عقد البراءة

473 Words
1.  عقد البراءةوَلا أَلومُ نَفْسِّي إلاَّ على تِلْكَ الأَيَّام الَّتَّي قَضْيْتُها وَكانَتْ مُفْعَمَةً بالْسَّعادة ،طُفُولَةٌ هانِئَةٌ وأَحْداثٌ مُشَّوِّقَّة ،وإشْراقاتٌ وَوَمَضّات كُلُّها جَعَلَت منِّي قَلَمٌ. يَخّطُّ نَبَضّاتِ الْقُلوب ،ويَرْسُمُ الْخُطوط،ويَعْزِفُ الأَنْغَام ،ويَحْكِّي الْقِصَّص. دائمًا أَسْتَشْعِرُ روحَ أُصُّولي وأحَّضِّرُوُجُوهَ أَحْبابٍ بالْصُّوَر وأَنْطَلِقُ لأَمْلَأَ بَيّاضَ صَّفَحاتْ شّاشَّةَ حَاسُّوبي مَشَّاعِرَ أُصِيغُها عِبَر وَأُلَوِنُّها عَبَرات وأَنْشُّرُها عِبارات. بَيْنَ الْضّحكاتِ والْصَّيْحات طَّاقاتٌ وانْفِعالات تَجْعَلُ دَواتِّي تَّفيضُ بِأزْكَى الْعطورِ وبأَرْوَعِ الْمُرادَفات. وَفي حَضْرَةِ الخَيال ِتَنْحَني أَبْجَديَّة الْابْدَّاع لِتُّثْري مَكْتّبَة الْواقعِ بِشَّتَّى أَنْواعِ الأَدَب ِوَخَاصَّةً الأَدَب الْحُّربَعيدًا عَنْ الْقيّود والْأغْلال البَيانّية والْبَلاغِيَّة ،مُتَسَلِحَةً بِفَصَّاحَةٍ تَجْمَعُ الْحَدَّاثّةَ مَع الْزَمَنِ الْماضِّي. أَلْعابُنا قَفْزٌ ونَطٌّ وَرَكْضٌ ومَعَها فِكْرٌ وَفَنٌّ وانْطِلاق وَوَشْمُ الْلَّحَظَّاتِ بِخَرْبَشّاتٍ وخُطوط. وَمِنْ مَعينِ الْذكْرَيّاتِ تَطْفو على سَّطْحِ أَفْكاري صُّورٌ مِنْها ما هوَ رُغْمَ الْحُزْنِ لا يَزالُ يَرْسُّمُ ابْتِسَّاماتٍ على وَجْه أَيَّامي ،وخاصَّةً تِلْكَ الَتَّي كُنْتُ أَذْهَبُ حِينَها إلى الرَّوْضَّةِ ، بِذْيلِ الْحِصَّان فَوْقَ رأْسي يَتَأَرْجَحُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَأَنا أَرْكُضُ مُتَباهِيَّةً أَسْبِقُ أَتْرابي كَي ْ أَصِلَ إلى حانَّوتِ الْمَدْرَسَّةِ لِأَشْتَريَ لي ولأَخي الْحَلْوى وكُنْتُ أَشْتاق لِتِلْكَ الْلَّحْظَةِ الَتِّي أَلْتقيه خِلال فَتْرةِ اسْتِراحَةِ الْظُهْرِ وأَيْضًا عِنْدَ الْعَصْرِ وَقْتَ الْرُّجوعِ في نِهايَةِ الْنَّهارِ. والْباصُ حِينَها "أم راغب" تَأْخُذُنا وتُرْجِعُنا كالْقِطارِ تُّغَنِّي لَنا وتُّحِبُّنا وكُنْتُ الْأصْغَرَ بَيْنَ رُّكابِها. ومرَّاتٍ كَثيرةً وفي طَريقِ الْعَوْدَةِ كانَتِ الْنُّجوم تُّزَيِّنُ جَبيني والْأَوْسِّمَةُ عَلى مِرْيَلَتِّي. ومَعَها حَلْوى لِشَّقِيقي وفي مَرَّةٍ يُّسَّطِرُها الْتَّاريخُ جِئْتثهُ بِلُعْبَة " الخشخيشة" وسُّرِرْتُ مَعَهُ وكَأَنَّنِّي هَدَّيْتُّهُ الْفَرَحَ وَأَعْطَيْتُهُ الْغِبْطَةَ. وبِالُّرُغْمِ مِنْ اعْتِدادي بِنَفْسِّي غَلَبَتْني رَفيقتِّي وَهِيَ أَيْضًا قَريبَتِّي وَقَهَرَتْنِّي وَأَخَذَتْ دَفْتَّري وبَدَّلَتْهُ بِدَفْتَرِها ،وَما أَدْراك مَا دَفْتَّرِها... مَسَحَتِ الْغاليَّةُ دَمْعاتِّي وأَخَذَتْني إلى مَنْزِلِ سَّارِقَة علَّاماتّي الْجَّيْدَة وَدَفْتَري الْعَزيز. وَوَسْطَ الضَّحك والْضَّجيجِ عُدْتُ مُنْتَصِّرةً وَفَرِحَةً بِعَوْدَةِ الدَّفْتَّر. وَ مِنْ حَنّيني ورَغَدي إلَيْكِ يا وَرْدَةَ حَيَّاتِّي أَرْتَّاحُ لِأَنَّكِ اسْتِمْرَّارِيَّتِّي وَوُفِّقْتُ بِكِ أمَلاً مُّشِّعًا وَحُلْمًا مُحَّقَقًا ونونًا مِدادًا تُّغَذي رِيشَّةَ قَلَمي. بَيَّاضُ الْقَلْب هيَ لَيْسَتْ هَدايا ولا حَلوى كَي ْ نَنْتَقي مِنْها ،وَلكِنْ مَا ألَّحَ على عَقْلي وما زالَ يُذْكَر. كُنْـْتُ فَخورة وَأَنا أَسيرُ بِجانِبِه ، ويَقُّصُّ عَليَ شَبابَه ُوحَياتَهُ ،حَتَّى وَصَلْنا إلى بائِع ِالْكَعْكِ ،اشْتَرى ليَّ واحِدَة ،وَأَنا أَقْضِمُها فَرَحَةً حَيْثُ لا رَقيبٍ ولا حَسيبٍ ،ولا انْتبَهي ولا تَجعْلي ثَوْبَكِ مُلَّطَّخًا...حَالي كَما أَتْرابي نُحِبُّ الإنْفْلات والْفَوْضى... هُوَ جَدِّي لِأَبي أُحِبُّهُ وَأُحِبُّ حَديثُهُ وَمَشّاوِيرَه . وَخِلال َ أَقَل مِنْ سَّاعةٍ حَفِظْتُّ لَهُ مِنَ الْشِّعْرِ أَبْياتٍ عَشَّرة ،ومِنَ القِصّصِ عشْرين،وَمِنَ الْمَواوِيل الْكَثِير. وكَيفَ كانَ يَخْدَعُ الْعَسْكَر "الْعُثْمَلِّي"كَما يَلْفُظُها ،وَكَيْفَ ضَرَبَ رَأْسَهُ بِالْفَأسِ حَتَّى نَزَف دَمًا. وَذَهَبَ إلى الْوالي يَرْفَعُ الَيْه ِ مَظْلُمَة وَيَشْكو أُناسّاً أذوه وَس***قوه.وَهوَيَرْعى الْغَنَم. ورَوَى لي حَادِثة وَقُوعِه مِنْ شَّجَرَةِ الْزَّيْتونِ الْمُّعَمِرة، وَهوَ يَتَّغَزَّلُ بِصَّبِيةٍ حَسْناء. وكَيْفَ أَحَبَ جَدَتِّي وَخّطَفَها مِنْ شَّقيقِه الْكَبير، الَّذي هاجَر إلى أَميركا. وَعاشَ هُنَّاك وَتَزَوَج وَأنْجَبَ ابْنَة ووَلد وَكَيْفَ انْقَطَعَ الاتِصَّال بيْنَهُما. كانَ بَّسَّامًا حسَّن الوَجْهِ يَّميلُ إلى الْفُكاهةِ ،ويُّطْلِقُ الْنُكت الْسَّاخِرة. وّيَعْشَّقُ الْغَلْيُّون وَالْنَّارْجِيلَة وَالْشَّاي. جَلْسّاتُه كَلِماتُّه وصُحْبَتُه كانَتْ أَوْقاتِّي الْسَّعيدة وَالْتِّي أَسْعى إلَيْها بِكُّلِّ ما جَادَتْ حِيلَتِّي ،وَاسْتِطّاعَتِّي عَلَى إنْهاء ِ الْواجِباتِ وَالْدُّروس. الْيَوَمَ أَفْتَّقِدُّهُ وأَتَّذ***رُه وأَتّرَحَمُ عَلَيه،وَكُلِّي حُّب وَحَنينٌ وَشَّوْق وَدَّمْعٌ غَزيرٌ. يا فارِسًا تَّرّجَّلَ بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ قَرْن ،يَكْفيكَ أَنَه بِعَطْفِك و بِحَنانِّكَ قَدَّمْتَّ لَنا كُلَّ جَميل.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD