الفصل الثامن

4636 Words
_أنا أحبك سهيل.. نظر إليها بعينين متسعتين غير مصدقتين, ثم ضحك.. ضحك حتى أصبحت ضحكاته تعلو بطريقة غربية لم يستطع السيطرة عليها, جسده يهتز بالكامل من فرط المفاجأة, ووقع الكلمات.. عقدت حاجبيها تنظر إليه بتعجب, ثم تسائلت بضيق:" هل قلت شيئًا مضحكًا لهذه الدرجة؟!.." انحنى يلتقط أنفاسه, تخفت ضحكاته ثم اعتدل ينظر إليها لاهثًا بإبتسامة مذهولة, يبتلع ريقه, قائلاً وهو يقترب منها:" تمرتي الصغيرة تتحدث عن الحب!.. وماذا تعرفين عنه؟.." نظرت إليه تبتلع ريقها بصعوبة, تتراجع للخلف خطوة وهو يقترب منها, تعض على شفتها السفلى تشعر بأن شجاعتها قد خانتها, تقول بتعلثم:" أعرف.. أعرف عنه الكثير.. فلم أعد صغيرة ثم......" اقترب منها حتى لم يعد يفصل بينهما سوى مسافة لا ترى؛ جعلت أنفاسها تتسارع, ص*رها يعلو ويهبط بشكل ملحوظ.. انحنى برأسه إليها تلفح أنفاسه وجهها, ينظر بعينين ماكرتين, وإبتسامة لعوب هامسًا:" ثم ماذا تمرتي؟.. كيف أحببتني ولم أر ذلك؟.." أطرقت برأسها تبعد عينيها عن عينيه الآسرة لها.. يشتعل وجهها بطريقة جعلت عيناه تبرقان بلمعان عاصف, وتتسع إبتسامته ؛ لتظهر أسنانه كذئب وجد فريسته المنشودة وهي تتبختر أمامه لتغريه أكثر.. شهية, براقة.. شعرت أنها حمقاء تجمدت الكلمات علي شفتيها, أين ذهبت شجاعتها؟.. ألم تحضر لهذه اللحظة كثيرًا!.. تدربت عليها حتى لا تقف كالبلهاء أمامه كما هي الآن.. هيا تمارا أكملي وإلا لم يكن عليكِ البدء من الأساس.. ابتسمت برقة, ترفع وجهها إليه.. هالتها تلك النظرة اللامعة بعينيه, لكنها لم تتراجع, تجيبه ببحة لذيذة:" ربما لأنك كنت تراني تلك التمرة الصغيرة.. ولكن الآن كبرت.." التوت شفتاه بإبتسامته المغوية, يرفع حاجبه ينظر إليها بتقييم, قائلاً بإعجاب خافت:" بلى.. كبرتِ كثيرًا.. أنا أرى ذلك الآن, وأتيتِ تخبريني بحبكِ.. لماذا؟ّ!.." ابتسمت نفس إبتسامته تنظر إليه بأعين مغوية متملكة, قائلة بهمس مدلل جعله يتأوه ب**ت:" عليَّ أن أحدد ممتلكاتي.. أليست هذه جملتك الشهيرة؟!.." غامت عيناه يلتهم تفاصيلها, تتسارع أنفاسه مغويته, معذبته تقتبس مقولته تنظر إليه بتملك؛ يجعله يحاول كبح رغبته بالإنقضاض عليها ويفهمها طريقته هو بالتملك.. هل أتت الآن لتغويه, وتجعله يقع مسحورًا تحت جمالها!.. كالساحرة الماكرة التي تنشر سحرها بالخفاء, وتظهر تلك الرقة التي تجعل الناظر إليها يظنها غاية البراءة.. أي براءة تلك وهاتين العينين تمثل كل صور الإغراء!.. سيقع صريعًا أمامها, يكاد يقسم أنها لو نظرت لقديس بعينيها البنيتين المرسومتين سينسى من يكون ويركع لها مدلهًا, طالبًا حبها.. كانت تنظر إليه بترقب وهي تحترق, لكن تشعر بالزهو؛ هاهي قد أخبرته بما تشعر, ترى بعينيه نظرة تُشعرها أنها قد وصلت لمبتغاها, لكن تنتظر رده الذي تراه هي بعينيه بدون حديث, ابتسمت أكثر تبادله النظرات لا تحيد بعينيها عنه, تريد أسره حقا كما أسرها هو بسواد, وعتمة عينيه اللاتين جعلتاها تتخبط في الظلام لتسكن إليه هو رغم كل عيوبه.. فغر شفتيه يكاد يتحدث يخبرها بعشقه, لكن نظرتها اللامعة جعلته يرتعد خوفًا, ينتفض داخليًا لا يمكن أن يحدث ذلك, أفق سهيل وإلا..... ابتعد عنها يوليها ظهره يتنفس بصعوبة, يقبض على يديه يحد من إرتجافهما, يطبق على فكيه يكاد يحطم أسنانه بغضب مكبوت, كاد يعترف ويخبرها لكن لا.. لن يحدث أبدًا.. مالت برأسها قليلاً تنظر إلى ظهره بتعجب, متساءلة:" ماذا بك سهيل؟.. ألن ترد!.." أغمض عينيه يأخذ نفسًا عميقًا يكتمه للحظات ثم زفره على مهل, يرفع ذقنه يلتفت إليها ببطء, إبتسامته المغوية التي رسمها بمهارة تعلو ثغره, متسائلاً بدهشة مصطنعة:" أخبرتني بحبكِ.. وماذا تريدين مني أن أقول تمارا؟.." عقدت حاجبيها بدهشة, تجيبه بتلقائية:" تخبرني بما تشعر.." ابتسم أكثر يقترب منها بعينين غامضتين تخفي أسرار كبئر عميق, مرددًا بهدوء:" أنتِ أخبرتني بحبك؛ لتحددي أملاكك صغيرتي.. لأكون لكِ أنتِ فقط.. أليس كذلك؟.." أومأت برأسها مترقبة بلهفة ما سيقوله.. لكنه **ت ينظر إليها بغموض.. انتظرت وانتظرت حتى انتابها التوتر؛ ليصلها صوته كحد السيف مشددًا على كل كلمة؛ رغم نبرته المغوية.. _وأنا لست رجل لإمرأه واحدة.. ولن أكون أبدًا صغيرتي.. هل ستقبلين بذلك؟.. ارتدت رأسها للخلف مبهوتة من كلماته, تنظر إليه بعينين متسعتين مصدومة, وفاه مفغر.. عيناه تخبراها بتسليته واستخفافه؛ كأنه كان يستمتع بالعرض حتى يقول هو كلمة النهاية.. كلماته انسلت إلى روحها تنتزعها بدون رحمة بعثرت كرامتها, كبرياؤها.. ارتجفت شفتاها, تشعر بالدموع تلسع عينيها, تراه يراقبها بعينين كالصقر ينتظر انهيارها, تذللها, صدق من لقبه "بقاهر النساء" فقد قهرها واعتصر قلبها دون أن يرف له جفن, ويقف الآن على حطامها المعذبة؛ لكن لا.. ليست تمارا من ستنهار, تركض, وتختبئ.. أطرقت برأسها حتى تساقط شعرها على كتفيها, وانحدر يخفي وجهها, ابتلعت ريقها تتنفس بروية تهدئ من نفسها, ثم رفعت وجهها تنظر إليه مبتسمة.. ابتسمت برقة, ترفع يدها ترجع خصلات شعرها للخلف, قائلة بهدوء مريب:" شكرًا لك سهيل.." نظر إليها عاقدًا حاجبيه بدهشة تشكره!.. ماذا دهاها؟.. ألن تبكي وتركض, تتمتم بكرهها لتحطيمه قلبها؟.. هل هي مصدومة لهذه الدرجة؟!.. أكملت برقة:" شكرًا لك أنك وضحت موقفك.. معك حق.. صغيرة.. لنصحح كنت صغيرة وكنت أنت حب المراهقة.. وعليَّ تجاوزك والبدء بحياتي.. حقًا أشكرك.. لا تبالي بحماقتي السابقة كان انجراف مني ليس إلا.. طاب نهارك.. أراك على العشاء.." ابتسمت له ترفع ذقنها تتهادى أمامه بخطوات رشيقة, واثقة, شامخة.. حين خرجت من مكتبه أسرعت بخطواتها لخارج الشركة, ترفع يدها تمنع تلك الدمعة قبل أن تسقط على وجنتها تمسحها بعنف.. أبدًا لن تبكي.. لن تبكي أبدًا منذ هذه اللحظة.. ليمت قلبها ألف مرة؛ لكنها لن تظهر ضعفًا لأي أحد.. ولن تظهر ضعفها لنفسها.. تلك التمارا التي خرجت من الشركة الآن حان وقت نضوجها ومواجهتها للحياة بنعومة ورقة الأنثى, وشراس, جنون, وقسوة تجاربها بالحياة.. ************ أما عنه هو وقف يتطلع للباب المغلق بنظرات خاوية لثوانٍ.. ثم انحنت زاويتي عينيه بألم، ألم كاد يفتك بقلبه.. آااااه.. لو تعلم مايكنه لها.. مايشعر به من فراغ بدونها.. وحدة, خوف، وعذاب.. ردد بصوت باهت:" حب المراهقة وستتجاوزيه!.. لكن ماذا عني؟.. أنتِ حب مراهقتي, شبابي, وحياتي.. جزء مني سينتهي حبكِ, وأستطيع تجاوزه عند موتي.." ابتلع غصة استحكمت بحلقه يغمض عينيه بعذاب.. كل مابداخله يأن من فرط اﻷلم.. كلماته حين قالها كانت **هام صوبها إلى قلبها؛ وارتدت دفعةً واحدةً لقلبه فقتلته.. ماضٍ.. ماضٍ مش*ه, ومهانة ترهقه, وتلهبه.. آااااه.. لو تعلم أحلامه وما يتمناه.. ماكان يتمناه سابقًا, في بعض اﻷوقات التي يسرح بها خياله.. هي أحلامه الوردية، ماسته الغالية التي تتألق؛ فتجعل عيناه تبرقان بلمعان أخآذ.. حُلم مجرد حُلم.. لكنه لم يعد يحلم.. مايراه منذ سنوات ما هو إلا كوابيس مفزعة، تفتك به لتحوله من سيء إلى أسوء.. ليس لديها مكان بحياته, فتمرته عليها أن تبقى بأرض خصبة جميلة، وأرضه ليست سوى صحراء أشبه بقبر مظلم مرعب.. هي حُلم, وهو لم يعد يؤمن باﻷحلام, لقد ولى زمن أحلامه وأصبح كل مايخطر بباله يحققه يأخذه بالقوة, واﻹكراه حتى ولو لم يكن من حقه، إلا هي.. إلا تمرته ستظل الحُلم الوحيد الذي لن يستطيع أن يطاله مهما بلغت قوته.. حلم لو حققه سيتحطم هو ويسقط في هوة ساحقة مظلمة، لتصبح بعيدة من جديد ينظر إليها من قاع الهوة؛ وإن مدت يدها لتحاول إنقاذه ستسقط معه, وتختنق من كثرة الظلمة.. هي حلم لم يحن وقت تحقيقه, وإمتلاكه.. ***************** حين يتلقى قلبك الكثير من الصدمات يتألم بشدة.. يكاد الألم يوقف دقاته, لكن مع كثرتها تبدأ بالإعتياد وتصبح محصنًا.. حين أخبرها بكلماته شعرت أنها تنازع الموت؛ هو خيرها بجنته, لكن معها حوريات يشاركنها حبه,.. وبين ناره ببعدها عنه؛ فاختارت النار, وأقسمت أن تجعلها جنة لها, ونار يتلظى هو بها.. نار أحرقتها وحولتها لرماد؛ لكنها ولدت من جديد كالعنقاء.. عنقاء جميلة بألوان زاهية ستبهر كل من يراها وأولهم هو.. ستجعل "سهيل" ينظر إليها بحسرة حتى يكاد يموت ندمًا لقوله ماقال, ستصبح تمارا.. تمرة كانت صغيرة رقيقة, نضجت لتصبح ثمرة براقة؛ لكن لن يستطيع أحد أن يقترب منها, أو يتذوق شهدها؛ ستجعله مرارًا بحلقه يختنق به.. ستكون "تمارا رشدان" بصلابة الفولاذ, فبحق كل ألم, نبذ, ومعاناة تعرضت لها ستكون هي بالمقدمة, ستحارب للبقاء لأجل نفسها.. لأجل "تمارا" وليس أحد آخر.. مات قلبها وأصبح خاويًا إلا من حب نفسها, نفسها فقط هي من تستحق أن تهتم بها وتعتني, لا أحد آخر.. كل من حولها لا يستحق أبدًا أن تتألم لأجله.. من كان لها يد ناعمة ستظل ممتنة له, لكن لن تضحي لأجله.. ومن كان يدًا قاسية لن ت**رها فقط؛ بل ستقطعها وتمزقها.. تدور وتدور بالمنزل مغمضة العينين تستمع إلى الموسيقى العالية منسجمة معها بطريقة غريبة.. دومًا كانت تفكر بإحساس ميرا وهي ترقص؛ إحساس رائع بالصفاء تشعر أنك تطفو بعالم خاص بك, تطير وتطير بسماء ترسمها مخيلتك, ترقص بين ألوان قوس قزح الجميلة, كل ماحولك يتلاشى.. كل الألم, الحزن, العذاب, يحل محله صخب من نوع آخر يجعل جسدك يتمايل مع إيقاعه, ضحكت تترنح أثناء محاولاتها الرقص على أطراف أصابعها كراقصات البالية.. لأول مرة تشعر بهذا الشعور الغريب هدوء شديد غريب.. غريب.. كأنها لم تتعرض لموقف سهيل وتحطيم قلبها, غريب!.. هل الأمر بهذه السهولة؟.. أن تفكر وتقرر أن تنزع أحدهم من قلبك, وعقلك بإرادة جبارة فتستطيع فعل ذلك.. ابتسمت تفتح عيناها بإبتسامة صافية تدور وتدور؛ لكنها أجفلت تتقهقر للخلف بمفاجأة, وهي ترى عمار يقف تنظر إليها بفاه مفغر وأعين متسعة بذهول.. تداركت نفسها واتزنت, تقول لاهثة بضحكة:" يا إلهي عمار.. لقد أفزعتني.." رمش بعينيه, وقال بنبرة مشدوهة:" بل أنتِ من أذهلتني.. لم أصدق سيلفيا حين أخبرتني أنكِ ترقصين.. أول مرة أراكِ بهذه الحالة.." اتسعت إبتسامتها, وأشرق وجهها واقتربت منه, تقول بشقاوة:" بل أنا من تعجبت كيف لم أجرب هذا الشعور من قبل!.. أتعلم إنه شعور رائع.. تعال وسأريك.." جذبت يد عمار الذي تسائل بدهشة, يتحرك خلفها:" ماذا تفعلين؟.." _ سأجعلك تعانق النجوم.. وضعت يدها على كتف عمار وأمسكت بيده الأخرى وأخذت ترقص بحركات سريعة وتدور ضاحكة.. ارتبك بالبداية لكنه لم يستطع إلا أن يجاريها في جنونها الغريب.. يتسائل بإبتسامة:" ماذا حدث لكِ اليوم لتكوني هكذا؟.. يبدو أن أمرًا جُلل أسعدكِ بشدة.." ضحكت بهزء, وقالت بنبرة مبهمة:" بل تستطيع القول أن ذلك الأمر الجُلل كان كالصفعة التي أفاقتني من غيبوبتي.. هيا هيا عمار تحرك أسرع.." نظر إليها بتعجب يهز رأسه بيأس, قائلاً بعدم فهم:" أنتِ حقًا عجيبة.." ضحكت تغمز له, قائلة بتسلية:" عجيبة لدرجة جعلتني أطهو لكم العشاء.." هذه المرة تسمر يفغر فاهه مرة أخرى بعد إستيعاب:" تمارا ترقص وتطهو!.. يبدو أن ماحدث اليوم كان ض*بة على رأسكِ غيرتكِ كليًا.." _ وهل أعجبك التغير عزيزي؟.. _ بالطبع.. وسأقول لكِ هل تقبلين الزواج مني؟.. حقاً سأكون ممتنًا.. نظرت إليه بحاجبين مرفوعين لثانية, ثم ضحك كلاهما بصوت عالٍ وتمارا تقول:" سأكون أكثر من مسرورة, وأنا أرى وجه غريس بعد معرفتها بهذا الخبر.. ستقتلنا سويًا أقسم لك.." ابتسم عمار إبتسامة صغيرة, وقال متن*دًا بخفوت:" لن تصدق أبدًا.." ثم أكمل بمرح يكمل رقص معها:" حسنًا أنا متشوق لتناول طعامكِ.." ابتسمت بحماس, وقالت:" ستفاجئ بما صنعته.. إ....." أجفل كلاهما على إختفاء صوت الموسيقى, يحل محله صوت سهيل المستهزء, يقف عاقدًا ذراعيه أمام ص*ره:" يبدو أن هناك من يستمتع بوقته هنا.." نظرت تمارا إليه بإبتسامة هادئة, عيناها تلمعان ببريق غريب؛ ترى عينيه تشتعلان رغم نبرته المستهزئة.. هتف عمار ضاحكًا:" لن تصدق سهيل.. تمارا أعدت العشاء لنا الليلة.. بل تبدو مشرقة.. هل رأيتها هكذا من قبل؟.." رفعت ذقنها, تقول بإبتسامة ونبرة ناعمة:" ستراني هكذا دومًا.. هيا سأذهب لأرى هل انتهى الطعام أم لا؟.. أعدنا نفسكما.." وتحركت تتهادى أمامهما بثقة.. راقبها سهيل يجذ على أسنانه بغضب, عيناه مشتعلتان.. حين دلف إلى المنزل سمع صوت الموسيقي العالية؛ فتحرك ناحيتها ليتجمد مكانه وهو يرى تمارا ترقص بمرح بين ذراعي عمار.. بل ويطلب يدها للزواج ممازحًا.. جن جنونه ظن أنه سيعود ليجدها بغرفتها منعزلة, أو حتى جالسة بهدوء؛ وليس كل ذلك الصخب, بل وأعدت الطعام, أي فتاة مكانها بعد أن قال لها ذلك الكلام الموجع؛ كانت لتفضل الموت على النظر إليه.. لكن هي تبدو غريبة بل ترقص.. تسائل بريبة بداخله عما تنوي فعله.. أخرجه من شروده صوت عمار يحثه على التحرك؛ فقد أخبرتهما تمارا أن الطعام أصبح جاهزًا, ويبدو أنه لم يسمعها أثناء شروده.. تحرك خلف عمار بترقب شديد يجلس على الكرسي الرئيسي, وجلس عمار على يساره وتمارا على يمينه كعادتها, لكنها كانت تستفزه بإبتسامتها الهادئة الراقية.. قامت سيلفيا بتقديم الطعام ثم تركتهم ورحلت, تناول عمار وتمارا الطعام بهدوء.. هتف عمار بإعجاب:" الطعام شهي جدًا تمارا.. لم أظن أنكِ تجيدين الطهو.." ضحكت تمارا برقة, وقالت:" وأنا أيضًا لم أكن أعلم لقد ساعدتني سيلفيا.." ثم التفتت إلى سهيل تتسائل ببراءة:" ماذا هناك سهيل؟.. ألا يعجبك الطعام؟.." نظر إليها بطرف عينه ولم يعلق يشعر بالريبة حقًا, هل تكون شعرت بالقهر لدرجة الجنون, ووضعت سُمًا بالطعام لتنتقم منه.. نظر للطعام بتوجس.. لمعت نظرة تمارا تعض على شفتها السفلى تمنع ضحكاتها؛ تشعر بالتلذذ من قلقه, وكأنها قد قرأت أفكاره, فمالت هامسة بمكر:" لا تقلق لم أضع سُمًا بالطعام جميعنا سنأكل, ولا أحد يستحق أن أضحي بعمري لأجله.." اتسعت عيناه ينظر إليها بصدمة, كلماتها المتهكمة كأنها دلو ماء بارد صب فوق رأسه.. لكن صوت عمار وصله متسائلاً بفضول:" هيا تمارا.. اخبريني ما سر هذه الإحتفالية؟.." ابتسمت تنظر لعمار قائلة بنبرة ناعمة:" هذه الإحتفالية لأنني نضجت.." وتداركت سريعًا مردفة:" لم نحتفل بحفل تخرجي بأكمل وجه, قد أفسد لسبب تافه, وأود تعويضه.." رغم نعومة نبرتها؛ لكنها كانت كشفرات حادة, شعر كأنها ذ*حته وتركته يختنق بدماءه, كل كلمة مبطنة يفهمها تريد أن توصل إليه رسالتها؛ لم يعد يمثل شيء لها.. ردت على حديثه صباحًا بطريقتها, هي ليست كاذبة أو تتصنع كل ذلك.. يعرفها جيدًا حق المعرفة؛ تستطيع أن تكون قاسية إن مس أحدهم كرامتها, بل تدهسه بطريقها ولا تلتفت إليه, وهو نجح بذلك.. أيقظ بها صفة القسوة المتوارثة بعائلتهم.. لم يعلق يطرق برأسه ينظر لطعامه ب**ت يتناوله على مضض, وعلى ثغره إبتسامة هازئة يفكر.. ربما لو لم يخبرها بحماقته لكان هذا الطعام الشهي إحتفال لهما تخصه هو بكل ذلك؛ دون أن يشاركه غيره, كلماتها المسمومة كانت لتكون بلسم يشفيه.. بعد أن انتهت من طعامها وتحدثت كثيرًا مع عمار, انصرف الجميع ودلف عمار لغرفته, تحركت هي لتقف قرب النافذة بهدوء تتابع المدينة الصاخبة.. يراقبها رغم شعوره بالألم, لكنه لا يملك سوى الإعجاب بتمرته القوية.. شرسة, مغرية.. و لامعة.. *********************** كوني امرأة خطرة كوني القسوة كوني النمرة لفي حولي لفي حولي كي أتحسس دفء الجلد وعطر البشرة غني، عيشي، ارقصي، ارقصي غني، عيشي، ابكي، جِنّي سيلى عرقاً، زيدي ألقاً كوني فرساً، كوني سيفاً يقطع كوني شفتا ليست تشبع كونى صيفاً افريقياً، كوني حقل بهار يلذع كونى الوجع الرائع، اني أنزف حباً إذ أتوجع كوني برقاً، كوني رعداً كوني رفضاً، يا سيدتي كوني غضباً خلي رأسك فوق ذراعي خلي شعرك يسقط فوقي ذهباً ذهباً كوني امرأة يا سيدتي تلهب في عينيها الشهبا غني، عيشي، ارقصي، ارقصي غني، عيشي، ابكي، جِنّي نزار قباني ******************* _حسنًا عماه سأحضر.. أجفل مروان على صوت سامر المتذمر وهو يتحدث بالهاتف وعلى وجهه علامات الإنزعاج البالغ.. انتظره حتى انتهي وأغلق الهاتف.. هتف سامر بإستياء يلتفت إلى مروان:" هذا مزعج.." تسائل بإهتمام:" ماذا هناك؟.." لوى شفتيه قائلاً بتبرم:" عمي يخبرني أن هناك حفلاً لميرا, وعليَّ حضوره.." ثم هز رأسه بهزء, يضيف بسخرية:" بالطبع فأميرة والدها, ومدللة العائلة سترقص الباليه.. وعليَّ أن أكون متواجدًا.." ابتسم مروان بتلقائية يتذكر وجه ميرا, وحركاتها الرشيقة فوق المسرح.. لكنه أجفل مرة أخرى.. **ت سامر قليلا مفكرًا, ثم هتف بإستنجاد:" أنت ستأتي معي.. لن أحتمل البقاء هناك ورؤية الرقصات التي لا أفهم منها شيء.." لم يرى وجه مروان الذي أشرق, وقلبه الذي تقافزت دقاته بصخب من سعادته؛ سيرى ميرا, وهذه