((الفصــل الثاني))
لمح دلوفها من غرفة ابنهما قبل أن يلج غرفة نومهما، اندهش "أسید" وهو يراها تتحرك بخطوات سريعة متأهبة لهبوط الدرج، فورًا كان راكضًا ليلحق بها، منتصف الدرج وصل إليها ثم أمسك بكلتا ذراعيها من الخلف ليكتفها، صرخت بقوة وهي تحاول الإفلات منه وقد تشنجت أعضاؤها، رفعها "أسيد" ليسنح له التحرك بها وهو يحملها أمامه وقد تملك منها، قال متحكمًا في انفعاله وهو یصعد بها الدرج:
-إهدئي لقد أصابني الجنون من أفعالك!
ثم تحرك بها نحو غرفة نومهما وهي ما زالت تصرخ، كانت والدتها تتابع كل ذلك متحسرة على حالتها، تن*دت بيأس ثم توجهت لتهبط الدرج فلا داعي لوجودها، هي مع زوجها...!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وضعها "أسيد" على تختهما بهدوء لتستلقي على ظهرها لكنه لم يبتعد عنها، ثبت ذراعيها بكلتا يديه وهو ينحني بجزعه عليها، حدجته باهتياج وهي تردد بصريخ:
-ابتعد عني، إني اكرهك
لم يعقب على كلماتها بل كان باردًا متحملاً ما بها، رد وهو يدنو برأسه ناحية وجهها:
-وأنا احبك، وضجرت من ما تفعلينه معي، يكفي لهذا الحد، أنت واعية "مهيرة"، تعذبيني ببعدك عني، سنة كاملة وأنا انتظر، اشتقت لك!
استنبطت من نظراته نحوها بأنه يريدها، حيث لاح تمنيه لها على هيئته، ردت بتذبذب:
-لا تقترب مني، أنا .....
تجاهل "أسيد" هراءها ثم دنا منها ليستقي من عشقه لها معربًا عن مدى شوقه إليها ليروي تمنيه المتأجج بداخله، مبتلعًا من خلالها كلماتها المثیرة للحنق، أذعنت "مهيرة" بالكامل لما يفعله كأن له سحرًا عليها لتتناسى ما بها، أخذها معه ليسبحا سويًا في بحر العشق المتبادل بينهما والمختزن بداخله، معلنًا لهفته عليها ليستفيض حبه على هيئته الوالهة.......!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
استمعت من داخل غرفتها ببيتهن البسيط بأحد الأحياء الشعبية لمن يلج المنزل، تيقنت "سوار" عودة والدتها ثم فورًا نهضت من على مكتبها الصغير متجهة للخارج لتقا**ها..!!
رأتها والدتها فابتسمت بتودد، دنت "سوار" منها مرددة بتهلل طفيف:
-أخيرًا أمي عدتي، انتظرتك كثيرًا، أین ذهبتي!
ردت عليها بتحنن وهي تتعمق لداخل الشقة:
-كنت أطمئن على أختك
بدا الحزن على قسمات "سوار" وهي تسألها:
-وكيف هي الآن؟
تن*دت والدتها بقوة مفرغة بعض من الهموم الجاثية على ص*رها، ردت بيأس:
-مثل ما هي، من بعد موت ابنها وقد أصابها الجنون وتتحدث مع نفسها!
ثم توجهت لتجلس على أقرب أريكة شاعرة ببعض الإجهاد، تحركت "سوار" خلفها ثم جلست بجانبها، أضافت والدتها بتساؤل:
-أين "قمر"؟، أنا لا أراها
ردت "سوار" موضحة:
-غفت حين تأخرتي، لا تقلقي إنها بخير!، تابعي حديثك
قالت كلماتها الأخيرة بشغف ف*نهدت والدتها لتكمل ناظرة إليها بتوجس:
-أخشى على أختك من أهل زوجها، ينون طلاقها، أنتِ تعلمي مدى رفضهم لها سابقًا، وكان هذا الولد سبب وجودها معهم وتخليهم عن كرهها!
هتفت "سوار" باستنكار:
-لكن "أسيد" يحبها ولن يستغنى عنها!
