الفصل الأول
استيقظت عتاب تتمط في فراشها و هى تتثاءب بقوة ، تعد نفسها لبداية يوم جديد ، ألقت بالغطاء على الأرض في عادة ما تنفك تفعلها و كأنها تلقي معه ب**لها و تخاملها بعد عدد ساعات قليلة من النوم ، خرجت من غرفتها لتتجه إلى المرحاض الوحيد في المنزل اغتسلت و مشطت شعرها الأ**د و عقدته في ذ*ل حصان برباط مطاطي ، خرجت من المرحاض و ذهبت لغرفتها لترتدي ملابسها حتي تقوم بواجباتها لليوم قبل الذهاب إلى العمل ، أرتدت بنطلون جينز قصير و قميص بأكمام طويلة كتلك التي يرتديها الرجال ، رفعت كميها قليلاً ثم أرتدت حذائها الرياضي الأ**د ، لتخرج من الغرفة متجهة إلى المطبخ لتأخذ زجاجة المياه اليومية و اتجهت لغرفة الولدين ، شهاب و إيهاب دلفت إلى الغرفة متجهة إلى الفراش لترفع الغطاء عن رأسهم و سكبت القليل من الماء على وجهه كل واحد منهم ..دون حديث أو اصدار صوت ..أنتفض الولدين جالسين على الفراش و هما يقولان في غضب جملتهم اليومية ..” تبا عتاب لقد سئمنا منك ألا طريقة أخرى لإيقاظنا “
اتجهت لخزانة ملابسهم لتخرج ملابس المدرسة استعدادا للذهاب و هى تقول ببرود متجاهلة غضبهم اليومي ..” هناك طرق عديدة يا حمقى و لكنها مضيعة للوقت و أنا لدي جيش من الحمقى لأوقظهم قبل الذهاب إلى عملي ..هيا أنهضا و كفا عن التذمر و أذهبا للمرحاض قبل إيقاظ البقية حتى لا تقفا في الصف انتظرا لدوركم “ ثم رفعت نبرة صوتها لتقول بحدة ..” هيا تحركا “
نهض شهاب و إيهاب و هما مازالا يتذمران من شقيقتهم الكبرى بعد أن أخرجت ملابسهم و وضعتها على الفراش ، أخذت زجاجة المياه و اتجهت للغرفة الأخرى الراقد بها فتاتين المنزل رفعت الغطاء و هى ترفع الزجاجة و قبل سكب الماء انتفضت صفوة قائلة ..” أنا مستيقظة أختي أرجوك الجو بارد “ ابتسمت عتاب و انحنت لتقبل وجنتها قائلة
” حبيبتي أنت الوحيدة في المنزل التي لا تضايقني و لا تتعبني هيا أنهضي لتنتظري دورك في دخول المرحاض لحين أخرج ملابسك “
ردت صفوة قائلة ..” لا عتاب أذهبي أنت لإيقاظ فريد و أنا سأجهز ملابسي بنفسي أنا لم أعد صغيرة لتفعلي ذلك أنا الصف الأول الثانوي لقد أصبحت كبيرة بما يكفي “
أمسكت عتاب بوجنتها و ألقت قبلة على الهواء قبل أن تخرج لتتجه لغرفة فريد شقيقها الأصغر تاركة بهجة نائمة لبعض الوقت لحين تنتهى من إعداد الفطور للجميع ثم توقظها و تساعدها في ارتداء ملابسها لتوصلها إلى المدرسة قبل الذهاب إلى العمل ..دلفت لغرفة فريد و سامي شقيق صفوة و بهجة ..رفعت الغطاء عن سامي و سكبت القليل من الماء على وجهه لينتفض كما الولدين و هو يسمعها تذمراته و هى تحرك شفاهها معه و هو يتحدث قائلاً ..” تبا عتاب ألا نستطيع أن نحظى بنوم هادئ في هذا المنزل و لا حتى استيقاظ هادئ “
أنهى حديثه فقالت تجيبه بغضب ..” ستحظى بذلك في الجنة فقط يا أ**ق هيا أنهض و إلا سكبت عليك باقي الزجاجة “
نهض سامي يتذمر و يلقي بالغطاء على الأرض ليغضبها قبل أن يخرج من الغرفة للذهاب إلى المرحاض و لكنها لم تبالي و هى تتجه لسرير فريد لترفع الغطاء عنه ليقول لها محذرا و هو مازال مغمض العينين .
” إياك أختي الكبيرة صغيرة القامة و إلا قسما سأضعك تحت رشاش المياه بملابسك “
ضحكت عتاب قائلة بسخرية ..” أخفتني يا ضخم الجثة من تظن نفسك يا غ*ي أنا عتاب و لا أخشى من أحد “
نهض فريد واقفا أمامها بجسده الضخم الرياضي لينظر إليها من أعلى قائلاً بسخرية ..” حقاً لا تخشين أحدا “
نظرت إليه عتاب بمكر لترفع قدمها و تركله على عظمة ساقه لينحني أمامها فريد متألما يمسك بقدمه فأمسكت عتاب بياقة تيشرته البيتي الذي يظهر عضلات جسده و هى تقول بسخرية ..” لا خاصةً الحمقى منهم هيا أخرج ملابسك و أنتظر دورك في دخول المرحاض “
خرجت من الغرفة لتذهب إلى المطبخ لتعد طعام الفطور و الذي سيأخذه الأولاد المدرسة .. بعد أن انتهت وضعت الطعام على الطاولة و ذهبت لغرفة صفوة و بهجة لتوقظها ..جلست بجوارها على الفراش قائلة بدلال و هى تقبلها على وجنتها مرارا ..” بهجة بهجتي حبيبتي هيا استيقظي يا جميلة “
تململت بهجة قائلة بتذمر طفولي فهى أخر أولاد عمها في السادسة من عمرها ..” أبلة عتاب أتركيني خمس دقائق أخرى“
قالت عتاب لها مازحة و هى تعاود تقبيلها مرة أخرى ..” حسنا يا جميلة خمس دقائق فقط و أتي إليك بهجتي “
همت بالنهوض من جوارها لتلتفت إلى باب الغرفة لتجد .. شهاب و إيهاب و سامي واقفين يكتفان أيديهما أمام ص*رهما و هما ينظران إليها بغضب اعتراضا ..و صفوة التي تقف بجانبهم تضع يدها حول خصرها و تهز بقدمها اليمنى حانقة ..و فريد الواقف خلف الجميع بجسده الضخم يعلوهم جميعاً ينظر إليها عاقدا حاجبيه بشر ..
نهضت واقفة أمامهم تقول بغضب ..” ماذا يا حمقى لما تقفون هكذا كمن يقف في طابور الخبز “
قال الأولاد في صوت واحد ..” لم تدللينها هى و نحن نحظى بمائك كل صباح هذا ليس عدلا أبدا “
قالت عتاب تجيبهم ..” أنها الصغيرة أيها الأغ*ياء و يجب أن تحظى بقليل من الدلال كما حصلتم أنتم من قبل “
سألها شهاب غاضبا .. شهاب شعره أ**د ناعم كعتاب بشرته بيضاء كوالدته شهاب وإيهاب مزيج ما بين والديهم ع** عتاب و فريد يشبهان أبيهما الأسمر الشعر و البشرة و لكنهم جميعاً حظيا بشعره الأ**د الكثيف الناعم ..” إلى متى عتاب أعطينا وقتا فنحن لا نتذكر الوقت الذي حظينا به ببعض الدلال مثلها “
نظرت إليه بدهشة ..” ماذا تعني بأعطائك وقتا ..هيا أذهبا لتستعدا و تتناولون الفطور الذي برد حتى لا تتأخرا و حذار أن يقوم أحدكم بالتحقيق معي في أي شيء أفعله مفهوم “
خرج الجميع و هى تستمع لتذمرهم عادت لبهجة لتوقظها حتى تساعدها في ارتداء ملابس المدرسة و هى تعود بذاكرتها لذلك الوقت العصيب الذي مرت به العائلة جميعها و تحملها مسؤولية أشقائها و أولاد عمها مجدى صفوة و سامي و بهجة الصغيرة التي كانت في الرابعة عندما فقدت والديها و فقدت عتاب والديها أيضاً في نفس اليوم
هزت رأسها لتزيح هذه الذكريات عن عقلها لتعود و تنهى ما عليها من واجبات تجاه أشقائها و أولاد عمها .
واقفا يحمل حقيبته على ظهره منتظرا أمام المطار يبحث عن سيارة أجرة ،رغم كثرتهم أمامه ، و لكنه كان يقف مرتبكا ، لا يعرف كيف يتصرف ، فهو له خمس عشرة عاماً خارج البلاد ، و قد تعود على طلب السيارة بالهاتف و لم يقف مرة ليشير لواحدة ، نظر فجر حوله كان البعض يركض ليلحق بطائرته و البعض يتعانق لاستقبال أحبائه ، أبتسم فجر بحنين لعفويه مواطنيه التي افتقدها في بلاد الجليد ، أقترب منه أحدهم يبتسم قائلاً بهدوء و هو يراه حائرا ..” تريد سيارة أجرة سيدي “
أبتسم فجر براحة قائلاً بعربية ثقيلة ..” أجل هل يمكنك إيصالي لهذا العنوان رجاءاً “ أملاه فجر عنوان والده فأومأ السائق برأسه و هو يساعد على وضع حقيبته الكبيرة في السيارة ، صعد فجر في السيارة بجوار السائق ليتحرك هذا الأخير بالسيارة للعنوان المطلوب ، بعد قليل سأله السائق عندما سمع لكنته الثقيلة ..” هل أنت سائح “
التفت إليه فجر و أجاب بنفس العربية الثقيلة ..” لا أنا مصري “
أبتسم السائق قائلاً ..” عودة حميدة مؤكد لك سنوات طويلة خارجا “
أجاب فجر بهدوء ..” خمسة عشر عاماً “ كاد السائق أن يضحك فهو يضع حرف الهاء بدلاً من الخاء أو حروف أخرى .. قال السائق متعجبا ” جيد أنك لم تنس العربية تماماً “
أبتسم فجر قائلاً بمرح ..” كنت أحادث بها نفسي وقت فراغي “
ضحك السائق مرحا ..” لمَ ألم يكن هناك عرب تعرفهم يتحدثون العربية“
أخرج فجر رأسه من النافذة يستنشق الهواء بقوة و خصلاته البنيه تشعث بتلاعب الهواء بها من سرعة السيارة لتضرب أحداها جبينه العريض ..قال يجيب السائق ..” لا لم يكن لي أصدقاء عرب هناك و من أعرفهم كانوا يتحدثون الإنجليزية أيضاً “
هز السائق رأسه بصمت و ترك فجر يستمتع بالطريق بعد كل هذه الغيبة في الخارج ..دلف السائق لحارة شعبية كبيرة فسأل فجر ..” هل تقيم هنا “
أجاب فجر و هو يومأ برأسه ..” أجل لقد ولدت هنا ، هنا منزل أبي “
توغل السائق أكثر ليصل لشارع ضيق بعض الشيء ليتوقف على جانب الطريق قائلاً لفجر ..” أسف لا أستطيع أن أدخل أكثر من ذلك فهذا الشارع ضيق بعض الشيء و سيصعب على العودة بالسيارة “
هز فجر رأسه موافقا قائلاً ..” حسنا لقد وصلت تقريباً فأنا أقيم أخر هذا الشارع على إيه حال “
أخرج من جيبه بعض الأوراق المالية ليعطيها للسائق الذي سأله ..
” أليس معك نقود مصرية “
هز فجر رأسه نافيا ،فسحب السائق بعض الأوراق قائلاً ..” هذا يفي أجرتي سيدي ،حمدا لله على سلامتك “
ترجل فجر و السائق الذي أخرج له الحقيبة أمسك فجر بحقيبته ممتنا و علقها على كتفه و هو يودع السائق الذي تحرك ليرحل ..نظر فجر حوله مبتسما ليرى التغيرات التي طرأت على الحارة التي ولد فيها خلال سنوات غيبته ، فقد رصفت الطرق ، و هدمت بعض المنازل القديمة ليقام مكانها بنايات عالية تخطت العشرة أدوار و لكن الذي لم يتغير هو المقيمين بها ، فهم مازالوا يجلسون على المقاهي لتضيع الوقت ، و آخرون يتشاحنون على شيء مؤكد سيكون سبب تافه كعادتهم ..و الأطفال كما هم يلعبون كرة و الفتيات يمسكن بعرائسهن اللعبة .. حمدا لله أن منزله مازال كما هو في مكانه و لكنه لم يسلم التغير هو الآخر فقد طلي باللون الاصفر و البني و أرتفع عدة أدوار هو الآخر ..دلف إلى المنزل يمسك بذراعي حقيبته ليصطدم به ولد صغير في العاشرة أو أكثر بعام أو عامين كان يخرج ركضا ليمسك به فجر في ردة فعل سريعة يمنعه من السقوط قال له بلسان ثقيل ..” أنتبه يا ولد كدت تسقطنا معا “
ضحك شهاب قائلاً و هو يقلد لكنة فجر الثقيلة ..” حاضر سيدي في المرة القادمة سأنتبه “
زم فجر شفتيه غضبا من سخرية الصبي و تركه ليصعد لمنزل والده ، صعد فقط لبعض الدرجات حتى كاد يوقعه الصبي نفسه و هو يهبط ركضا على الدرج فقال فجر و أتسعت عينيه دهشة قائلاً ..” بسم الله الرحمن الرحيم متى صعدت لتهبط مرة أخرى “
نظر إليه إيهاب بتعجب و قال ..” من أنت و لمن أتيت هنا “
رد فجر ببرود فهو لم يسأله أول مرة رأه لم يحادثه كأنه رآه للتو ..
” ما شأنك أنت هذا بيت أبي “
أرتفع حاجب إيهاب و قال بتساؤل ..” أنت ابن العم رضوان شهدي المقيم في الخارج “
أجاب فجر و هو يعود ليواصل صعود الدرج ..” هذا أنا و هذا منزل أبي و من أنت “
قال إيهاب و هو يعود ليصعد معه الدرج مرة أخرى ..” أنا إيهاب جاركم هنا نملك الشقة العليا فوق العم رضوان “
أرتفع حاجب فجر دهشة و قال بتذمر ..” هذه شقتي كيف يعني تملكانها “
هز إيهاب كتفيه بلامبالاة قائلاً ..” لقد دفعنا حقها لوالدك و أصبحت لنا هل لد*ك مانع “
زفر بضيق يبدو أن والده قد سلم بأنه لن يعود مرة أخرى .. وصل لمنزل والده و قبل أن يطرق الباب فعل إيهاب ينتظر معه ليفتح له إحدى أختيه ..زم فجر شفتيه من حشرية هذا الصغير الذي يطرق بابهم دون إذن منه فقال له ببرود ..” شكراً لك للمساعدة يا ولد و الآن أذهب “
رد إيهاب بسخرية مقلدا لكنة فجر كما فعل شهاب منذ قليل ..
” حسنا لقد أردت المساعدة فقط “
هم فجر أن يضربه على رأسه حانقا من سخريته ..عندما فتح الباب تقف أمامه فتاة في حوالي العشرين من عمرها تنظر إليه بتعجب لملابسه فقد كان يرتدي شورت قصير و تيشرت ضيق بدون أكمام يظهر عضلات جسده و ذراعيه و لحيته و شاربه الخفيفين و خصلاته البنيه المشعثة حاملاً حقيبته على ظهره فسألته متعجبة ..” من أنت و ماذا تريد “
أجاب إيهاب بمرح مقلدا عربية فجر الثقيلة ..” هذا أخيك يا أروى أتى من الخارج للتو “
أتسعت عينى أروى و فجر يقول بغضب ..” هيا أذهب يا ولد و كفاك حشر أنفك “
كانت أروى تنظر إليه بدهشة غير منتبه لحديثه و هى تسأله بعدم تصديق ..” هل أنت فجر أخي حقاً “
قال فجر بتذمر ..” الن تسمحي لي بالدخول أولاً “
صرخت أروى و هى تلقي بنفسها عليه تتعلق بعنقه و هى تقبله على وجنته قائلة ..” أخي لقد عاد أخي “
تركته ذاهلا و ذهبت للداخل تاركه إياه واقفا على الباب في الخارج يستمع لصوتها الهستيري ..” أبي لقد عاد أخي . أمي لقد عاد أخي ..رؤية لقد عاد أخي أخرجوا جميعاً لقد عاد أخي “
تعجب فجر هل هذه الفتاة حقاً أخته الصغيرة لقد ترك واحدة في الخامسة و الأخرى في الثالثة ، كيف مر الوقت هكذا بسرعة و كبرت كلتاهما ، ظل واقفا أمام الباب بعد أن تركه إيهاب و رحل عندما رأى أبيه أتيا هرولا من الداخل ..نظر إليه فجر بصدمة فقد **ى الشيب رأسه و ظهرت التجاعيد حول عينيه و فمه و ذادت خطوط جبينه
وقف رضوان ينظر إليه بصدمة و عيناه تلمع بالدمع ، فأخيرا فلذة كبده قد عاد بعد أعوام طويلة من الغيبة ظن أنه سيموت قبل أن يراه ليوصيه على أختيه ..وقف رضوان أمامه ينظر إليه كان أبيه يصل لكتفه فكان يرفع رأسه لينظر لعينيه .. تأثر فجر بدموع والده الحبيسة و شعر بالذنب تجاهه فلم يستطع أن ينطق بكلمة واحدة أو يتقدم بخطوة ليعانقه ..كان الصمت ثالثهما و هما يتطلعان لبعضهما بترقب أن يخطو أحدهم الخطوة الأولى للتقرب من الآخر قبل أن يدنوا منه فجر ليحتضنه وجد كفا ثقيلا يهبط على وجنته بغضب لينظر لوالده بصدمة و دهشة و هو يضع يده على وجنته بعدم تصديق، فقال له والده و هو يرفع أصبعه في وجهه ..” هذا لأنك لم تتصل أو ترسل خطابا لنطمئن عليك “
لم يستوعب فجر استقبال أبيه له حتى وجد نفسه بين ذراعيه و هو يقول بفرح ..” لقد عدت بني أخيرا حمدا لله على سلامتك ، حمدا لله أني رأيتك قبل أن أموت ..“
كان فجر في حضن أبيه ينظر لثلاثة أزواج من الأعين الباكية ، ينتظران دورهما بالترحيب ..تعرف على زوجة أبيه فقد ظهر عليها الكبر هى الأخرى ، كانت ترتدي جلباب واسع و تضع على رأسها حجاب صغير بشكل عشوائي كأنها كانت على عجلة من أمرها ، و جوارها تقف أبنتيها أختيه أروى و رؤية ليجد أمامه فتاتين جميلتين و قد تركهما طفلتين في الخامسة و الثالثة .. أبتعد عنه أبيه لتقترب الفتاتين لتضماه هو و حقيبته على ظهره ، كانت مشاعره مشتتة فلسنوات كان بعيداً عنهم و لم يكن متعودا بعد على تلقي مثل هذه المشاعر فلم يعرف كيف يتصرف هل يضمهما أم يقبلهما لا يعرف ..تركتاه لتقترب زوجة أبيه ترفع يدها فظن أنها ستضربه كما فعل والده ف*جع برأسه للخلف ليضحك والده قائلاً ..” لن تضربك مثلي فجر لا تخف “
نظرت إليه زوجته بدهشة قائلة ..” و هل ضربته يا أبا فجر ؟؟ أهكذا تستقبله “؟؟
هز رضوان كتفيه بلامبالاة فرفعت يدها لتلامس وجه قائلة ..” حمدا لله على سلامتك بني “
أبتسم فجر براحة و قال و صوته يخرج لأول مرة في وجود ثلاثتهم ..
