فتحتُ عيني ببطء، يثقلني الصداع، وقد اخترق سكون غرفتي صوت طرقٍ عنيفٍ على الباب، طرقٌ يكاد يخلع مفاصله من شدّته.
رفعت رأسي عن الوسادة وأنا أزفر بتعبٍ
"حتى في يوم عطلتي الوحيد… لا يتركوني أنعم بالهدوء."
نهضت عن السرير الذي لم يفوّت الفرصة ليزيد من إزعاجي إذ أطلق صريره المألوف، كأنما يسخر مني كلما تحركت.
تقدمت ببطء نحو الباب الخشبي العتيق، تآكلت أطرافه، و عليه نقوش محفورة من قبل أن أولد.
مددت يدي إلى القفل، وما إن أدرته حتى اندفع الباب فجأة من الخارج بلا سابق إنذار، ليصطدم بقوة في جبهتي.
تراجعت إلى الوراء لا إرادياً، وضغطت بكفي على رأسي متأوهاً بألم حاد قبل أن يرتفع صوت مألوف أمامي
"لوسيفر… ما بك؟! نحن نطرق الباب منذ ربع ساعة، وأنت لا تجيب! أتظن أن استهتارك هذا يُحتمل؟"
رفعت بصري ببطء، وإذا بي أجد "الرئيس مارسيل" واقفاً أمامي، وخلفه "ماركوس" الذي كانت ملامحه تحاول أن تهمس لي بتحذيرٍ خفي مارسيل غاضب… حذاري.
لكن محاولاته لم تدم طويلاً، إذ التفت مارسيل فجأة إليه كأنه التقط حركته، فاكتفى ماركوس بالجمود، كتمثالٍ صامت.
تمتمت بنبرةٍ مرهقة، محاولاً التخفيف من حدّة الموقف
"سيد مارسيل… هل من أمرٍ عاجل؟ كما تعلم… اليوم عطلتي… العطلة الوحيدة."
اشتدت ملامحه غضباً، حتى خُيّل إلي أنه سينفجر في أي لحظة.
قال بصوتٍ متوترٍ، كأن نبراته تحمل جمراتٍ خفية
"تتصرف وكأن كل شيءٍ بخير… وكأنك تجهل ما يحدث في السيرك."
ثم فجأة… **ت. **تٌ مُربك لم أعهده منه من قبل.
التفت بعدها نحو ماركوس
"اذهب… أحضر لي كوب ماء."
ارتسمت على وجه ماركوس علامات استياءٍ عابرة، لكنه انحنى بلا كلمةٍ واحدة، وغادر بخطواتٍ ثقيلة.
بقيت أنا ومارسيل وحدنا. دفع الباب بيده ودخل، فأفسحت له الطريق، ثم أغلقت خلفنا.
عندما التفت نحوه، رأيت على وجهه مزيجاً من الاشمئزاز والنفور وهو يتفحّص الغرفة، كأنه يلومني على فوضاها، ناسياً أنها من منحه لي أصلاً.
أشرت له بالجلوس، فجلس على طرف السرير، الذي لم يتأخر عن إصدار صريره المعتاد، فارتسمت على ملامحه قسوة اشمئزاز أوضح.
لا أنكر… أن المشهد أضحكني في داخلي.
أطبق كفيه على رأسه وكأنه يعصر دماغه، لم أره يوماً على هذه الحال. كان الأمر أكبر من مجرد تهديدٍ أو رسالةٍ عابرة… لا، كان شيئاً أعمق، أشد خطورة.
وفجأة… نهض واقفاً، وأمسك بذراعي بقوةٍ لم أعهدها منه، ونظر مباشرةً في عيني، نظره مشبعة بالتوتر والقلق.
"اسمع يا لوسيفر… بخصوص رسالة الأمس… لقد ذهبت بنفسي إلى مركز البريد. لم أجد أي سجل لرسائل رسمية موجهة إليك. سألت ماريا… قالت إنها لم ترَ تلك الرسالة بين أوراق الصباح. أقسمت أن حقيبة البريد لم يكن فيها شيء سوى المعتاد. لكنها فوجئت بوجودها لاحقاً حين وزّعت الرسائل… والمثير أنها لم تبتعد عن الحقيبة إلا في وقت غدائها. ذلك هو الوقت الوحيد الذي كانت فيه الرسائل بلا رقابة."
ثم أمال رأسه لأسفل، كأنه يبتلع شيئاً عالقاً في ص*ره، قبل أن يرفعها فجأة وبعنف، ليصرخ تقريباً
"هذا يعني أن بيننا خائناً… شخصاً يعيش بيننا، يراقبنا، ويخطط لقتلي… والأسوأ… أنه يعرف الحقيقة!"
سقطت كلماته في ص*ري كحجرٍ ثقيل، أيقظ داخلي رعباً مكتوماً.
لم يكن الأمر مجرد مؤامرةٍ عابرة… بل بداية انهيارٍ ما، انهيارٍ قد يبتلع السيرك ومن فيه.
قبل أن أجد رداً، عاد الباب ليفتح، ودخل ماركوس حاملاً كوب الماء.
لكنني رأيت كيف تجمّد حين التقط آخر جملة قالها مارسيل.
تلاقت أعيننا للحظة، لكن قاطع هذه اللحظة مارسيل إذ توجه لماركوس وتناول كوب الماء من يديه ليشربه دفعة واحدة ثم دفع الكوب نحو
ص*ره بقوة مما جعل ملامح ماركوس
تنكمش أثر اصطدام الكوب بص*ره
"أحضر لي كوبًا اخر"
لم يحاول ماركوس حتى إخفاء
استياءه من معاملة مارسيل لكن ليس بيده حليه
فقرر ان يحفظ ماء وجهه ويخرج.
ليلتفت مارسيل إلي مرة اخرى لكن بملامح غاضبة هذه المرة أقسم أنني عينيه كادت
أن تخرج من مكانها و أصبحت عروق يده ورقبته اكثر وضوحا بينما لاحظت رجفة بسيطة
في جسده لست متأكد إن كانت خوف او غضب
او الاثنين
"لوسيفر... نحن في هذا معًا علينا إيجاد الفاعل انت تعرف أن العائلة تأتي اولًا...وانت لا شيء بدوني.. فإذا سقطت ستسقط معي"
أنهى جملته التي تقبلتها بص*ر رحب
وخرج من الغرفة وأغلق الباب بقوة خلفه
وقفت مكاني كتمثال حجري، أحدّق في الباب المغلق.
يا ليتني أستطيع تكذيب كلماته… لكن الحقيقة أنها صحيحة. أنا لست متعلماً، لا أملك شهادة، ولا حياة خارج هذه الجدران. كل ما أملكه هو السيرك.. غرفتي وكتبي التي أختبئ فيها من واقعي.
أنا لا شيء بدونه… وهذا ما يقتلني.
ومع ذلك كان هناك جزء صغير داخلي، ضعيف لكنه عنيد، يصرخ في الظلام"ساعد الخائن… لتتخلص من مارسيل."
لكن الفكرة وحدها مرعبة. من أكون بدونه؟
من دون مارسيل… أنا هالك. والأسوأ… أنني لا أملك حتى رفاهية الاختيار.
فالعائلة… قيدٌ لا يُ**ر.