الفصل الثاني

1891 Words
الفصل الثاني توجه كل واحد من الأبناء إلى شقته بنفس المنزل المكون من ستة أدوار؛ الدور الأول شقة المعيشة التى يمارسون فيها حياتهم اليومية جميعا والدور الثاني هو شقة الحاجة دهب ومسكنهم الأول جميعا ثم حصل كل منهم على شقة مستقلة بالترتيب وأسس حياته برفقة الزوجة التى اختارها بنفسه وربما كان هذا سبباً من أسباب رفض دهب لعبير فقد فرض زوجها الراحل على ولدها أن يتزوجها على غير ما اعتادت مع أبنائها سابقا فأثارت تلك الوصية حفيظة دهب وانبتت رفضا داخليا لم يبده حسين نفسه . بعد قليل نزلت تهانى ببشاشة وجهها المعتادة : اتصبحى بالخير يا أما بادلتها دهب ودا بود : صباح الخير يا بنتى .. ولادك صحيوا؟ جلست تهانى براحة بجوار حماتها : ايوه يا أما ودلوك ينزلوا يمشوا على مدرستهم . مرت دقائق وظهرت أمنية: صباح الخير يا حلوين دهب وتهانى : صباح الخير تبحث دهب بعينيها عن احفادها : ولادك فين يا أمنية؟ تجلس أمنية بالقرب منها: نايمين يا ماما ساعة كده واصحيهم يروحوا الحضانة تعلم تهانى أن وقت الأحاديث الصباحية يحب انهاؤه سريعا للبدء فى مباشرة الأعمال المنزلية لتبدأ متسائلة : هنبتدى بإيه يا أما ؟ **** محافظة القاهرة المدينة الجامعية للفتيات صباحا حيث يرتفع صخب صباحى وهرج يومى بين الفتيات ما بين مستيقظة تتوجه للمرحاض وبين عائدة منه .. هذه تسارع بارتداء ملابسها وآخرى تهرول باتجاه الدرج فى عجالة .. احداهن تتمطى متكاسلة وأخرى تتناول فطورا بتروى .. العديد من الأبواب تصطف على جانبى الرواق الطويل بكل دور وخلف أحد هذه الأبواب كانت زينب . تحدثت زينب وهى تغلق سحاب الحقيبة التى أعدتها لاجازتها قصيرة المدى : بسرعة يا ريم هنتأخر تضع ريم وشاحا حول رقبتها : حاضر يا زوزو خلصت اهو زينب محجبة ورثت عن أمها عينيها العسلية وقامتها القصيرة بينما حملت من أبيها الراحل لون البشرة الخمرية الساحرة .. هى قصيرة فعليا مقارنة بريم التى لم تلزم نفسها بالحجاب بعد لتأسر القلوب بخصلات شعرها شديدة السواد الذى تعقصه دائما ويتماثل لونه مع لون عينيها التى تذيب أشد القلوب قسوة وتنافر هذا اللون مع بشرتها البيضاء الصافية زادها حسنا لتأسر العيون والقلوب أينما تواجدت . **** محافظة الشرقية انتصف النهار وقد أنهت تهانى وأمنية كافة أعمالهما المنزلية وأصبح المنزل معدا لاستقبال الضيوف وقد أوشك إعداد الطعام على الانتهاء أيضا.. دخلت سما من الباب تحمل صغيرتها ندى بإرهاق واضح : اتصبحوا بالخير الجميع : يسعد صباحك ابتسمت دهب بود وأشارت لها : هاتى ندى يا سما لم تعترض سما بل امتنت لها : دى طول الليل غم وعايط مش عرفت انام منيها ابدا هزت دهب رأسها بتفهم : ادخلى نامى لك ساعتين وأنى هشيلها ماتخافيش عليها لم تعترض أى من تهانى وأمنية ولم تبديا امتعاضا لحصول سما على الراحة ع**هما تماما بينما توجهت سما بالفعل للغرفة وأغلقت الباب بهدوء تاركة صغيرتها فى رعاية دهب التى بدأت تلاعبها رغم ملامحها المتذمرة . دقائق وعبر صوت زينب ومرحها الطفولى عن وصولها : اتصبحوا بنعيم الله يا أبا اتجهت الأعين نحوها فورا لتندفع نحو ص*ر أمها المرحب بها فتحظى بضمة دافئة اضطرت للتخلى عنها لتنظر للخلف ثم تنطلق نحو ريم التى وقفت بالباب : تعالى يا ريم م**وفة ليه ؟ محدش غريب تعالى جذبتها نحوهن : تعالى اعرفك على امى وحريم اخواتى تعجبت ريم وهمست متسائلة : مال لسانك بيقلب كده ليه ؟ ما ترسى على لهجة يا زوزو وكزتها زينب لتبتلع اعتراضها : اكتمى دلوقتى بلاش فضايح . اقتربت ريم منهن تنظر لهن بدهشة ممتزجة بسعادة وحيرة لعدم فهم بعض الكلمات.. جلسن يتسامرن لفترة اشعرت ريم بالألفة لهن فهن حقا بسيطات طيبات الروح أنهت دهب جلستهن بقولها: خدى صاحبتكى واطلعى يا زينب وهشيع لكم الغدا مع مرات اخوكى اسرعت ريم ترفض بود اكتسبته من ألفتها لهن: لا يا طنط ماتتعبيهاش هننزل نتغدى معاكم ابتسمت لها ببشاشة: انى مش عاوزاكى تن**فى يااما هنا دارك وزينب اختك ضحكت زينب بطفولة معهودة وهى تسحب ريم خلفها: لا ماتخافيش انا هزغطها صعدتا دورا واحدا لشقة دهب للحصول على قسط من الراحة وما إن أغلقت زينب باب غرفتها حتى اسرعت ريم تتساءل: انت ليه بتتكلمى معانا فى الجامعة مش زى ما بتتكلمى هنا؟ دفعتها زينب نحو الفراش وهى تقول: علشان الطلبة فاكرين أنى جاية من الشرقية يا دوب طلعت من الغيط على المدرج .. جلست وتربعت فوق الفراش متابعة : تعرفى واحنا في اول سنة قبل ما اعرفكى كنت اتعرفت على شوية بنات كده وفى يوم جاعدين فى الكافيه وألقى واحدة منيهم بتقولى مش إلك دعوة بيا .. جاصدة تتمسخر على لغوتى الفلاحى .. بس انى ماسكتش جولت لها هو انى دخلت جولت لك صباح الخير ولا جولت اتصبحوا برضا الله .. إذا كنتم يا شوية بنات **ر هتتمسخروا على لغوتى فأنى مش إلى جاعدة وياكم بعد النهاردة ولا عاوزة اعرف واحدة منيكم تن*دت وعادت تنهض عن الفراش : بعد كده بجيت اتكلم وياهم بلغوتهم واريح راسى من المناهدة كل يوم والتانى بدأت زينب فك حجابها واتجت ريم نحو الفراش وتستلقى براحة : انت غلطانة علفكرة كده لهجتكم هتنقرض ولازم تبقى فخورة ببلدك واللى عاجبه يعرفك على كده اهلا وسهلا واللى مش عاجبه بناقصه . خففت زينب ملابسها قليلا واستلقت بجوارها : تعرفى يا بت يا ريم انا لولا انت غالية عندى ماكنتش عزمتك عندينا ابدا بس انى عارفة انك حلوة ابتسمت ريم لتضربها : لا ماتتغريش انى احلى منك عادى بس انت جلبك نضيف يابه وأنى حبيتك .. وبعدين تعالى هنا مانت ياختى اسكندرانية ومابتتكلميش اسكندرانى ! اتكأت ريم على مرفقيها : انا بتكلم زى مابنتكلم فى البيت وفى الحى اللى احنا منه .. مش انا قولت لك إن إحنا مش اسكندرانية أصلا !! صح انا اتولدت فى اسكندرية ومااعرفش بلد غيرها بس جدى ابو ماما الله يرحمه استقر فى اسكندرية بعد التهجير فى الن**ة لما البيوت وقعت من الضرب والعيلة كلها راحت تحت الأنقاض وعاش طول عمره في اسكندرية اتجوز جدتى كانت بردو متهجرة وضاعت من أهلها وماعرفتش توصل لهم ابدا وماخلفوش غير ماما اعتدلت زينب باهتمام: طيب وأهل ابوكى يا ريم ؟ احتضنت ريم الوسادة بحزن : ماليش غير عم واحد ومهاجر لكن بابا فى الاصل اسكندرانى بيقعد يحكى لى عن زمان لما كان عايش فى بحرى مع جدى وجدتى الله يرحمهم تعرفى يا زوزو طول عمرى كان نفسي يبقى لى عيلة كبيرة وبيت عيلة ..اخوات واعمام واخوال .. ناس يحبونا ويودنا ونودهم لكن للاسف مفيش انا وماما وبابا حتى عمى من سنين بطل ينزل وبيكلمنا على التلفيون وقريب بابا جاب كمبيوتر مخصوص عشان يشوف عمى وكزتها زينب ممازحة : هى عيلتك كلها الله يرحمهم مفيش حد ربنا يبارك فى عمره ؟ إيه ياختى العيلة دى !! بقولك ايه الحقى استخبى ده عيلة تو** هاهاها . ضحكت ريم لمزحة زينب التى تشعر داخليا بالأسى لأجل صديقتها .. لقد تعرفت ريم وزينب منذ عام واحد حين جمعتهما غرفة مشتركة فى المدينة الجامعية، وخلال هذه الفترة زاد تقاربهما لتتوطد بينهما صداقة قوية خاصة أنهما تشتركان بنفس العام الدراسي ونفس التخصص .. حين علمت زينب بعشق صديقتها للريف وقد أصبحت تثق فيها كليا دعتها لقضاء إجازة قصيرة بمنزل العائلة بالشرقية، وكم سعدت ريم بهذه الدعوة وزادت سعادتها بموافقة والديها عليها قبولها . عادت ريم تسند رأسها لكفها وتتخلص من أفكارها المحزنة: تعالى هنا مين البنوتة السكرة اللى كانت نايمة على رجل طنط دهب؟ ضحكت زينب : دى ندى بنت حسن وسما . تلاقى سما نايمة اصلها مش معانا فى العيشة جاعدة لحالها اتسعت عينا ريم ببلاهة: انت قلبتى تانى ليه ماكنت كويسة!! انا مش فاهمة حاجة ؟ ابتسمت زينب : يا بنتى هنا الواحدة لما تتجوز فى بيت عيلة الطبيعى تبجى مع حماتها وأهل راچلها بس طبعا مش غضب عنها سما أهلها شرطوا على حسن ماتخدمش امى ولأن حسن حبها امى رضت بشرطهم ع** تهانى وأمنية هم وأهلهم رحبوا بعيشتهم مع امى والشهادة لله امى بتحبهم زينا تمام ومش إلها دخل بين اى واحدة وجوزها وكلنا مرتاحين . ظلت ريم تنظر لها حتى أنهت حديثها الذى لم تحط علما بأغلبه ثم هزت كتفيها وقررت التغاضى عن الأمر كله لتبدأ تتبع شغفها وتقول برجاء : زوزو حبيبتي تعالى ف*جينى على الغيط استلقت زينب بأريحية وهى تشيح بذراعيها : اتهدى يا ريم الشمس سخنة وانت مش حمل ضربة شمس. لكن ريم لم تستسلم بسهولة وهى تتمسك بكف زينب ترجوها : علشان خاطرى يا زوزو علشان خاطرى نفسى اشوف الغيط من قريب تن*دت زينب مستسلمة فقد رأت شغف ريم يسيطر عليها أثناء طريقهما وهى تشاهد الحقول عبر شباك السيارة بوله لم تره زينب مسبقا : قومى ياختى إن شاء الله تجى لك ضربة شمس وتفرفرى وابقى شوفى مين هيغيتك . انقضت ريم تقبلها قبلات متتالية تحاول فيها تقليد دهب علت ضحكات زينب بينما انتفضت ريم عن الفراش بحماس تعيد هندمة ملابسها وتدعو زينب للإسراع والمغادرة الفورية . هبطتا للدور الأول حيث تجلس دهب بنفس موضعها لتسرعا نحوها فتتحدث زينب : ماما هنزل امشى ريم شوية فى الغيطان هنا قرب الدار . نظرت لهما دهب بحنان: دلوك يا زينب !! شمس الشتا جريبة يااما تتعبوا اسرعت ريم تجلس بجوار دهب فى طريقها لاقناعها : معلش يا طنط اصل انا اول مرة اروح الريف ونفسى انزل الغيط نظرت لها دهب بتعجب وكأنها قادمة من كوكب موازى : ليه يا اما كل خلج الله اصلهم من الريف .. معلوم امال يعنى سلفى ما هو عايش طول عمره في مصر بس لازم يجيب ولاده هنا البلد ابتسمت ريم : انا يا طنط طول عمرى عايشة فى اسكندرية معندناش بلد من أصله . ضحكت دهب رغم شعورها بالشفقة نجاة الفتاة فهى لا تتخيل حياة بدون زيارة الريف والتنعم بما يحويه من أجواء تبعث السكينة فى النفوس لتهز رأسها بإقتناع : طيب روحوا بس اوعى يا زينب تتوه منك اوعى لها منحتها ريم وصلة من القبل دفعتها للضحك فورا قبل أن تقفز تتمسك بكف زينب التى قالت : لو جالك ضربة شمس مش إلى دعوة بيكى ولا اعرفك غادرتا المنزل لترى زينب أخيها محمد يصف سيارته قرب المنزل فتجذبها بإتجاهه : ريم تعالى نسلم على اخويا محمد هناك اهو جذبت ريم كفها شاعرة بالخجل : معلش يا زوزو انا م**وفة اكيد هتعرف عليهم على الغدا روحى انت وانا هتف*ج على الغيط ده ابتسمت زينب وهى تلكمها : م**وفة بلا خيبة روحى ياختى بس مش تبعدى احسن تتوهى لم تهتم ريم للكمتها الضعيفة وأشارت لها مبتعدة : ماشى ماتخافيش انا هنا مش هبعد . اسرعت زينب بإتجاه أخيها بينما سارت ريم فى الإتجاه المعا** تتأمل الحقل وتتلمس تلك البراعم القصيرة التى لا تعرف نوعها .. نظرت أرضا لتخشى من التقدم فى الأرض الموحلة فتسقط أو تتعثر خطواتها بشكل مضحك فوقفت تطالع عن قرب بحرص .. مالبثت أن رأت قطيعا من الغنم والماعز يوجهه راع بيده عصا ويرتدى جلبابا رائعا رغم بساطة مهنته .. شاب يحمل كل الملامح المصرية الجميلة بداية ببشرته التى لم تؤثر الشمس عليها إلا بتوهج زاد ملامحه وسامة ، قامته الطويلة التي تضفى عليه هيئة رجولية وتمنحه بعضا من الأعوام الإضافية وكما يبدو لها يملك بنية بدنية قوية لتمكنه من السير هنا وهناك وكأنه بكل مكان متحكما فى قطيعه كاملا . كان الراعى يسير بأغنامه لا يهتم بمن حوله ، فجأة صرخت ريم برعب فقطيع الأغنام يحرسه كلب اسود ضخم من إن رأى ريم حتى اسرع يلاحقها وقد علا نباحه . اسرعت ريم تفر من عدوها الذى رأته للتو بينما اطلق الراعى صفيرا للكلب ينم عن قوة علاقته بكلبه وبلهجة آمرة يزيدها صوته الأجش قوة : رعد أرجع لكن رعد لم يرجع واستمر بملاحقة ريم التى توجهت مباشرة نحو الراعى الذى نظر لها دون أن يتعرف على شخصيتها فهى غريبة عن المنطقة، قد يكون هذا سبب ملاحقة رعد لها بينما اسرعت بإتجاهه تختبئ خلف ظهره صارخة ومتمسكة بجلبابه : الحقنى يا عم ااااه شاهدت زينب ما يحدث ويتطور بسرعة مذهلة فأسرعت تركض بإتجاههما : ريم لحق بها محمد متسائلا : مين دى يا زينب؟؟ لتجيبه وهى تهرول : صاحبتى اللى عزمتها عندنا . اختبأت ريم خلف الراعى دون أن تطلق ملابسه وحين رأت رعد مقبلا نحوها اسرعت من شدة الخوف تقفز فوق ظهر الراعى الذى انحنى للامام كرد فعل طبيعى هامسا: يا وجعة سودة انت مين يابه ؟؟
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD