الفصل الأول
حمائم : نوع من الطيور التي تعيش في جماعات وطالما كان يرمز للجمال بسبب شكلها المحبب , أهم ما يميزها الوفاء حيث أن ذكورها تعيش مع الإناث ولا يفرقهما سوى الموت . وصف العرب القدماء الانثى بالحمامة ولاسيما في الشعر الأموي وارتبط وصف حمامة بالعشاق ليدل هذا الوصف على الصبوة والحب المرتبط بالفراق والألم والنوح .
الأيك : هو الشجر الكثيف الملتف حول بعضه . كثير الأوراق والأغصان الغضة المتماسكة .
ربما تكون كل حمامة من حمائمي ضائعة بين أغصان شجرة أيك . وربما تستند عليها لتستمر بالوقوف .. أو كانت تدور ضائعة بين ثنايا الألم والوجع تحتاج من ي**ر تلك الأغصان ويمحي تلك الخدوش من روحها .
كن حمائم ضائعة بين الأيك .. هن حمائم لصياديهن .. هن حمائم تحتاج من يخرجهن من تلك الغابة التي تخيم عليهن وتمنع وصول النور لقلوبهن .
الفصل الاول :
( لماذا الأشياء المقدر لها أن تنتهي دائما تكون جميلة
Evanesce =super junior )
نظرت لها بعيون باكية وهي تسأل بترجي ووجع
( ريحان أخبريني أن أبي سيكون بخير
تأملت أختها بقلة حيلة فهي أيضا با تعرف ماذا حدث او ما الذي سيحدث وماذا ستقول .. هل تخبرها بعدم المعرفة أم تحاول أن تهدأ من روع الصغيرة حتى اتخذت قراراها بعد **ت طويل و
هزت رأسها بابتسامة حنونة وهي تمسح دموعها
( اطمئني جوري سيكون بألف خير . خذي قسط من الراحة حتى تصل الطائرة
أومأت جوري لها دون كلام وأغمضت عينيها وهي تمتم بكثير من الدعاء والتضرع ليكون أبيها بخير
..
التفت باتجاه الأخرى الصامتة من غير حراك وكأنها تمثال لا حياة فيه . تن*دت بحزن وهي تراقب التوأمين بين الباكية والصامتة ، عاجزة تماما عن المساعدة .
. أغمضت عينها وهي تتذكر تلك المكالمة المميتة التي تلقتها منذ ساعات فقط لتخبرها أن والدها في المستشفى بحالة حرجة
..
تسألت هل هو القدر أم هي الصدفة في الوقت الذي يقرر به والدها الذهاب لتلك المدينة التي تحتضن جسد والدتها يصيبه المكروه
. كلامه لا يغادرها أبدا في كل مرة يذكرها بأنه لا يريد شيء في هذه الحياة إلا أن يحتضن والدتها وها هو عند قبرها يمرض ويدخل لنفس المستشفى ..
ابتسمت بوجع وهي تتمتم ( يا لسخرية القدر
نظرت من نافذة الطائرة لا ترى إلا الظلام حولها وذكرياتها تعود لذلك الوقت الذي كانت فيه أمها موجودة بينهم وسعادتهم معها ضحكاتها . غزل أبيها الصريح دائما غمزاته و مداعبته لها
..لقد كانت ترى فيهما الحب الخالد ولكن فجأة تغير كل شيء والدتها اختفت ..والضحكة ماتت .
رحلت تاركة خلفها فتاة بعمر الخامسة عشر وصغيرتان .. فتحولت لأم صغيرة نسيت طفولتها أمام طفولة اختيها . وحزن أبيها ..
وها هي الآن بعد إحدى عشر سنة تواجه نفس الموقف ولكن مع أبيها وأختين صبيتين ولكن روح الطفولة ما زالت تحيطهما
مسحت دمعة صغيرة هربت من عينيها وهي تشعر بيد شقيقتها على كتفها
تقول لها ( لا بأس ريحان سيكون كل شيء بخير
هزت لها رأسها وهي تتمنى أن يكون هذا هو ما يحدث *الخير.
............
التوتر ينتشر بينهن منذ أن غادرن المطار حتى حطت السيارة أمام باب المستشفى .
الساعة لم تتجاوز الخامسة صباحا بعد ولكن لا يهم المهم الآن أنهن وصلن بسرعة ..دخلن يتراكضن والخوف يعتليهن حتى نطقت ريحان عند موظفة الاستقبال (لو سمحتي ..غرفة السيد أدهم الأزهري ِ
أجابتها الموظفة :
( الطابق الثالث غرفة 501
لم تسمع باقي كلام الموظفة حتى ركضت نحو المصعد تقصد غرفة أبيها والتوأم تركضان خلفها .
كان هناك نائم بهدوء وكأنه خارج هذا العالم لكن علامات الإرهاق واضحة.
ا الألم مرتسم على وجهه الغارق في سباته غرقن بالخوف جميعهن ولكنها كانت أول المتمسكات برباطة الجأش لتمسح وجهها بيديها وهي تشاهده نائم بهدوء رغم الألم ..فلم تشأ ان توقظه وهي تراه بهذا الشكل وكذلك اشارت لاختيها بال**ت فما كان منهن إلا ال**ت والجلوس بقربه حتى غفون جميعا من شدة التعب والقلق
فتح عيونه يتأمل المكان الذي فيه حتى هبطت الذكرى عليه من جديد ليوقن أنه في غرفة المشفى . جال بنظراته المكان حتى خ*فت روحه صورتهن فقد كن جميلاته بقربه كما توقع فصغيرته ريحان لن تهدأ حتى تراه أمامها وها هي فعلت بالطبع راقبها وهي نائمة على الكرسي بجانيه مشاعر الأمومة تسيطر عليها الحنان لايفارقها أبدا .صغيرته التي حملت عنه الكثير من
العبء حتى انها نسيت نفسها ونسيت أن تعيش شبابها ان تكون طائشة ان تلتفت لنفسها .
تخلت عن كل هذا في سبيله وسبيل اختيها . كانت الاخت والام والصديقة في ان واحد
.. تن*د بتعب وهو يقول لنفسه( ربما قد حان الوقت لتعطي ريحانتك فرصة لنفسها .
اعاد نظراته لها وهو يتأملها وهو عاقد الحزم ( سوف افعلها لاجلك اولا .. فالوقت قد حان
لم تمض دقائق حتى استيقظت ريحان على ابتسامة والدها السمحة فبادلته الابتسامة لتساله ( ابي . كيف حالك الان
أشار لها بيده لتقترب منها ويجلسها بقربه يحاوطها بيديه ويداعب شعرها برفق ( رؤيتك انت واختيك تجعلني أقوى رجل في هذا العالم
قبلت يده بحب قائلة ( حفظك الله لنا
تابع وهو يراقب تؤمه النائم وعلامات التعب واضحة عليهما ( التوأم يبدو متعب جدا ريحانتي
تتبعت نظراته وهي تجيب ( كالعادة جوري امضت الطريق كله تبكي . وجودي صامتة من غير أي ردة فعل
هز رأسه بتفهم ( أنت تذكرين مكان شقتنا هنا اليس كذلك
أومأت له دون كلام حتى تابع ( جيد .. خذي الطفلتين الى هناك لينالوا الراحة التامة .. سيارتي بقيت عند باب المستشفى يمكنك سؤال الاستقبال عنها .. لتستخدميها
هزت رأسها وهي تجيبه ( حسنا سافعل كل هذا ولكن سوف ارى الطبيب اولا
نطق وعقله في مكان اخر ( حسنا .. عندما تنتهي من كل هذا تعالي الي اريدك في امر هام
....................
ضجة وضحكات تتعالى وبعض الصراخ يعلو ليتبعه ضحكة مجلجلة في المكان فهذه الحالة كلما اجتمع العم زياد مع ابناء اخوته
( لكن زياد كيف خرجت سليم من كل هذا
اعتدل في جلسته وهو يرتشف بعض من القهوة ليضع الفنجان فوق الصحن المخصص له ( حسنا ربما تكون آية متوحشة لكنها طيبة القلب . عندما قلت لها ان الفتاة سكبت العصير علي بالصدفة صدقتني
علت ضحكة يعرب وهو يقول ( اجل خالي طيبة القلب والدليل هذه العلامة الزرقاء على يدك
رمى عليه الوسادة بقوة ( هيه يا فتى ألم احذرك من قول خالي .. انظر لنفسك انت ضعف حجمي .
تدخل عروة ليقول ( ولكنك انزعجت من كلمة خالي ولم تنزعج من ان العلامة على يدك واضحة وبعد قليل سوف تجتمع العائلة .
وضع عروة يده على خده بتفكير ( اتسأل ماذا ستقول لجدتي عندما تسألك عنها . وكلنا نعرف جدتي كم تخاف على مدللها
نظر زياد برعب ليده ليتأكد من قولهم حتى نهض بخوف ( يا ألهي معك حق ... سوف اذهب لالبس أي شي ذو اكمام طويلة .. تكفيني حرب واحدة اليوم
وغادر مسرعا وضحكات الشباب تزلزل من خلفه .
حتى سال يعرب ( متى سيجتمع البقية
نظر عروة لساعة يده ( ساعة اخرى لموعد العشاء
اوما برأسه ليتابع شرب قهوته .
................
كانت تسير ب**ت نحو غرفة والدها فقد فعلت كما امر . ذهبت مع شقيقتيها لشقتهم ليرتاحوا وبعدها عادوا لوالدهم بعد ان تكلمت مع الطبيب الذي اخبرها أسفا ان حالة والدها لم تكن جيدة ولكن غسيل الكلى ربما يحسن من حالته . لكن يجب الاهتمام به جيدا لتفادي مشكلة اخرى قد تحدث .
دخلت لغرفته وكأنه كان بانتظارها لتقترب منه تقبل قمة رأسه حتى سالها ( ماذا حدث
هزت راسها بالنفي ( لقد تحدثت مع الطبيب وقال انك تحتاج لغسيل كلى
اوما براسه بايجاب ليسال ( اين التوأم
اجابته ( في مقهى المستشفى
هز راسه بتفهم حتى قال ( ريحان يجب ان تذهبي لمكان ما
سالته بعدم فهم ( الى اين
تن*د بتعب ليقول ( سوف اشرح لك كل شيء
..................
كانت تراقب المكان من بعيد .. اضواء الليل تغطي المكان .. تلك الياسمينة الضخمة تعربش فوق الحائط المقابل لباب المنزل .. لقد بدى منزل قديم ولكنه مليء بالدفء كما وصفه والدها .. نظرت عند مدخل الباب حتى رأت شجرة الليمون هناك . ابتسمت بحزن وهي تذكر كلمات والدها ( عند مدخل الباب زرعت انا واخي حسام شجرة ليمون .. يومها قال ابي انها ستكبر لتكون ظل لنا ويجلس معنا تحتها وأحفاده يلعبون حوله
تن*د بخوف وهي تشد يدها عند المقود ( يا الهي كيف سافعلها . انا خائفة
اخذت نفسا عميق لتعيد شعرها للخلف ثم تعيد ترتيبه بعشوائية .. ( حسنا ريحان .. كوني قوية
عند كلماتها هذه نزلت من السيارة قاصدة ذلك المنزل الضخم بخطوات بطيئة وخائفة .
وهي تقف عند الباب خائفة ( لا مجال للتراجع الان
وضغط جرس الباب ..
لم تمض دقائق حتى فتحت امراة في منتصف عمرها الباب لتسالها بسماحة ( بماذا اخدمك
اجابتها ريحان ( انا هنا لمقابلة السيد عمر الأزهري
ابتسمت المرأة لتسمح لها بالدخول وتشير اليها بالطريق الصحيح ... كانت تسمع الكثير من الأصوات .. ابتسمت بينها وبين نفسها وهي تذكر كلام والدها بان يوم الخميس هو يوم تجمع العائلة . نظرت حولها تراقب المكان حتى لفت انتباها صورة ضخمة لرجل في عقده الخامس وحوله أربع شباب وصبية جميله خمنت أنها الصورة التي تحدث عنها والدها حين قال ( عند مدخل بيتنا وضع والدي صورة ضخمة لي ولاخوتي وهو يقول انتم فخري وثروتي في هذه الحياة
اقتربت الأصوات منها كثيرا لتدرك أنها اقتربت من مكانهم .
حاولت ان تعيد ترتيب انفاسها الخائفة هي تصل لتلك الغرفة التي تضم الجمع لتدخل بعد ان سمحت لها المراة .
لقد كان يجلس هناك في الوسط وبقربة امراة مسنة .. خمنت انها زوجته . وحولهم رجال في عمر والدها وبعض الشباب حتى التقطت عينها عيني احدهم . لتتسع نظراتها بصدمة واندهاش وهي تمتم ( ولكن ما الذي يفعله هنا
كانت تراقبه وعلامات الدهشة مرسومة عليه والقلق .. لكن كلام المسن افاقها من صدمتها حين سال( بما اخدمك يا بنتي
ابتلعت ريقها بصعوبة لتنطق بهدوء وتوتر ( انا ابنة ادهم الازهري
حتى نطق الجميع بل**ن واحد ( ماذا
دخلت بهدوء تأخر قدم وتقدم أخرى .. خائفة منهم .. من المواجهة . ها هي لاول مرة منذ ست وعشرين عام تلتقي احد من عائلتها .
يحمل نفس كنيتها . يتشاركون نفس الدماء . جد وجدة . أعمام وعمة مشاعرها مرتبكة متصارعة فيما بينها .
هل تفرح لأنها سترى احد من عائلتها .. ام تحقد عليهم لأنهم نبذوا ابنهم طوال هذه السنين .
هل تظهر ضعفها ، ام عليها ان ترسم تلك الابتسامة التي اعتادت ان ترسمها منذ وفاة والدتها .
اقتربت أكثر حتى أصبحت تقف في وسطهم . الكثير منهم للحقيقة .
لم تستطيع أن تتعرف إلى أحد .. هل هذا عمها أم زوج عمتها . وتلك هل هي عمتها أم زوجة عمها .
تن*دت بحزن وهي تنقل بصرها باتجاه تلك الصبية الجميلة ولتكن صادقة هي البنت الوحيدة بينهم والباقي شباب تأملت وجوه الجميع بنهم لتحفظ كل تقسيمة من تقاسيم وجوههم حتى رأته هو ..
نعم هو . ( هل هي تحلم .. هل تعبها وحزنها على والدها جسده أمامها .. لا هذا مستحيل .. لقد كان هو ولكن ماذا يفعل هنا .. لماذا هو بهذا المكان .. من بين كل الاماكن في كل هذا العالم يكون هنا .. بين اهلها
حاولت قدر الإمكان اقتلاع عينيها عنه لتتجه إلى ذلك العجوز .. صاحب الوقار كما وصفه ابيها ( لقد كان والدي يصر علينا ان نجتمع كل يوم خميس . كان يحب ان يتوسطنا .. كان يجلس على كرسيه الخشبي المعشق بالصدف . ليعطيه هيبة لم تخلق لغيره .. يجلسنا حوله يناقشنا . يضحك معنا . ثم يتركنا ليغادر لمكتبه ونحن نكمل سهرتنا بين ضحك و***ب
بالفعل كان مهيب لدرجة تدعو للانبهار .
هالة القوة تسيطر عليه رغم سنوات عمره الطويلة .
لم تستطيع أن تحافظ على هدوء نبضاتها فعينيها انتقلت لمعذبها لتصيد ردة فعله .
بالفعل كانت كما توقعت .. متفاجأ ومصدوم . وكأن لعنة السماء كلها حلت عليه .. جلبت ابتسامتها الباردة من اعماقها لترسمها على محياها .. فلاحظت غضبه الذي ارتسم في عينيه بسبب تلك الابتسامة ..
حتى انتشلتها كلمات جدها من هذه المعركة بين ابتسامتها المستفزة ونظراته الغاضبة وهو يقول ( بماذا اخدمك يا بنتي
ابتعلت غصتها من لفظ ابنتي وتن*دت بعمق لتقول ( أنا ابنة أدهم الأزهري
رأت الدهشة ترتسم على الجميع حتى أنها تكاد تقسم بأن جدران الغرفة وأثاثها صدم لصدمتها فيها لينطق الجميع بصوت واحد ( ماذا ؟
سيطر الخوف عليها لتبتلع غصتها مرة أخرى وتعيد كلماتها بتوتر ( في الحقيقة أنا ابنة ادهم الأزهري وقد جئت .
لم تكد تكمل كلماتها حتى اقتربت منها السيدة العجوز والدموع في عينها ( هل هذا حقا .. انت ابنة ادهم
اقتربت أكثر منها حتى كادت أن تلمسها لكن شيئا ما منعها لتضم يديها لص*رها وهي تبكي ب**ت ..
لتنقل نظراتها لزوجها ثم تعيدها لريحان لتسألها مرة اخرى ( أنت ابنة ادهم
هزت ريحان رأسها ب**ت .
ليخرج صوت أحدهم ( هل حدث شيء لأدهم
نظرت لصاحب السؤال خمنت أنه في عمر والدها أو أكبر بقليل لذلك توقعت أن يكون عمها لتجيبه ( هو بالمستشفى
لتعود حالة الصدمة للجميع وبكاء جدتها يصبح اقوى وصوت نحيبها يصبح مسموع أكثر وكلمات غير منتظمة تخرج منها ( يا لحظك العاثر يا ولدي . ماذا حل بك
لينطق أركان أخيرا وهو يقترب من جدتها ليقول ( اهدأي جدتي لنعرف ما به عمي
*عمي ، جدتي إذن هو ابن عمي *
عادت للحدث بمخ نصف مغيب وجلادة اصطادها من اعماقها وهو يوجه كلامه لها بصوت هادئ ( هيا ريحان اجيبي ماذا به عمي
ابعدت نظراتها عنه لتقول ( لا شيء خطير وعكة صحية فقط .. سيقوم على أثرها بإجراء عملية غسل الكلى ..
( يا أخي الحبيب نطقت إحدى النساء والدموع تغسل وجهها .
لتتأملها ريحان وهي تخاطب نفسها ( حسنا هذه هي عمتي
لينطق جدها هذه المرة ( في إي مستشفى هو
عند سؤاله هذا استجمعت قوتها وهي تجيب ( حسنا .. ابي اخبرني ان اتي لهنا وأخبركم أنه مريض وهو يقول أنه لا يجبر أحد منكم ليزوره أو يشفق على حاله .. لأنه يريد عائلته المحبة وليست عائلة تشفق على ابنها المنبوذ . وهو في المستشفى الجامعي . اسمحوا لي
لتغادر بسرعة دون أن تلتفت أو حتى أن تنطق بكلمة أخرى تاركة خلفها الجمع ما بين مصدوم وباكي وحائر .
................
منذ ان دخلت وهو يراقبها لقد تفاجأ حقا بقدومها إلى هنا .
ما الذي تفعله هنا .. لماذا قدمت .. هل والدها بخير يا ترى .
