الفصل الرابع

3510 Words
الفصل الرابع من رواية صفحات من أحبار العمر ______________ أفاق من شروده علي صوت ابنته . وعادوا للبيت ومازال ذهنه شارد بحديث السيدتين. قدرا أضاؤا داخله ظلام أفكاره السابقة . . راح يعيد تقيمها وترتيبها في رأسه . . هل زوجته تشكوا لأخرى مثل هذه؟ هل تعاني مثلها؟ هل ناقمة عليه وتندم لعودته؟ هل وهل . . ألف سؤال يطوف برأسه حتي وصل للبيت. . ============== _ كاظم ، بنت اخوك جاية عندنا الاسبوع الجاي تقعد كام يوم كاظم انت سامعني؟ كان يتأملها شاردا ومازال متأثرا بحديث سيدة النادي. ليغمغم بعدها: منا عارف يا مودة، هي عرف*ني بنفسها. وانا كلمت اخويا وقلت له يسيبها عادي ومش يقلق. تثائبت وهي تحدثه: والله هتنور. هي ورانيا وهبه هيخربوها سهر وهتشوف. _ ومالوا خليهم يتبسطوا. اقتربت جواره وحدجته مليا قبل ان تهمس: كاظم، هو انت زعلان مني.؟ هز رأسه بالنفي لتواصل : بس انا حاسه أنك مضايق. او مش مبسوط. . رمقها بنفس النظرة الشاخصة،وزاد عليها تأنيبه لنفسه علي فكرة زواجه من أخرى. ثم مد ذراعه وأحاطها مستكينا بذقنه علي قمة رأسها: متقلقيش يا مودة. انا، بس موضوع عدم شغلي فرق معايا، متعودش ابقي ماليش شغلانة. وابتعد ينظر أليها. أو بالأحرى لذراعها النصاب هامسا: ليه ما قولتيش ليا عن دراعك؟ بصرته بدهشة مغمغمة: مين قالك؟ _ رانيا. **ت قليلا قبل ان تهمس: مكنتش بحب اعرفك اي حاجة ممكن تضايقك وانت هناك. تعاظم تئنيب ضميره أكثر وقال: لسه تاعبك. ابتسمت له بمحبة: لأ. ألا لو شلت حاجة تقبلة عاد يضمها إليه. فانغمست أكثر بص*ره مبتسمة بهيام.وغمغمت بما شغل عقلها تلك اللحظة: تعرف كام مرة كنت بتمنى تاخدني في حضنك كده. . وتخفف عني تعب ومسؤلية الولاد وتن*دت مع قولها: عموما متضايقش. . كلنا بخير. . وارتاح يا كاظم. . انت تعبت كتير وجه وقت الراحة. . **ت والتفكير يأكله حتي شعر بها قد غفت بين ذراعيه. . ابتسم وارقدها بشكل مريح . . ورقد هو الأخر يفكر فيما سيفعله. . وكيف سيحسن حياته مع اسرته. . ========= يا صباح الخير ياللي معانا، الكروان غنى وصحانا والشمس طالعه في ضحاها، والطير اهي سارحه في سماها يالله معانا يالله معانا، يا صباح الخير ياللي معانا يا هناه اللي يفوق من نومه، عابد ربه وناسي همومه يفرح قلبه. يسعد يومه، فرحه طول عمره ماينساها ولايسلاها، والشمس آهي طالعه و ضحاهاه والطير آهي سارحه في سماها، يالله معانا. يالله معانا يا صباح الخير ياللي معانا ============ _ يا سيدي علي الروقان علي الصبح. طالعته بوجه بشوش، وهي تحاول زخزحة المقعد للتنظيف أسفله. . ثم قالت : صباح الفل. . قلت انطف البيت قبل ما تيجي ورده. فرصة مش نازلة شغلي انهاردة. _ طب اوعي اما اساعدك. وتحت أنظارها الذاهلة. وجدته يبادر بزحزحة المقعد مشاركا إياها أمور النظافة. وهي لا تصدق انه هو ذاته زوجها كاظم. . لم يفعلها قط طيلة زواجهم أن ساعدها بشيء كنا لم تطلب ذلك منه. تغير كثيرا. لا تعرف السبب. لكنه صار أهدأ وأكثر ودا معها وتقربا من أبنائه. تمتمت داهلها ان يحفظه لهم ويظل سرهم هاديا هكذا ______________________ _ وحشتني خالص ياعمو كاظم عانق ابنة شقيقه بحنان: وانتي اكتر يا وردة ثم مشط بنيتها الفارعة وقال: كبرتي يابنت وبقيتي عروسة خلاص ضحكت له: طبعا ومش ملاحقة علي العرسان ياعمو قهقهة مع قوله: كمان؟ طب يلا يابكاشة احكيلي رانيا: وأخر عريس رفضته من أسبوع يا بابا. مع ان ظروفه كانت حلوة. . _ ورفضتيه ليه ياوردة؟ قلطعت مودة استرسال الأخيرة: طب انا هروح اظبط الغدا واعملكم حاجة حلوة واجي عشان ونسهر كلنا ونرحب بوردتنا. _______________________ لأني مش عايزة اتجوز “خيال مآتة” ياعمو، مكنة تحويل فلوس وخلاص ، مش عايزة اتجوز واحد مش هيشاركني حاجة في حياتي ولا اهتماماتي ولا تربية ولادنا . ولا مشاكل الحياة واحد هيسبني هنا ويسافر كام سنة، ولما يفضي ويفتكر انه زوج وله زوجة. . هياخد اجازة شهر ولا اتنين . . وبعدها يرجع يسيبني اواجه الدنيا لوحدي. . لأ مش عايزاه كفاية واحد يشاركني ايام عمري كلها علي الحلوة والمره احسن ما بترت حديثها وشحب وجهها بغتة وهي تطالع وجه عمها كاظم ونظرته المظلمة. كما رمقتها رانيا بعتاب شديد ، ماذا فعلت بحماقتها. جرحت العم دون ان تقصد. _ بس لولا الزوج أو الأب المتغرب ده مكانتش أسرته تعيش مستورة ومش حاملة هم بكرة يا وردة اخر ما توقعه أن تأتي زوجته وتنصفه هكذا نظر لها بتقدير جم . . ومحبة طغت علي نظرته، كلمات الصغيرة دون أن تقصد أوجعته بالفعل. ألمته كثيرا لتأتي تلك الزوجة الأصيلة وتزود عنه وترمم هذا الشرخ الطازج داخله _ والله العظيم ما اقصد يا طنط "مودة". انا كل اللي قصدته إن… قاطعها كاظم مبتسما برفق: أنا فاهم قصدك يا وردة متبرريش يا بنتي ودني منها ليستأنف بهدوء، كان لزوجته الفضل به الآن: سواء انتي او بناتي وولاد عمك، اتمني ليكم تعيشوا أفضل ما احنا عشنا، ويكون مستقبلكم أسهل وأضمن . . من غير ما تضطروا تتغربو او تفترقوا عن بعض. انا ظروفي وقتها حكمت اسافر عشان احسن دخلي. عشان ولادي ومراتي يعيشوا مرتاحين. . ثم استرسل بنبرة حزن: بس في تمن غالي اندفع . . العمر اللي عدى أغلبه. . اللحظات الحلوة اللي معشتهاش مع ولادي. . حاجات كتير فاتني أعيشها معاهم. . عشان كده يا وردة . . انا يا بنتي اللي بقولك لو في فرصة. تختاري واحد يشاركك كل لحظة من غير ما يتغرب عنك. أنصحك تعملي كده. . أغرورقت عين زوجته بينما اندفعت رانيا تعانق أبيها بعد أن لمست ما يؤلمه، لقد أخفقوا في حق هذا الاب العظيم.لما يعطوه ما توقعه عند حضوره أليهم. . التزم كلا منهم قوقعته دون ان يقترب منه، لقد قصروا في حق أبيهم عليهم. _ سامحني يا بابا، دلوقت بس فهمت سر عصبيتك في البداية ونظرة الغضب واللوم لينا، انت استنيت مننا اهتمام يعوضك واحنا ببساطة فضلنا بعيد عنك. . وماما عندها حق. لولاك بعد ربنا مكناش نعيش كده. . سامحنا يا بابا دمعت عيناه واكتفى بضمتها معتصرا جفنيه بدمعته، لتفاجئه أصغر بناته مريم وهي تعاتقه دون خوف. . كأن الصغيرة هي الأخري استوعبت ما قيل أمامها . . أه لو يعلمون كم يعشقهم. . هم أغلي عليه من روحه. منذ ذلك اليوم حين كانت ابنة أخيه لديهم وتغير كل شيء. وتحديدا منذ حديثه مع ابنته رانيا. الذي غير كثيرا من مشاعره بدد غربته وضيقه وحزنه وشعر انه كان سيظلم زوجته حقا بدلا من ان يعوضها. . حسنا ليس عيبا ان يراجع نفسه ويلومها الأن يحمد الله انه صار يتقربون أليه أبنائه الصبيا والبنات كما أصبح هو يشارك زوجته في أمور البيت . . حتي أنه تخصص في صنع السلطة وتقطيع الخضار التي تفرزه الحبيبة " مودة" ويصطحب بناته في شراء أغراضهم. والسعادة تنضح من أعينهم وهو يشاركهم كل لحظة. . هو عوضهم غيابه، وهم عوضوه اللحظات التي لم يعيشها. تن*د وهو بتذكر قراره الأ**ق بالزواج ثانيا. . كان سيخطيء في حق زوجته ويظلم أبنائه. . بينما يعيش أكثر أوقات حياته سلاما وراحة بال. . گ عادته تصفح الجريدة لتقع عينه علي عنوان " مشاكل القراء" قرأ النص العمودي لمشكلة أحدهم. . وللعجب كانت لرجل يشكوا نفس شكوته الأولى. ان زوجته لم تعد تهتم به . . وأولاده لاهين في عالمهم . وهو مازال بصحة جيدة . وأرسل ليأخذ مشورة الصحفي المخضرم بقراره بالزواج ثانيا . . وهل هكذا يظلم لزوجته التي يعترف انه يحبها لكنها لم تعد تكفيه. . هنا أخذ كاظم قرار، بأن يطرح تجربته كاملة. لقراء هذا الباب الاجتماعي في الجريدة، لعل وعسى يعتبر أحدا من قصته. _________________ العائلة جزء لا يتجزأ من يومك، بهم تبدأ السعادة وإليهم ينتهي طريق الحب الوحيد. ___________ أكتب إليك رسالتي هذه لعل. . فيها ما يفيد كثيرين غيري لهم نفس ظروفي,. . فلقد تخرجت وتزوجت وسافرت للعمل بإحدى الدول العربية فعملت فيها 20عام. . ورزقت بأبنائي الخمسة وهم ثلاث بنات وولدان. . ثم آن أوان العودة فعدت إلى بلدي . . ولم تكن لي فيه وظيفة بعد هذا الغياب الطويل عنه, فحاولت إنشاء مشروع تجاري صغير. لكنه لم ينجح لانعدام الخبرة . . وخسرت فيه مبلغاً من مدخراتي فأوقفته وقررت الاحتفاظ ببقية المدخرات في البنك لنعيش بأرباحها، وواجهت حياة الفراغ التام بعد سنوات العمل والكفاح الطويلة،. . ووجدت نفسي ولا عمل لي سوى شرب الشاي . وتدخين السجائر وأداء بعض المهام البسيطة . . في حين تقوم زوجتي مازالت تعمل. . وتقوم بكل شئون البيت والأسرة والأبناء. . من خدمة البيت إلى أعمال المطبخ. إلى مراجعة مدارس الأولاد في المناسبات المختلفة. إلى القيام بالواجبات الاجتماعية والعائلية السعيدة. . وكنت أراها مشغولة طوال اليوم بما لا ينتهي من أعمال وواجبات. . وأنا جالس في البيت بلا عمل فأشعر تجاهها بضيق شديد وأرى دائماً أنها مقصرة في حقي . ولا تعطيني ما أنا في حاجه إليه من الحب والحنان والرعاية ,. . وبعد تفكير قصير قررت أن أتزوج مرة أخرى لأجد ما أبحث عنه من حب وحنان ,. . واكتشفت إحدى بناتي نيتي تلك. فراجعتني فيها طويلاً . وناقشتني بحرارة واهتمام شديد، ورجتني ألا أفعل ذلك حتى لا أشقي به أمها وأخوتها,. . وتراجعت عن نيتي إرضاء لها في النهاية. . ثم حدث أن اضطررت الذهاب إلى النادي ذات يوم مع ابنتي. . وبينما أنا جالس إذا بي استمع بالمصادفة إلى شكوى إحدى السيدات لصديقتها من زوجها وكيف أنه لا يساعدها في شئ على الإطلاق من شئون البيت والأسرة . . ولا يشاركها في أي عمل يتعلق بدراسة الأولاد وأعمال البيت أو الطهي والتنظيف. أو العلاقات والواجبات العائلية, وكيف أنه لا عمل له في النهار أو المساء. . إلا استرخاء أمام التلفزيون أو قراءة الصحيفة. . أو التحدث في التليفون مع أمه وأخته. . , فإذا بصديقتها تنصحها بالصبر على ظروفها. . وتقول لها أن كل العائدين من الدول العربية ولا يعملون بمصر على هذا الحال, فاصبري من أجل بناتك وظل رجل ولا ظل حائط في النهاية؟ وشد ما سمعت انتباهي وأثار تأملاتي وأفكاري. ثم حضرت ابنة أخي لقضاء فترة عندنا وحدثتني عن شاب تقدم لها يعمل بالدولة العربية، ففوجئت بها تعدد أساب رفضه . . وتقول بغير أن تشعر أنها تلطمني بذلك من حيث لا تدري أنها تريد شريك حياة بمعنى الكلمة وليس “خيال مآتة” وإن معظم من يسافرون لفترات طويلة. . للعمل بالخارج يصبحون بعد عودتهم “خيالات مآتة”. في أسرهم يقدمون للأسرة المال فقط . . ولا يشاركون الزوجة في شئ من شئون الأسرة أو الأبناء والحياة وهي لا تريد شريكاً من هذا النوع . . وإنما تريد رجلا تعيش في أحضانه. . ويشاركها حياتها وحياة أبنائها . . وشعرت بخنجر دام في قلبي . . وتذكرت حديث سيدة النادي، وتفكرت فيه وفي حديث ابنه أخي طويلاً ، ثم قررت شيئاً مهما هو ألا أظل “خيال مآته” في حياة زوجتي وأسرتي وأبنائي بعد ذلك أبداً . . ونفذت قولي فبدأت أولا بتوصيل بناتي إلى حيث يردن الذهب لشراء شئ أو لزيارة الطبيب أو الصديقات. ووجدت في ذلك عملا أسعدهن كثيرا وقربني منهن ، ثم بدأت أشاركهن في شراء طلباتهن من المحلات . . ولاحظت ابتهاجهن الشديد بمصاحبتي لهن في ذلك . . وتورد وجهن وهن يسألني في المحلات : ما رأيك يا بابا في هذا الشئ. . أو ذلك ثم بدأت أشارك زوجتي في اهتماماتها العديدة بشئون البيت والأسرة والجيران والعائلة . . وشراء الطلبات المختلفة. . فإذا بها تبتهج لهذا الاهتمام المفاجئ من جانبي كثيراً وتسعد به وتختفي نظره الحزن السابقة من عينيها . وتحل محلها نظرة لامعة بهيجة . . وشجعني ذلك على مزيد من المشاركة لها في شئون البيت والأسرة . . فإذا بي اكتشف حقيقة مهمة كانت غائبة عني طوال السنوات الماضية. وهي أن أي بيت يرعى عدداً من الأبناء هو في حد ذاته “مصنع كبير” . . المرأة فيه هي المدير والعامل والساعي وكل شئ إن هذا المصنع لا يتقيد بساعات العمل الرسمية. ولا تنتهي احتياجاته وشئونه ومشاغله. . كما أن كل أعمله مما يبدع فيه الرجال وليس النساء وحدهن . . وهكذا وجدتني في اهتمامات عديدة ولا نهاية لها مع مشاركتي لزوجتي في كل شئ . . من شئون الأسرة وقد شاركتها أولا في طي الملابس بعد جمعها من حبال الغسيل . . ثم كيها وترتيبها في الدواليب . . ثم استهوتني المشاركة فشاركتها في كل شئ حتى في تنظيف الخضار ,.وفي اختياره ثم بدأت أصنع المربات المختلفة . . والمخللات وأجد لمذاقها طعما مختلفاً عن الأخرى التي كنا نشتريها من الأسواق ,. . بل لقد قررت أيضا حياكة البنطلونات والقمصان التي نستخدمها في البيت . . ولم أجد في ذلك صعوبة كبيرة كما توهمت من قبل,. . فقد فككت بنطلوناً جاهزا وفصلت عليه قماش الخياطة فإذا بي قد صنعت بنطلوناً جديداً وممتازاً . . وزوجتي تساعدني في كل ذلك بحماس وتضاحكني . . وتعلق على ما أفعل بتعليقات ظريفة ومشجعة . . وتقدم لي “المشورة الفنية” كلما احتجت إليها . . فوجدت لدهشتي ما نتحدث فيه طوال النهار ونضحك له . . بعد أن كان حبل الوصال بيننا قد انقطع تماما. . ولم يبق إلا أن نعلن طلاقنا,. . وإذا بها تصارحني بأنها كانت تعطيني دائما كل الحب والحنان. . لكنها لم تكن تجد لدي إلا الصد والإيلام فقررت ألا تشحذ مني الحب مرة أخرى , لكنها الآن سعيدة بي وبمشاركتي لها حياتها وحياة أبنائها, . وقد أثمر تشاركنا معا في البيت ثمرات عملية أخرى. . فاستغنينا عن الشغالة ثم المكوجي. ولم نشعر بأي نقص. . وتذكرت كيف كنت أقضي كل أوقاتي في خمول. . لا يشغلني فيه إلا انتقاد زوجتي . وشعرت بالخجل الشديد من نفسي. . وقررت أن أكتب إليك هذه الرسالة . . لأعترف لك بكل ذلك عسى أن يستفيد بها غيري. . ممن يجدون أنفسهم في نفس وضعي السابق. . فيكفر بذلك بعض ذنبي السابق وتقصيري في حق زوجتي وأبنائي ,. ذلك أنني على ثقة من أن كثيرين. . من أمثالي الذين تقاعدوا من العمل في سن النضج والعطاء. . والذين عادوا من الدول العربية ولم يمارسوا عملا أو نشاطاً في مصر. . وإنما يواجهون نفس المشكلة التي واجهتها بعد عودتي من الخارج. . ويجلسون في بيوتهم ساخطين متذمرين . ويعيشون في فراغ تام. . من كل عمل فلا هم يتقبلون أي عمل وأي مرتب يعرض عليهم . . ولا يتناسب مع أوضاعهم السابقة,. . ولا هم يمارسون في بيوتهم. . وفي حياة أسرهم أي دور أو عمل يشغلهم. . ويشعر أسرهم بمشاركتهم لها في حياتها. وإلى كل هؤلاء أوجه نصيحتي لهم . بأن يشاركوا زوجاتهم في شئون المصنع الكبير. الذي تديره الزوجة وحدها . وأن يشاركوا أبناءهم شئون حياتهم اليومية والدراسية . وألا يخجلوا من مشاركة زوجاتهم في أبسط الأعمال المنزلية. . فلقد كنت أترفع من قبل عن مشاركة زوجتي أي عمل من هذا النوع . . وكنت أرى زوجتي وأولادي ينظفون الخضار مثلا . ويضحكون ويتسامرون وأنا أنظر إليهم من بعيد كأنني لست منهم أو كأنهم أسرة مترابطة. . وأنا غريب عنها . . فأصبحت الآن أشارك زوجتي تنظيف الخضار . وأعجب بموضوعات الكلام التي تتفتح خلال ذلك . ولضحكنا السعيد أثناءه بعد أن كانت الساعات الطويلة. تمضي بغير أن أجد ما أقوله لها أو تقوله لي, وإذا كان بعض الرجال يخجلون . من مشاركة زوجاتهم أعمال البيت. . فليفعلوا ذلك في السر وبعيداً عن أعين الجيران إذا شاءوا. إذ المهم هو أن يكون الإنسان سعيداً بالمشاركة والحب. وليس بأي شئ آخر وهذه هي نصيحتي لكل زوج يشعر بالغربة في بيته. . أن يشارك أسرته حياتها وألا يكتفي بموقف المتف*ج على أفراد أسرته من بعيد. . ثم يندب حظه بعد ذلك لإحساسه بغربته عن زوجته وأولاده . . وبعدهم عنه وبعده عنهم . . فالحب والحياة الاجتماعية هما مشاركة وتآلف واعتياد . . وكل ذلك يفجر الحب والسكينة والرحمة في النفوس , . . والسعادة بين أيدينا إذا أردناها وسعينا إليها بإخلاص. . لأن القوامة للرجل على أسرته. . لكننا ع**نا الآية وظننا كما يفعلون في الغرب أنها بأيدي النساء . . فتركنا لهن وحدهن كل شئون البيت والأسرة . . والمدارس والواجبات والمجاملات العائلية. . وظننا أن كل ذلك ليس مما يليق بالرجال . . فلا نحن سعدنا بهذه الغربة عن زوجاتنا ولا هن سعدن بها . . وإنما اعتبرت أزواجهن خيالات مآته وندبن حظوظهن. . وشكون منها وبعدن عن أزواجهن نفسياً وعاطفياً ومعنوياً. . باستغراقهن التام في إدارة المصنع الكبير الذي يستنفد كل طاقتهن . . فلا يبقى لديهن ما يقدمنه بعد ذلك للأزواج . . من حب وعطف وحنان . . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . ============= استراح كثيرا حين فاض لكل ما لديه بهذه الرسالة. . ارسلها للصخفي الجليل . . وانتظر بفلرغ الصبر نشرها في الجريدة. مترقبا رده عليها. مر أسبوعان علي إرسالها. . وكعادته يتصفح جريدته ويبحث عن بغيته. . ختى فوجيا بها منشورة أخيرا . . ومع الرد الذي راح كاظم يقرأه بلهفة وسعادة. . ================= أقرب ما يكون الإنسان إلى الفهم الصحيح . . لحقائق الحياة وإلى العدل والحق والرحمة . . حين يكون صادقاً مع نفسه. . ويبدو أنك يا سيدي كنت في هذه الحالة النادرة . . من الصدق مع النفس التي حين راجعت حياتك وموقفك من زوجتك وأبنائك . . وخلصت من المراجعة إلى إدانة موقفك السابق منهم . . والعدول عنه إلى الموقف العادل منهم . . ومن حياتك معهم بشكل عام. . وقليلا ما يفعل الإنسان ذلك للأسف . . ذلك أنه من صفات النفس الإنسانية أن يميل الإنسان غريزيا للرثاء لنفسه . . ولإعفائها من كل لوم للاستنامة إلى إتهام الآخرين . . ولومهم واعتبار نفسه ضحية لهم في معظم الأحيان. . وحين يرتفع الإنسان عن هذا الميل الغريزي. . لإعفاء نفسه من كل لوم . . أو شبهة تقصير في علاقته بالآخرين. . , فإنه يكون قد وضع أقدامه على الطريق الصحيح للتواصل معهم ولفهم الحياة واستعادة القدرة على الاستمتاع بها. . , فبعض أسباب تعاسة الإنسان . . إنما تكمن في عجزه عن التواصل مع الآخرين . . لاعتقاده “الراسخ” بتقصيرهم في حقه . . ولاكتفائه بموقف الانتظار العاجز أن يبادروا هم بتقديم القرابين إليه . . وتصحيح موقفهم منه متغافلا في ذلك عن مسئوليته هو . . عما آلت إليه الأحوال بينه وبينهم. . ولقد أصبت جوهر الحقيقة حيت تنبهت إلى أنه ليس من العدل. . “أن تتبرم بالجليد المتراكم على باب جارك . . قبل أن تزيل ما تراكم منه على عتبتك أنت أولاً”. . كما يقول لنا فيلسوف الصين كونفوشيوس. . وحين أدركت أن ما تراكم على عتبتك أنت من الجليد إنما يفوق أضعاف ما تتصور أنه قد تراكم على باب زوجتك . . فبادرت بإزالته . . وشاركتها حياتها واهتماماتها الصغيرة . . واكتشفت أنها إنما كانت وحدها. . تدير مصنعا كبيرا لا تنتهي أعماله. . ولا تفرغ من واجباته الثقيلة في نهاية اليوم إلا وهي حطام جسدي ونفسي . . قد تعجز معه عن تقديم أي عطاء معنوي لك في معظم الأحيان, . . فخرجت من موقف المتف*ج اللائم بالحق أو الباطل على الدوام. . إلى موقف الشريك في تحمل عبء إدارة هذا المصنع معها, . . ووجدت السعادة والبهجة في ممارسة بعض مهامه ومشاغله الصغيرة والمفيدة . . واكتشفت خلال ممارستك لذلك الكثير من المتعة والاهتمامات المشتركة التي تخلق موضوعات جديدة للحديث والمسامرة مع زوجتك . . وتعيد نسج ما انقطع من خيوط نسيج الحياة المشتركة بينكما ,. . فماذا جد حتى تفجر نبع الحب والحنان . . من جديد في قلب زوجتك تجاهك وفي قلبك تجاهها , . . إنكما نفس الشخصين اللذين انقطع حبل التواصل بينهما , . . وتوصلت إلى يقين راسخ أنكما شخصيتان مختلفتان. . ولا التقاء بينكما وأوشكت على الزواج من أخرى؟ لقد جد تطور مهم وجوهري في علاقتك بها. . هو أنك قد قفزت إلى النهر الذي كانت زوجتك تلاطم أمواجه وحدها . . طوال السنوات الماضية في حين تجلس أنت على الشاطئ . . مسترخيا ملولا مكتفيا بانتقاد طريقة سباحتها. . ومغالبتها لهذه الأمواج فما إن فعلت ذلك . . حتى اكتشفت ما كانت تبذله زوجتك من جهد. . لإبقاء سفينة الأسرة طافية فوق الماء وشاركتها هذا الجهد. . وشعرت بمتعة السباحة. . والمشاركة في قيادة هذه السفينة إلى بر الأمان. . ولا عجب في ذلك يا سيدي . . ولا غرابة فالفراغ التام من كل شغل أو اهتمام أو مسئولية . . أو حتى هواية هو أقصر طريق يسرع بالإنسان إلى التعاسة والشقاء . . ومن صفات النفس كما يقول لنا المفكر الفرنسي مونتسيكو. . أن تظل في تفكير مستمر. . ولأن الطبيعة ضد الفراغ . . فإنك إذا ثقبت لمبة الكهرباء المفرغة من الهواء . . لم تبق خالية منه للحظة واحدة . . وإنما تسرب الهواء إليها على الفور. . وكذلك العقل البشري. . فإنه إذا خلا من الانشغال بأي اهتمام . . تسربت الأفكار السلبية والسوداوية غالباً إليه . . وشعر الإنسان بالسأم والملل والتعاسة . . فإذا كنا قد عرفنا من أن صفات النفس. . أنها تميل غالبا لإعفاء نفسها من كل لوم . . فلن يبدو أمراً غريباً أن تميل بالتالي إلى البحث عن مسئول خارجي . . عن تعاستها لكي تتهمه بالمسئولية عنها وتدينه بالتقصير في حقها . . وفي ظروفك أنت فلقد كان هذا المسئول الخارجي . . بالضرورة هو زوجتك فرحت تتهمها بالتقصير في حقك . . وتتفنن في استقصاء عيوبها وأخطائها. . وتبدع في توجيه النقد اللاذع المؤلم لها. . ولم يكن نقدك لها تعويضا نفسيا لك فقط عن إحساسك بالعجز . . عن إدخال السعادة إلى قلوب أبنائك وزوجتك كما تتصور ,. . وإنما كان أيضا لأن من طبيعة من لا يشغله عمل أو مسئولية أو مشاركة من أي نوع . . في مباراة الحياة أن يلتفت للصغائر والتوافه التي لا يلتفت إليها غيره من المشاركين في “المباراة” . . وأن “يبدع” في انتقاص جهد الآخرين . . العارقين واكتشاف أخطائهم وتضخيمها . . ولم لا يفعل ذلك وهو يجد من فراغ الوقت. . ما يسمح له برؤية ما لا يراه الآخرون . . من عيوب وأخطاء صغيرة . . وكيف لا يجد من يرغب في التنقيب عن أخطاء الآخرين. . أي خطأ في عملهم ولو كان بسيطاً . . ____________ _ راقه كثيرا رد الصحفي. . وأشعره بالفخر أنه استطاع إنقاذ سفينة حياتهم قبل أن تغرق. . نعم لقد كاد أن يثقبها ويغرق كل من فيها. . لكنه تدارك خطأه. . وشاركها الحمل. . وأخيرا حظي بالسعادة الحقيقية _______ تمت بحمد الله قصة"خيال مآتة" أنتظروني في قصة جديدة. .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD