الفصل الثاني

1570 Words
تضاعف شعور ساهر بالحرج و تشاغل بالنظر حوله  ثم عاد بعينيه إليها و هي تجلس كالأطفال اللذين يتركهم أباءهم مع دفتر رسم و علبة ألوان  كانت مستديرة بجزعها الى المكتب ترسم بسرعة , لكن مع الفارق  أن الرسوم لم تكن رسوم أطفال أبدا  بل كانت ماهرة بحق  تكلم ساهر أخيرا بعد أن بدأ يشعر بالانزعاج لتجاهلها له  فقال بهدوء  اعذريني لو لم أتعرف عليكِ المرة السابقة  أعني لم أعرف أنكِ ابنة السيد عبد السلام  لم ترد عليه , الا أنه لاحظ تباطؤ أصابعها عن الرسم حتى كادت أن تتوقف  فأخذ نفسا , عميقا وهو يرفع حاجبيه ناظرا لأعلى متن*دا دون صوت  لا يمكن لرجولته أن تخطئ اعجاب أنثى به مطلقا  صحيح أنه ليس من ذاك النوع من الرجال اللذين كلما نظرت إليهم أنثى ظنوها تراهم ك  توم كروز  الشرق لكن الحالة هنا مختلفة , سيكون عديم الخبرة تماما لو لم يلاحظ اعجابها الصامت به منذ سنوات طويلة  تذكره الآن بنفس التصرفات و التي لم تتغير مطلقا و كأن السنوات لم تمر  لكن الأمر يعجزه عن الفهم ! كيف لها أن تظل على نفس الإعجاب منذ سنوات ؟ أجفل ساهر حين سمع صوتها تسأله بصوتها الأجش و الذي يبدو أنثويا على الرغم من قوة نبراته   كيف حال نسيبة ؟ شك ساهر في أن تكون قد تكلمت , فصوتها كان خفيضا , كما أنها لم تلتفت إليه أصلا ! ضاقت عيناه وهو يدقق النظر بها  هل تكلمت ؟ نعم تكلمت و سألت عن نسيبة ! أجابها متفاجئا  نسيبة ؟ هل تتذكرين نسيبة ؟ لا أظنكما كنتما صديقتين و قد مرت سنوات عديدة ! ازداد انعقاد حاجبيها بعدم فهم و توقفت أصابعها مجددا  الا أنها قالت بعد فترة بخفوت ذكرتني في الاتصال  لم أجد صعوبة في التذكر  كان هذا دوره حين عقد حاجبيه بعدم فهم , ثم سألها قائلا بحيرة أي اتصالٍ تقصدين ؟ رفعت وجهها ببطء ثم التفتت اليه نصف التفاتة و هي ترمقه من تحت جفنيها المسبلين قليلا  ثم أجابت بحيرة مماثلة  اتصال طلب التوصية  تجمدت ملامح ساهر للحظات طويلة وهو يستوعب العبارة  ثم سألها ببطء اعذريني في الإلحاح أي توصية ؟ شحب وجه هويدا و هي تنظر اليه فاغرة شفتيها قليلا  ثم سألت باضطراب  هل قلت شيئا لا يجب قوله ؟ ازداد انعقاد حاجبا ساهر وهو يسألها سؤالا بسؤال و بنبرة خطيرة  هل اتصلت بكِ نسيبة طالبة منكِ توصية للعمل لدى السيد عبد السلام ؟ أطبقت هويدا شفتيها تماما و اتسعت عيناها بنظرة  لقد أفسدت الدنيا  و استمر كلا منهما بالنظر للآخر دون كلام  الى أن دخل عبد السلام من باب المكتب فجأة متكلما بصوتٍ عالٍ , مخاطبا أحد الموظفين بجواره  لكن و ما أن رأى ساهر و الذي سارع بالوقوف بتهذيب حتى هتف مرحبا بابتسامة عريضة مرحبا بالشبل  عقد ساهر حاجبيه قليلا , الا أنه مد كفه مصافحا فالتقطها عبد السلام وهو يقول منشغلا مع الموظف الواقف بجواره  لا تنسى يا عماد بالله عليك  لا أريد المزيد من أخطاء الهواة  أومأ الرجل برأسه بتهذيب مخاطبا في العديد من التفاصيل و عبد السلام يرد عليه دون أن يترك كف ساهر  و استمر الحوار الى أن خرج الرجل فسارع ساهر يقول  جئت كي  الا أن عبد السلام , تكلم مع هويدا بنبرة مداعبة ممازحة قائلا  فيما صدعتِ رأس الشاب يا طائر الهدهد ؟ فأنا أعرفك لا تتوقفين عن الكلام الا بطلقة م**ر تجعلك تقعين في سباتٍ عميق كالقردة زمت هويدا شفتيها و برقت عيناها محذرة و هي تقول بهمسٍ أجش من بين أسنانها  أبي ! الا أن عبد السلام ضحك و حول انتباهه الى ساهر سائلا بابتسامته البشوشة  هل قمت بتوقيع عقد العمل ؟  أجاب ساهر قائلا بسرعة  نعم يا سيد عبد السلام و جئت كي  لكن عبد السلام قاطعه مجددا وهو ينظر الى ساعة مع**ه  لقد مر اليوم سريعا  نحن مغادران , هل أنت مغادر أيضا يا ساهر ؟ شعر ساهر بالحرج البالغ وحاول سحب كفه كي يسرع بالمغادرة قائلا  نعم على الفور , لقد جئت فقط كي  الا أن عبد السلام قال ببساطة  عظيم , تعال معنا نوصلك في طريقنا أم أنك جئت بسيارة ؟  أسرع ساهر يقول مجفلا لا , لكن بالطبع لن  الا أن عبد السلام , تحرك يسحبه معه قائلا بصوتٍ آمر اذن هيا بنا , فأنا مرهق جدا  لكن و قبل أن يتحرك نظر الى هويدا و قال معبراً  هل هناك غرضا محددا من توصيل هذا السلك بأذنيكِ يا هدهد ؟ أم أنكِ تتواصلين مع كائنات فضائية مجهولة عن بعد ؟ انتبهت هويدا الى السماعات لا تزال في أذنيها فشهقت و هي تسارع بنزعها بقوة محمرة الوجه بشدة  بينما خرج عبد السلام من المكتب وهو يسحب ساهر معه متكلما ببساطة و عفوية  أما هويدا فوقفت للحظات ملوحة بذراعيها يائسة بعينين جزعتين ... لا تعلم كيف تتصرف , و في سيارتهما الفخمة , جلست بقنوط مستسلمة في المقعد بجوار السائق , بينما جلس والدها و ساهر في المقعد الخلفي و قد بدا ساهر مكرها على هذا التوصيل  هذا ما استطاعت رؤيته في المرآة الجانبية التي تنقل لها وجهه وهو يجلس خلفها مباشرة  ما الذي يفعله والدها بالضبط ؟ ظلت شاردة قانطة , يائسة الملامح الى أن فوجئت بنظراتهما تتلاقى عبر المرآة فانتزعت عينيها منتفضة و هي تخفض وجهها الممتقع بشدة بينما قلبها يخفق بعنف  كان الوضع في السيارة مربكا للغاية و التوتر يعم فوق رؤوس الجميع , على الرغم من اللحن الشرقي المنبعث من تسجيل السيارة  و عبد السلام يدندن معه بمزاجٍ متساهل مطالعا أحد الملفات عبر هاتفه الحديث  حين وجد ساهر أن ال**ت بات لا يطاق أكثر تكلم بصوتٍ حاسم قائلا  لم تتح لي الفرصة حتى الآن لأخبرك عن سبب قدومي لمكتبك يا سيد عبد السلام  رفع عبد السلام وجهه عن هاتفه ناظرا لساهر و عيناه في عيني الشاب بثقةٍ لا تحيدان , بينما يتابع دندنته دون توقف مما أثار أعصاب ساهر , فتابع قائلا مشددا على كل حرف  جئت أشكرك على سهولة و سرعة قبولي في الوظيفة , بصراحة لم أتوقع هذه المعاملة المتساهلة , لكن  **ت قليلا وهو يخفض وجهه للحظة , ثم قال بخشونة و بصوتٍ خفيض  لم يكن لدي فكرة حتى اليوم في أن  للأسف أنا في موقفٍ حرج للغاية و أنا آخر من يعلم , أن خطيبتي قد طلبت التوصية من الآنسة هويدا  انتفضت هويدا مكانا و لم تستطع منع نفسها من أن تستدير في مقعدها ناظرة اليهما بوجه ممتقع مصدوم الملامح  بينما عبد السلام يغني بخفوت ناقلا عينيه بينهما بنظرةٍ حادة  أما ساهر فقد تابع قائلا  و لو كنت أعرف مسبقا , لما قبلت أبدا استغلال سابق معرف*نا بالآنسة هويدا  لذا إن كانت خبراتي لا ترقى للمستوى المطلوب دون توصيات , فأرجوك اعفني من قبول الوظيفة  مرت بضعة لحظات من ال**ت بعد كلمات ساهر المفاجئة لا يقطعها سوى دندنات عبد السلام , المتطلع الى عيني ساهر القويتين على الرغم من الحرج البالغ الذي يشعر به في تلك اللحظة , لائما نسيبة على الموقف الذي عرضته له  ثم توقف عبد السلام عن الدندنة فجأة ليسأل بهدوء هل تظن أنني حققت النجاح من خلال إدارة ناديا اجتماعيا ذو أنشطة ترفيهية يعتمد على العلاقات الأسرية اللطيفة يا ساهر ؟ احمر وجه ساهر بشدة جراء هذا التوبيخ الخفي , فزم شفتيه بقوة للحظة ثم قال بصوتٍ مكتوم  عفوا يا سيد عبد السلام , لم أقصد أبدا كل ما الأمر , أنني فكرت إعفائك من  الا أن عبد السلام , قاطعه مجددا , قائلا بنبرة عالية  يا محروس , أسمعنا شيئا مبهجا بالله عليك  و كانت تلك إشارة إنهاء الموضوع بطريقةٍ أكثر تسلطا من إصدار الأمر المباشر  فنظر كلا من ساهر و هويدا الى بعضهما ب**ت ,و كانت عيناها ممتلئتان بالذنب و الاعتذار  و عينا ساهر محرجتان , قاتمتان  لكن مع استمرار نظره لها شعرت بالارتباك يغزو كيانها فسارعت تستدير عنه تتنفس بعدم ثبات , الا أن ملامحه كانت منع**ة في المرآة مجددا , و عيناه تنظران لها  فابتلعت ريقها بحلقٍ متوتر مخفضة عينيها بسرعة  أما محروس سائق السيارة قال وهو يختار أغنية شعبية حديثة  هكذا أنت يا سيد عبد السلام أختار الهادئ , تطلب المبهج , أعرض لك المبهج المتراقص لمدة دقيقتين , فتأمرني ضائقا أن أرتقي بذوقي و أختار شيئا هادئا بعد أن تكون قد غنيت نصف الأغنية ووجدت أذنك لا تنسجم معها  ارتفع حاجبا ساهر وهو يسمع طريقة مخاطبة السائق لعبد السلام , الا أن دهشته زادت أضعافا وهو يسمع رد عبد السلام على سائقه  ا**ت يا ولد يا محروس و دعنا نسمع ما اخترت , أفسدت آذاننا بذوقك الذي تفرضه علينا كل يوم ... حتى عانينا الخلل في مزاجنا الخاص أومأ محروس برأسه علامة الاستهجان وهو يتمتم  نعم , نعم  ذوقي أنا  و **ت للحظات ثم تمتم بصوتٍ هامس مخاطبا نفسه  ثلاثة , اثنان  و ها هو سيبدأ  و بالفعل بدأ عبد السلام في دندنة الأغنية عائدا بانتباهه الى شاشة هاتفه يطالع الملف الذي يحمل مئات الألوف ببساطة  تكلم ساهر بصوتٍ خفيض  أستطيع النزول هنا سيد عبد السلام , فبدئا من هذا الطريق ستبدأ الأزقة الغير ممهدة و قد لا يتسع بعضها للسيارة  لكن عبد السلام ظل منكبا على ما يقرأ مدندنا و كأن ساهر لم يتكلم من الأساس  فزم شفتيه شاعرا بالاستياء و على الرغم من ذلك شعر ساهر أنه يجلس بجوار النسخة المذكرة و الأكبر سنا من هويدا تماما  رفع عبد السلام وجهه بعد قليل وهو يغني بطربٍ أفضل بكثير من صوت ابنته  فأجفل ساهر وهو ينظر إليه متوجسا و عبد السلام ينظر اليه ملوحا بأصابعه ببطء و كأنه يعزف على العود . و سرعان ما شاركه محروس بصوتٍ خفيض مما جعل ساهر ينظر أمامه الى السائق بذهول  ثم بدا أن الاثنان يملكان القدرة على توحيد صوتيهما في نغمةٍ شرقية واحدة  حتى علا صوت محروس في نبرةٍ أوبرالية مبتهجة  و استمر الغناء في السيارة , فنظر ساهر الى هويدا في المرآة عن قصد هذه المرة وهو يسألها بملامحه عما يحدث ؟ و كانت هي مكتفة ذراعيها عابسة بشدة مستسلمة و كأنها اعتادت الأمر طويلا فهزت له كتفها أنه لا أمل الا الانتظار حتى تنتهي هذه الأغنية  و على الرغم من الوضع المشحون الذي يمر به الا أنه  ابتسم 
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD