الفصل الثاني

1659 Words
خرجت فاطمة من غرفة شهاب وتركته وحده مع أفكاره ، إنه يتذكرها عندما أتت لأول مرة إلى القصر فقد كان حينها في الثالثة من عمره وهي شابة صغيرة في الخامسة عشر من عمرها. كانت والدته دائما مشغولة عنه فتعلق بفاطمة لأنها هي من كانت تهتم به وتلازمه في كل شيء بل ووصل بها الحال أنها كانت تتعلم معه لكي تذاكر له حتى حضر عمه مصطفى من السفر وتعلق به أكثر من أي شخص وقد كان دائما يحدثه في أي حوار بينهما بشأن فاطمة عن ذكائها وجمالها حتى أنه بدأ يشعر بالغيرة بسبب اهتمام فاطمة بعمه فقد كان يعتبر فاطمة ملكية خاصة به. مات مصطفى تغيرت حياة شهاب وتبدل لإنسان أخر بعدما سمع حديث والدته مع صديقتها جيهان تتهم فيه فاطمة أنها السبب وراء موت مصطفى بعدما قرر الذهاب في تلك الرحلة على الرغم من سوء أحوال الطقس بسبب رفض سراج لفكرة زواج مصطفى وفاطمة وكانت النهاية أنه ذهب ولم يعد. حاول شهاب أن ينسى الحوار الذى دار بين والدته وش*يقتها ولكن كلما نظر في وجه فاطمة يتذكر هذا الحوار فيزداد كرهه لها. اختفت صورة فاطمة لتظهر صورة مريم أمام عينيه فهي تشبهها ولكنها تحمل ملامح أرستقراطية تجعل من يراها لا يصدق أبدا أنها ابنة الخادمة. نزع عنه هذه الأفكار واستبدل ملابسه وخرج من غرفته متوجها إلى الأسفل فتقابل مع والدته التي بادرته باحتضانه وقالت: -"لازم نعمل حفلة بمناسبة رجوعك والأسبوع اللي جاي هيكون عيد ميلاد وعد فإيه رأيك نض*ب عصفورين بحجر واحد ونعمل المناسبتين في حفلة واحدة؟'' حرك شهاب رأسه بعدم اهتمام وقال: -"اللي تشوفيه يا ماما". صعد شهاب مرة أخرى إلى غرفته دون أن يسأل والدته عن أي شيء بشأن الحفلة فقد كان ذهنه مشغول بالأعمال التي تنتظره وبالأفكار الجديدة التي يريد تطبيقها في العمل. ▪▪▪▪▪▪▪▪▪ ظلت مريم حبيسة في المنزل ولم تتجرأ على الخروج منه خوفا من مقابلة شهاب. رن جرس هاتفها ووجدت أن وعد هي من تتصل بها ففتحت الاتصال وسمعت صوت وعد وهي تقول لها: -"أنتِ فين يا بنتي ، أنا مستنياكِ من الصبح مجاتيش ليه لحد دلوقتي؟" أجابت مريم وهي تزفر بحزن وكلمات شهاب الب*عة تتردد في أذنيها: -"أنا موجودة هنا في البيت يا وعد''. -"طب تعالي أنا مستنياكِ دلوقتي في أوضتي ومش عايزاكِ تتأخري". أنهت وعد الاتصال بعدما رددت تلك الكلمات الحازمة. ترددت مريم في مسألة الذهاب إلى غرفة وعد بسبب خوفها من لقاء شهاب ولكنها في النهاية قررت أن تذهب فهي لن تختبأ في منزلها كالأرنب المذعور بسبب وجود ذئب شرير يتربص بها. استبدلت مريم ملابسها المنزلية بثياب مهندمة ثم توجهت إلى داخل القصر. صعدت الدرج متجهة إلى غرفة وعد ولكنها توقفت بعدما تقابلت مع شهاب على رأس السلم فأخفضت رأسها وهي تلقي التحية عليه. كانت تشعر برعشة داخلية من شدة الخوف بسبب وجود شهاب ولكنها حاولت إخفاء ذلك الأمر تحت قناع من الثبات الزائف. نظر إليها شهاب باحتقار وهو يقيمها بعينيه ويقول: -"أنتِ أكيد بتشتغلي مع فاطمة هنا في القصر". لم ترد عليه ولكن احتقن وجهها من شدة الغضب ولم تعلم بماذا تجبه فلزمت ال**ت فصاح في وجهها قائلا: -"خلصينا يلا وروحي نضفي أوضتي كويس". جرت مريم من أمامه والدموع تملأ عينيها وهبطت الدرج حتى تعود إلى منزلها فتصادمت مع نور التي قالت لها: -"ما تفتحي وأنتِ ماشية ، مش معقول تكوني عميتي". اعتذرت منها مريم بصوت خافت وجرت إلى منزلها لتتوارى فيه عن الأنظار. انكمشت على نفسها أسفل الغطاء وانتابتها نوبة من البكاء الهيستيري إلى أن نامت وهي على هذه الحالة دون أن تشعر بنفسها. استيقظت