لغز جديد

692 Words
توقفت عن التفكير بالأمر، وأصبح كل همي هو أن أجد الخائن لأتخلص من ذلك الهمّ الذي يقف في حياتي ويعطلها. الآن كل ما أريده هو أن يعود الحال كما كان قبل أن تحدث كل هذه الجلبة. لكن ما يزال يتبقى مني جزء يريد معرفة ما هو الشيء الذي يخفيه مارسيل ويجعله خائفًا من أن يُكشف، ومن الذي أرسل الرسالة؟ ولماذا أرسلها إليّ أنا؟ هل حقًا هذا الشخص يعرف الكثير عن مارسيل، أم أنه فقط يحاول أن يجعله يخاف ليقع في خطأ سهواً؟ أطلقت زفيرًا طويلاً محاولًا تخفيف العبء عني، وبدأت أمشي في غرفتي ذهابًا وإيابًا ورأسي مائل إلى الخلف، شعرت كأنه يحمل أثقال الدنيا كلها. وهذا ما أعاد لي تلك الأفكار مجددًا. توقفت ونظرت إلى الباب المؤدي إلى الحمام، وبدأت الذكريات تتدفق مجددًا. تذكرت تلك الليلة... السواد الذي خطى على رؤيتي، صوت ماركوس، ونظرة مارسيل المشمئزة نحوي. "لوسيفر؟" سمعت صوت ماركوس خلف الباب، يحاول أن يكون هادئًا بقدر الإمكان. توجهت نحو الباب وفتحته، فقابلت وجهه القلق المتفائل بوجهٍ آخر لا يحوي أي تعبير. قال: "أمم... نحتاج مساعدتك في الساحة الرئيسية لتجهيزات عرض الغد." علمت أنه يكذب، فماركوس كاذب سيئ جدًا. يمكن معرفة أنه يكذب من وقفته غير المستقيمة، وعينيه اللتين تتجنبان النظر مباشرة إلى عيني. قلت له: "حسنًا، سأبدّل ملابسي وألحق بك." أغلقت الباب وتوجهت نحو دولابي المهترئ. كان مصنوعًا من الخشب، لكنه تارة لونه بني وتارة أخرى أ**د، وكأنه تعرض للحرق. ومع حالته السيئة، إلا أنه ما زال يحتفظ بجماله الخلاب القابع في نقوش زخارفه التي تتشابك على خشبه العاجي مثل كرومٍ لا تنتهي، تتسلق بخفة وتنساب في دوائر وأنماط متناظرة. كل ورقة منقوشة بدقة تحمل سرًا، وكل انحناءة توحي بفخامة. بدا كأنه ليس مجرد قطعة أثاث، بل صفحة مطوية من حكاية قديمة، تحبس بين طياتها همسات الزمن وروائح الماضي. ابتسمت قليلًا ساخرًا من نفسي، لأني جعلت للدولاب قصة وأعطيته أكبر من حجمه، بينما معظم الناس لا تهتم حتى بشكله الخارجي بل تهتم بما يحتويه. لكنني في حالة مختلفة، لأنني لا أمتلك رفاهية امتلاك ملابس ذات قيمة. فتحت أبواب الدولاب، فرأيت خمسة أطقم من الملابس: اثنان منها للعروض، واثنان لملابسي الشخصية، أما الأخير فهو للتدريب أو أرتديه أثناء التجهيز للعرض كما هو الآن. مددت يدي وأخرجت الطقم الأخير وبدأت أبدّل ملابسي غادرت الغرفة، وسرت في الممرّ ذاته الذي يؤدي إلى مكتب مارسيل. كانت الحركة في المكان غير معتادة؛ الأعضاء يسيرون في عجلةٍ، يحملون المرايا والصناديق وأغراض العرض. بعضهم يتجه نحو الساحة، وآخرون يعودون من المخزن القريب من غرفتي، على بُعد زقاقٍ واحد فقط. كان في الهواء توترٌ خفي، مزيج من الاستعداد والريبة. لم أستطع تجاهل نظراتٍ جانبية تتبعني كلما مررت. كأنّ شيئًا غير معلن يجري خلف الكواليس، وأنا الوحيد الذي لا يعرف فصوله. اقتربت من الساحة، وكان الضوء ينسكب من الفتحات العالية مثل شظايا شمسٍ **يرة. رأيت ماركوس يقف مع اثنين من الأعضاء، يهمسون بشيءٍ ما ثم ي**تون فور أن أقترب. رفعت حاجبي وسألته: "أين المعدات التي تحتاجون مني نقلها؟" تردّد قليلًا قبل أن يشير إلى أحد الأركان، وقال: "هناك، خلف الستائر الحمراء. فقط ساعدنا في ترتيبها." أومأت برأسي دون كلام، وتوجهت نحو المكان الذي أشار إليه. الستارة كانت ثقيلة ومغبرة قليلًا. مددت يدي وسحبتها جانبًا، وفجأة توقفت عيناي عند شيء لم يكن في مكانه. كانت هناك حقيبة سوداء صغيرة موضوعة على الأرض، مفتوحة قليلًا، وكأن أحدهم استعجل في تركها. نظرت حولي فلم أجد أحدًا قريبًا، فانخفضت قليلًا لأراها أوضح. كان بداخلها شيء يشبه دفترًا صغيرًا وبعض الأوراق المطوية بعناية، إضافة إلى قفاز أ**د واحد فقط، كأنه فقد توأمه. مددت يدي لأمسك الدفتر، لكن صوت خطواتٍ سريعة جعلني أتراجع فورًا. أغلقت الحقيبة بسرعة ووقفت مستقيمًا. كان ماركوس قادمًا نحوي. "هل كل شيء بخير؟" قالها بابتسامة متوترة. أجبته: "نعم، فقط كنت أتأكد من الأدوات." اقترب أكثر ونظر للحقيبة، ثم قال بسرعة: "آه، هذه ليست مهمة، أتوقع انها تخص مارسيل." تجمدت مكاني. لماذا يخفي مارسيل حقيبته هنا؟ تظاهرت بعدم الاهتمام وعدت لترتيب بعض الصناديق بجانب الستارة، لكن عيني كانت تراقب ماركوس الذي وقف قريبًا من الحقيبة، لا يبعد نظره عنها. بعد دقائق، اقترب مني أحد الأعضاء الذي بالمناسبة كان اول مرة اراه اليوم وقال بصوت خافت: "لوسيفر... انتبه. لا تثق بأحد الليلة، حتى لو بدا لك صديقًا." وقبل أن أسأله ماذا يقصد، انسحب بسرعة بين الجموع. تسارعت دقات قلبي، ونظرت نحو ماركوس من جديد، ثم نحو الحقيبة. شعرت أن كل شيء يدور حولها. قررت أن أعود في وقتٍ لاحق عندما يهدأ المكان .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD