عادت هايدي إلى منزلها لتتفاجأ بوجود والدتها التي تدعى "منال" قد أتت لزيارتها وهو الأمر الذي استغربته كثيرا ؛ لأن والدتها لم تعد تهتم لأمرها بعدما تزوجت برجل الأعمال الثري سامح مكرم.
-"أين كنتِ هايدي؟ ، أنا أنتظرك منذ ساعتين ، لماذا تأخرتِ؟"
أجابتها هايدي ببرود:
-"كنت في الشركة ، وهذا التأخير الذي تستغربيه هو شيء طبيعي لأن الدوام ينتهي في وقت متأخر كما أنني لم أكن أعلم أنكِ ستأتين اليوم إلى منزلي".
تأففت منال بضيق وأخذت تنظر حولها إلى أثاث الشقة المتواضعة التي تعيش بها هايدي ثم هتفت بتساؤل:
-"أخبريني الحقيقة هايدي ، هل أنتِ مستمرة في العمل في هذه الشركة لأن يزيد يعمل بها؟"
أصيبت هايدي بالذهول من تصورات والدتها فرددت نافية بحدة شديدة:
-"بالطبع لا ، يزيد لا يعني لي شيئا على الإطلاق".
انفعلت منال وقذفت براكين غضبها وهي تصيح في وجه هايدي:
-"إذا كان الأمر كذلك فلماذا تقومين بإهانة نفسك بالعمل في هذا المكان؟! ، تذكري كم مرة عرض عليك سامح أن تأتي وتعملي في شركته وسوف يكون وضعك ومكانتك أفضل بكثير من تلك الشركة التي تعملين بها".
زمجرت هايدي بشراسة وهي ترمق والدتها بنظرات نارية:
-"لا تجلبي سيرة زوجك المبجل أمامي ، الحمد لله لست مريضة ولا عاجزة حتى يتكفل السيد سامح مكرم بمصروفاتي".
نظرت لها منال بعدم رضا ولكن لم تنل تلك النظرات شيئا من اهتمام هايدي التي استكملت حديثها بسخرية:
-"كما ترين أمامك يا والدتي الحبيبة ، أنا أعمل بجد وأنفق على نفسي ولا أحتاج إلى مساعدة أي شخص ولست مضطرة إلى تحمل غطرسة الملكة المتوجة سارة مكرم ولا عجرفة أسر مكرم سلطان زمانه وعصره!!"
زفرت منال بضيق وغادرت لأنها تعلم جيدا أن الجدال مع هايدي لا يفيد فهي ترفض فكرة العمل في شركة سامح ولا يتوقف الأمر عند هذه النقطة بل تتعمد جلب سيرة أولاد سامح وعلى رأسهم أسر وسارة اللذان يشتركان في صفتي الغرور والتكبر والتعامل مع الجميع بدونية وكأنه لا يوجد في الكون من هو أفضل منهما!!
دلفت هايدي إلى غرفتها وأخذت تبكي وتنظر إلى صورة والدها الراحل فهي لم تشعر بالوحدة إلا بعد وفاته وهي في الصف الثالث الثانوي وظل هذا الشعور ملازما لها ولم يفارقها مطلقا بعدما تزوجت والدتها بسامح مكرم بعد مرور ستة أشهر فقط من وفاة والدها.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
استيقظ يزيد من نومه على صوت رنين هاتفه فأجاب على المتصل وهو يفرك عينيه يزيل آثار النعاس:
-"مرحبا وحيد ، أخبرني هل استطعت أن تحدد موقع المنزل الذي تقيم به زوجتي تلك الفترة؟"
حرك وحيد رأسه مرددا بتأكيد:
-"أجل يزيد ، حماتك اتصلت بريم البارحة وبفضل هذه المكالمة تمكنت من معرفة عنوان المنزل الذي تمكث به زوجتك".
سأل يزيد بلهفة وهو ينهض من الفراش ويتوجه ناحية الخزانة:
-"أخبرني بسرعة أين هي الآن؟"
أجابه وحيد بهدوء:
-"هي موجودة في الساحل الشمالي ، سوف أرسل لك الآن عنوان الشاليه".
أنهى وحيد المكالمة ثم أرسل عنوان الشاليه إلى يزيد الذي هتف بتوعد:
-"سوف ترين الآن كيف سأتصرف معك يا زوجتي الحبيبة".
فتح يزيد الخزانة وأخرج منها سترة سوداء وسروال جينز ووضعهما على السرير ثم تناول المنشفة ودخل إلى الحمام.
خرج يزيد من الحمام بعد فترة ووضع المنشفة جانبا ، وارتدى ملابسه ، ومشط شعره ثم خرج من المنزل واستقل تلك السيارة البيضاء التي استأجرها منذ فترة قصيرة بعدما باع سيارته والفضل يعود في ذلك إلى زوجته.
استمر يزيد في القيادة لأربع ساعات حتى وصل إلى الشاليه الذي تقيم به ريم فصف السيارة وخرج منها وقبل أن يخطو إلى الداخل لمحها تبكي وهي تجلس فوق صخرة بعيدة وتنظر إلى مياه البحر بشرود.
تأملها يزيد وأخذ ينظر لها دون أن تبادله هي بالنظرات لأنها لم تنتبه لوجوده ... ذهب يزيد إليها ووقف خلفها وهتف ببرود وتهكم:
-"كيف حالك ريم؟ لماذا تبكين الآن؟! والدتك الآن فخورة بكِ بعدما دمرتِ زواجك وفضحتِ زوجك وتركت له المنزل ، لقد أصحبت الآن الابنة المثالية في نظر والدتك السيدة عفاف".
ارتفع صوت بكاء ريم وهي تقول:
-"لا أصدق أنني أسمع الآن صوت يزيد يتردد داخل أذني وكأنه موجود معي!!"
هتف يزيد بغيظ وهو يكز على أسنانه:
-"أنا أقف خلفك أيتها البلهاء ، هذا ما جنيناه من المسلسلات الهندية ، البطل يكون موجود في شمال الهند والبطلة في جنوب الهند ولكنها تسمعه وهو ينادي ويصرخ باسمها وكأن المسافة بينهما لا تتعدى بضع سنتيمترات!!"
التفتت له وابتسمت بسعادة وهي تردد:
-"يزيد!! لا أصدق أنك أتيت من أجلي!!"
رفع حاجبيه وهو يهتف باستنكار وجدية:
-"أتيت من أجلك!! كل شيء انتهى بيننا ولم يعد هناك شيء يجمعنا حتى أقطع كل تلك المسافة من أجل رؤية وجهك".
تغضنت ملامحها وتألم قلبها من طريقة حديثه الساخرة وهي تهتف بتوجس:
-"لماذا أتيت إلى هنا طالما أنك لم تحضر من أجلي؟!"
تقدم خطوتين نحوها ورفع كفه يزيح دموعها وهو يهتف ببرود أوجع روحها:
-"أتيت حتى أخبرك أنه يجب عليك أن تعودي لأنني سوف أتزوج قريبا ويجب عليك أن تحضري حفل زفافي".
وقعت كلماته اللاذعة على مسامعها كصاعقة الكهرباء ، لا يمكنها أن تستوعب أن الكابوس المخيف الذي يراودها باستمرار قد تحقق وأصبح حقيقة.
نظر يزيد إلى وجهها الذي يسيطر عليه الصدمة وابتسم بسخرية وهو يقول:
-"ماذا بكِ حبيبتي؟! لماذا تبدين حزينة جدا؟! أنتِ حتى لم تتمني لي السعادة".
صرخت ريم بغضب ودموعها تنحدر بغزارة كالأمطار:
-"توقف عن قول تلك السخافات لأن هذا المزاح ليس طريفا على الإطلاق ، أنا أعلم جيدا أنك لا يمكنك أن تحب وتتزوج امرأة أخرى".
قهقه يزيد بصوت مرتفع استفز مشاعرها وجعلها تصيح بجنون:
-"توقف عن الضحك ، لا يوجد شيء يجعلك تسخر منِّي بهذا الشكل".
مرر يزيد بصره عليها باستخفاف ثم وضع نظارته وانصرف دون أن يعبأ بصدمتها ودموعها ... استقل السيارة وغادر المنطقة وهو يشعر بالحزن فهو لم يكن يريد أن يصل حالهما إلى هذا الوضع ولكن حماته المصون أوصلتهما إلى مرحلة لا يوجد لها حل سوى الطلاق.
زفر بألم فهو لا يمكنه أن يطلقها لأنه يحبها ولا يستطيع أن يعيش من دونها وهذا هو السبب الذي جعله يتركها ويغادر قبل قليل لأنه يعلم جيدا أنه إذا بقي بجوارها لفترة أطول فسوف يسامحها وينسى أفعالها ويلغي الخطة التي أعدها لتأديبها كما فعل في المرات السابقة.
-"معك حق يا ريم ، أنا لا أستطيع أن أحب امرأة غيرك ولهذا السبب سوف أفعل المستحيل حتى أجعلك تندمين على أفعالك معي".
▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪
جلست حنان بجانب زوجها وهي تزفر بضيق ليهتف حسام بحنق:
-"أمسينا وأمسى الملك لله ، ماذا بكِ حنان؟!"
ردت عليه حنان بضيق ملحوظ:
-"أنت لم تخبرني حتى الآن إلى أين ذهب أخي يزيد وأنا لن أتركك وشأنك قبل أن أعرف منك كل شيء".
نظر لها حسام مليا قبل أن يردف بجدية:
-"قلت لك أنني لا أعرف أي شيء ، شقيقك اتصل بي في الصباح وأخبرني أنه سوف يسافر اليوم إلى الساحل ولم يخبرني بأية تفاصيل وكما ترين فأنا اتصلت به عدة مرات ولكن هاتفه مغلق".
ردت ببساطة وهي تنهض من جلستها على الأريكة:
-"اذهب وابحث عنه أو اتصل بأصدقائه ، هناك أشياء كثيرة يمكنك أن تفعلها بدلا من الجلوس هنا أمامي ووضع صدغك فوق كفك".
رمى حسام الجريدة على الطاولة بعنف ثم ذهب إلى الغرفة وارتدى ملابسه وخرج من المنزل حتى يرتاح من أحاديث زوجته.
تمتم بحنق وهو يأخذ مقعدا في المقهى ويجلس عليه:
-"حنان تتصرف وكأنني كنت والدة يزيد التي أنجبته ونسيته!!"
زفر بضيق وهو يفرك جبينه بانزعاج قبل أن يصيح بصوت جهوري:
-"أحضر لي يا رضا فنجان قهوة سادة".
استجاب رضا على الفور لطلب حسام وأعد له فنجان القهوة ثم وضعه أمامه برفقة كأس ماء بارد قبل أن يردف:
-"هل تريد شيئا أخر يا سيد حسام؟"
حرك حسام رأسه بنفي:
-"لا شكرا".
انصرف رضا يلبي طلبات الزبائن الآخرين وترك حسام يرتشف القهوة وقد شعر ببعض الراحة بعدما خففت القهوة من حدة الصداع الذي استوطن رأسه قبل بضع دقائق.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪
حزمت ريم حقائبها ثم غادرت الشاليه وعادت إلى منزل والدتها التي تفاجأت كثيرا بحضورها دون إخبارها مسبقا بالأمر.
نظرت عفاف إلى ملامح ريم وأثار البكاء في عينيها قبل أن تسألها بنبرة قلقة:
-"ماذا حدث لكِ حبيبتي؟"
تهاوت ريم على الأريكة خلفها وانفجرت في موجة من البكاء الحاد وهي تغمغم بحشرجة:
-"أنا لست بخير يا أمي ، كيف سأكون بخير ويزيد سوف يتركني ويتزوج بامرأة أخرى".
همست عفاف وهي تجلس بجوارها تتلمس كتفها برفق:
-"دعك منه ، أنتِ غالية جدا وهو ليس جديرا بكِ ولا يستحق أن تبكي وتذرفي دموعك من أجله".
تعجبت ريم من نبرة والدتها التي بدت جادة للغاية فيما تعنيه فهي كانت تتوقع أن تساندها وتقدم لها الدعم لتستعيد زوجها الذي سوف تسلبه امرأة أخرى ولكن وعلى ما يبدو فوالدتها لا يهمها هذا الأمر مطلقا.
تعالت شهقات ريم واختنق صوتها بشكل ملحوظ وهي تهتف بأسف:
-"لم أكن أتوقع منك هذا البرود يا أمي ، ظننت أنك سوف تدعميني".
تمتمت عفاف من بين شفتيها بازدراء:
-"أساعدك في ماذا ، هذا القرد المدعو بزوجك لا يناسبك وأنا حذرتك من قبل وأخبرتك أنه سوف يتركك عاجلا أم آجلا ولكنك وقفتي في وجهي وض*بتي بنصائحي عرض الحائط وذهبتِ وتزوجتِ منه دون موافقتي".
انتفضت ريم صارخة بألم:
-"فهمت كل شيء الآن ، أنتِ كنت تحرضيني باستمرار وتجعليني أثير غضب يزيد حتى يتركني وحينها سوف تبدين محقة أمام الجميع".
رمقت عفاف ابنتها بحزن من تصريحها الجارح فهي لم تكن تفكر أبدا بتلك الطريقة ، هي فقط أرادت أن تجنبها أثار تلك التجربة القاسية التي مرت بها من قبل.
أخرجت عفاف زفيرا ثقيلا من ص*رها قبل أن تهتف بعتاب:
-"شكرا لك يا ابنتي الغالية ، تتحدثين معي وكأنني عدوتك بعد كل ما فعلته من أجلك ، أنتِ أكثر شخص يعلم حجم الألم الذي عشته بسبب والدك ورغم كل ما مررت به لم أتزوج مرة أخرى وتفرغت لتربيتك وأنت..."
قاطعتها ريم والدموع مجتمعة في عينيها:
-"أنا لم أقصد أنك عدوتي يا أمي ، أنا أشعر أنني قليلة الحيلة وليس لدي وسيلة أستعيد بها زوجي".
هزت عفاف رأسها بأسف وهي ترى ابنتها قد تحولت إلى امرأة ساذجة وضعيفة لا يمكنها أن تعيش بدون زوجها الذي لا يكترث لأمرها.
لا يمكنها أن تحتمل حقيقة أن ريم تعشق يزيد ال**بث الذي كان يطلق أصدقائه عليه لقب الدنجوان لكثرة الفتيات اللواتي ارتبط بهن في شبابه.
تذكرت عندما كانت تذهب كثيرا إلى النادي قبل ثمان سنوات برفقة صديقتها كوثر وكانت ترى يزيد يجلس كل يوم على الطاولة المقابلة لها وتجلس أمامه كل يوم فتاة مختلفة.
كانت عفاف تسخر بداخلها من هؤلاء الفتيات الساذجات لأنهن يصدقن وعود شخص تافه كيزيد ولم يخطر في بالها أن يصبح هذا الفتى الطائش في يوم من الأيام صهرها وزوج لابنتها الوحيدة.
خفف يزيد من عدد مرات ذهابه للنادي ولم تعد عفاف تراه إلا مرات قليلة برفقة أصدقاءه الشباب ثم اختفى فجأة ولم يعد يذهب إلى النادي.
مرت سنوات قبل أن تأتي إليها ريم وتخبرها أنها تعرفت بالصدفة على شاب وهو يريد أن يأتي إلى المنزل ويتحدث معها.
رحبت عفاف بالأمر في البداية ولكن سرعان ما تغضنت ملامحها بعدما علمت بهوية هذا الشاب.
كانت الصدمة أيضا من نصيب يزيد الذي مال وهمس بالقرب من أذن ريم:
-"هل هذه هي والدتك؟"
أومأت ريم بابتسامة ليصاب يزيد بإحباط كبير جعله يدرك أن كل شيء قد انتهى فهو يعلم جيدا أن عفاف لن تقبل به زوجا لابنتها.
انتظرت عفاف حتى غادر يزيد وقالت:
-"هذا الزواج لن يتم إلا على جثتي".
نظرت لها ريم بذهول وكادت تجادل والدتها ولكنها **تت بعدما سمعتها تتحدث بعصبية:
-"لن تتزوجي هذا التافه مهما حدث يا ريم وأنا لن أتراجع عن قراري".
قالتها عفاف بحدة منهية النقاش لتهتف ريم معترضة على هذا القرار:
-"لماذا ، أخبريني سببا واحدا يجعلك ترفضين يزيد".
صرخت عفاف بذهول من معارضة ابنتها لها بهذه الطريقة التي لم تعتد عليها:
-"أخبريني أنتِ بسبب واحد يجعلني أقبل به ، هذا الرجل وضيع ، وحقير ، ويرافق الفتيات ويضحك على عقولهن".
أمسكت ريم بكف والدتها وهتفت باستعطاف:
-"كل ذلك كان في الماضي ، يزيد تغير كثيرا ولم يعد ذلك المراهق الطائش الذي يتصرف برعونة ويفعل أي شيء دون أن يفكر في نتائج أفعاله ، أرجوك أمي امنحيه فرصة يثبت لكِ فيها أنه لم يعد يزيد القديم".
نفضت عفاف ذراع ابنتها وهتفت برفض قاطع:
-"قلت لا يعني لا ، لو كان هذا الرجل هو أخر شخص في العالم فأنا لن أزوجك له".
هطلت دموع ريم وهي تهتف بحزن:
-"ولكنني أحبه يا أمي ولا أريد أن أتزوج برجل غيره".
نهضت عفاف وأنهت النقاش بنبرتها الحادة:
-"هناك كثير من الرجال في العالم يمكنك أن تختاري منهم زوجا مناسبا لك ، إذا أردت بإمكانك أن تتزوجي بحازم ابن عمتك رحاب ، صحيح أنني أكره عمتك ولا أطيقها ولكنني سوف أتنازل من أجلك أما بالنسبة ليزيد فامحيه من عقلك لأنني لن أدعك تقترنين به مهما حدث".
ذهبت عفاف إلى غرفتها ورفضت هذه الزيجة على الرغم من إلحاح ابنتها المستمر ولم تقبل بها إلا بعدما هددتها ريم أنها سوف تقتل نفسها إذا لم تتزوج بيزيد لتذعن في النهاية لرغبة ابنتها وتوافق مرغمة على هذا الزواج ولكنها توعدت بداخلها ليزيد وأقسمت أن تجعله يعاني في حياته بعدما ضحك على ابنتها الوحيدة وأوهمها بحبه.
-"سوف أذهب الآن إلى يزيد حتى أتحدث معه".
استفاقت عفاف من شرودها عندما نطقت ريم تلك العبارة وخرجت من المنزل دون أن تنتظر رد والدتها لتتن*د عفاف وتجلس على الكرسي تتذكر ذلك اليوم الذي تركها به زوجها وتخلى عنها.
-"الحياة معك أصبحت لا تطاق أبدا يا عفاف وأنا لن أضيع نفسي وأعيش برفقتك لوقت أطول".
قذف نبيل تلك الكلمات في وجه عفاف أمام عينا ابنتهما الصغيرة ريم قبل أن يضع حقيبته فوق السرير ويتوجه إلى الخزانة ويضع ملابسه داخل الحقيبة.
أمسكته عفاف من ذراعه بحدة وهي تهتف:
-"ماذا تفعل نبيل ، صحيح أنه يوجد بيننا خلافات كثيرة ولكن يمكننا أن نجلس ونحل تلك المشاكل من أجل ابنتنا ريم".
ابتعد عنها نبيل وهو يردف بازدراء:
-"كل مرة تذكريني بريم ولهذا السبب أنا أستمر معك ولكنني لن أفعل هذا الآن لأنني لم يعد لدي طاقة تجعلني أحتملك وأحتمل جنونك".
انهمرت دموع عفاف فهي لم تتصور أبدا أن ينهار زواجهما ويصل الأمر إلى هذه الدرجة ، لم يكترث نبيل بدموعها واستمر في نقل ملابسه إلى الحقيبة لتهتف عفاف بصوت تجلى فيه شعورها بالألم:
-"أنا أحبك نبيل ولا أريد أن ينتهي زواجنا".
أدار وجهه نحوها رامقا إياها باستنكار قبل أن يهتف بلهجة قاسية مزقت قلبها لأشلاء:
-"وأنا لا أحبك لأنك لا تستحقين الحب عفاف ، أنتِ يجب أن تكوني منبوذة ومكروهة من الجميع".
صرخت بجنون وهي ترفع حاجبها:
-"تحدث بصراحة وأخبرني هل هناك امرأة أخرى في حياتك؟"
أجابها بصراحة مطلقة فهو يرى أنه ليس هناك داعيا ليخفي حقيقة تلك المرأة التي عشقها وجعلته يحب حياته مرة أخرى بعدما كره كل شيء بسبب زوجته:
-"أجل عفاف ، أنا أحب امرأة أخرى وهي نفسها سوزان زميلتي في العمل ، هي امرأة تستحق الحب وتختلف عنك في كل شيء وسوف أتركك وأتزوجها".
-"أيها الحقير الخائن ال...."
هبط نبيل على وجهها بصفعة قاسية قبل أن تكمل عبارتها ثم هتف باشمئزاز ينتابه كلما نظر إلى وجهها:
-"أنا أكرهك وأكره اليوم الذي تزوجتك به ، أكرهك وأكره الساعة التي لم أستمع بها إلى نصيحة والدتي ، أكرهك وأكره كل لحظة قضيتها معك".
أغلق حقيبته ثم جرها خلفه وخرج من الغرفة لتلحق به طفلته ريم التي أمسكت به وهتفت من بين بكائها:
-"أرجوك بابا لا تتركنا وتذهب".
وضع نبيل الحقيبة جانبا ثم جثى على ركبتيه وهتف بحنو وهو يملس على شعرها:
-"أنا لن أتخلى عنك يا صغيرتي ، صحيح أنني سأنهي جميع الروابط التي تجمعني بوالدتك ولكنك ستظلين ابنتي الغالية التي لن أتركها مهما حدث".
قبل رأسها ثم حمل الحقيبة وتوجه نحو بوابة المنزل ولم يكترث بقلب زوجته الذي حطمه ومزقه قبل رحيله.
فعلت عفاف المستحيل حتى لا تجعل ابنتها تمر بتلك التجربة ، جعلتها تؤمن أن جميع الرجال خائنون وأنه لا يوجد رجل يستحق منها أن تمنحه قلبها ولكن أتى ذلك اليوم الذي قابلت فيه ريم يزيد ووقعت في حبه ونسيت جميع نصائح والدتها التي كانت تخشى عليها من الحب وأوجاعه.
نهاية الفصل
batol