مريم على صوت هاتفها ووجدت وعد تتصل بها وعندما أجابت سألتها عن سبب تأخرها فاعتذرت لها مريم بصوت مبحوح بسبب كثرة البكاء فقلقت عليها وعد وأغلقت الإتصال وذهبت إليها لترى ما بها. وصلت وعد إلى المنزل وطرقت الباب ففتحت لها مريم فنظرت لها وعد وصدمت عندما رأت هيئتها الكئيبة بسبب كثرة البكاء. سالتها عن سبب حزنها ولكن مريم احتارت بماذا تجيبها ووجدت نفسها في النهاية تقول لها أنها تعاني من صداع شديد قد ألم بها ولا تستطيع تحمله فقالت لها وعد: -"أنتِ خضيتيني يا مريم ، أنا هروح أشوفلك حاجة للصداع وأهجيلك على طول". تركتها وعد وذهبت وقابلت شهاب قبل أن يخرج من المنزل فسألته إذا كان بحوزته حبوب للصداع فقلق عليها وقال لها: -"ألف سلامة عليكِ يا حبيبتي". طمأنته وعد بقولها: -"مش أنا اللي عندي صداع دي مريم". هتف شهاب بضيق بسبب تساهلها في التعامل مع فاطمة وابنتها: -"لازم يا وعد يكون في حدود بينك وبين الشغالين اللي عندك لأن دول مش من مستواكِ ولا يقدروا يفكروا بشكل هادي ومتحضر زي ما أنتِ بتعملي". رمقته وعد بذهول وهي تردد بدهشة: -"بس مريم مش شغالة عندي أنا بعتبرها زي أختي وبعدين كلها كام شهر وهتدخل الجامعة زيي ومشهتبقى أقل مني في مستوى التفكير زي ما أنت بتقول". اندهش شهاب عندما سمع ذلك وعلم أنه السبب في صداع مريم بعدما أهانها وقلل منها. ▪▪▪▪▪▪▪▪▪ وصلت الحقائب الأتية من أمريكا أثناء وجود شهاب في الشركة فظلت وعد تنتظر حضورة حتى ترى الهدايا التي أحضرها لها ولكي تقطع الوقت ذهبت إلى مريم بعد أن رفضت الأخيرة الحضور إلى لقصر. هتفت وعد باستغراب شديد وهي تجلس أمام مريم: -"أنا معرفش أنتِ ليه يا مريم معنتيش بترضي تيجي القصر؟ على فكرة أنا ملاحظة أنك بقيتي بتعملي كده من ساعة ما شهاب رجع من أمريكا". زاغت نظرات مريم وهي تقول: -"لا يا وعد مفيش الكلام ده وبعدين هو شهاب أخوكِ إيه اللي هيدخله في شؤوني ، أنا بس قلقانة من النتيحة اللي هتظهر خلال ساعات". لم تقتنع وعد بحديث مريم لأنها تعرف جيدا كيف يتصرف شهاب مع مريم وفاطمة وتجاوزت الأمر بقولها: -"طيب يا ستي شوفي لينا حاجة تسلينا لحد ما نتيجتك تظهر". فكرت مريم قليلا قبل أن تقول: -"إيه رأيك نسمع أغنية محمد منير الجديدة؟" هتفت وعد بحماس: -"هو أنتِ لسة بتسألي ، قومي شغليها بسرعة". أخذت كل منهما تردد كلمات الأغنية مع المسجل بصوت عالي سمعه شهاب عندما صف سيارته فأدار رأسه وتوجه تجاه القصر وهو ينوي أن يتكلم مع أختة مرة أخرى في مسألة علاقتها بمريم فالموضوع قد زاد عن حده. ▪▪▪▪▪▪▪▪▪ دخلت وعد إلى القصر ووجدت شهاب قد حضر فركضت نحوه تسأله عن الهدايا فنظر لها وقال: -"اصبري شوية بس على ما نتغدى". ظلت صامتة تنتظره حتى ينهي طعامه وهو ينظر إليها ويبتسم على لهفتها وفضولها ثم تحرك تجاهها وأمسك بذراعها وهو يشير لها على حقيبة كبيرة وقال: -"شايفة الشنطة الكبيرة اللي موجودة هناك دي تبقى كلها ليكِ". قبلته على خده وهي تقول: -"طب ما كان من الأول لازم التزنيبة دي ، على كل حال شكرا يا أبيه على الهدايا ، ربنا ميحرمنيش منك". أخذت تجر الحقيبة وحاولت أن تأخذها إلى غرفتها ولكنها لم تستطع فنادت على أحد الخدام وطلبت منه أن يساعدها في حملها. بدأت وعد في إخراج الملابس من الحقيبة وهي لاهثة الأنفاس ومبهورة من جمال الفساتين التي أحضرها لها شهاب وأخذت تقيس كل فستان على حده. نظرت إلى نفسها في المرآة ووجدت من بين الفساتين فستان أخضر رائع التفصيل ولكنه لا يناسبها فعيونها زرقاء وشعرها أشقر كما أنها لا تحب أن ترتدي هذا اللون وتمتمت: -"إيه اللي جرى لذوقك يا شهاب؟! الفستان ده مينفعنيش معايا خالص". أخذت تفكر إلى أن اهتدى عقلها لفكرة رائعة جعلتها تردد بسعادة: -"الفستان ده هيبقى حلو أوي على مريم عشان وهيليق مع شكلها وهيبقى تحفة عليها وفي نفس الوقت هيكون مناسب أنها تحضر بيه حفلة عيد ميلادي". وضعت وعد الفستان جانبا وأخرجت بعض من ملابسها القديمة التي لم تلبسها غير مرة أو مرتين وووضعتهم بجانب الفستان الأخضر ورتبت الملابس التي أحضرها شهاب في الخزانة. وضعت وعد الفستان والملابس الأخرى في حقيبة وأخذتهم إلى مريم التي تبدل وجهها عندما رأتهم فقد كانوا في منتهى الجمال ولكنها لم تكن تريد أن تنال إحسان أو صدقة من أحد. حاولت مريم أن ترفض ولكن أصرت عليها وعد وظلت تحاول معها بكل الطرق ثم هتفت باستياء: -"بلاش تتصرفي كده يا مريم ، أنتِ زي أختي الصغيرة وشيء طبيعي جدا أن الأخت الصغيرة تاخد هدوم أختها الكبيرة وبعدين أنتِ هتروحي الكلية كمان كام شهر وهتحتاجي هدوم كتير والفستان الأخضر ده مش مناسب ليا بس هيبقى حلو عليكِ وأنا جيبتهولك مخصوص عشان تحضري بيه حفلة عيد ميلادي". استطاعت وعد في النهاية أن تقنع مريم وجعلتها تأخذ الملابس التي أحضرتها من أجلها. ▪▪▪▪▪▪▪▪▪ في اليوم التالي ظهرت نتيجة الثانوية العامة ونجحت مريم وكانت من الأوائل في القسم الأدبي وحصلت على مجموع يمكنها من دخول كلية من كليات القمة. قفزت مريم وهي تصيح بفرحة: -"أنا مش مصدقة نفسي يا ماما ، أنا نجحت وقدرت أجيب مجموع الكلية اللي فضلت طول عمري أحلم بيها". سمعت فاطمة صوت طرقات الباب فتوجهت نحوه وفتحته بسرعة ووجدت سراج ووعد يقفان أمامها وترتسم الابتسامة على وجههما. أفسحت لهما فاطمة الطريق حتى يدخلان إلى المنزل فدخل سراج وتبعته وعد التي هتفت بسعادة وهي تحتضن مريم: -"إيه العظمة دي كلها يا مريم ، مجموعك ده صدم كل زمايلك في المدرسة ، ألف مب**ك يا حبيبتي". ابتسمت مريم وقالت: -"الله يبارك فيكِ يا وعد". تقدم منها سراج الذي كان يحمل علبة مخملية ثم فتحها وأخرج منها سلسال ذهبي يتوسطه اسم "مريم". شهقت فاطمة من المفاجأة وقالت: -"إيه ده يا سراج بيه؟!" أجاب سراج بابتسامة بشوشة: -"دي هدية بسيطة عشان خاطر مريم بمناسبة نجاحها وعقبال ما تبقى مذيعة مشهورة وتنور كل قنوات التليفزيون بالبرامج بتاعتها". تناولت مريم السلسال وهي تشعر بالإحراج فهي لا يمكنها أن ترفض أخذها لأن هذا التصرف سيصيب كل من سراج ووعد بالضيق منها وهما لا يستحقان ذلك. كانت فاطمة تشعر بسعادة كبيرة من أجل نجاح ابنتها التي قررت أن تدخل كلية الإعلام فحلمها هو أن تصبح مذيعة مشهورة. احتضنت فاطمة مريم وربتت على ظهرها بحنان وهي تقول: -"إن شاء الله هتحققي حلمك وهتكوني أحلى مذيعة في الدنيا دي كلها". تمنت مريم أن يتحقق كلام والدتها حتى تتمكن من مغادرة هذا المنزل والابتعاد عن شهاب إلى الأبد. ▪▪▪▪▪▪▪▪▪ كان العمل في القصر على قدم وساق استعدادا للحفلة المرتقبة فقد قامت نور بدعوة نجوم المجتمع الراقي لحضور الحفلة وركزت على العائلات المناسبة لتختار من بينهم زوجة لشهاب فهذه الحفلة ستكون فرصة ممتازة لكي يتعرف شهاب على بنات عائلات المجتمع الراقي ويختار من بينهم الفتاة التي تصلح أن تحمل اسم عائلة محيي الدين. اتصلت وعد بكل أصدقائها وقامت بدعوتهم لحضور حفلة عيد ميلادها وأخبرتهم بعودة شهاب من أمريكا فرحبت الفتيات بفكرة الحضور وكل واحدة منهن تحلم أن تلفت انتباه شهاب لها وتصبح زوجته في المستقبل.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD