الوجه الملون لا يستر الحزن
تأملتُ انعكاسي في المرآة المهتزة خلف الكواليس. كانت ابتسامتي المرسومة باللون الأحمر تبدو غريبة، كجرحٍ عميقٍ على وجهي الشاحب. لم تكن ابتسامةً عريضةً، كان مجرد طلاء يقوم بدفن ملامحي ، تلك الملامح التي لم يعد أحدٌ يراها. كانت يداي ترتجفان، وقطرات العرق البارد تتسلل تحت طلاء الوجه السميك، لتخلق خطوطًا باهتةً على بشرتي.
مشيت ببطء إلى وسط الخشبة، وقد شعرتُ بوزن كل خطوةٍ كأنها تُغوصُ في رمالٍ متحركةٍ. كان الهواء يثقل على ص*ري، كأن كلّ الأنفاس التي خرجت مني سابقًا قد عادت لتخنقي. الموسيقى الهزلية كانت تُزعجُ أذني، لم تعد تبدو مضحكةً، بل كانت كالسمفونية التي تعزف في عزاء احد الشخصيات المهمة، مع اختلاف انني لست مهما على الاطلاق. كان قلبي خاويًا، كبيتٍ مهجورٍ لا يزوره أحد. شعرتُ كأنني شبحٌ يرتدي جسدًا، يرقصُ ويتحركُ بينما الحياةُ داخلي قد ماتت منذ زمن.
كانت عيون الجمهور تتأملني، لا بفضولٍ أو حماس، بل باشمئزازٍ. شعرتُ كأن كل نظرةٍ منهم كانت كض*بةٍ قاسمةٍ، ت**رُ شيئًا في داخلي. أحدهم همسَ بجانب والده: "بابا، لماذا لا يضحك هذا المهرج؟" لم أضحك، لأن الضحك هو الحياة، وأنا لم أعد أملكها. كان عرضي مجرد انني أتعثر، وأسقط، وأتلقى الإهانات، كل ذلك أمام عيونٍ لا ترى.
أتذكر أن إحدى الأمهات سحبت طفلها بعيدًا، وهزّت رأسها باستنكارٍ، وكأنني كائنٌ غريبٌ قادمٌ من كوكبٍ آخر. تمتمت: "إنه غريبٌ."
لا، لم أكن غريبًا. كنتُ مجرد إنسانٍ يائسٍ يبحثُ عن نفسه في متاهةٍ من الأقنعة. كنتُ مجرد ظلٍّ يتلاشى في الأضواء الساطعة. أتمنى أن أخلع هذا الوجه المبتسم، وأن أعود إلى غرفتي الهادئة، حيث يمكنني أن أصرخَ وأبكي، واناقش نفسي في امور ومعتقدات لن يفهمها غيري ولن يتقبلها احد اذا عرضت على البشرية ، بعيدًا عن عيونٍ لا ترى إلا السطحَ. لكن حتى دموعي جفت، ولم يعد في قلبي أي شيء سوى الفراغ. فراغٌ يزداد اتساعًا كل ليلةٍ، كلما صعدتُ على هذه الخشبة، وتظاهرتُ بأنني سعيد، كلما أصبحت اتعس.