الجزء السادس

2068 Words
الامل الجزء السادس بحلول الظهيرة وصل الجميع إلى الفندق محملين بأمتعتهم وكان سنان وياسمين يسيران بسيارتهم خلف سيارة آسر وروفان حتى الميناء ومن ثم استقلا القارب العبارة الذى نقلهما إلى الفندق الفخم وهناك التقيا بشبنام السعيدة والمتوترة في آن واحد قرب موظف الإستقبال ... ركضت نحو روفان وياسمين لتعانقهما وهى تقول بانفعال: من الجيد انكما وصلتما سأموت من القلق والتوتر ... لدينا الكثير لنفعل حد الغد ... هيا إلى جناحنا بسرعة. ..سقطت تلك العبارة كحجر ثقيل على رأسى كل من آسر وسنان الذين خططا مخططات غير بريئة بمكان عن هاتين الليلتين اللاتى ينويان قضاءهما في هذا الفندق المفعم بأجواء رومانسية وأفكار كثيرة لقضاء عطلة زوجية بعد أسبوع عمل مضنى ... حتى أن سنان كان أكثر قساوة من آسر حيث أنه اتفق مع ياسمين على ترك آسر الصغير برعاية المربية في المنزل ليستمتعان بكل لحظة ... إلتفت كلاهما ليجدا ألب آت من رواق الإستقبال ليحييهما ويؤكد على كلام شيبنام بأن الرجال سيقيمون مع العريس في جناحه وأن النساء سيقمن مع شيبنام فى جناحها ... تمالك آسر نفسه واكتفى بأن اقترب من أمينة النائمة في حضن روفان ليقبلها ثم همس فى أذن روفان: ياللأسف خططت للنوم مع الجميلة فإذا بى سأنام مع الوحش ... بل مع وحشين .. الحياة ليست عادلة فى كل حين ... ثم طبع قبلة على خدها وانسحب يجر قدميه خلف رفيقيه الذين قد بدأا فعلا بالشجار والعناد قبل وصول جناحهما .... عند المساء نزل الكل لتناول العشاء باكرا في جماعات... وقد كان هذا الحدث فرصة رائعة لتقارب نجمى وناريمان عاطفيا من جديد ... أما كوراى فقد كان يلحق بسنان كظله خوفا من مواجهة آسر الذى لم يعد كما كان معه منذ مغادرته باسيونيس والعمل مع ياسمين فى شيرى ... بعد العشاء وضع آسر أمينة في عربتها واختطف زوجته وخرجا في جولة مسائية حول المسبح وفى حديقة الفندق الكبيرة ... كانت روفان قد شبكت ذراعها في ذراع آسر وتركت له هو قيادة العربة تماما كما تركت له حرية اختيار درب نزهتهما وبل ودرب حياتها بأكملها ... فمعه ومعه هو فقط يروق لها كثيرا أن تكون طفلته التى لا تدل الطريق بمفردها أكثر مما يروقها أن تكون زوجته ... فهى تعلم بأنه سيختار لها الأفضل دائما وأن راحتها مسبقة على راحته وأنها بين يديه لن يصيبها أذى ولن تعبث بها الأيام مهما قست .... لم يتحدثا كثيرا وإنما تركا منظر الغروب الساحر وتحليق طيور النورس المهاجرة في السماء إيذانا برحيل فصل وقدوم آخر تتحدث بالنيابة عنهما ... ألقت برأسها على كتفه وهما ينظران إلى زرقة البحر القاتم تندمج مع ظلمة السماء وهما يبتلعان معا آخر ما تبقى من قرص الشمس المحتضر ليضيئا بدلا عنه بعد لحظات نجوما مضيئة في السماء وقمرا يزين الأفق ليطمئن القلوب بأن كل رحيل يتبعه لقاء وبأنه لولا العتمة لما ابصرنا النور يولد.... لم ينم آسر جيدا تلك الليلة لأنه وبإختصار لم يعد يقوى على النوم في فراش لا تفوح منه رائحة جلدها ولا ترضيه وسادة لم تلامسها خصلات دفنته يوما ... نهض وهو يتجنب إيقاظ كل من سنان وألب الذى كان ينام كقتيل ولا يبدو عليه ذرة من قلق عريس ينتظره يوم طويل ... فتح باب الشرفة بحذر واستنشق هواء عليل وإن كان باردا بعض الشىء ... جال ببصره فلمح نورا خافتا يأتيه من الشرفة المجاورة وهى شرفة جناح الفتيات وصوتا شجيا تعشقه روحه قبل أذنيه... اقترب من السياج الفاصل وألقى بنظرة سريعة فإذا به يجد روفان جالسة على كرسى هزاز وبيدها أمينة وقد دثرتها أمها بغطاء صوفى دافىء ونسيت أن تدفىء نفسها أيضا ...وجدها وقد كشفت عن ص*رها المتوهج بياضا تحت ضوء القمر وهى ترضع صغيرتها وتغنى لها كلمات لحن تركى قديم جدا عن طفلة صغيرة والدها يحرس الديار ف*نام صغيرته كل ليلة دون أن تراه ولكنها كانت تلتقيه في أحلامها لتمحو شوق غيابه ... فهم آسر أنها اختارت هذا اللحن لأنها هى كذلك اشتاقت له... برغم قلقه الشديد على روفان من أن تبرد بص*رها المكشوف هذا في ليلة خريفية كتلك إلا أنه لم يكن قادرا على إفساد قدسية المشهد الذى تراه عيناه كأروع عنوان لمعنى كلمة أم ... دخل وجلب غطاء سميكا من الداخل واقترب مجددا من شرفتها وهمس لها: هلا اقتربت منى ملاكى لأشمها قليلا واستعيد أنفاسى ؟؟ ... اقتربت منه فرحة برؤيته فلفها بالغطاء بإحكام بينما أمينة شملها الدفء كذلك من كل جانب ... ثم قربها منه ليشم شعرها ويلثم ثغرها بقبلة أطفأت ولو قليلا من شوقه .... حل موعد الزفاف وبعد تجهيز روفان وياسمين لشيبنام وجعلها تبدو غاية في الجمال ارتديتا هن كذلك ألبستهن مع التزين والتعطر واهتمت روفان بلباس أمينة التى بدت نسخة مصغرة عن والدتها في ثوبها الزهرى الذى اختاره بابا آسر ... خرجتا خلف العروس والموسيقى تعزف وألب ينتظر بشوق عند المدخل أن تخرج عروسه بينما لم تكن عينا آسر تبحثان عن أحد غير زهرتا القرنفل اللتان تبعتا العروس وقد بدتا قمة في التناسق والابهار .... اقترب منهن ورافقهن إلى مائدة نريمان حيث تركا أمينة في عهدتا وانلطقا خلف البقية إلى حلبة الرقص وعندها همس آسر فى اذنها وهو يراقصها: لقد جعلتنى أندم أن اشتريت لك ثوبا جعل عيون كل رجال الحفل تتابعك وتنسى حتى العروس ... ابتسمت وقالت: ولكن عيونى لا ترى سواك .....وهذا ما يهم .... بعد تبادل ألب وشيبنام لعهود الزفاف ومواثيقه وتلويح العروس بكتاب النكاح الأحمر في وجه الضيوف الذين صفقوا بدورهم بحرارة، نادت شيبنام على الفتيات العزباوات ليتجمعن حولها من أجل إلقاء باقة الورود لهن ... حينها نظرت روفان الى آسر الجالس قربها على إحدى الموائد مع سنان وياسمين وقالت له همسا: هل تسمح لي بالذهاب لأجرب حظى عجبا؟ لربما سقطت الباقة في يدى من يدرى؟!... مال نحوها ليقرص شحمة اذنها برفق بشفتيه ويهمس: لا تكرريها ... حتى مزاحه سىء لا اطيقه ... أنت لى وانتهى ... لى وحدى وإلى ألابد .. ابتسمت بثقة ورفعت رأسها بفخر مع سحبها لنفس عميق يدل على نشوتها بكلماته التى تؤكد لها فى كل حين انها الاغلى والأثمن عنده من كل شىء.... استمر الحفل حتى المساء وبعد إنتهاء العشاء نهض معظم الضيوف للرقص مجددا ولكن هذه المرة فى دائرة كبيرة يتوسطها ألب وشيبنام اللذان كانا يرقصان الدبكة التركية بمنتهى السعادة والإستمتاع..اقترحت روفان على آسر ان ينضما الى الحلقة ولكنه رفض وقال لها : كلا...انها حلقة ثنائيات فلو مسكت انا بيدك اليمنى فأن اليسرى سيمسك بها رجل حسب الترتيب وهذا سيصيبنى بالإختناق كما تعلمين...ضحكت بسعادة على غيرته العجيبة وقبلته على خده وتركته يتبادل أطراف الحديث مع بعض الأصدقاء القدامى وغادرت هى لتنضم إلى مائدة نريمان هانم حيث بادرتها روفان بإبتسامة دافئة وغمزتها وهى تشير إلى نجمى الجالس في الطرف المقابل من المائدة: أظننى أرى نورا يطل من خلف أبواب لم تعد موصدة بإحكام ناريمان هانم ...إبتسمت لها ناريمان وهى تضع يدها على كتف روفان وتنظر في عينيها بصدق وإمتنان وقالت: إنه نورك يا ابنتى ... إنه بريق روحك الشفافة التى ع**ت ضياءها على عائلة ابليكتشى بأكملها ... لقد علمتنا معنى المحبة من القلب والتسامح دون قيد أو شرط .. ايكى فارسن روفان جم ... بقرب التاسعة مساءا قررت روفان ان تغادر الحفل الساهر لأن اليوم كان مرهقا جدا لأمينة التى يجب أن تنام فى هدوء بعد حمام دافئ ووجبة مشبعة ... غادرت دون إعلام آسر حتى لا تفسد إستمتاعه بلقاء أصدقاءه...دخلت جناح الفتيات الخالى فشيبنام ستنام الليلة فى حضن زوجها بجناحهما الخاص واما ياسمين فأنها ماتزال مسترسلة فى رقص متواصل منذ ساعات مع سنان والبقية ... استحممت الأم وابنتها ولبستا ملابس نوم دافئة بيضاء اللون فبدتا كملاكين لا تنقصهما إلا أجنحة بيضاء لترفرفان... أخلدت امينة مهدها ونامت روفان في فراشها الوثير وهى تشعر بقمة التعب ... نظرت إلى النافذة من فراشها وقالت لنفسها: ليلة سعيدة سيفجيليم ليتك كنت معى الان...اشتاق حضنك الدافىء كثيرا ... بعد منتصف الليل فتح باب جناحها بهدوء ليتسلل الى داخل الجناح آسر ابليكتشى الذى استبدل مفاتيح الغرف الالكترونية في صفقة ناجحة مع ياسمين التى طارت لتقضى ليلتها في حضن سنان... وجد الغرفة ساكنة مع إضاءة خافتة و رأى دفنته تنام كطفلة تشع براءة بين أغطية الفراش الناصعة البياض ... ولكنه وجد أمينة تتململ بضيق في مهدها وهى تتناول أصابعها بنهم طفولى دلالة على جوعها الشديد ... حملها آسر بمنتهى الحب بين ذراعيه وضمها الى ص*ره ليعانقها ويشم رائحة الطفولة فى عنقها الدافئ... اقترب بها من فراش روفان ووضع أمينة لتستلقى ملاصقة لجسد روفان ثم انحنى على دفنته ليوقظها بقبلات حانية ولمسات دافئة على خدها وهو يهمس في أذنها: يعز على إيقاظك حبيبتى ولكن أمينة تناد*ك ... رفعت روفان رأسها في قمة نعاسها وابتسمت لزائر الليل الوسيم ذاك ... ثم وبعيون مغمضة فتحت أزرار قميصها ومنحت أمينة ص*رها لتنهل منه وترتوى حليبا وحنانا وإحساسا بأمان لا يقدر بثمن ... نامت روفان مباشرة بينما استلقى آسر بجانب امينة يتابع هذا المشهد الساحر الذى لا يشبع من مشاهدته ولو دام لساعات ... كان آسر يتلذذ بسماع صوتها ترضع بنهم وتعلق بأمها ...أمها تلك الجميلة النائمة التي لم ترى نظرات عشق زوجها لها فى تلك اللحظات ولكن وهج و دفء نظراته وصلها من خلال لمساته الحانية على شعرها التى جعلتها تنام بعمق اكبر .. فى الصباح استيقظ آسر ليجد أمينة تنام على ص*ره ورجليها على ص*ر روفان بشكل قطرى مثير للضحك فانحنى فوقها يقبلها بجنون حتى ايقظها وحين صحت منحته اروع إبتسامة فى الوجود ... جددت نشاطه ومنحته الرغبة فى يوم جديد... ثم دار نحو روفان وايقظها بالطريقة ذاتها...وحين صحت روفان لعبا مع امينة لوقت طويل قبل يطلبا إفطارا مميزا الى الغرفة ومن ثم حزما أمتعتهما وغادرا الى بيتهما الدافىء ... مر أسبوع آخر عليهما تخللته الكثير من الصعوبات في العمل والكثير من النجاحات وإلانجازات ومنها نجاح موسم الخريف لمجموعة شيري و التى كانت حصريا من ت**يم روفان ابليكتشى ... الاسم الذى ذاع صيته عاليا مؤخرا في وسائل الإعلام التركية والايطالية على حد سواء ... حصلت روفان على مكافأة مالية مجزية من ياسمين كحصة لها من أرباح الشركة ... احتفالا بذلك قررت روفان مفاجأة آسر حيث غادرت عملها نهار الجمعة باكرا وذهبت لشراء د*كور مكتب منزلى جديد بالكامل لآسر وعادت لتقوم بمساعدة العمال المستأجرين على اخراج الاثاث القديم الكئيب من المكتب ليحل محله مكتب ومكتبة كتب من الخشب ذو الجودة العالية والذوق الرفيع وكرسيين جانبيين وأريكة صغيرة تكفى لشخصين مع طاولة صغيرة ومصباح جانبى ابيض اللون وسجادة بنقوش مشابهة لذوق آسر فى الت**يم والذى أصبحت روفان تحفظه عن ظهر قلب ... فاقت النتيجة النهائية للغرفة توقعات روفان فقد بدت أروع بمراحل عما كانت وقد غزتها روح الأنثى الثانية فى حياة آسر ابليكتشى لتمتزج بسحر وعبق صورة ملهمته الأولى أمينة هانم ابليكتشى التى لم تغير روفان لا إطار ولا مكان صورتها على مكتب آسر الجديد ... صارت الآن للغرفة روح وإحساس استشعره آسر بمجرد دخوله و رؤيته لمفاجأة روفان العظيمة له ... عانقها بقوة وهو يهمس في أذنها: لقد حققت طلبك يا أمى....ألم تطلبى منى أن أكون مع أجمل نساء الكون !!! ها هى ذا يا أمى معى.... مرت عطلة نهاية الأسبوع ثقيلة قلقا من زيارة الطبيب صباح الاثنين ولكن روفان هربت من التفكير بزيارة بيت جدتها وتركها لآسر فى البيت ليستمتع بممارسة ابوته مع امينة ... لامتها توركان بمجرد ان رأت روفان انها لم تجلب معها حفيدتها ولكن روفان عانقت جدتها بقوة لتشم رائحة الأمومة التى افتقدتها منذ فترة وقالت وهى تعصر توركان فى عناق قوى ذهب بأنفاس الجدة: اريدك لي وحدى اليوم اناننى فأنا مشتاقة لك كثيرا ... انا مهما كبرت وحلقت بجناحين وابتعدت ستظلين انت موطنى الام وسيظل حضنك الدافىء هذا مهد طفولتى الاول ... بكت توركان وهى تمسح على رأس روفان وتردد: انتظرت حضنك هذا طويلا كزم... ظننت ان آسر ابليكتشى قد سرقك منى الى الابد بيتانم ... ولكن دفنتى ستظل دائما دفنتى وإن ابتعدت ... انضمت إسراء الى هذا المشهد العائلي المؤثر الذى انتهى بقهقهات وشاى وتفصيص لبذور عباد الشمس بصحبة نيهان وسيردار وايسو ... بينما كان آسر فى المنزل يقرأ لأمينة مقطع من كتاب شعر عتيق وموسيقى شوبارت تعزف من مكان ما في المنزل ... فى عيادة الطبيب جلسا كلاهما متماسكى الايدى حيث دخل الطبيب الاستشارى المكلف بإعطاء الكلمة الفصل في حالة روفان ليزف لهما بشرى خلو نسيج عينتها من أى خلايا سرطانية فتفقز بذلك روفان لتعانق آسر بقوة وسط دموع الاثنين معا ولكن الطبيب قاطعهما بأن قال: سيدة ابليكتشى نتيجة تحاليك وممتازة ومطمئنة ... انافقط ارغب كإجراء احترازى اخير ان افحص تلك التكتلات اللبنية فحصا سريريا لأتحسس الأمر بيدى ....عند لك النقطة تجمدت الدماء في عروق آسر ووقف شعر رأسه بل نهض من كرسيه ويده بيد روفان كأنه يرغب بأن يهرب بها من الغرفة وهو يقول: لا...لا اظن الأمر يستحق ... طبيبتها قد فعلت ... نحن نشكرك جزيلا ... هز الطبيب رأسه بتعجب وقال: انا فقط اردت تحسس ان كانت التكتلات اختفت ام ما تزال موجوة... فرد آسر بدون وعى او خجل: انا تحسستها كلها بنفسى البارحة ... ليس هناك أثر لأى جسم غريب .. شكرا شكرا ... اشكم حقيبتك وهيا ... بسرعة ... خرجت روفان وهى محمرة بلون الفراولة من الخجل بينما آسر يجرها فى ممرات العيادة وهو يسب فى سره ويشتم روفان لا تكاد تمسك ضحكتها من منظره .... عند المساء تناولا معكرونة عجيبة من صنع آسر على فراشهما و فى وجود امينة معهما تلاحق خيوط النوودلز المتدلية وتضحك بينما كان آسر و روفان يستذكران طلب الطبيب الاستشارى ويموتان ضحكا من فضيحة آسر لنفسه امام الطبيب ....
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD