الفصل الأول : مكيدة
المشهد الأول:
قلق و توتر هذه المشاعر التي كانت تنتاب
الطالب المتفوق نابغ و هو ينتظر نتائج
إمتحاناته النهائية في المرحلة الثانوية،
كان نابغ يضغط على كلتا يديه و كان يتعرق
بكثرة من شدة التوتر و يجلس فوق كرسيه
الخشبي الذي في غرفته واضعا يديه على
طاولته و يقول في سره:
قمت بحل جميع إمتحاناتي أكثر من عشر
مرات و أنا متأكد من أنها صحيحة و لكن مع
ذلك أخشى من أن يقوم المعلم يمان معلم
مادة الفيزياء بوضع علامة الرسوب على
إمتحان مادته بسبب المشكلة التي إفتعلتها
معه وقت الإمتحان و الذي يقلقني أكثر هو أنه
من ضمن الأشخاص الذين سيقومون
بتصحيح إمتحان الوزارة.
--------------
المشهد الثاني:
قبل أسبوعين تقريبا وقت إمتحان مادة
الفيزياء كان نابغ يقوم بحل إمتحان المادة
داخل القاعة و معه في القاعة عشرة طلاب
آخرين و كان الأستاذ يمان هو المسؤول عن
مراقبة الطلاب في هذه القاعة و معه أحد
ضباط الجيش يراقب معه، أنهى نابغ إمتحانه
و قال بنبرة مهذبة:
حضرة الأستاذ يمان لقد أنهيت الإمتحان.
إبتسم يمان إبتسامة باهتة و قال:
متفوق كعادتك يا نابغ، إسمٌ على مسمى فعلا
إنتظر عشر دقائق ثم تستطيع أن تغادر القاعة.
نابغ بنبرة مهذبة:
حاضر يا أستاذ.
يمان بنبرة ساخرة:
لا تخرج هاتفك النقال و تقوم بتصفح مواقع
التواصل الإجتماعي يا نابغ و إلا صادرت
هاتفك.
نابغ بنبرة هادئة:
حضرة الأستاذ، أنت تعرف جيدا أنني لا
أستخدم هاتفا حديثا و الهاتف الذي معي
قديم، كما أنني لست مهتما البتة بمواقع
التواصل الإجتماعي لأنني أراها مضيعة
للوقت و من المستحيل أن أفكر بتصفحها و
نسيان حلمي بأن أصبح طبيبا يعالج الناس.
يمان يبتسم إبتسامة فخورة و يقول:
كنت أمازحك يا نابغ، أعرفك جيدا و لكن مع
ذلك لدي تحفظ تجاه كرهك الشديد لوسائل
التواصل لأنك تستطيع أن تستخدمها في
الدراسة و التواصل مع زملائك في الصف.
نابغ بنبرة متضايقة:
أعلم ذلك جيدا يا أستاذ، لكنني لا أريد أن أكرر
خطأ أخي عاصم و أصبح مدمنا على وسائل
التواصل الإجتماعي و أجعلها تتحكم بي
كالدمية.
إنتبه الطلاب لكلام نابغ فقال أحدهم منزعجا:
مع إحترامي الشديد لك يا نابغ و لكن شقيقك
ذو إرادة ضعيفة و متخاذل و...
إنزعج نابغ من كلام زميله و قال:
لا تتكلم بالسوء عن أخي، حتى لو كان مخطئا
لا يحق لك أن تقول عنه هذا.
يمان بنبرة غاضبة:
نابغ، راجي، صمتا كلاكما و إلا رسبتما في
الإمتحان بسبب التشويش على زملائكما
بسبب نقاشكما الفارغ.
سكت راجي و نابغ، قال نابغ في قلبه:
مهما كان عاصم شخصا عديم النفع لكن يظل
أخي الكبير و أحبه و أحترمه لذلك لا أحتمل
أن أسمع كلام سيئا بحقه من أي شخص كان
و ذلك لأنه دائما يقف بجانبي و يدعمني
معنويا و أنا واثق بأنه سيتغير للأفضل عاجلا
أم آجلاً.
كان يمان يرمق نابغ بنظرة منزعجة و يقول:
فتى متعجرف و وقح، لو كان الأمر بيدي
لجعلتك ترسب في مادتي و لكن لحسن حظك
أنك ذكي و تفهم مادتي بشكل جيد، لكن مع
ذلك أعدك أنني سأجعلك مثل شقيقك،
سأجعلك تدمن وسائل التواصل الإجتماعي
كما يدمن الناس التدخين، سأحقق ذلك و لو
كلفني هذا حياتي، لأنني أمقت الطلاب
المتعجرفين أمثالك و أتمنى من أعماق قلبي
بأن أراهم يسقطون كالذباب.
-----------------
المشهد الثالث:
في الوقت الحاضر كان نابغ ينتظر النتيجة
و ينظر لحاسبه كل دقيقة و يقول:
صرت قلقا أكثر من السابق الآن، لقد تأخروا
كثيرا في إعلان النتائج.
سمع نابغ صوت طرق باب غرفته فقال:
من الطارق؟
سمع نابغ صوتا منهكا أشبه بالحشرجة يقول:
هذا أنا عاصم، أريد أن أدخل لأطمئن عليك.
إبتسم نابغ إبتسامة هادئة و قال:
الباب مفتوح إدخل يا عاصم.
دخل عاصم لغرفة نابغ و كان يمشي بتثاقل و
ينظر بعيناه المنهكتان لنابغ و يبتسم إبتسامة
باهتة و يقوم بحك وجنته اليسرى بظفر
سبابته اليمنى ثم يقترب من نابغ و يستفسر
قائلا:
ألم تصل النتيجة بعد يا نابغ؟
نابغ بنبرة متضايقة:
لا لم تصل بعد و هذا ما يقلقني كثيرا.
عاصم بنبرة هادئة:
لا تقلق، أنا واثق من أنك ستنجح و سأحتفل
معك بذلك، و الآن ريثما ننتظر معا وصول
النتيجة سأتفقد تطبيق "بيك نوك" و أرى
المحتوى الرائج حاليا.
نابغ بنبرة متضايقة:
عاصم، ألا ترى أنك تهدر عمرك على هذه
التطبيقات؟ أخبرني ما الفائدة المرجوة من
هذا الهراء؟
عاصم بنبرة لامبالية:
طالما أنني آخذ المال من هذه التطبيقات فما
المشكلة؟ كما أنني أساهم في مصروف البيت
و في مصاريف دراستك بعد أن توفي والدي
قبل أربع سنوات، لقد وعدتك أنت و أمي بألا
ينقص عليكما شيء أبدا، هل نسيت وعدي
بهذه السرعة؟
نابغ بنبرة متضايقة:
لا لم أنسى و لكن لم أتخيل أنك ستهين
كرامتك لتحقق ذلك.
عاصم بنبرة منزعجة:
لا تلعب دور الكبير معي يا نابغ، أنا لا أهين
كرامتي أبدا إنها محض تحديات بسيطة على
تطبيق "بيك نوك" لا أكثر، إهتم بشؤونك و
لا تشغل نفسك بي.
نابغ بنبرة متضايقة:
لا أنكر أنك تساهم في مصروف البيت و لكنك
تأكل الأطعمة الغير صحية و ..
توقف نابغ عن الكلام عندما لاحظ أن النتيجة
قد وصلت، تنهد نابغ ثم قال:
و أخيرا وصلت النتيجة، صرت على بعد
خطوة من دخول كلية الطب.
نظر نابغ للنتيجة و صعق لما رآه، لقد كان
راسبا في خمس مواد من أصل عشرة مواد.
نابغ بنبرة متضايقة:
هذا لا يعقل، كيف يحدث هذا؟
ترك عاصم هاتفه و وضعه جانبا و إقترب من
نابغ و قال:
كيف يحدث هذا معك يا نابغ؟ دعني أرى
صفحة النتائج قليلا.
إقترب عاصم من حاسوب نابغ و نظر نظرة
متفحصة لصفحة النتائج و قال بنبرة
منزعجة:
شخص ما قام بتغيير العلامات أو شيء من
هذا القبيل لأنني واثق بأنك طالب مجتهد يا
أخي، هل هنالك أي أستاذ يكرهك على سبيل
المثال؟
نابغ بنبرة متضايقة:
أستاذ الفيزياء يمان عاهد بسبب نقاش بسيط
بيني و بين زميلي في الصف راجي و كان
النقاش يدور حولك و حول وسائل التواصل
الإجتماعي.
عاصم بنبرة متضايقة:
أيعقل أنه من فعل ذلك؟ هل هو من
المصححين؟
نابغ بنبرة متضايقة:
أجل، لكنني مع ذلك لا أريد أن أتهمه إعتباطيا
دون دليل.
نظر عاصم نظرة متفحصة لصفحة النتائج و
لاحظ أن المواد التي رسب بها نابغ هي اللغة
الإنجليزية و اللغة العربية و الأحياء و
الجغرافيا و الكيمياء، عاصم بنبرة متضايقة:
إن لم يكن هو فمن إذن سيفعل ذلك بك يا
أخي؟
نابغ بنبرة محبطة:
لا أعلم يا اخي، و لكن ما أعرفه أنني سأمتحن
مجددا بهذه المواد، سأضيع سنة كاملة من
حياتي و سأتأخر في تحقيق حلمي في دراسة
الطب.
عاصم بنبرة مطمئنة:
إهدأ يا أخي، لابد أن نجد حلا لهذه المشكلة.
---------------
المشهد الرابع:
و في مدرسة التفوق كان الأستاذ يمان ينظر
لنتائج الطلاب على حاسوبه الشخصي و
توقف قليلا عندما لمح إسم نابغ و تفاجئ
عندما رأى أنه قد رسب في خمس مواد، يمان
بنبرة مصدومة:
لا أنكر أنني تمنيت أن يرسب هذا المتعجرف و
لكن هذا كثير عليه، أجزم أنه في حالة إحباط
و لا يعلم ماذا يفعل، ما تمنيته قد تحقق دون
أن يكون لي يد في الموضوع لأنني لم أكن من
مصححين الإمتحان لأنني كنت مصاب بنزلة
برد، على الأغلب أنه سيظن بأنني متورط في
جعل علاماته بهذا الشكل و لكن هذا لا يهمني
لأنني بريء، و الآن سأعود للمنزل لكي أحتفل
بهذه المناسبة السعيدة.
ضحك يمان ضحكة خبيثة ثم أغلق حاسوبه و
وضعه في حافظته و هم بالخروج من غرفة
المعلمين.
--------------
المشهد الخامس:
كان يمان يمشي بإتجاه بوابة المدرسة
الخارجية فرأى مدير المدرسة الأستاذ حاتم
واقفا أمام باب غرفة الإدارة و كان يبدو عليه
الإنزعاج، يمان في قلبه:
لا أحبذ التحدث مع المدير و هو منزعج لذلك
سأمضي في طريقي و أتظاهر بأنني لم أره.
مشى يمان مبتعدا عن المدير حاتم، تنهد حاتم
و قال في قلبه:
ما زلت لا أصدق ما رأيته حتى هذه اللحظة،
كيف يعقل أن أذكى طالب في مدرسة التفوق
يرسب في خمس مواد!! أيعقل أنه لم يدرس
بشكل جيد و تخاذل؟! لا أظن ذلك لأنه لو فعل
ذلك حقاً سيرسب في كل المواد، ماذا لو كان
هنالك خطأ في التصحيح؟ الأستاذ يمان كان
من ضمن المصححين، هل تجاهلني خوفا من
أن أسأله عن نتائج نابغ هزيم؟ سأتصل به و
أسأله لأنه بلا شك سيكون عنده الخبر اليقين.
أخرج حاتم هاتفه النقال من جيب معطفه
الأيمن و قام بالإتصال برقم يمان، سمع يمان
صوت رنين هاتفه فأخرجه من جيبه و رأى أن
المتصل هو المدير فتضايق و قال:
كما توقعت تماما، سيعاتبني لأنني تجاهلته،
سأرد عليه و أشرح له أنني لم أقصد أن
أتجاهله و أنني كنت على عجلة من أمري و
أنا متأكد بأنه سيتفهم ذلك.