” شكراً لك أمي لقد افتقدتكم جميعاً حقاً “
أنفجر الجميع ضاحكا على لكنته الثقيلة في الحديث ليقول فجر بضيق ..” ما الأمر كل من أتحدث معه يضحك هل أنا أقول مزحة “
كان يبدل حرف الحاء و الخاء بحرف الهاء لتخرج كلماته ثقيلة ، فضحكن عليه مرة أخرى ليشد والده يده ليدخله المنزل و يغلق الباب خلفهم قائلاً ..” لا بني فقط اشتقت إليك لقد افتقدناك كثيرا فجر “
أبتسم فجر شاعرا بالذنب قائلاً ..” أسف پاپا سامحني لم أشعر بمرور كل هذه السنوات ، لقد أضعت الكثير ببعدي عنكم پاپا “
ربتت زوجة أبيه على كتفه قائلة ..” سنعوض كل شيء بني حمدا لله أنك عدت لنا و لأختيك “
نزع حقيبة ظهره بتعب و قال ..” ماما أنا جائع كثيرا لقد اشتقت لطعامكم “
أجلسته زوجة أبيه و قالت بحنان ..” فوراً سيكون الطعام جاهز ، أجلس و أحكي مع والدك لحين أنتهي من إعداده “
ثم قالت لرؤية و أروى ..” هيا أذهبن واحدة تعد له الغرفة و الأخرى تخرج ملابسه هيا أسرعن حتى يستريح بعد تناول الطعام مؤكد متعب من السفر “
تحركن ثلاثتهن لتنفذ كل واحدة ما طلب منها تاركين فجر مع والده يتحدثان بحنين يتحدثان فيما مضى شوقا للأيام الماضية .
كان الجميع ملتف حول الطاولة يتناولون العشاء ، عندما قال شهاب و إيهاب في صوت واحد في عادة ما ينفكان يفعلانها شيء كتوارد خواطر بين التؤم ..” لن تصدقا من أتى اليوم بعد الظهر لهنا “
التفتت جميع الأعين لتنظر إليهم بتساؤل فأكملا قائلين معا ..” ابن العم رضوان المقيم في الخارج عاد اليوم “ ثم أكمل إيهاب ضاحكا يحكي ما حدث معه ..” لن تصدقا لقد ظن أنني و شهاب واحد عندما كنت أهبط الدرج صدمت به فقال حين رآني “ ثم قلد لكنة فجر العربية الثقيلة قائلاً ..” بسم الله الرحمن الرحيم ، متى صعدت لتهبط مرة أخرى “
أنفجر إخوته ضحكا مع أبناء عمه في صوت عال ..لتقول عتاب بضيق لشقيقيها فهما دوماً يتلاعبان مدعين شخصية بعضهما ليشتتا الآخرين كالبقال و بائع الحليب و الأولاد في الحارة ..” الن تكفا عن تصرفاتكما تلك أيها الشقيان و التلاعب بالأخرين “
هز الولدين كتفيهما بلامبالاة فقالت بغضب للجميع ..” هيا فلينهي الجميع طعامه حتى تستذكرا بعض الدروس قبل موعد النوم “
عادو للصمت و أكمال طعامهم فقالت عتاب لفريد ..” متى ستستلم السيارة فريد “
أبتسم فريد قائلاً براحة ..” بعد أسبوعين أخيراً أختي و لن أعمل لدى أحد بعد الآن و سيكون لنا سيارتنا الخاصة “
ابتسمت عتاب لفرح أخيها ، فهى قد جمعت ما تبقي من نقودهم من حق أرض منزلهم و دفعته مقدم لسيارة جديدة ، فهى قد أشترت هذه الشقة و المتجر و الباقي دفعته للسيارة و كانا يدفعان ما تبقى على أقساط للمعرض ..أما الجزء الخاص بأبناء عمها صفوة و سامي و بهجة فقد وضعته وديعة في البنك لحين يكبرا و يتصرفان بنفسيهما في مالهم فالمنزل كان ورث والديهم من جدهم و كان مناصفة و بعد ما حدث و سقط المنزل بيعت الأرض و قسمت النقود مناصفة بينهم ، و رغم أن صفوة قد أخبرتها بأنه يحق لهم أن يدفعا في كل شيء هما أيضاً و لكن عتاب رفضت ذلك و وبختها قائلة ..” أنا المسؤولة عن الجميع هنا ألست أكبركم سنا لذلك لا حق لك في التدخل في قراراتي ..و ثقي أن ما أتخذه في صالحنا جميعاً أتفقنا “
انتبهت لبهجة و رأسها يترنح و هى جالسة على الطاولة و قد سقط شعرها على وجهها يغطيه ، ضحك الأولاد على شكلها لتبتسم عتاب و تنهض لتحملها و تدخلها غرفتها و صفوة ..وضعتها على الفراش و قامت بتدثيرها ..فهى لا تستطيع أن تظل مستيقظة أكثر من موعد العشاء ..
خرجت لتكمل طعامها كان الأولاد قد انتهوا و اغتسلوا و ذهبوا ليستذكرا دروسهم لحين وقت النوم ..قالت صفوة و هى تمسك ببعض الأطباق ..” أنا سأزيل الأطباق و أنظفها اليوم أختي “
أمسكت عتاب منها الأطباق قائلة تثنيها عن ما تريد أن تفعله ..
” لا صفوة أذهبي أنت للمذاكرة فأنت ثانوية عامة و هى صعبة للغاية و أنا أريدك أن تنجحي بتفوق لتدخلي الكلية التي تريدينها “
ردت صفوة برجاء فهى تتعب من أجلهم كثيرا و هذا يشعرها بالذنب ف عتاب على مشارف الثلاثين و لم تتزوج أو ترتبط بأحد مع كل مسؤولياتها ..” لن يضيرني التأخير نصف ساعة أختي “
قالت عتاب بتذمر ..” كفى صفوة تضيع للوقت لما جدالك كل يوم رغم معرفتك بالنتيجة هيا أذهبي و لا ترهقيني بالجدال معك على أمر تافه “
ذهبت صفوة كما طلبت منها عتاب لتذاكر فقامت هذه الأخيرة بتنظيف الطاولة و تنظيف المطبخ و إعادة كل شئ مكانه ثم قامت بصنع الشاي و خرجت قائلة للجميع ..” استراحة خمس دقائق لشرب الشاي ثم العودة لتكملا “
ترك الأولاد كتبهم و أخذ كل منهم كوبه يشربه بتروي فقالت عتاب حانقة
” هيا يا حمقى كفا عن تضيع وقتكم “
تذمر الأولاد و شهاب يقول ..” أختي تشعرينا إننا في ثكنة عسكرية الرحمة أختي أرجوك “
نظرت في ساعة يدها قائلة ..” أضعتم خمس دقائق ستستيقظون مبكرًا غداً “
أص*روا صوت متذمر و عادو لشرب الشاي بسرعة و على وجهها ترتسم ابتسامة واسعة مرحة ..