1. حب وحنين
ومن ذاكرة السنين دفاتر ملؤها الحب والحنين تلون ساعاتي وتنير لحظاتي أقرأها بتأن وأقف عند صورها بزهو وأقلب أوراقها وأنا فخورة بأحزانها وأفراحها وبكليتها مهما حملت لي من الدموع ومهما أمعنت في وجداني الحزن وغرمتني بالألم.
أدب فوق الطرقات بين المخبز والحانوت وأعكف على المكتبة واتنقل بين كل زاوية ومكان كالفراشة الجميلة فوق الزهرات في ربيع لا يخلو من ضجيج وزحام.
بائع الكعك وبائع الحلوى يناديان ونتسابق اليهما ونحصل على كنوزنا ونلتهما ونحن نركض ونلعب ونضحك ونحمل الأكياس التي طلب منا أن نشتري ما فيها ..
وبابتسامة تستقبلنا الحنونة وبصرخة الش*يقة والكل يجمع على أنني تأخرت والضيوف على وشك الوصول ما يهم هو أنني انجزت مهمتي ورضيت نفسي وتلذذت بقضاء وقت كنت أحسبه من الفرائض حيث كنا ننعم بفائض من الفرح والسعادة .
اترك بضاعتي واعود الى الحارة كي اتمم ما بدأته من اللعب والركض والغناء والتسابق على الدراجات..
أنا كنت صغيرة على المطبخ وعلى أعمال البيت لذلك اقتصرت مهمتي على شراء المطلوب وما تحتاجه العائلة كل يوم.
ورائحة التراب كانت تنعشنا في اول مطرة قبل الدخول الى الخريف مع الاستعداد للدخول الى المدارس.
حقائب وكتب وتجليدها ودفاتر ومقلمة وأقلام وقواميس ودفتر للرسم ومعجون للتلوين وأصابع.ومقص وكراتين وحتى قطعة الأوبيسون وابرة الكنفا وثياب خاصة للرياضة واسبادرين والمريول والكلسات البيض والشرائط الكحلية.
ومع كل صباح كنا ننهض على مزيج من الروائح ممزوجة بصوت أمي وهي تنادينا وتكوي لنا المراييل وتتصاعد أبخرة أباريق الشاي والحليب مع قهوة أمي حتى السندويشات كانت تحضرها وتطوي لنا المناديل الورقية وتتحفنا دائما" قبل الخروج بالورد من دعاء وكلام وتوعية وتحذير وتمني بان نجلب معنا علامات عالية وعلامات جيدة.
ونذهب مترجلين كنا ثلاث بنات نقفز الى المدرسة قفزا" حيث كانت ضمن شارع قريب من الحي الذي نقتنه.
وما اجمل الجدايل ومربوطة بالشرائط الجميلة والمراييل النظيفة والمحفظة الكبيرة وأجمل الامور تلك العاطفة الايجابية للبيت وللمدرسة وللحياة.
تلك الايام تداولت بيننا ولكن هناك فرق شاسع بين تلميذ يجلس بتململ وراء شاشة جامدة وصف جدرانه ثلج وتلاميذه منتشرون لا يجمعهم الا كلمات في الهواء لا تفاعل ولا انتباه فقط التركيز على الحاسوب واذا النت انقطع أو ضعيف أو من عندنا أم من عند المعلمة.
أعان الله جيل هذه الأيام ....
كنا نتسابق على الأجوبة وكنا نتناول المعلومة بشغف ونتعب للحصول على تقدير الاولياء والمعلمات.
ولكن في صفي كانت المعلمة انسان والرفيقات أرواح وفي صفي المعلومة أساسها كتاب والتعليم بالقلم وعلى الورق وليس بأصابع تتردد خوفا" من انقطاع الكهرباء...
يا زمني الجميل أرسل اليهم بعض ما عندك عساني أفرح لهم واهديهم سبل التعليم كل شىء في بلادنا يعود ويرجع ويا ليت التعليم يعود ويرجع حتى يتقنه أولادنا ولا ذنب لهم ولا حيلة للأهل ولا للمدارس اليوم ولكن مجرد أمنية عساها تتحقق ونسترجع ما فقدناه من القدرة على الاستعاب والتكلم بلغتنا بفصاحة وكتابتها باتقان.
من هنا أبكي التعليم وأنعي للمتعلمين عملية التعلم عن بعد وبالنت وليس افتراء على الحداثة ولا عنادا" وتمسكا" بماض زال ولكن التعليم اليوم صار متعب للتلميذ وللمعلم وللجميع على السواء.
بدون كتاب ولا قلم ودفاتر وحب لا ينجح متعلم ولا يكون عندنا ثقافة التعليم الحقيقي لأجيال على امتداد أزمنة تنحدر فيها قيمة البشرية وفي كل مجال.
وبرأي المتواضع لتسترجع التي تهز العالم بيسارها موقعها وتكون المعلمة والتلميذ في آن وتلزم ولدها على القراءة والكتابة على الورق للافادة وللتسلية وتزرع في نفوسهم معاني وقيم عساها تبقى تهز العالم فنستعيد بها ومعها المدرسة والعائلة والتلميذ في زمن ضاع فيه كل شىء وبقينا نلهث وراء أشلاء نجمعها من هنا وهنالك وهناك.