رد يمان على مكالمة المدير بنبرة حزينة:
أعتذر منك يا حضرة المدير و لكنني لم أقصد
أن أتجاهلك و..
قاطع المدير كلام يمان قائلا:
لست غاضبا منك أبدا يا أستاذ يمان، لكن لدي
سؤال واحد لك أتمنى أن تجيبني عليه.
يمان مستغربا:
سؤال؟!! تفضل يا حضرة المدير، كلي آذان
صاغية و لكن على الأغلب ستسألني عن
نتيجة الطالب نابغ هزيم.
حاتم بنبرة حازمة:
أجل، لقد كنت من ضمن المسؤولين عن
التصحيح يا أستاذ يمان، أليس كذلك؟
يمان بنبرة هادئة:
أجل كنت منهم و لكنني تغيبت لأنني كنت
مريضا، لقد أخبرتك يا حضرة المدير، هل
نسيت؟
حاتم يحك رأسه بسبابته اليسرى و يقول:
صحيح لقد نسيت الأمر بالفعل، هل عندك
فكرة عن الأستاذ البديل عنك؟
يمان بنبرة هادئة:
أجل، لقد كان الأستاذ غسان شافي معلم مادة
الكيمياء من مدرسة الإزدهار، و لحسن حظك
يا حضرة المدير لدي عنوانه، سأرسله لك إن
كنت ترغب بزيارته و....
قاطع حاتم كلام يمان قائلا بنبرة غاضبة:
بل ستذهب أنت و تعرف منه تفاصيل في
الفترة التي تغيبت بها.
يمان بنبرة منزعجة:
حاضر يا أستاذ حاتم، لكن يا أستاذ لماذا تولي
الطالب نابغ كل هذا الإهتمام؟ ليس أول و لا
آخر يرسب في خمس مواد يا حضرتك.
حاتم بنبرة منزعجة:
لا تتدخل فيما لا يخصك يا أستاذ يمان و إهتم
بشؤونك، إن أردتني أن أسامحك على تجاهلك
لي ستذهب لبيت الأستاذ غسان و تتحدث
معه، إنتهى الدرس.
أنهى المدير المكالمة و مشى متجها لسيارته،
كان يمان منزعجا و يقول:
تباً لك يا نابغ، بسبب طلب المدير لن أحتفل
بسقوطك المدوي و الآن أنا مضطر لزيارة
منزل الأستاذ غسان لكي أسأله عن النتائج،
لا خيار أمامي سوى تنفيذ طلب المدير و إلا
عاقبني.
-------------------
المشهد السادس:
ركب يمان سيارته و قام بتشغيلها و إتجه
لبيت الأستاذ غسان، بعد ساعة تقريبا وصل
يمان لمنزل غسان فأوقف سيارته قرب منزله
و ترجل عن السيارة و أغلق بابها و قال:
بمجرد أن يخبرني الأستاذ غسان عن ما حدث
في يوم التصحيح سأغادر في الحال.
قام يمان بقرع جرس بيت الأستاذ غسان و
إنتظر قليلا فلم يفتح أحد الباب فعاود قرع
الجرس مجددا فسمع صوتا يقول بنبرة
غاضبة:
أعرف سبب قدومك، لقد أتيت لكي تسألني عن
ذلك الطالب، و لكي أختصر الكلام و أجنبك
أن تصاب بعدوى مرض الكورونا مني، فأنا
أؤكد لك بأنني تأكدت من إجابات الطالب نابغ
هزيم بعناية و لم يكن هنالك أي تعديل من
طرفي أو طرف ضابط الجيش على الأجوبة و
الآن بعد أن عرفت ما تريده، تستطيع أن
تغادر.
يمان بنبرة مستغربة:
أنا أصدقك يا أستاذ غسان بخصوص نتيجة
الطالب نابغ و لكن هنالك أمر يحيرني و هو
كيف عرفت بأنني سآتي عندك لكي أسألك عن
مشكلة الطالب نابغ هزيم؟
يتبع في الفصل القادم.....