كان يرى الحيرة والخوف في عينها حتى ابتسمت تلك الابتسامة الباردة له .. كم يكره ابتسامتها تلك ويكره أن يراها تعتلي شفتيها والآن تبتسم له بها .. كان يرغب بقتلها لكن سؤال جده انتشل فكرة القتل من عقله ..
ليتهيأ لردة فعل العائلة لقنبلتها التي ستنفجر بعد التعريف بنفسها . وبالفعل حدث ما كان يخافه ولكن دموع جدته وهدوء جده الغريب أنقذ الوضع .
ليقترب من جدته يحتضنها بجسده وهو يخبرها أن تتكلم .
وفجأة تغادر كما أتت . لم يتحمل عقله فكرة مغادرتها ليلحق بها تاركا الجميع خلفه .
رأها قرب باب البيت تهم بالخروج ليمسك يدها يمنعها وهي تلتفت له ( ماذا
سألها ( إلى أين ذاهبة
خلصت يدها من بين يديه ( اعتقد أنني أخبرت الجميع أن ابي في المستشفى
رد عليها بغضب ( ريحان .. لا تتكلمي معي بهذه الطريقة ,
كتفت يديها ببعض فوق ص*رها لتسال ( وكيف اتكلم
أجابها ( هل تعلمين ماذا فعلت منذ قليل
هزت كتفيها بلا مبالاة لتجيب ( لا يهمني .. والآن عن إذنك . ونظرت إليه بنظرات متفحصة له لتكمل ( يا ابن عمي
لتغادره تاركة إياه يقف ب**ت وكأنها صفعته بقوة ... ليستفيق على يد عمه التي حطت على كتفه ( هل قالت شيء
هز رأسه بالنفي ليجيب ( إلى أين عمي
أخبره عمه ( جدك أمرنا بأن نحضر السيارة ليذهب لعمك في المستشفى
مشى مع عمه للخارج ( سوف اذهب معكم
...................
في الأعلى وبعد مغادرة ريحان المكان سقط الجد فوق الكرسي خائر القوة وكأنه كبر عشرين عام في لحظات .. كان منهار تماما .
معرفته بان ابنه في المستشفى . رؤيته لحفيدته وهي تزف لهم الخبر بلؤم وحقد لتغادر ببساطة .
أخبره أنه ارتكب أكبر خطأ في حياته عندما نبذ ابنه من حياته .. اقتربت زوجته منه لتقول ( ابني يا عمر , ابننا
هز رأسه بتعب ليخبر ابنه ( أيهم خذني لأخيك
أجابه أيهم فورا وهو يقف ( ثوان وتكون السيارة جاهزة
ليغادر بسرعة ... وتبدأ والدته بالبكاء ( لتحمي ابني يا الله
لتعود بنظراتها لزوجها وهي تقول ( رأيت ابنته جميلة جدا ..
أومأ برأسه وعقله غائب ( وتشبه ابيها كثيرا
لتنخرط بجولة جدية من البكاء وهي تدعي لابنها وتبكيه
..........
جلست في سيارتها تعيد ترتيب نبضات قلبها .. افكارها .. صدمتها .
منذ لحظات كانت تقف في منتصف فيلم غموض بالأصح فيلم رعب . لقد جابهت عائلة والدها جميعا .
قالت كلمات والدها التي قالها وهو يبكي بلؤم حقيقي .
نعم هي ليس لها ذنب بكل هذا .. لماذا يجب ان تنقل ضعف ابيها لهم . شوقه . حرقته .
كانت فرصتها لتنتقم له وفعلا انتقمت .
نعم تشعر بقليل من الذنب فابيها قال كلماته وهو يحترق شوقا لرؤيتهم ولكنها لم تستطيع ان تفعل ذلك وتخبرهم ان ابنهم الذي قذفتم به خارجا يحترق ليراكم .
ورؤيتها لاركان زادت حقدها حقد .. كان يجلس بينهم .. بيته .. اهله . بيته هو بيتها واهله هم اهلها .
ما هذا التناقض الغريب . كيف اجتمعت الاضداد في لحظة واحدة . كيف له ان يكون هنا .. يجلس بكبريائه المعهود .هل كان يبتسم لهم كما ابتسم لها . هل يضحك . هل ما زال دمه ثقيل ومزحاته لا تضحك ابدا . هل مازال حنون كما عرفته .
امسكت رأسها تشد شعرها للخلف من صدمتها وهي تنظر بمرآة السيارة ( يا ربي ارحمني .. ما كل هذا
تن*دت بتعب لتعيد ترتيب شعرها لتشغل السيارة حتى جمدت يدها عند مفتاح السيارة لتنطق وكانها قطعة جليد ( ولكن هل كان يعرف من انا .. هل هذا هو سبب ما فعل . هل هذا هو جواب السؤال الذي حيرها كل تلك السنوات ولم تقدر على أن تحله . هل يمكن أن يحل لغزها معه بهذه البساطة وتلك الصدفة
............
يحتضن جسد جدته الغض ودموعها التي لم تتوقف منذ أن غادرت ريحان المكان وقرر جده الذهاب لعمه وهو أصر أن يذهب معهم .. من كان يعتقد أن مثل هذا اليوم سيحدث وريحان ستكون في بيته أخيرا ولكن للأسف هي في بيته ونظراتها كلها حقد وكراهية لهذه العائلة التي يحب . وهذه الجدة التي يرى فيها كل حنية العالم وحبه بينما ريحان للأسف كانت تنظر لها بكره ورفض واضح جدا
فهل ستتغير هذه النظرة مستقبلا أم ان الأمور سوف تسوء أكثر مما يظن والأحداث سوف تتطور بشكل لا يتوقعه . كان خائف جدا يحاول أن يضع كل الاحتمالات التي قد تحدث بعد هذا اللقاء الغريب في الوقت الأغرب وهو أيضا
كان يريد أن يراها مرة أخرى رغم إيقانه التام أنه سيراها وكثيرا .. ولكنه يريد رؤيتها الآن . أخذ جدته لحضنه أكثر وكأنه يحمي نفسه من ابتسامتها المستفزة التي تكونت أمامه وكأنها حقيقة أمامه وذكرى ذلك اليوم تتجسد أمامه وهو يقول لها ( بالله عليك ريحان ..من اين تأتين بهذه الابتسامة الباردة
لتجيبه وهي ترتشف قهوتها مجيبة ( لما
لينظر لها بعتب ( أنها بغيضة وكأنك تقولي للشخص الذي أمامك أنت أحقر إنسان على هذه الأرض
لتعلو ضحكتها وشعرها يهتز وهو يغطي ظهرها ( وهذا هو المطلوب .الشخص الذي ابتسم له بهذه الطريقة يكون كما قلت بالنسبة لي
أخذ يتأملها ب**ت لتسأله ( لأي قارة وصلت
ليبتسم لها ( إذا كان هناك شخص تكريه فلا داعي للتعامل معه أساسا ..ولن تحتاجي لهذه الطرق الملتوية للتعبير عن كرهك
ابتسمت بهدوء وثقة طالما عشقها بها ( عزيزي أركان .. أنت لست مخير لتختار من تحب وتتعامل معهم وتتجاهل الباقي ... الحياة دائما ما تضع أمامك الكثير من الأشخاص فتكون مجبر للتعامل معهم والاحتكاك بهم .. فالأمر كله يعود أننا مسيرين ولسنا مخيرين في هذه الدنيا
نظر لجدته التي هدأت قليلا وأخذت بالدعاء وحاله يقول ( هذا يعني أنني أحقر إنسان في نظرك يا ريحان
ليتن*د بحسرة و**ت ويده تفرك يدين جدته يهديها القليل من القوة التي هو بأمس الحاجة لها الآن
.