المرة لن يختبئ كعادته.. بل سيراقبها ويشاهدها يمتع ناظريه منها.. هتف سامر بضجر مستعطفًا:" أعلم أنه أمر مزعج؛ لكنك صديقي وعليك مساندتي.. سأموت من الملل هناك إن بقيت بمفردي معهم, وأنا أشاهد نظرات عمي الحانية بمبالغة, ودموع زوجته المتأثرة.. تلك الدراما قد تفقدني صوابي.." حاول مروان أن يتحدث بلا مبالاة وهدوء, فقال بترفع:" حسنًا ياصديقي سأذهب معك رفقًا بك.." _أنت منقذي مروان, وأعدك بسهرة جميلة.. في اليوم التالي مساءً وصل الجميع كان مروان ينظر إلى ميرا بإنبهار, وهي ترقص منذ نصف ساعة رقصة تدعى "الجمال النائم" تتلخص قصة البالية في الآتي.. كان في قديم الزمان ملك و ملكة يعيشان في قصر فخم حياة سعيدة, وفي أحد الأيام تمنت الملكة أن ترزق بطفلة جميلة, وبعد سنوات تحققت أمنية الملكة وولدت طفلة صغيرة فاقام لها حفلة كبرى بهذه المناسبة دعى إليها سبع جنيات, وعندما شاهدن الجنيات الطفلة تمنت كل واحدة منهن أمنية للاميرة الصغيرة فتمنت الجنية الأولى للأميرة:" أن تكون أجمل فتاة في العالم.." أما الثانية:" أن تملك عقل ملاك.." والثالثة:" أن تكون رشيقة.." و الرابعة:" أن تكون راقصة.." والخامسة:" أن تغني بصوت جميل.." والسادسة:" أن تعزف على كل الالات الموسيقية.." ولكن عندما بدأت الجنية السابعة تتمنى أمنية للاميرة الصغيرة دخلت جنية عجوز إلى القاعة.. وهي في حالة غضب شديد لأن الملك والملكة نسيا أن يدعواها إلى الحفلة وتنبات بموت الاميرة من جراء وخزة بإصبعها من الة الغزل عندما يصل عمرها إلى السادسة عشر, ثم اختفت العجوز الشريرة بعد أن تركت الجميع يبكون ويتألمون.. أخبرتهم جنية طيبة أن الأميرة ستظل نائمة فترة طويلة حتى يوقظها أمير شاب.. عندما شاهد الملك ابنته ممدة على الأرض بدون حراك حزن حزنا عميقا وخشى موتها, لكن الجنية الطيبة طمأنته, و قالت له:" لا تحزن أيها الملك أن الأميرة لم تمت بل ستنام لمدة مئة عام, وسأجعلكم تنامون معها في نفس الفترة حتى لا تخاف الأميرة عندما تستيقظ, فقامت الجنية الطيبة بتحريك عصاها السحرية فنام جميع من في القصر نوما عميقا.. وظلت بالفعل نائمة حتى مائة عام حتى أتى أمير شاب وعلم بالقصة ودلف إلى القصر بعد أن عرف بالقصة... عندما دخل الامير صالة القصر وجد الملك و الملكة و الحراس و جميع من في القصر نيام, وعندما وصل إلى الغرفة الخاصة بالأميرة وجدها في غاية الجمال أمسك بيدها وقبل جفونها فاستيقظت الأميرة و في نفس اللحظة أبطل مفعول السحر, و استيقظ كل من في القصر.. أقام الملك وليمة كبرى وشكر الأمير, وقال له:" اطلب مني ما شئت.." فقال الامير:" اريد ان اتزوج من الاميرة.." فوافق الملك فورًا و بارك جميع من في المملكة زواج الاميرة من الشاب الشجاع.. وجاءت الجنيات السبعة ليحتفلن بالزواج و كانت أمنيتهن هذه المرة ان ينجب الزوجان طفلا جميلا وعاشا حياة سعيدة ملؤها الهناء.. رغم أن ميرا لم تكن الراقصة الأساسية؛ لكن كان مروان يراقب كل حركة لها منفصلاً عن الجميع.. وبجواره سامر يكاد يغفو من الملل.. هتف مروان بإعجاب خافت:" انظر يالها من رقصة رائعة حقًا.." نظر إليه سامر بطرف عينه, منزلق على الكرسي, مرددًا بتهكم:" رائعة!.. هل تعرف أصلا اسم تلك الرقصة؟.. لديهم أسماء عجيبة يارجل.." _ألا تعجبك إنها رائعة!.. مط سامر شفتيه للجانب بإمتعاض, وقال:" لا تعجبني ولا أفهمها.." ثم لمعت عيناه ببريق قائلاً بعبث:" تعجبني تلك الراقصات المتمايلة على النغمات الشرقية, جسدهن يتمايل ويتحرك كاﻷفاعي يكاد عنقك يلتوي مع كل انحناءة بجسدهن.. تشعلن الحماسة بداخلك.. وليست تلك الراقصات اللاتي يشعرنك أنهن يمشين على قشر بيض يخافن تحطيمه.." نظر إليه مروان بعدم رضا, وقال:" دائمًا تفكيرك بالراقصات.. ا**ت سامر ودعنا نشاهد العرض.." أغمض سامر عينيه, وقال بلا مبالاة يعقد ذراعيه أمام ص*ره:" سأنام قليلا ايقظني حين تنتهي هذه المأساه.. أقصد الرقصة.." هز مروان رأسه بعدم اهتمام, وقال بخفوت:" حسنًا حسنًا.." وتابع العرض بل تابع ميرا بأعين لامعة عاشقة.. بعد أن انتهت الرقصة, وبدلت ميرا ملابسها وقفت بجوار والديها فتقدم منها مروان يعطيها باقة من الورد الجوري, متمتمًا بأناقة:" كنتِ رائعة ميرا.." ابتسمت ميرا برقة:" شكراً لك مروان.." هتفت عاليا بنبرة متأثرة:" كنتِ كالفراشة صغيرتي.. لقد أبهرتِ من بالحفل.." وقال غسان وهو يحتضنها بحنان بالغ:" كنتِ جميلة صغيرتي.." أما سامر فكان يراقب الجميع بملل شديد, ولم يعد يحتمل الأمر فقال بنفاذ صبر:" حسنًا.. كانت جميلة لامعة.. وقد انتهى الحفل.. هل يمكنني الرحيل الآن؟.." نظر إليه الجميع بإمتعاض فابتسم بسماجة, يسحب يد مروان خلفه الذي كاد يقتله قهرًا .. فقد أراد أن يتحدث معها وينتهز الفرصة.. في السيارة تن*د سامر بإرتياح, وقال بإبتسامة عابثة:" أخيرًا انتهينا كدت أموت مللاً.. والآن حان وقت المرح الحقيقي.." تطلع إليه مروان بإمتعاض, وتسائل بنزق:" إلى أين ستذهب؟.." _ سنذهب لنرى الرقص الحقيقي يارجل.. _ لا... أريد العودة للمنزل.. واذهب أنت لأي مكان تريده.. أنا اكتفيت اليوم.. لوى سامر شفتيه للجانب بعدم رضا, وقال:" دومًا مفسد لمتعتي.. سأوصلك لمنزلك واستمتع أنا.." وبالفعل أوصله لمنزله ورحل.. يقطن بمنطقة متوسطة ليست راقية ولا شعبية.. شقته متواضعة وتعيش معه جدته بعد موت والديه, هي من تولت تربيته.. تعرف على سامر بالجامعة ثم عمل معه, وأصبحا صديقين مقربين مع بعض التحفظات القليلة.. دلف مروان إلى غرفته بعد أن اطمئن على جدته ووجدها نائمة.. فتح حاسوبه الشخصي كعادته, أسرع ليفتح صفحة التواصل الإجتماعي ويرى صفحة ميرا وصورها التي تنشرها.. ينتظرها قليلاً حتى تأتي وتتحدث معه كعادتهما منذ أن أصبحا صديقين منذ فترة قصيرة تعرفا فيها على بعضهما وتقربا.. أصبحا يقضيان الكثير من الوقت يتحدثان في العديد من الأمور.. ******************* جلست على كرسيها خلف مكتبها متجهمة الوجه تشعر بالإحباط، حين تم تثبيتها بالعمل بعد تخرجها لم تظن أنها ستنتقل من مكتب جيك لمكتب آخر يتواجد به موظفين آخرين.. كانت تظن أنها ستظل مديرة مكتب جيك ستبقى معه ولن يتغير شيء، لكنها بعد عدة أيام من تعيينها, دلفت للمكتب لتتسع عيناها وهي ترى فتاه أخرى تحتل مكانها, وحين تسائلت أخبروها أنها أنهت فترة التدريب وستكون موظفة تمارس وظيفتها حسب تخصصها الدراسي.. كادت أن تبكي متوسلة ألا تترك جيك؛ ولكن ليس بيدها حيلة.. حين عادت للمنزل بحالة كئيبة بقت عليها طويلاً، لاحظتها والدتها وسألتها عن السبب، لم تعرف كيف تجيبها؛ هل تخبرها أنها حزينة لفراق جيك مديرها؟.. أليس هو من كانت تشتكي من سوء معاملته وكثرة أوامره؟!.. أم تخبرها أن ابنتها الحمقاء قد وقعت بغرامه وتراقبه كالمعاتيه دومًا، لت**ت ولا تتحدث فجيك لم يظهر لها أي مظهر يوحي بأنه يهتم بها حتى.. زفرت بملل المكتب هنا هادئ نسبيًا مجرد أعمال روتينية مقارنة بعملها مع جيك لم تكن تجد وقتا لتشعر بالملل.. تطلعت حولها فوجدت كل من زملائها يعملون.. فلوت شفتيها للجانب وأطرقت برأسها تنظر لبعض اﻷوراق أمامها.. مر الوقت بطيئًا يكاد يقتلها.. مع إستراحة الغداء خرج من بالمكتب وبقيت هي لم تكن تشعر برغبة في تناول الطعام.. جلست تفكر بجيك وتتسائل فيما يفعله اﻵن.. ما دور مديرة مكتبه الجديدة هل يعاملها بفظاظة أم بلطف؟.. هل يتحدث معها كما كان يحدثها؟.. هل وهل وهل.. هل يشتاق إليها كما تشتاقه هي؟.. أسئلة كثيرة تدور برأسها تكاد تصيبها بالجنون.. هزت رأسها بقوة ثم أرجعت رأسها للخلف تنظر إلى السقف.. لكنها أجفلت على صوت أحدهم يقول بتسلية: ماذا تفعلين هنا بمفردكِ؟.. انتفضت واقفة تفغر فاها بغباء تتطلع إلى الواقف أمامها بإبتسامته المستفزة.. هاتفة بذهول:" جيك!.." أغلق باب المكتب يتحرك إتجاهها يقترب منها حتى وصل إليها, ولم يعد يفصل بينهما سوى خطوة, قائلاً بخفوت:" أجل.. إنه أنا.." رمشت بعينيها, وتسائلت ببلاهة:" ماذا تفعل هنا؟.." ابتسم بنعومة, وهمس:" كنت تفكرين بي, ولذلك أتيت لك.. أليس كذلك؟.." قالها غامزًا بوقاحة؛ جعلتها تهز رأسها بلاوعي تحاول نفي التهمة عنها, لا تستطيع الرد.. عيناها تنظران إلى عينيه بإشتياق فاضح ينضح من عينيها.. ابتلعت ريقها بصعوبة.. تهمس بقدر ما استطاع صوتها:" لم... لم...." قاطعها ينحني يهمس أمام شفتيها بصوت أذاب أوصالها:" اشتقت إليكِ فيبي.." وبلحظة قبلها بشغف.. قبلها قبلة كانت تتمناها, وتحترق شوقًا لمعرفة مذاقها.. شعرت بأن ساقيها لم تعودا تستطيعا حملها, مهددة بالسقوط فأمسكت بذراعي جيك تلتمس دعمه؛ لكنه لم يمسكها لتجد نفسها تنزلق مبتعدة عنه شاهقة بقوة.. انتفضت في جلستها تكاد تسقط من كرسيها, وقد انزلقت عليه تنظر حولها بتشوش تحاول اﻹعتدال.. وجدت نفسها بالمكتب فارغ لا أحد معها بحثت بعينيها عن جيك ولم تجده.. عقدت حاجبيها تحاول التذكر.. لكنها شهقت مرة أخرى بإرتياع هاتفة:" يا إلهي ليس ثانيةً.. كنت أحلم.. كان حُلمًا.." تلمست شفتيها وأكملت بوجه متجهم ونبرة شبه باكية:" يا إلهي سأصاب بالجنون أنا صرت أحلم به دومًا.. ولكن أن أغفو بعملي وأحلم به.. هذا كثير.." تحركت حدقتاها بهلع, تمتمت تضع يدها على وجنتها:" ماذا إن غفوت مرة أخرى وحلمت به ورأيته بوجه أحد زملائي؟.. سأتحرش به وأنا لا أشعر وقد أقبله.." هزت رأسها نفيًا هاتفة:" لا لا.. لايمكن أن يحدث ذلك.. عليَّ أن أتصرف.. لكن ماذا سأفعل!.." أمسكت هاتفها تحاول اﻹتصال بتمارا؛ لكن اﻷخيرة لم تجبها فزفرت بإحباط.. صورة جيك بمخيلتها لا تفارقها كأن صورته طبعت بعقلها, ولم تعد تفكر بغيره.. وقفت وخرجت من المكتب لم تدري إلى أين تذهب.. اﻹستراحة ستنتهي بعد نصف ساعة، ساقتها قدميها, لتجد نفسها أمام مكتب جيك، نظرت ولم تجد مديرة مكتبه, فتحركت قدماها بلاوعي تجلس على كرسيها القديم, مغمضة العينين تشعر بالحنين إليه، تتلمسه, وتتلمس مكتبها.. تحركت عيناها لباب مكتب جيك المغلق فوقفت, تقترب منه تبتسم برقة, يداها تدفعاها لفتحه.. همست لنفسها:" حسنًا نظرة واحدة، هو ليس بالداخل مؤكد باﻹستراحة يتناول غداءه.." فتحت الباب تدلف مغلقةً إياه خلفها.. جالت ببصرها بأنحاءه بأعين حالمة, تتحرك بكل مكان فيه تأخذ نفسًا عميقًا معبق برائحة جيك.. تغمض عينيها ولازالت على ثغرها تلك اﻹبتسامة.. ثم فتحتهما تزفر قائلة:" حسنًا هيا فيبي يكفي.." التفت للخلف, لكنها تراجعت متعثرة تصرخ بذعر حين رأت جيك يقف أمامها يستند إلى الباب المعلق عاقدًا ذراعيه أمام ص*ره.. ابتلعت ريقها بصعوبة, تهتف بتعلثم:" أنا.. أنا......" رفع حاجبيه, يتسائل بترقب:" أنتِ ماذا فيبي؟.. ماذا تفعلين هنا بمكتبي؟.." همست بنبرة شبه باكية:" بل أنت ماذا تفعل هنا الآن؟.." ارتفع حاجبه يميل برأسه للجانب قليلاً, متسائلاً بتهكم:" ماذا أفعل أنا هنا؟.. أظن أنه مكتبي.. ماذا تفعلين أنتِ بمكتبي؟.." عقدت حاجبيها, تطرق برأسها, حدقتاها تتحرك بتوتر تفكر في عذر لتقوله؛ فهتفت سريعًا:" كنت أبحث عن بعض اﻷوراق التي نسيتها هنا.." _ألم يكن يجدر بكِ أن تخبري مديرة مكتبي.. زمت شفتيها بحنق, قائلة بفظاظة:" لم أجدها بالخارج.." رفع جيك حاجبه, وقال متهكمًا:" هذا لأنها إستراحة الغداء.. ربما كان عليكِ اﻹنتظار حتى تنتهي.." أطرقت برأسها مرة أخرى, وهمهمت بكآبه:" أعتذر.. كان هذا عملي ولم أكن أطلب من أحدهم.." ابتسم برقة وهو يرى هيئتها, كتفاها المتهدلين, وقال بهدوء:" هل أنتِ سعيدة بعملكِ الجديد فيبي؟.." همست بإحباط:" أجل.." ثم تسائلت بدورها:" وهل أنت سعيد مع مديرة مكتبك الجديدة؟.." _أجل هي جيدة.. جذت على أسنانها بغيظ وغل شديدين, تنظر إليه بعدم رضا, قائلة وهي تتحرك لتخرج:" حسنًا سعيدة لسماع ذلك.. سأعود لعملي.." ابتسم يتنحى جانبًا لتخرج, لكنه تسائل مرة أخرى بفضول حين تذكر حديثها, ولم يجد بيدها شيء:" أخبريني ماذا تريدين؟.." قبضت على يديها بقوة تشعر بالغيرة تكاد تموت قهرًا؛ تعلم أنها ستذهب لمكتب آخر وسيظل هو مع الفتاة اﻷخرى.. لذلك التفتت إليه, تقول بقوة تتحرك اتجاهه:" أريد هذا حتى لا أجن.." استطالت على أطراف أصابعها, تمسك بمقدمة قميصه تقبله بقوة.. قبلة كانت تشتهيها, حلمت بها منذ قليل.. تجمد جيك من فعلتها, واتسعت عيناه بشدة.. حين ابتعدت عنه لاهثة تطرق بوجهها أرضًا, وقد تورد بشدة, هامسة بتقطع:" أنا أحب.. أحبك.. أحبك منذ أن عملت معك ولكني كنت خائفة من ظنك أنني أخادعك لأجل العمل.. لكني لم أعد أحتمل أكثر.." رفعت وجهها تنظر إليه مكملة بنبرة متحشرجة:" أنا أحبك جيك.." كان ينظر إليها بوجه جامد لا تستطيع قراءة تعابيره, وحين طال **ته ابتلعت ريقها بمرارة, تتحرك لتخرج, شاعرةً بألم حارق بص*رها.. لكن حين أمسكت بمقبض الباب تفتحه؛ أجفلت حين أغلقته يد جيك سريعًا.. يهمس بنعومة متسلية خلفها بجوار أذنها:" هل ستخرجين دون أن تعرفي جوابي؟.." تسارعت أنفاسها بطريقة غريبة تلتفت إليه ببطء, تنظر إليه بخوف, قائلة بنبرة سريعة:" يبدو أنني تسرعت.. أنا...." _ا**تي قليلاً... قاطعها بلهجة آمرة جعلتها تبتلع باقي كلماتها تنظر إليه بهلع.. رقت عيناه, والتوت زاويتي شفتيه بإبتسامة ناعمة, ينحني, هامسًا أمام شفتيها:" وأنا أحبكِ فيبي.. واشتقت إليكِ.. كذبت حين أخبرتكِ أنني سعيد مع الفتاه الجديدة.. أنا أشتاق إليكِ أنتِ.." وقبلها قبلة أوصلت لها مايريد؛ لترفع ذراعيها تلفهما حول عنقه تستقبل القبلة التي طالما حلمت بها.. بل وأفضل مما تخيلتها.. ************** بغرفته يتطلع إلى تحاليله بتركيز شديد, يتن*د بتثاقل، هاقد مر عامان على بداية تلقيه للعلاج, ويبدو الوضع جيدًا إلى حد ما.. أخبره الطبيب أن الورم خامل حتى اﻵن, ومع المتابعة والمواظبة على الجلسات واﻷدوية سيكون بخير.. لكنه يشعر تلك اﻷيام بألم حارق بص*ره خاصة بعد تناوله أدوية معينة.. حين أخبر الطبيب بذلك طمئنه بأنه شيء عادي مع الدواء, لكن هذا الخمول وال**ل الذي يشعر به قد إزداد.. زفر يحيد بعينيه, يذكر نفسه بيوسف عليه أن يقاوم أكثر وأكثر لأجله.. أثناء شروده أجفل على صوت تمارا التي دلفت لغرفته، ارتبك يلملم اﻷوراق يخبأها على عجل بداخل خزانة الملابس؛ فسقط بعضها فانحنى يلملمها سريعًا بعصبية، يهتف معنفًا بحدة:" تمارا.. كيف تدخلين دون استئذان؟.." اتسعت عينا تمارا, ترتد برأسها للخلف من نبرته الهجومية, قائلة بإعتذار خافت:" أعتذر عمار.. لكني طرقت الباب عدة مرات ولم تجب.. سأغادر.." التفتت لتخرج.. فزفر بضيق واعتدل يضع باقي التحاليل بالخزانة ويغلقها، قائلاً بهدوء:" آسف لم أقصد أن أزعجكِ, لكني كنت شاردًا ببعض اﻷمور.. ماذا تريدين؟.." عقدت حاجبيها تنظر إليه بريبة تارةً, وإلى الخزانة المغلقة تارة أخرى، ثم قالت بإبتسامة هادئة:" أتيت لأخبرك أنني انتهيت لتصطحبني لرؤية جو.." أومئ برأسه بخفة, وقال:" حسنًا دقائق ونذهب.. سيسعد كثيرًا حين يراكِ.." أشرق وجهها واتسعت ابتسامتها, قائلة بحماس:" حسنًا.. سأكون بالخارج لا تتأخر.." وخرجت مسرعة تاركة عمار يزفر بإرتياح نسبي.. حين لم تتسائل عن اﻷوراق وسبب توتره.. بعد وقت قصير بمنزل غريس كانت تمارا تحمل يوسف ذو العامين ونصف تقبله بقوة, تدغدغه ليضحك بشدة.. ابتسم عمار, وقال مداعبا:" يكفي تمارا ستأكليه.. من يراكِ هكذا سيظنكِ متحرشةً باﻷطفال.." نظرت إليه بطرف عينها, تمط شفتيها للجانب, مرددة بإمتعاض: متحرشة!.. دعني عمار وشأني.. جو لم يتذمر.." والتفتت مرة أخرى ليوسف تتساءل ضاحكة:" أليس كذلك صغيري؟.." ضحك الصغير يهتف بنبرة طفولية محببة يلتمس اللعب مرة أخرى, يمد يده ليمسك بوجه تمارا:" تاما.." أشرق وجه تمارا تتحرك ناحية الحديقة, تقول لعمار:" سنذهب لنلعب.. وأنت دعنا واذهب لغريس.." هز عمار رأسه يأسًا تمارا أصبحت غريبة تارة متزنة, وتارة كالطفلة تبدو متقلبة بشخصيتها الجديدة.. في الحديقة كان كل من تمارا ويوسف يلعبان بالكرة, يضحكان بصوت عالِ وتمارا تركض خلفه.. جلس عمار وغريس على طاولة مصنوعة من الخيرزان, كرسيان من نفس النوع بالحديقة, وعليها بعض المشروبات.. ابتسم ينظر إلى غريس, قائلاً بدفء:" كيف حالكِ غريس؟.." ابتسمت بتوتر, تقول وهي تحيد بعينيها عنه متشاغلة بمراقبة يوسف:" بخير عمار.. كيف حالك أنت؟.." _بخير.. _جيد أنا سعيدة بذلك.. تطلع بها بإستغراب نبرتها المرتبكة, عدم قدرتها على مواجهته تبدو غريبة؛ فتسائل بقلق:" هل أنتِ بخير غريس؟.. تبدين متوترة.." أطرقت رأسها للأسفل, تفرك يديها بعصبية, تقول بخفوت:" عمار أنا أواعد أحدهم.." للحظات لم يستوعب اﻷمر, يهتف ببلاهة:" ماذا؟.." زاد ارتباكها أكثر, تهمس بتعلثم:" أ.. أواعد أحدهم من فترة.." ************ انتهى الفصل الثامن قراءة ممتعة
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD