الفصل السابع

2728 Words
تجلس بمكتب جيك على اﻷريكة بأريحية حيث أن جيك قد خرج بموعد ما ولن يعود مرة أخرى وأخبرها بذلك.. فانتهزت فرصة غيابه, ودلفت لتراجع بعض دروسها المتأخرة، تبتسم بسعادة دومًا حين تدلف إلى مكتب جيك رائحة المكتب معبقة برائحته الخاصة والتي تسكرها.. تعلم أنها تحبه بشدة رغم فظاظته في التعامل معها، ها هي قضت ثلاث سنوات تعمل تحت إشرافه, وحين تتخرج هذا العام ستتعين بصفة رسمية بعقد دائم بالشركة كما وعدها عمار بناء على طلب تمارا.. كم تشعر باﻹمتنان لها ولإتاحة الفرصة لها للعمل بمثل هذه الشركة وبهذا الراتب الذي لم تكن تحلم به، هي فتاة من أسرة متوسطة الحال, كان عليها أن تعمل لتساعد عائلتها بالدخل؛ حيث أن والدتها تعمل بدوام جزئي وعليهما أن يوفرا المال لرعاية أخيها المصاب بالتوحد.. مايك الصغير رغم إصابته بالتوحد لكنه رقيق التعامل هادئ الطباع؛ في البداية كانت تشعر بالغضب, والحنق الشديد منه فهو يختلف عن باقي اﻷطفال ويبكي كثيرًا, ويحتاج لرعاية مكثفة، لا يتفاعل مع أحد سوى والدته التي كانت تعاني ضغطًا, وتعمل أكثر من عمل وتتركه مع فيبي المتذمرة منه دومًا، كانت تصرخ بوجهه وتعنفه ويبكي هو وينزوي بزاوية ما لا يتحدث رافضًا الطعام حتى وصول والدتهما، التي تعنفها من طريقة تعاملها مع شقيقها اﻷصغر وتبدأ بالشكوى من ضغط العمل والأعصاب، لكن مع الوقت تأقلمت معه, وبدأ هو يتجاوب معها تدريجيًا، لكن حمل والدتها كان فوق طاقتها حين انهارت ذات ليلة, ودلفت إلى المشفى وبقيت بها بضعة أيام.. لم تدري فيبي ماذا تفعل وكيف تتصرف.. وانتابها الذعر الشديد كانت قد تعرفت على تمارا منذ عام, لكن لم تكن علاقتهما بهذه القوة، حين تغيبت فيبي عن الجامعة لم يسأل عنها أحد، لكنها ذهلت حين دق باب المنزل ووجدت تمارا أمامها تتسائل عن عدم ردها على الهاتف وتغيبها.. كانت بحالة مزرية فإنهارت باكية, وقصت على تمارا مايحدث معها، نظرت إليها تمارا بإشفاق ولم تعلق، لكن حين لمحت مايك الصغير ابتسمت برقة وحاولت الحديث معه؛ لكنه انزوى خائفًا منها.. بعد يومين تلقت فيبي اتصالا من شركة رشدان لصناعة السيارات تطلب منها الحضور, وإحضار بعض اﻷوراق والسيرة الذاتية، لم تفهم شيئًا لكنها ذهبت بالموعد وحين دلفت وجدت جيك، كان يرمقها بنظرات حانقة ممتعضة, وظل يسألها بإقتضاب حتى شعرت أنه سيركلها خارجًا.. لكن فتح باب المكتب ودلفت تمارا وعمار أمام عينيها الذاهلتين, تنهر جيك تخبره ألا يقسو عليها.. جيك لا يحب الوساطة في العمل، عاملها بتعجرف وضغط عليها كثيرًا لكنها تحملت لأجل والدتها وأخيها، كانت تمارا تخفف عنها، مع الوقت بدأ جيك يعاملها بلين أكثر, لكن لم يترك إستفزازه لها، أصبحت هي وتمارا صديقات مقربات.. حتى مايك أحب صديقتها وأصبح ودودًا معها، والدتها أيضا استطاعت أن تعمل بوظيفة واحدة وتهتم بمايك الصغير، كل ذلك بفضل تمارا.. ابتسمت برقة تتن*د بإرتياح، حياتها تنتقل من جيد إلى أفضل؛ لكن حبها لجيك يؤرقها، تريد اﻹعتراف بحبه؛ لكنها تخشى أن يظنها تفعل ذلك من أجل العمل وبقاءها فيه، وهو لا يبدي لها أي تجاوب.. زفرت بإحباط, وعبست بوجهها متمتمة بتبرم:" أحبك يا سيد مستفز متى ستشعر بي؟.." أثناء انشغالها سمعت صوت جيك خارجًا, يحدث أحدهم بحنق:" حسنا لقد وصلت ليس هناك داع لكل هذا الغضب.. تأجل اﻹجتماع للغد.. يا إلهي ماذا دهاك اهدأ سيكون كل شيء على مايرام.." اتسعت عينا فيبي بإرتياع, تقفز واقفة تتلفت حولها تحاول إيجاد مكان تختبئ به.. حين سمعت مقبض الباب يفتح لملمت أوراقها, ودستهم أسفل الأريكة، ترتدي فردة حذائها تمسك اﻷخرى بيدها, تركض أسفل المكتب جاثية على ركبتيها تختبئ حتى يخرج جيك.. دلف جيك يتلفت حوله باحثًا عن ملفه, يتمتم بغيظ:" كيف نسيتهّ.. يال غبائي.. تبا.." تحرك نحو مكتبه وفيبي تراقبه من اﻷسفل, حين وجدته قادم اتجاهها زحفت على ركبتيها تكاد تبكي تلعن حظها، تلتف الناحية اﻷخرى وتجلس مستندة بظهرها لجانب المكتب تضم يديها, وفردة حذاءها إلى ص*رها.. تمتم بوجه باكي بتضرع:" يا إلهي كن معي.. لا تدعه يراني.." ثم همست بقوة تهز رأسها تطمئن نفسه:". لست مرئية.. لست موجودة، لن يراني أنا سراب.." وجد جيك الملف وحمله بيده وهم بالخروج؛ لكن التقط أنفه رائحة غريبة فجال بعينيه في أرجاء الغرفة فلمح بعض اﻷوراق أسفل اﻷريكة، انتبه أخيرًا أن فيبي ليست بالخارج, وموعد رحيلها لم يحن بعد، ضيق عينيه مفكرًا, ثم ابتسم بمكر يتحرك بهدوء يبحث عنها يعلم أنها بالمكتب لم يجدها بأي مكان, تحرك ناحية المكتب مرة أخرى ومال للجانب؛ فوجدها جالسة منكمشة, فحرك حاجبيه بتسلية واتجه إليها, يجثو جالسًا بجوارها، نظر إليها فوجدها مغلقة عينيها بقوة تكاد تحبس أنفاسها, تتمتم بكلماتها الغريبة.. همس جيك بأذنها بسخرية:" لن يراكِ إن ظللتِ تهمسين بأنكِ لستِ مرئية.." هزت رأسها إيجابًا, وأجابت بتلقائية:" أجل.. أجل لن يراني.." زم شفتيه يحاول منع ضحكاته, وأكمل:" تختبئين أسفل المكتب وتتضرعين بالدعاء، وهو لن يراكِ.." _ أجل.. أجل لن يلمحني سيرحل سريعًا.. كيف سيشعر بي أو يعرف بوجودي؟.. همس جيك بصوت ناعم بأذنها, مغمض العينين يتشبع برائحتها العطرة وقربها منه:" إن أردت اﻹختباء لم يكن عليكِ وضع هذا العطر المميز الذي التقطه أنفي وميزه بسهولة.." فتحت فيبي عينيها على اتساعهما ناظرة أمامها ببلاهة, ثم عقدت حاجبيها تحرك حدقتاها محدثة نفسها:" عطر مميز.." نظرت بطرف عينها لتجد جيك يجلس بجوارها يبتسم بتسلية؛ فصرخت بذعر؛ جعله يجفل يرتد للخلف فيرتطم رأسه بالمكتب متأوهًا