك لباب مكتبه تعلم أن جيك لا يغادر مكتبه إلا بعد مضي ربع ساعة من الإستراحة..
طرقت الباب بهدوء وفتحته لتدلف, ونظرت فلم تجده على مكتبه, فزفرت مرة أخرى بحنق, والتفتت تهم بالخروج, لكن أوقفها صوت جعلها تلتفت مرة أخرى تنظر للأريكة لتتسع عيناها, تفغر فاها بذهول..
شهقت صارخة بغضب مستنكر, تدير وجهها الأحمر بعيدًا:" ماذا تفعلان أيها الأ**قان؟.."
كان كل من فيبي وجيك يستلقيان يقبلان بعضهما على الأريكة وفيبي تلف ذراعيها حول عنقه, ويدا جيك تتحرك بحرية على جسدها ووضعهما غير لائق..
أجفلت فيبي على صوتها تدفع جيك بقوة بعيدًا عنها؛ ليسقط أرضًا بعد أن كان يشرف عليها, تعتدل تقف بإرتباك تحاول ترتيب ملابسها سريعًا..
نهض جيك بوجه عابس, يزرر قميصه المفتوح يمط شفتيه للجانب بسخط..
ابتلعت فيبي ريقها تنظر لجيك بإرتياع, تهتف بتعلثم:"ت.. تمارا.. ماذا تفعلين هنا؟.."
تسائلت تمارا بحرج حانق:" هل أصبحتما بوضع لائق؟.."
عضت فيبي على شفتها السفلى, تطرق بوجهها شبه الباكِ, في حين قال جيك بإمتعاض:" أجل.. يمكنكِ النظر.."
أدرات تمارا رأسها ببطء تنظر بطرف عينها بحذر تتأكد من الوضع, وحين إطمأنت التفتت كليًا, معنفة بحدة:" ماذا تفعلان بالضبط في الشركة؟.. هل جننتما؟.."
عقد جيك حاجبيه, وقال بفظاظة حانقة:" في الواقع نحن بفترة الإستراحة.. ماذا تفعلين أنتِ هنا؟.."
ارتفع حاجبي تمارا تنظر إليه بذهول, ثم تنحنحت قائلة بحنق:" هل تظن أن الشركة مكان لتلهو به؟.."
والتفتت لفيبي معنفة:" وماذا عنكِ آنسة فيبي؟.."
كانت فيبي تطرق برأسها تمط شفتيها للجانب, تقول بتبرم حرج:" أنا وجيك......" عضت على شفتها لا تستطيع أن تكمل..
فأردف جيك بإبتسامة عابثة, يجذب فيبي يلف ذراعه حول خصرها يقربها إليه:" نحن على علاقة منذ فترة.. لقد اكتشفت أنني أحبها منذ أن رأيتها.."
همست فيبي بشقاوة:" منذ أن رأيتني!.. أم حين قبلتك أول مرة!.."
مال جيك عليها هامسًا بصوت أجش:" بل منذ أن شممت رائحة عطركِ المميز عزيزتي.."
ابتسمت فيبي تعض على شفتها مرة أخرى تحاول منع ضحكاتها, تتذكر عبث جيك منذ أن إعترفا لبعضهما, وتقربه منها دومًا, وطريقته التي تغيرت كليًا, وهو يشعرها بحبه, وإحتواءه..
رفعت رأسها تنظر إليه بوله, وهو يبادلها النظرات الهائمة, وانحنى برأسه ليقبلها مرة أخرى..
ليقطع تواصلهما صوت تمارا الغاضب:" توقفا.. توقفا.. أنتما تصيباني بالغثيان.. ابتعد عنها.."
ابتعد جيك على مضض يقلب شفتيه بحنق, يجلس على المقعد المقابل لمكتبه يزفر بكبت, متسائلاً:" حسنًا.. والآن ماذا تريدين تمارا؟.."
زمت تمارا شفتيها تنظر لفيبي تارة, وجيك تارة أخرى, تعلم أن فيبي تحب جيك, لكنها لا تعلم مشاعر جيك حقًا..
تخشى أن يكون يتلاعب بفيبي ثم يتركها بعد ذلك.. لذلك قررت لعب دور المحقق..
قالت آمرة بقوة:" اجلسي فيبي.."
جلست فيبي بالكرسي المقابل لجيك بهدوء تنتظر ما سيحدث من تمارا.. رغم أن ما تفعله مع جيك طبيعي بمجتمعهم؛ لكنها تشعر بالخجل لأنها أخفت الأمر كل هذه المدة عن تمارا صديقتها المقربة.. ورؤيتها مع جيك بهذا الوضع حقا مخجلاً للغاية..
تحركت تمارا لتجلس أمامهما على الأريكة, تهم بالجلوس لكن قبل أن تجلس انتفضت مبتعدة سريعًا, على وجهها علامات التقزز تكاد تتقييء حين تذكرت ما كان يفعلاه عليها, وفضلت البقاء واقفة..
عقدت ذراعيها, وتسائلت بجدية:" فيبي أنتِ أخبرته بحبكِ.. وماذا قال هو؟.."
تنحنحت فيبي, تجيبها بخفوت:" يحبني.."
نظرت تمارا لجيك, تشير بيدها مع علامات وجهها المزدرئة, تتساءل بإقتضاب:" وأنت هل تحبها حقًا؟.."
عقد جيك حاجبيه, وقال بضيق:" أجل.. لكن ما شأنكِ أنتِ؟.. لِمَ تتسائلين؟.."
نهرته تمارا بقوة قائلة:" بل من شأني.. هي صديقتي ومن حقي الإطمئنان عليها.. أنت شاب عابث جيك.. أخاف عليها أن تخدعها.."
هتف جيك مدافعًا:" لست كذلك.. أنا أحبها.. ثم إنني لست عابث, تخلطين بيني وبين سهيل.."
لكن صوت تمارا صدح بقوة:" أنت صديقه وتعبث معه.. لا تكذب وتدعي البراءة, كل مايهمني ألا تجرحها.."
هذه المرة وجهت حديثها لفيبي, قائلة بتحذير:" وأنتِ لا تكوني حمقاء وتنخدعي به.. احذري.."
نفذ صبر جيك ونهض من مكانه يتحرك نحو تمارا, قائلاً بفظاظة:" يكفي آنسه تمارا لقد اكتفيت.. من تظني نفسكِ كي تحاسبينا, وتتحدثين معنا بهذه الطريقة؟.. نحن ناضجان, ونستطيع تدبر أمرنا.."
كان يقول كلماته, يمسك بذراعها يصحبها للخارج..
وحين وصلا للباب ليخرجها, فهتفت بقوة متوعدة:" سأراقبك جيك.. هي صديقتي ولن....."
دفعها جيك برفق, وأخرجها من المكتب, قائلاً بلامبالاة:" حسنًا حسنًا افعلي ما تريدينه, ولكن دعينا الآن.."
زمت تمارا شفتيها بقوة تنظر إليه بغضب, ثم رفعت يدها تشير بإصبعيها أمام عينيها ثم حركتهما إتجاهه بمعنى "أنا أراقبك.."
فزفر بحنق يهز رأسه بيأس وأغلق الباب بوجهها بقوة..
جعلها تهتف بغيظ شديد:" عديما الحياء.." وتحركت بخطوات ساخطة بعيدًا تهمهم بكلمات غير مفهومة..
في الداخل كانت فيبي تطرق برأسها ووجهها عابس من حديث تمارا ومنظرهما غير اللائق..
تحرك جيك إتجاهها وأمسك بيديها يوقفها, يرفع يده يمسك بذقنها يرفعه لتواجهه, هامسًا برقة:" لن تستمعي لحديث تمارا أليس كذلك؟.. أنا أحبكِ.."
تن*دت فيبي بتثاقل, وقالت بخفوت:" أعلم جيك.. لست متضايقة من ذلك.. لكني لم أخبرها بالأمر.. وهي ستغضب.."
هتف جيك:" هي حمقاء ولا تستمعي إليها.. لقد أفسدت وقتنا المميز.."
ابتسمت فيبي, وقالت بمكر:" لكن يبدو أن وقتنا قد انتهى فالإستراحة شارفت على الإنتهاء.. وعليَّ الذهاب.."
زم جيك شفتيه بسخط, يهتف بغل:" أفسدته وأضاعته المزعجة.."
ثم نظر إليها هامسًا بإغواء:" لكني المدير يمكنني أن أطيل الفترة.. وأنتِ أيضًا.." وأحاط خصرها بذراعيه يقترب منها..
ضحكت فيبي وقالت:" حسنًا حضرة المدير.. أظنني سأستفيد من تلك الميزة و....."
قاطع حديثها هاتفها بصوت وصول رسالة فمدت يدها بجيب بنطالها تفتح الهاتف لتقرأ الرسالة فوجدتها من تمارا محتواها..
" كاااااااااااااذب.. لا تصدقيه.."
ضحكت بقوة جعلت جيك ينظر إليها بدهشة؛ متسائلاً فرفعت الهاتف بوجهه وهي مازالت تضحك فقرأ الرسالة يجذ على أسنانه بغيظ يلعن تمارا بسره..
وفيبي تبتعد لتخرج, قائلة بدلال:" حسنا يبدو أن الوقت انتهى.. وداعًا.."
عقد جيك حاجبيه , بوجه شبه باكِ, وقال بتذمر:" ا****ة عليكِ تمارا.. حسنًا فيبي سأراكِ الليلة.."
اتسعت إبتسامتها تومئ برأسها موافقة, وتركته خلفها يرتمي على الأريكة يزفر بكبت..
*************
في المنزل بعد عودة تمارا, طرقت باب غرفة عمارعدة مرات حين سمعت هاتفه يرد عدة مرات, لكنها لم تجد إجابة, فدلفت بحذر وجالت بعينيها فلم تجده, لكنها سمعت صوته بالحمام فهمت بالخروج,
لكن وجدت هاتفه يرن مرة أخرى بإلحاح فنظرت للشاشة لتجد رقمًا مسجلاً بحرفين غريبين..
أمسكت الهاتف تضغط زر الرد, تضعه على أذنها فسمعت..
_ سيد عمار الطبيب يخبرك أنك لم تحضر جلستين.. هل هناك مشكلة ما؟..
عقدت تمارا حاجبيها بعدم فهم, وتسائلت بتلقائية:" عذرًا.. أي طبيب؟.. وأي جلسات؟.."
تنحنحت الممرضة, وتسائلت بحذر:" عفوًا.. أليس هذا هاتف السيد عمار رشدان.."
أومأت تمارا برأسها تتسارع دقات قلبها بخوف غريب, تقول بخفوت:" أجل.. هو بالحمام.. لكن هل يمكنكِ أن تخبريني....."
قاطعتها الممرضة بجدية:" عذرًا سيدتي سأهاتفه فيما بعد.." وأغلقت الهاتف حفاظًا على سرية المريض..
نظرت للهاتف ببلاهة لا تفهم ما يجري, عن أي جلسات تتحدث تلك المرأة.. وما شأن عمار بها؟!..
ذلك الهلع الذي تسرب لقلبها وهي تحاول فهم مايجري.. تنظر حولها بلاوعي..
لكن تجمدت نظراتها على خزانة ملابس عمار, وجال بخاطرها موقفه السابق, غضبه حين دلفت, وتلك الأوراق..
بلا وعي أسرعت تفتح الدلفة, تبحث بجنون عن تلك الأوراق, وحين وجدتها مدت يدها المرتعشة تمسك بها تتطلع إليها..
تقرأ لتتسع عيناها بعدم تصديق, تفغر فاها, لم تدري كم مر عليها من الوقت وهي تكتم أنفاسها بصدمة..
حين خرج عمار من الحمام وجدها أمامه تواليه ظهرها تمسك بالتحاليل الخاصة به, بعضها متساقط أرضًا..
اتسعت عيناه بإرتياع, وهتف:" تمارا.."
أجفلت تشهق بقوة تلتفت إليه بعينين مذهولتين, متسائلة بصدمة:" ماهذا عمار؟.. هل هذا صحيح؟.."
ابتلع ريقه يقترب منها, يقول بخفوت:" تمارا إنه....."
_ إنه ماذا.. أخبرني أن هذه التحاليل ليست لك..
صوتها المرتعب برجاء مثير للشفقة؛
جعله يزفر بتثاقل قائلاً بهدوء:" دعيني أشرح لكِ.. أنا.."
أجفل على صرختها الغاضبة تلقي الأوراق بوجهه:" أنت ماذا؟.. مريض بالسرطان وتخفي الأمر.. تتعذب بمفردك.. لماذا لم تخبرني؟.."
هتف يحاول أن يوضح:" تمارا لم أرد لأحد أن يتألم.. وأنتِ خاصة.." حاول الإقتراب منها..
لكنه توقف, حين نهرته صادحة بقوة, عيناها محتقنتين:" لا تقترب.. ألهذا انفصلت عن غريس؟.. وتركت الصغير.. كنت تخفي الأمر عني وتبتعد.. ألهذه الدرجة لا أساوي لد*ك شيئًا؟.."
نظر إليها بعذاب, وقال بألم:" بل لم أرد أن تتألمي.. أنا فقط.."
صرخت بصوت متحشرج:" أنت أ**ق عمار.. هل تظن أن بعدم إخبارك لمن حولك لن يتألموا.. هل تظن أن معاناتك بمفردك ورحيلك بعدها دون سابق إنذار سيخفف الأمر.. أنت...."
لم تستطع أن تكمل تتنفس بصعوبة, ص*رها يعلو ويهبط بصورة ملحوظة تشعر بالإختناق, عيناها تحترقان ولا تستطيع البكاء..
اقترب منها يضمها بقوة, وهي تحاول التملص منه بشراسة, لكنه لم يدعها حتى استكانت, وهو يهمس بصوت معذب:" لهذا السبب لم أستطع إخباركِ.."
همست بهلع تختنق بكلماتها, تتشبث به بقوة, دموعها قد خانتها تبكي:" إلا أنت عمار.. يمكنني أن أحتمل أي شيء إلا فقدانك أنت.. أنت ملاذي.. أنا آسفة.. آسفة.."
قبل أعلى رأسها, وقال بألم:" وأنتِ كذلك تمارا.. مميزة عندي ولا أستطيع رؤيتك هكذا.. أرجوكِ كفي.."
هزت رأسها نفيًا, قائلة بعذاب:" لماذا أنت دون غيرك؟.. لا يمكنني المواصلة بدونك.. أنت لا تستحق هذا.."
رفع رأسه يتنفس بصعوبة, يقول بخفوت:" كل له قدر صغيرتي.. وعلينا ألا نتذمر.."
ابتلعت ريقها بصعوبة, تبتعد عنه متسائلة برجاء:" هل أخبرك الطبيب أنه يمكنك الشفاء؟.."
ابتسم برفق, وقال ممازحًا:" لن أموت سريعًا لا تقلقي سأقاوم قليلاً.."
زمت شفتيها, وقالت بغضب تنهره:" أنا لا أمزح.. هل ستكون على مايرام؟.."
تن*د وقال مطمئنًا:" لا تقلقي أنا سأكون بخير.. أخبرني الطبيب بذلك.." نظرت إليه بشك.. فأومئ مبتسمًا يؤكد الأمر..
هتفت تمارا بقوة:" لا بأس سأحرص بنفسي على ذلك.. ستكون بخير وأنا من سيراقبك.. أولاً سأذهب معك للطبيب وأسأله بنفسي... وبعد ذلك سنسافر للعائلة لنمضي بعض الوقت.."
عقد حاجبيه, وقال بصرامة:" لن تخبري أحدًا بمرضي تمارا.."
عقدت حاجبيها بدورها وهمت بالرفض..
لكنه قاطعها بصرامة أقوى قائلاً:" سنسافر كما تريدين, لكن لا أحد سيعلم أفهمتِ!.. عليكِ أن تحترمي قراري.."
جذت على أسنانها بغضب, وقالت بسخط:" قرار أ**ق مثلك.."
عبس بوجهه يعنفها:" تأدبي قليلاً.."
تهدل كتفيها ببؤس فاحتضنها مرة أخرى, مهمهمًا بكلمات مواسية وهي تتشبث به بهلع..
غافلان عن ذلك الذي وصل لتوه يستمع لقرار سفرهما غافلاً عن باقي الحديث, يراهما بهذا الوضع, عيناه تشتعلان بجنون يقبض على يديه بقوة حتى خدشت أظافره باطن يديه يتنفس بعنف؛ يكاد يدلف ليقتل عمار وينتزع تمرته من أحضانه..
ابتعد يحث قدميه على الرحيل يتصل بجيك يأمره بتسلط أن يلقاه في أحد الملاهي التي يتقابلان فيها.. يُ**ت إعتراض جيك المتذمر بصرامة..
***********************
في الملهى الليلي كان يجلس يتطلع أمامه بنظرات شاردة يفكر بتمارا
وسفرها المفاجئ, ورغبتها في العودة للبلاد مع عمار..
كيف سيتمكن من البقاء بدونها؟.. بعد أن إعتاد على تواجدها, ليس فقط بالمنزل بل الشركة،
رغم طريقة تعاملها الجديدة معه, لامبالاتها؛ لكنه يشعر بالراحة طالما هي بجواره، يراها يمتع ناظريه يختلس النظرات، يهدأ من قلبه الملتاع, وص*ره المشتعل حين يستنشق رائحتها وهي تمر بجواره،
لكن أن ترحل مرة أخري بعيدًا عنه وتتركه ليعود لوحدته بعد أن أدمن وجودها؛ ذلك الذعر الذي يشعر به يكاد يفتك به، علاقتها الجديدة بعمار، بل ذلك الوضع الذي رآهما عليه منذ قليل..
حين تذكر الأمر أظلمت عيناه, يجذ علي أسنانه حتى كاد يحطمهم، يكور قبضتيه بقوة حتى ابيضت مفاصل أصابعه, يود لو حطم وجه عمار؛ بل وجذب شعر تمرته يُفهمها أنها له..
لا لأحد غيره؛ حتى لو أخبرها أنه ليس لإمرأة واحدة؛ لكنها هي له وحده دون أي شريك،
عمار وتقربه منها يشعره بالخطر، لكن معرفته بأمر حب تمارا له وإعترافها باﻷمر رغم تظاهرها الحالي بغير ذلك الآن يشعره باﻷلم.. أخذ نفسًا عميقًا يزفره بقوة تتصارع اﻷفكار برأسه ولا ترحمه، كوابيس جديدة يبدو أنها بالطريق إليه لتضيف لبؤسه لونًا جديدًا..
التقط الكأس القابع أمامه يتجرعه مرة واحدة, يشعر بإحتراق حلقه فأغمض عينيه بقوة, يهز رأسه من قوة المشروب،
وبجواره جيك يتطلع إليه بضيق, يمط شفتيه للجانب بضجر:" يبدو أنها ليلة مملة سهيل، ماذا نفعل هنا بالتحديد؟.."
نظر إليه بطرف عينه, وقال بلامبالاة:" نستمتع بالوقت جيك.."
هتف جيك بسخط:" في الواقع كانت خطتي الليلة مختلفة تمامًا عما نفعله.. كنت سأقضي الليلة مع فيبي, وأنت أجبرتني على القدوم معك.."
التفت إليه سهيل يرفع حاجبه ينظر إليه, ثم ضحك وهو يرى وجه جيك المتجهم الحانق,
ثم أردف متهكمًا بسخرية:" يبدو أنك ياصديقي تلهو دون علمي ومع الصغيرة فيبي.."
إزداد تجهم وجه جيك, وعقدة حاجبيه, وقال مدافعًا بضيق:" ليس لهوًا أنا أحبها.."
أص*ر سهيل صوتا ساخر, يبتسم بإستهزاء, قائلاً:" أخبرتها بحبك وستكون لها هي فقط.. أين المتعة بذلك؟.. أراهنك ستمل وتتركها وتعود لحياتك السابقة.."
هتف جيك معنفًا:" لا تقل هذا أنا أحبها وأخبرتها بذلك.. ربما أنت لا تعي معنى الحب بحياتك ال**بثة سهيل.. لو أحببت لكنت فهمتني, ولكن كيف للصياد أن يفهم معنى الحب والبقاء مع واحدة فقط.."
أطرق سهيل برأسه قليلاً, وانحنت زاويتي عينيه بألم مفكرًا بسخرية, بل هو يعلم معنى عذاب الحب, ومرارة فقدانه ينكوي بناره, ولا يستطيع إلا أن يحتوي ذلك البركان بداخله يتحمل حممه, يحاول إخمادها حتى لا تنفجر فتحرق اﻷخضر واليابس..
تن*د بأسى ثم قال بعبثه المعتاد، وهو يرسم إبتسامته المغوية:" حسنًا سيد جيك لا تفسد ليلتي.. فأنا بحاجة إليها, ولتدع أمر الصغيرة فيبي ليوم آخر.."
ثم اتسعت إبتسامته وهو يلكز جيك بذراعه, يشير برأسه قائلاً بتسلية:" انظر هناك لتلك الجميلة.. يبدو أن ليلتي ستكون حافلة.."
نظر جيك للفتاة بتقييم، وقال بلا مبالاة:" تبدو جميلة ارنا مهاراتك.."
التوت زاويتي شفتي سهيل بإبتسامة أكثر إغواءً, ولمعت عيناه بنظرة صياد محنك ينصب الفخ لفريسته الجديدة..
يغمز للفتاة بوقاحة وهي تنظر إليه بدلال ولا مبالاة مصطنعة, تتظاهر باﻹنشغال..
فهمس لجيك:" دقيقتان وستكون لي.."
نهض يتجه إليها بخطوات متمهلة كنمر يحوم حول فريسته, وجيك يراقبه بتأفف فهو يعلم أن تلك الفتاة ستكون لسهيل بلحظات؛
بل ستركض خلفه لاهثة، من تستطيع مقاومة الصياد وشباكه المبهرجة بألوان تسحر اﻷنظار تجعل الفريسة تتبعه دون أدنى مجهود،
بل يكفي اسمه فقط بجميع ملاهي الولاية "سهيل رشدان" وكفى..
وبالفعل بعد دقيقة فقط لا أكثر عاد سهيل, يحيط خصر الفتاة بذراعه يتضاحكان، هز جيك رأسه بيأس, يبتسم بتصنع للفتاة التي بادلته الإبتسامة وجلست هي وسهيل..
كان سهيل يميل عليها كل ثانية يهمس في أذنها, وعينا الفتاة تلمعان وتعض على شفتها السفلى، فالتفت سهيل يغمز لجيك, ويحرك حاجبيه بتسلية يخبره أنه حان موعد الرحيل بصيده الجديد..
لكن قبل أن ينهضا وجدا أحدهم يقف أمامهم, وعلى وجهه علامات الغضب هادرًا:" ماذا تفعلين هنا يافتاة؟.."
ارتبكت الفتاة, وقالت بتعلثم:" لا شيء.. فقط...."
صدح صوت الرجل مرة أخرى بعنف, يميل ناحيتها يجذب ذراعها بقسوة:" أيتها الوضيعة، انهضي.."
كان سهيل يراقب الموقف برفعة حاجب مترقبة, يرى الرجل ضخم الجثة, ملامحه معتمة بإجرام، لكن عند هذه الكلمة "انهضي" وقف بينهما يدفع الرجل بص*ره, يجذب الفتاة خلفه بتملك,
قائلاً بإبتسامة محذرة:" إنها تجلس معي.. لتبحث عن غيرها ياعزيزي.. فهي غير متوافرة بالوقت الحالي.."
احتقن وجه الرجل, يصدح بوجه سهيل بإستخفاف:" لا تتدخل أيها النحيف وإلا لقيت ما لايرضيك.. ابتعد.."
وصاحب كلمته بدفعه عنيفة لص*ر سهيل جعلته يترنح للخلف..
اتسعت عينا جيك بإرتياع, وهو يرى سهيل يعتدل, إبتسامته تغادر ثغره, وعيناه تظلمان بشراسة, قائلاً:" يبدو أنك لم تفهم تحذيري.."
وبلحظة أمسك بزجاجة موضوعة على الطاولة أمامه, يض*ب بها جانب رأس الرجل الذي ارتد للخلف من قوة الض*بة, ورفع يده يتلمس موضعها ليجد بعض الدماء تسيل على جانب وجهه الأيمن..
انقض سهيل عليه فأوقعه أرضًا, يجثو فوقه يكيل له اللكمات بجنون يصرخ:" أيها الوضيع لقد لعبت مع من لا طالة لك به.."
ذُهل الرجل من لكمات سهيل وقوته التي لا تتناسب مع جسده النحيف نسبيًا، يحاول صد لكماته؛ لكن سهيل لم يدع له الفرصة, وتجمع بعض رواد الملهى منهم من يشاهد, ومنهم من حاولوا فض الشجار،
وأبعدوا سهيل عن الرجل بمعاناه،
أمسك به جيك يحاول تهدأته, وقال بقلق:" اهدأ سهيل
يكفي لقد نال مايستحق هيا بنا اﻵن.."
كان سهيل ينظر للرجل بعينين متسعتين بجنون يلهث بعنف, وجسده متحفز يكاد ينقض عليه مرة أخرى..
لكنه عدل ملابسه, ورفع ذقنه, قائلاً بترفع محتقر:" حسنًا يكفيه اﻵن هيا بنا.."
وتحرك يجذب يد الفتاة خلفه مكملاً بعبث:" هيا حلوتي فأنا لن أفسد ليلتي.."
وتحرك ثلاثتهم للخروج..
لكن نهض الرجل يلهث صارخًا بغضب أ**د متوعد, ووجه دامي:" أيها العربي القذر.. ستندم وسأريك لاحقًا.."
توقف سهيل عن السير،
وتجمد جيك مكانه بعينين متسعتين بإرتياع, يمط شفتيه للجانب قائلاً بقلة حيلة:" تبًا.. لقد أخرجت الوحش من قفصه.."
التفت إليه سهيل بعينين لامعتين بخطورة, وإبتسامة متسلية، يقول وهو يتقدم نحوه:" لِمَ لا ترني اﻵن؟.. يبدو أن ليلتي ستكون أكثر تسلية وتشويقًا مما كنت أظن.."
****************
انتهى الفصل التاسع
قراءة ممتعة