ردت والدتها بأسى:
-طلبوا منه الزواج بأخرى إذا استمرت هكذا، ووالده رجل قاسي لا يعرف للرحمة عنوان، ما يريحني قليلاً هو حماتها، ليست مثله وتحبها كما "أسيد" بالضبط
زمت "سوار" ثغرها بكمد مرددة في نفسها "سحقًا"، قالت والدتها باقتراح بعدما طرأ على ذهنها فكرة ما:
-ما رأيك أن تذهبي إليها وتطمئني بنفسك عليها؟، ربما وجودك يخفف عنها
نظرت لوالدتها قائلة بتردد:
-لكن أمي منذ مدة طويلة وأنا منقطعة عن الذهاب عندها، وأيضًا لم أحب أقارب زوجها، كما أنني مضطرة لتركك هنا مع" قمر"!!
ردت بتوسل محبب:
-أرجوك ابنتي، ستسعد أختك بذلك أنا أعلم، وبالمرة تغيّري روتينك اليومي المقتصر على الاستذكار فقط، هناك ستخرجي من حبستك هذه وترفهي عن نفسك، وأنا هنا برفقة أختك لا تقلقي علينا فالجميع يودوننا!
فكرت "سوار" للحظات في كلامها، كانت نظرات والدتها تحثها على القبول، بالأخير تن*دت قائلة بإذعان:
- مثل ما تريدي أمي، سأذهب إليها.......!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
امتطى جواده ليتجول به في المزرعة قليلاً، كان وجهه مسرورًا من عودة زوجته معه كما السابق وتحسن علاقته بها، وهذا يعني عدم زواجه!، اكتفى "أسيد" بهذا القدر ليعود للفيلا مجددًا للاطمئنان عليها فقد تركها غافية؛ دلف الفيلا بجواده ثم لمح وهو يتعمق نحو الداخل ش*يقة زوجته الصغرى تسير نحو الداخل في الحديقة وهي ممسکة بحقیبة صغیرة، أسرع ناحيتها وهو يتأملها مبتسمًا بشرود فكم هي صغيرة وترتدي فستانًا قصيرًا كالأطفال، انتبهت له "سوار" ثم التفتت بجسدها ناحيته، هتف "أسيد" مبتسمًا بترحيب وهو يترجل من على جواده:
-مرحبًا "سوار"، منذ فترة طويلة لم أركِ؟
ابتسمت بخجل منه وهي ترد:
-الحقيقة كنت منشغلة بدراستي، وطلبت أمي أن آتي لزيارة أختي ولم أرفض
رد بمعنى وهو يتأمل وجهها الطفولي مبتسمًا:
-أنتِ صغيرة جدًا "سوار"، كم عمرك؟
ردت مبتلعة ريقها بتوتر:
-أنا في السنة الأخيرة من الثانوية العامة، وبعدها سأدخل الجامعة!
هتف بمعارضة وقد اندهش:
-لا يعقل، منظركِ أصغر بكثير من هذا العُمر!!
أطرقت رأسها باستحياء فابتسم، جاء الحارس ليأخذ الجواد للإسطبل ثم تحرك به، بينما كان أسيد" واقفًا أمامها بطلعته المهيبة فتوترت وهي تعاود النظر إليه، رد بمسرة:
-جيد قدومك لرؤيتها، هي الآن أصبحت بخير، تعالي معي لتريها وتطمئني عليها
اومأت رأسها بامتثال فتحرك ناحية الفيلا وهي من خلفه محرجة وتبتسم بخفوت، ولجوا للداخل فتفاجأ "أسيد" بعمه جالس برفقة والده في ردهة الفيلا، لم يرتاح لتلك الزيارة ونظر له بجمود، قبل أن يتحرك ناحيته خاطب "سوار" بإطراق ظاهري:
-اصعدي أنتِ إليها "سوار"
هزت رأسها بخفة لتتحرك نحو الأعلى وهي ناظرة للأسفل دون أن تلتفت لأحد، لبعض الوقت راقب "أسيد" صعودها ثم التفت ليهم بالتحرك نحوهما....!!
هتف عمه بترحيبٍ زائف أدركه "أسيد" بحسه:
-مرحبًا ابن أخي الغالي!
ثم نهض فاردًا ذراعيه ليستقبله، لم يمانع "أسيد" في مبادلته الترحيب قائلاً بعدم قبول لم يظهره:
-مرحبًا عمي، لما تحرمنا من طلتك؟!
ثم ابتعدا عن بعضهما فهتف عمه بلوم مصطنع:
-أنت من نسيتنا، لم تشتاق لعمك وتقول لنفسك سأذهب لزيارته يومًا
لم يهتم "أسيد" بأمره حيث توجه ليجلس وهو يرد باقتضاب:
-لدي الكثير من الأعمال، اعذرني!
جلس عمه "خلدون" هو الآخر قائلاً بابتسامة سخيفة:
-فإذا كانت أعمالك كثيرة هكذا، لما لا أساعدك فيها
نظر "أسيد" لوالده بمغزى فتفهم عليه الأخير ثم رد هو بدلاً منه:
-"أسيد" متمكنًا في أعماله وقيمته معروفة، والكثير يخشاه، لم يحتاج قط لمساعدة أحد، حتى أنا!
قالها "زايد" بحسمٍ قاطعًا إعادة الأخير لهذا الاقتراح مجددًا، زم "خلدون" شفتيه بتهكم داخلي وقد ضمر حقده، فهذا الشاب امتلك كل شيء بذكائه، رد مغايرًا الموضوع:
-لقد أتيت إليك كما طلبت مني، فالأصح أن تأتي أنت، لكني لم أمانع وجئت لك
بدا كلامه مبهمًا بالنسبة لـ "أسيد"، عقد حاجبيه مستفهمًا بجهل:
-ولماذا سيأتي إليك والدي، ما الموضوع؟
قال "خلدون" ناظرًا لأخيه بغرابة:
-هل "أسيد" لم يعلم بما قلته لي "زايد"؟
وجه "أسيد" بصره لوالده الذي توتر، رد بتلجلج:
-كنت تحدثت معه من فترة بشأن زواجك من "أروى"!
حدق "أسيد" في والده بصدمة وتعابير متجهمة، أشاح الأخير بوجهه فتوجس "خلدون" من عدم إتمام الأمر حین تبدت معالم وجهه، هذا ما حدث حين هتف "أسيد" بإصرارٍ وتحدٍ:
-وأنا لن اتزوج مطلقًا على زوجتي، هي حالیًا بخیر ویکفي......!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وهي جالسة بجانبها على التخت ظلت واضعة رأسها على ص*رها مستشعرة دفء حضنها الذي انبعث منه الحنان، مسحت "مهيرة" على ظهرها بلطف فهي تعتبرها ابنتها وليست أختها، وذلك لفارق العُمر الكبير بينهما الذي يتجاوز العشر سنوات، قالت "سوار" باشتياق:
-اشتقت إليك "مهيرة"، تعرفين، لم اركٍ منذ توفى صـُ ....
بترت جملتها وهي تعض على شفتيها لاعنة نفسها على اندفاعها لتذكرها بوفاة ابنها، بينما لمعت العبرات في مقلتي "مهيرة" متيقنة مقصدها، تن*دت لترد بحزن خفي:
-من الآن وصاعدًا تعالي عندي، أنا الآن بخير وتحسنت باهتمام "أسيد" بي وعدم تخلیه عني!
ابتعدت "سوار" عنها وهي تقول بشغف:
-في الحقيقة أنا محظوظة جدًا ميهو، تعيشين مع زوج يحبك بهذا القدر، ليس ذلك فقط، جميعهم بالمنطقة يحسدونك على ما أنتِ عليه
ابتسمت "مهيرة" بألم وهي تستمع إليها، ردت بأسى:
-وحسدهم هذا وصلني، ابني تركني، حتى دون أن أعلم ماذا أصابه، فجأة تركني هكذا محطمة!
شجنت "سوار" وهي تتأمل ملامح اختها الحزينة، رددت مواسية إياها:
-يمكنك أن تنجبي غيره، ثقي بقدرة ربك وسيعوضك بإذن الله!
لمحت "مهيرة" الحكمة والتعقل ينجليا من كلمات أختها، ابتسمت لها بود قائلة:
-كبرتي كثيرًا "سوار"، السنة القادمة وستصبحين في الجامعة
هزت رأسها لترد بحماس:
-انتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، اريد أن أحيا حياة الجامعة وأراها
ضحكت "مهيرة" عليها بخفوت وتلك هي المرة الأولي بعد وفاة ابنها التي تضحك فيها، ابتهجت "سوار" من ذلك وابتسمت، انتبهن لمن يدق الباب عليهن، فتحه "أسيد" قائلاً بكل ذوق وهو يمد رأسه للداخل قليلاً:
-هل يمكنني الدخول!
ابتسمت له "مهيرة" بحب، بينما اخفضت "سوار" رأسها محرجة وهي تعدل من وضعية جلوسها على التخت، ردت عليه "مهيرة" بحضور ذهن:
-أكيد حبيبي يمكنك، تفضل!
خطا "أسيد" بقدمه للداخل مبتسمًا بعذوبة، خاطب زوجته بمعنى وهو يدنو منهن:
-أظن أنكِ سعيدة بوجود "سوار"، هذا أفضل يوم وهو قدومها إلينا، فعلت الصواب بحضورها!
قال جملته الأخيرة ناظرًا لـ "سوار" التي أطرقت رأسها بخجل، مسحت "مهيرة" على ظهرها قائلة:
-"سوار" غالية عندي كثيرًا، هي ابنتي وليست اختي
رد باستنكار وهو يتأمل "سوار" بنظرات وترتها:
-ابنتك!، فقط هذه السنة وستصبح في الجامعة، لقد ظننتها أصغر من ذلك!
عضت "سوار" على شفتيها بحياء، ردت "مهيرة" بمفهوم وهي تبتسم لأختها:
-هي التي ملامحها طفولية للغاية!
ابتسم "أسيد" لها قائلاً:
-بالطبع ستمكث معنا بضعة أيام!
ردت "سوار" موضحة بصوت رقيق:
-فقط يوم واحد، أمي واختي بمفردهما، كما أنني غير معتادة على تركهن بمفردهن!
تدخلت "مهيرة" قائلة بشيء من اللوم:
-صحيح لما لم يأتين معكِ، وكيف لكِ أن تمكثي معي يوم واحد بعد كل هذه الغيبة!
رددت "مهيرة" ذلك باعتراض، قالت "سوار" معللة:
-أنتي تعلمين طبيعة عملها، لقد جئت لأراكي وبالمرة اغيّر روتين يومي معكم بالمزرعة
سردت "سوار" ملخص ما اتفقت عليه مع والدتها لتوضح الأمر فابتسمت "مهيرة" هازة رأسها بتفهم، هتف "أسيد" بحماس وهو يعقب على حديثها:
-إذا كان كذلك فاتركي لي استمتاعك لهذا اليوم .........!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
صفقت الباب خلفها بعنف بعدما ولجت غرفتها، ارتمت "أروى" جالسة على تختها وهي تصك أسنانها بغيظ وتفرك أناملها بغل، ولجت والدتها عليها بعدما تفهمت حالتها، تحركت ناحيتها ثم جلست على حافة التخت بجانبها قائلة بسئم:
-لا تفعلي ذلك بنفسك ابنتي، ربما يخبئ لكي الله الأفضل!
هتفت "أروى" من بين أسنانها بتجهم:
-كان سيصبح لي أمي، تلك اللعينة المخبولة استعادت وعيها ليعود الأخير لها
ردت والدتها بعدم رضى:
-أنتِ تعلمين بمدى حبه لها من الأساس، من الطبيعي أن يتمسك بها
كانت أنفاس "أروى" تخرج دافئة معربة عن استشاطتها الداخلية، هتفت باستياء:
-وأنا من ظننت حینما یرحل طفلها ستنحل جميع العُقد أمامي!!
ردت والدتها بجهل غير مفطنة مقصدها:
-ماذا تعني بحديثك هذا، هل كنتي تعلمين بأنه سيمرض، لقد مرض فجأة!
ارتبكت "أروى" قليلاً وهي تنظر إليها، ردت محاولة الثبات:
-لأ یا أمي، من أين سأعرف، أنا أقصد أنها جُنّت بعد موت ابنها فقط، ليس إلا
اومأت والدتها رأسها بتفهم ف*نهدت أروى بغبطة وبدت نظراتها متوترة، حيث خشيت فضح أمرها لما اقترفته دون علم الجميع، وهو تعمدها التخلص من الصغير، بإعطائه سُمًا من نوع خاص يؤدي لأعراض مرض ما لإحدى الخادمات التي وضعته في طعام الصغير، لم تكتفي "أروى" بذلك حتى حدقت في نقطة ما متوعدة، حدثت نفسها بقلبٍ متحجر:
-إذا كان الموضوع سيتعقد كذلك، فعلي بعثك إلى مكان تواجد ابنك بسرعة كبيرة........!!
===========================