بقوة.. وفيبي تكمل:" يا إلهي أنت.. أنت رأيتني.. أنا....." مسد جيك مؤخرة رأسه على وجهه أمارات اﻷلم, متهكمًا:" لا لقد رأيت سرابكِ عزيزتي فيبي.. يا إلهي هذا مؤلم.. ماذا تفعلين هنا؟.." ابتلعت ريقها بصعوبة, وقالت بصوت باكِ:" لم أكن أفعل شيء.. فقط...." رفع جيك حاجبه مترقبًا, وقال يحثها على الحديث:" فقط ماذا؟.. أكملي.." حركت فيبي حدقتيها بتفكير, ثم هتفت بلهفة:" كنت كنت أبحث عن شيء ما.." ارتفع حاجبه أكثر وقال:" تبحثين عنه أسفل مكتبي, تمسكين فردة حذاء بيدكِ.. هل كنت تطاردين فأرًا مثلا؟.." نبرته المتهكمة بخبث.. نبهتها لهيئتها فأسرعت تضع حذاءها خلف ظهرها, هاتفة بحنق مصطنع:" لقد تعثرت.. لا تصدقني لا بأس سأرحل اﻵن.. لا داعي لهذا الحديث.." ونهضت مسرعة تحاول الهرب؛ لكنه أمسك بيدها فانحنت بوجهها إليه حتى لامست أرنبة أنفها أنفه؛ فهمس بصوت أجش جعل قلبها يرفرف:" حين تدلفين إلى مكتبي لا تختبئي كالفأرة, حاولي التحجج بأي كذبة وسأصدقكِ، لكنكِ لن تستطيعي الإختباء مني؛ وأنا أعرف رائحة عطركِ وأستطيع تمييزه بين مائة رائحة.." نظرت إلى عينيه فأسرتها ولم تستطع أن تحيد عنها, ابتلعت ريقها بصعوبة تجاهد رغبتها بتقبيله واﻹعتراف بحبها له, لكنه ابتعد ينهض ينفض ملابسه بإرتباك, ثم قال بفظاظته معتادة:" واﻵن اخرجي من مكتبي.." اعتدلت تتحرك بخطوات آليه خارج المكتب تحتضن فردة حذائها, مرددة بغباء:" يميز رائحة عطري.. يا إلهي.. سيتوقف قلبي.. كان قريبا مني لهذه الدرجة.." جلست على كرسيها خلف مكتبها تتطلع أمامها بأعين غير مصدقة.. قلبها ينبض بعنف من حديثه, وقربها منه لهذه الدرجة.. في حين كان جيك يبتسم بعذوبة وانحنى يلتقط قلمها الخاص يضعه بجيب جاكيت بذلته، يتذكر كيف تمسكه فيبي وتضعه بين شفتيها حين تفكر بشيء ما.. **************** استعدت لحفل تخرجها وكانت متحمسة للغاية، هاهي ستنهي دراستها وتعود إلى البلاد لا تصدق أن عامين قد مرا سريعًا من عمرها، لكن قبل ذلك عليها أن تفعل شيئاً هامًا.. عليها أن تعترف بحبها لسهيل، أجل ستخبره وترتاح، لقد تعبت وأصابها الوهن من كثرة علاقاته، كل يوم فتاة مختلفة وزاد اﻷمر سوءً أنه بدأ بمواعدة بعض صديقاتها، اللاتي أتين مهرولين إليها يخبرنها كم هو وسيم وجذاب، يسألنها عن صفاته، ومايحب ويكره، شعرت بالغضب والغيرة الشديدة من حديثهن، ودت لو أطبقت على أعناقهن صارخة بحبها له.. هو لها هي فقط، لن تتنازل عنه، وهي تعلم أنه يحبها هكذا ترى.. منذ تلك الليلة بعد انفصال عمار عن غريس عاملها بحنان, أظهر لها شخصية كانت تحلم بها وتتمنى عودتها، لكن باﻵونة اﻷخيرة تغير مرة أخرى وبات يتجنبها، يكثر السهر بل إنه لا يعود للمنزل مطلقًا حين تكون متواجدة، تشعر أنه يتجنبها لسبب ما؛ لكنها لن تهتم، ستريح نفسها وتزيح ذلك الثقل عن عاتقها، ستخبره بحبها وتفرض ملكيتها عليه حتى لا تقترب أي واحدة منه.. ستصرخ بوجوههن قائلة إنه لي.. لي فقط.. إن كانت هي تمرته فهو أيضًا لها.. منذ اﻷزل.. هو من علمها كيف تحب، بالماضي أحبت ذلك الوسيم الدافئ، واﻵن أحبت ذلك القاسي المخيف، هي أحبته بكل صفاته وشخصياته المتعددة، إن كان لا مباليًا اﻵن ستجذب إنتباهه كما كانت تفعل دومًا، لن تتركه بعد اﻵن لأي فتاة.. وقفت أمام مرآتها تحدث نفسها تتدرب على الحديث, ما ستقوله له كانت تتعثر بالحديث وهي تتخيل عينيه تنظران إليها؛ فتطرق ببصرها وتختفي الكلمات.. لن تسمح بذلك لن تبدو أمامه كالبلهاء ستكون قوية، ستخبره بكل ماتشعر بحفل تخرجها.. ابتسمت برقة لنفسها بالمرآة وهي تنظر بعزم وتكرر ما ستقوله.. هاتفة:" سهيل سيكون دومًا لي.." وتضحك بشقاوة وخبث:" أتخيل وجه سامر حين يعرف باﻷمر سيموت غيظًا.." أغمضت عينيها تتنفس بروية واضعة يدها على قلبها هامسة بعشق:" لن أفعلها لأغيظ سامر سأفعلها لأريح قلبي المشتعل.." ستخبره بحبها في الحفل ألم يعدها أنه سيحضره!.. ابتسمت بشرود وهي تتذكر مكالمتها الهاتفية مع والدها تخبره بحفلها وتتمنى حضوره.. ورده الجاف عليها" أنا مشغول تمارا.. هل تريدين أن أترك عملي وآتي لحضور حفل سخيف!.. انضجي قليلاً.." ثم تحجج بعمله وأغلق الهاتف ليلتها شعرت باﻷلم الشديد؛ حين التفت وجدت خلفها سهيل بتعايير وجه جامدة كالرخام؛ ظنت لوهلة أن عينيه مشتعلتين.. وقال:" لم تخبريني عن حفل تخرجكِ.." فأجابته بوجوم:" ظننتك لن تهتم.." نظر إليها مطولاً ثم قال بإبتسامة رغم مظهرها ال**بث اللامبالي, لكنها دافئة:" سأحضر، في النهاية هذا حفل وأنا أحب الحفلات.." كل وجومها وحزنها تبخر بهذه اللحظة؛ حتى أنها نست محادثة والدها الجافة.. سيحضر سيكون هناك من أجلها ابتسمت برقة.. وبداخلها تقفز كطفلة ترى اﻷل**ب النارية تشتعل وينع** بريقها بعينيها.. تلك الليلة قررت أنها ستخبره بحبها يوم تخرجها.. ******************* في إحتفالية صاخبة تجد الجميع يتحرك في كل إتجاه.. كل إثنان يقفان يتسامران.. مجموعات من الأصدقاء يضحكون, يسخرون من الحضور.. طاولات متراصة مفروشة بأغطية موحدة الشكل باللون الأبيض موضوع عليها بضع كؤوس وبعض المشروبات, وحول كل طاولة مجموعة من الكراسي بعدد أفراد العائلة.. وفي جانب آخر تجدها تقف تتطلع حولها طوال الوقت تفرك يديها بتوتر, عيناها تنظران للمدخل كل لحظة تنتظر حضور أحدهم مقرنة حاجبيها تهز ساقها بعصبية متمتمة بحنق:" لِمَ لم يأتي حتى الآن؟.. هل نسى الموعد؟.." وجدت أحدهم يضع كفه على كتفها فأجفلت ملتفتة برأسها تنظر إليه بأعين مترجية ليتن*د مبتسمًا, يقول بنبرة رخيمة دافئة:" اهدئي عزيزتي لِمَ هذا التوتر!.. سيأتي.." ويحدث نفسه بيأس وهو يطالع وجهها الرقيق المنتظر بقلق وترقب.. ذلك اﻷحمق ما دهاه لا يمكن أن يفعل ذلك.. دومًا يخذلها ويحزنها بأفعاله.. أجفل على صوتها اليائس بحزن:" لقد تأخر عمار.. هل يمكن أن يكون قد نسى؟.. ولكني أكدت عليه.. وهو مغلق هاتفه.." رأى ترقرق الدموع بعينيها البنيتين المتطلعتين إليه بألم.. جعله يجذ على أسنانه غيظًا وسخطًا عليه.. لكنه أخذ نفسًا عميقًا يكظم به غيظه ثم زفره على مهل, مبررًا:" يبدو أن لديه عمل تمارا.. هذا ما أخره بالتأكيد.. سينهي عمله وسيأتي.." هتفت بيأس ترفع يديها ثم ترخيهما:" متى؟.. متى عمار؟.. فالحفل أوشك على الإنتهاء.." تطرق برأسها مكملة بنبرة مقهورة:" كيف له ألا يأتي حفل تخرجي؟.. كنت أتوق لحضوره و....." قطعت حديثها تبتلع غصة مسننة استحكمت بحلقها, تضحك بداخلها كم أنتِ ساذجة تمارا؟.. متى أتى سهيل إليك؟.. كم مرة أخبرته أمرًا هامًا بالنسبة لكِ وهرع إليكِ؟.. دومًا يتحجج بعمله.. تافهة أنتِ بالنسبة له كما يقول عنكِ.. أغمضت عينيها تطبق على جفنيها بقوة تكبح تلك الدموع التي تلسع عينيها تحارب لتسقط.. شعرت بأصابع عمار على ذقنها ترفع وجهها للأعلى يهمس برفق مواسيًا, لتفتح عينيها تتطلع إليه ب**ت عمار.. ذلك الوجه الدافئ المطمئن دومًا معها يساندها.. يشعرها بأنه والدها رفيقًا لها يهرع إليها دومًا ما أن تحتاجه.. إذا ماقارنت بينه وبين سهيل.. هما بنفس العمر, ويعملان بنفس الشركات ويتقاسمان المهام؛ لكن عمار يجد لها الوقت بئر أسرارها.. المحبب لديها بعينيه الخضراوين الصافيتين, وجهه الأبيض مشربًا بحمره خفيفة, ولحيته الشقراء المشذبة.. عقد حاجبيه ينظر إليها بريبة, ثم تسائل:" ماذا هناك؟.. لِمَ تنظرين إليَّ هكذا؟.." ثم مط شفته السفلى مكملا بترفع:" أعلم أن جاذبيتي لا تقاوم, لكن تحشمي يافتاه.. تلك النظرات تعتبر تحرش يكفيني نظرات من حولنا.." بتسمت بإمتنان فلولاه لما تمكنت من المتابعة, تقول بنبرة رقيقة:" شكرًا لك عمار.." بتسم بدوره إبتسامة أشعرتها بالدفء, يمد يده باسطًا كفه, يقول بأناقة:" هل لي بهذه الرقصة تمرتي؟.." أجفلت تنظر إليه بوجه متألم تمرتي.. كلمة سهيل لها.. تمرته وكأنها خاصة به ملكًا خاصا متواجد دومًا معه, لكن مهمل مادام أمامه فهو لن يعيره إنتباهًا.. تن*د بأسى يجذب يدها يضمها إلى ص*ره يراقصها بحنان, هامسًا:" اوقفي عقلكِ, وتمتعي بحفلكِ ولا تحزني لأحدهم, حفل تخرجك لن يتكرر سوى مرة واحدة.." ويكمل بنبرة غامضة:" تشبثي بلحظات فرحكِ صغيرتي فهي لن تعوض.." أراحت رأسها علة ص*ره مغمضة عينيها بحزن, متمتمة بموافقة ضعيفة:" أنت محق.. لنهتم بالحفل أنت هنا وكفى.." بداخلها تتألم.. كم كانت تود لو أنها تراقص سهيل, ويكون معها يشاركها فرحتها.. هل تبدو في هذه اللحظة أنانية حاقدة؟.. هل هي ناكرة للجميل وهي تتمنى سهيل مكان عمار؟.. لكن ماذا تفعل فقلبها معلق به, وروحها تهفو إليه.. ******************** حين عادا إلى المنزل وجدته جالسًا مسترخيًا على اﻷريكة فاردًا ذراعيه على ظهرها, يضع ساقيه على الطاولة أمامه, ملقي لسترته بعشوائية يتطلع إليهما ببرود ولا مبالاة.. أسرعت بخطواتها تقف أمامه, هاتفة بحدة معنفة:" لِمَ لم تأتي؟.. لقد أخبرتك وأكدت عليك الأمر.." تطلع إليها بنظرات عابثة من أخمص قدميها صاعدًا بنظراته للأعلى, عيناه السوداوين تبرقان بلمعان غريب يلتهم تفاصيلها, داخله يشتعل ينظر لعينيها البنيتين المرسومتين بالكحل بمهارة تزيدهما اتساعًا؛ بإنبهار دومًا يصاحبه كلما تطلع إليهما؛ لكنه قال بنبرة باردة **ولة ببساطة:" كنت مشغول.." آتاه صوتها المحتد بعصبية:" مشغول بأي شيء سهيل؟.. عمار أتى وأنت...." تأفف بنفاذ صبر, يقلب عينيه, بملل قائلاً بحنق:" تمارا.. تمارا.. كفي عن هذا اﻹزعاج, لم أستطع الحضور.. يكفي عمار.." هتفت بنبرة غاضبة:" لكنك وعدتني.." ارتفع حاجباه بدهشة مصطنعة, متسائلاً بتعجب:" هل فعلت؟.. لا أذكر.." ثم أنزل ساقه ونهض بتكاسل يمسك بسترته, هاتفًا بحنق؛ حين رأى وجه تمارا الغاضب وهيئتها الهجومية المنذرة بمشادة.. ليقاطعها قبل أن تبدأ:" كفي عن تذمركِ.. انتهى حفلكِ ولم أحضر, لا يوجد داعي للثرثرة, أنا متعب.." إحتقن وجهها, ودمعت عيناها تنظر إليه بعتاب؛ فجذ على أسنانه شاتمًا بداخله, أظلمت عيناه, يشيح بوجهه يتحرك بخطوات متمهلة نحو غرفته غير مبالي؛ بشهقات تمارا التي تصل إليه تجلده, وتألمه أكثر مما تؤلمها.. دلف لغرفته مغلق الباب خلفه يلقي سترته بغضب, وألقى بجسده على الفراش بتثاقل عاقدًا ذراعيه خلف رأسه ناظرًا للسقف, متمتما بحزن:" حضرت تمرتي.. لم أستطع تفويت حفل تخرجكِ, ولكني لم أستطع أن أخبركِ.. لا أستطيع.. عذرًا تمرتي.." أغمض عينيه بألم متذكرًا مظهرها بفستانها الأحمر الذي جعلها كأميرة الحفل بت**يمه المميز, نظراتها المترقبة للمدخل, حديثها مع عمار ورقصها معه.. كم ود لو يركض يأخذها بأحضانه مباركًا لها على تخرجها.. لكنه لا يستطيع؛ لا يستطيع أن يكون كعمار.. أو غيره.. هناك تلك العقبة التي تعرقل حياته منغصة عليه شعوره بالسلام.. دافعة إياه لإيلامها.. في الخارج التفتت لعمار الواقف خلفها تطالعه بأسى, وهو ينظر إليها بإشفاق.. لتركض لغرفتها, تلقي بحذائها بلا مبالاة, ترتمي علي الفراش تدفن وجهها به تبكي, وتشهق تريد الصراخ من ألم ما تشعر به من قهر.. هاهو خذلان آخر أضيف لرصيدك سهيل.. ظلت تبكي, وتبكي حتى غفت من الإرهاق.. بعد ساعتين خرج من غرفته قاصدًا غرفتها بخطوات خافتة.. دلف ليجدها على هيئتها؛ فاقترب بهدوء, يمد يديه يعدل نومها, واضعًا رأسها على الوسادة, يدثرها بالغطاء.. ثم مد يده يلمس وجنتها بأصابعه متن*دًا بأسى؛ لكن اكفهر وجهه يبعد يده يكورها بغضب حتى ابيضت مفاصل أصابعه؛ بعد رؤية دموعها وكحل عينيها الذي أفسد بسبب بكائها.. شاعرًا بدموعها تسيل على قلبه كالحمم البركانية مذيبة إياه, عيناه تنضحان ألمًا, انحنى مقبلا جبينها, هامسًا بإعتذار:" أعتذر حبيبتي.." طبع قبلة طويلة على جبينها, يبتعد عنها بصعوبة, وتحرك إتجاه باب الغرفة يمسك به, التفت يلقي نظرة عليها, ثم خرج مغلق الباب بهدوء.. ليجد عمار يقف أمامه عاقدًا ذراعيه أمام ص*ره ينظر إليه, يهز رأسه بعدم رضا وإمتعاض, هاتفًا بحنق:" إن كنت تحبها لِمَ تؤلمها؟.." أشاح بوجهه بضيق متجنبًا النظر إلى عمار.. فأضاف الأخير بنبرة جامدة محذرًا:" لا تتمادى سهيل, لن تبقى صغيرة طوال العمر.. وأنا لن أتركك تؤلمها أكثر مما تفعل.." اشتعلت عيناه بجنون, يجذ على أسنانه ينظر إليه بشراسة, ثم فغر فاهه ليتحدث.. لكن عمار أكمل يزم شفتيه بسخط:" لا تبدأ حديثًا عقيمًا لن يوصلنا لشيء.. لكن اعلم أن كثرة الألم تعلم القسوة والحقد.." وتحرك من أمامه يدلف لغرفته مغلقاً الباب بهدوء.. في حين التفت سهيل ناظرًا لباب غرفه تمارا, يتن*د ثم تحرك بخطوات متثاقلة إلى غرفته.. ************************** ما جنيت من الحب إلا عذابي.. تلذذت من محو قوتي وكبريائي.. يالك من قاتل.. قاتل لأحلامي وأمنياتي.. كنت أظنك فارس أخر الزمان قد أتيت لتخ*فني إلى عالم الفرسان الماضي.. لكنك ما خ*فت إلا أنفاسي.. أسيرة أنا في مملكتك لا أستطيع حتى حساب ساعاتي.. ساعات تمر كأمد الدهر ترهقني وتقطع أنفاسي.. عبراتي ما رأيتها تهبط قهرًا إلا بعد أن رأيتك بحياتي.. يالك من مغرور مهووس بمعاناتي.. معاناة بحبك وحبك لي من أسوء لعناتي.. ******************* بعد أسبوع ذهبت إلى الشركة؛ لتضع حدًا لما يحدث فها هي إحدى صديقاتها قد أتت لتخبرها عن ليلتها مع سهيل مرة أخرى؛ جعلتها تشعر الجنون والإشتعال لن تستطيع أن تتحمل بعد الآن.. ستسافر بعد أسبوع لذلك.. ذهبت لمكتب سهيل, دلفت لتجده يجلس على كرسيه خلف مكتبه يتصفح بعض الأوراق.. دُهش من تواجدها فترك مابيده ونظر إليها متسائلاً:" ماذا هناك تمارا؟.. ماذا تفعلين هنا؟.." أخذت نفسًا ثم زفرته, وقالت بنبرة جادة:" سهيل.. أريد أن أتحدث معك.." نهض من كرسيه, يلتف حول مكتبه, يقف أمامها عاقد ذراعيه أمام ص*ره, قائلاً بإهتمام حين رأى نظرتها الجادة:" اخبريني.." _أنا أحبك سهيل.. نظر إليها بعينين متسعتين غير مصدقتين, ثم ضحك.. ضحك حتى أصبحت ضحكاته تعلو بطريقة غربية لم يستطع السيطرة عليها, جسده يهتز بالكامل من فرط المفاجأة, ووقع الكلمات.. **************** انتهى الفصل السابع قراءة ممتعة
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD