لحظة فارقة فى العمر
أشرقت الأرض بنور ربها وأرسلت أشعتها الذهبية إلى كل الخلوقات
لتعلن عن بداية يوم جديد يحمل معه الأمل للقلوب البائسة والسعادة
لمن لا تعرف حياتهم الا الشقاء
استيقظت الأستاذة سميرة من نومها عند الفجر وأدت صلاتها وقرأت ماتيسر
لها من آيات الذكر الحكيم والأذكار اليومية كعادتها وكان اليوم الذى لا تصحو فيه تشعر بخيبة الأمل طول اليوم حيث يفوتها الدعاء اليومى لأولادها ثم دلفت إلى المطبخ لتقوم بطهى طعام الغداء للأسرة كعادتها قبل ذهابها للعمل فوضعت الطعام على الموقد وقامت بتجعيز الإفطار لزوجا وبناتها .
كانت سميرة موظفة على الدرجة الأولى تحمل شهادة جامعية متخرجة من كلية الفنون الجميلة وتكفل حظها بأن تعمل فى وظيفة لا تمت لدراستها بصلة ونظرا لإحتياجها للإستقلال المادى قبلتها على مضض وقضت عشرين عاما فى هذه الوظيفة عسى أن تظهر لها وظيفة أخرى تتناسب مع دراستها وموهبتها . كما أنها تزوجت كريم وعاشا فى هذا المنزل منذ زمن طويل.
كانت بداية اليوم عادية ومن غير المتوقع أن يحدث فيه مفاجآت تقلب كيان سميرة وأسرتها بالكامل.
إتجهت الى حجرة النوم وهى تجفف يديها فى المحارم الورقية ثم دخلت لتسمع المذياع كعادتها وفى تمام الساعة الثامنة صباحا سمعت نشرة الأخبار فى إذاعة البرنامج االعام ولكن لفت انتباهها الخبر الذى أذيع عن رحلة فى مدرسة التوفيقية الثانوية وكانت متجهة إلى الفيوم بالأمس وقد فقدت أثر 4 فتيات سافرن فى الرحلة ولم تعثر السلطات على أثر لهن برغم تكثيف جهود البحث وجارى استكمال التحقيقات بهذا الشأن .
سقطت زجاجة الماء من يد سميرة وصرخت إبنتيَّ وقلبها يقفز من بين ضلوعها فهرع زوجها كريم إليها صائحا ما بكِ ؟
ماذا حدث؟
الرحلة.. البنات ..يوجد فتيات مفقودة سمعت الخبر فى الإذاعة الآن
كيف ومتى ردى أرجوكى ؟
عقدت المفاجأة ل**ن سميرة ولم تجب وفى الحال اتجه الى التلفاز ليقف على أى خبر ويعرف ما حدث ، ففوجىء بالأخبار تذاع فى التلفاز بنفس الكيفية مع صور لحافلة الرحلة وأحد المشرفين يقول لم نقصر ليس ذنبنا كنا معا جميعا لم نفترق وفجأة اختفت الفتيات الأربعة ولا شبهة لعملية ا****ف .
سقط قلب الأب فى قدمية من الخوف وجرى لزوجته ليخفف من حدة الصدمة فوجدها فاقدة للوعى .
فى هذه اللحظة دخلت ابنته الكبرى فريدة وهى تصيح بابا ماما أما علمتم بما جرى كل الناس تتحدث عن الرحلة التى ذهبت فيها غادة وآية أخواتى وإختفت فيها 4 فتيات.
الأب : كيف عرف الناس كل هذا ؟
فريدة من مواقع الفيسبوك وتويتر يابابا
هيا سريعا والدتك مغشيا عليها منذ علمت من الإذاعة هيا لننقلها إلى المستشفى.
أسرعا معا حاملين الأم ووضعوها فى السيارة بسرعة واتجهوا إلى أقرب مستشفى لإسعافها
فى الإستقبال تم التحرى منهما عن صلة القرابة بينهم وبينها وعن ما حدث بالتفصيل ، ثم طُلِب منهم البقاء بالخارج لحين إتمام الفحص السريرى الأولى عليها فاستجابا وانتظرا النتيجة فى الخارج .
وما إن كشف عليها الطبيب حتى طلب من الممرضات سحب عينة دم لإجراء تحاليل السكر والكوليسترول وغيرها
وفعلا تم أخذ العينات للتحليل وأخبرهم الطبيب أنه سيمر عليها لاحقا عندما يرى نتيجة التحاليل كما أمرهم بعدم الدخول اليها لحين الانتهاء من تقرير الحالة .
مرت الدقائق عليهما ثقيلة الأب شارد يفكر فى ابنتيه اللتين ذهبتا فى الرحلة جُل ما يخشاه أن يكونا من الفتيات المفقودات ويفكر فى زوجته التى سقطت بين الحياة والموت ولا يعرفون كيف يطمئنونها بعدان تفيق وإبنته فريدة فتاة الثانوية العامة التى لا تكاد تفرغ من الدروس الخصوصية والواجبات ولا تتحمل أى تغيير فى حياتها فى هذا الوقت بالذات.
ما إن رجع الطبيب حتى قام كريم وفريدة يسألاه عن نتيجة التحاليل فقال أنها جيدة وطلب من الأب شرح ما حدث بالتفصيل قبل أن يقرر الحالة.
أخبره كريم بالخبر الذى نزل كالصاعقة على الأسرة وبأنها ما إن سمعته حتى سقطت مغشيا عليها .
فتوجه الطبيب لغرفة المريضة وبعد دقيقتين أخبرهم أنها قد فاقت ولكن م***ع الكلام معها
فنظرا إليها من بعيد والدموع تترقرق فى عينيهما.
ثم أخبرهم أنها تعانى من إنهيار عصبى ويلزمها الراحة التامة وم***ع عنها الزيارة تماما وأعطاها مهدئا لتنام.
سأل كريم ابنته :
هل أذاعوا أسماء الفتيات المفقودات
فأجابت : ليس بعد يا أبى
فقال: سأذهب إلى المدرسة لأعرف كل شىء
اتجه الأب الى المدرسة فورا ليعرف التفاصيل بينما ظلت فريدة فى المستشفى وهى ممتقعة اللون ترتعد من الخوف على والدتها وإخوتها
ثم تذكرت أن تتصل بخالها ليأتى ويكون بجانبهم فى المشفى ربما طلبوا شيئا وهى لا تجيد التصرف فى هذا الموقف.
فرد عليها خالها أحمد أنه سوف يأتى إليها حالا.
وبعد نصف ساعة جاء خالها أحمد خائفا على أخته وكان يردد اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكنا نسألك اللطف فيه
وجلس مع إبنة أخته يستفهم منها عن كل ما حدث وكيف دخات أخته المستشفى ولماذا.
أخبار الرحلة
جلست غادة الأخت الوسطى لفريدة فى حجرتها فى الفندق الذى نزلت فيه الرحلة تبكى وكانت فى حالة مزرية يبدو عليها علامات اليأس وقد فقدت الأمل فى عودة أختها الصغرى آية وأغمضت عينيها وبدأت فى استعادة شريط الأحداث الذى مر بها كيف حدث كل هذا ولماذا ومن المخطىء ثم أخذت تتذكر كل شىء.
بداية الفكرة
هن ثلاثة فتيات تتراوح أعمارهن بين العاشرة والسابعة عشرة يدرسن بمراحل التعليم المختلفة
الأولى فريدة فى الثانوية العامة والثانية غادة خمسة عشر عاما فى الصف الأول الثانوى وأماالصغيرة آية فى الصف الخامس الإبتدائى . أما الأب كريم فيعمل موظفا فى إحدى شركات المحمول ويعود من عمله فى تمام الساعة السابعة مساءً.
مرت الأيام بالأسرة بصورة عادية وهادئة وكانت الفتيات تتمتعن بقدر
من الأخلاق والذكاء أضفى عليهن تميزا وجمالا وجاذبية وروحا مرحة
وفى أحد الأيام عادت غادة من المدرسة تثب من على الأرض من الفرحة وتحمل فى عقلها أجمل الأمنيات ثم قالت لوالدتها أنها تريد أن تشترك فى رحلة المدرسة إلى مدينة الفيوم وذلك فى الأسبوع المقبل وفى الحال أخبرتها والدتها أن حفل خطوبة ابنة عمها فى نفس يوم الرحلة
وأن عليها أن تحضر مع الأسرة خشية أن تغضب منها ابنة عمها
حاولت غادة التفاهم مع والدتها وأقناعها أن يحضر الجميع بدونها ولكن أمها رفضت وأصرت على حضورها.
فحزنت غادة وقالت:
لماذا يحدث ذلك؟ الحفل فى نفس يوم الرحلة ؟
هكذا حظِّى دائما
ودخلت غرفتها ورفضت تناول الغداء وفور عودة أخواتها من حصص الدروس الخصوصية قالت أمهم :
يا فريدة قولى لأختك أن هذا لا يصح إذا غبت عن حفل خطوبة إيمان إبنة عمكم سوف تغضب منها وربما فهمت الأمر بصورة أخرى على أنها تشعر بالغيرة منها لذلك لابد أن تحضر .
قالت فريدة : سأخبرها يا أمى لا تقلقى .
غادة عاقلة ولن تعصَ لكِ أمرا.
ثم إتجهت إلى غرفة أختها فوجدتها جالسة على الفراش وقد اغرورقت عيناها بالدموع، فقالت فريدة:
مابكِ يا حبيبتى لماذا تغضبين أمى؟
قالت غادة لأختها:
منذ متى وأنا تتحقق أمنياتى منذ متى وأنا أجد من يهتم برأيى فى ما يخصنى وصلت خمسة عشر عاما ولم أذهب فى رحلة مدرسية واحدة حتى.
وبكت فحاولت فريدة التخفيف عنها وقالت لها أرجوكى لا تغضبى ماما أنتِ تعلمين أنها ضغطها يرتفع من أقل غضب وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ولكن غادة ظلت تبكى لأنها تتمنى أن تصطحب صديقاتها فى نزهة مثل هذه منذ زمن ولم تحن الفرصة الا فى هذه الرحلة .
وفى النهاية تركتها وعادت لتذاكر دروسها .
وفى النهاية رضخت غادة لرأى أمها ولم تتحدث فى الأمر.
مرت الأيام سريعة عليهم جميعا بطيئة على غادة وإن كانت حالتها قد تحسنت قليلا وتقبلت الأمر الواقع .
وجاء يوم الحفل المنتظر .
ارتدت الفتيات أفخر الثياب غير متبرجات فكانت ثيابهن تشى بالأخلاق الرفيعة التى تربين عليها .قالت فريدة كان يجدر بى ألا أحضر لدى إختبار فيزياء غدا وأحتاج لكل دقيقة .
فردت عليها آية :
مناسبة وجاءت إلينا فهل نتركها ؟
حتى تخرجى من حالة الخوف والتوتر المسيطرة عليكِ
وتنسى ولو قليلا ًالإختبارات.
فابتسمت فريدة وربتت على كتفها وقالت أتمنى ذلك.
وحضروا جميعا الى الخطوبة بما فيهم غادة التى ظلت واجمة تفكر ولا تتحدث إلى أحد أثناء الحفل.
عندما عادوا للمنزل بعد إنتهاء الحفل
دق جرس الهاتف
فردت آية :أهلا حنين سأدعو غادة لتكلمك حالا.
بعد ثوانى عادت غادة وردت على الهاتف وقالت :
أهلا حنين
معقولة ماذا قلتِ؟ لا أصدق
نعم نعم أكيد مع السلامة
ثم طارت غادة من الفرح وحدثت والدتها على الفور قائلة يا أمى لن تصدقى
الأم:ماذا حدث؟ وهى متعجبة
غادة: الرحلة لم تذهب اليوم وقد تأجلت ليوم الخميس
الأم : ماذا معقول! ولما؟
غادة: الحافلة تعطلت قبل الرحلة بساعة وفشلوا فى اصلاحها
آية : هل ستذهبين يا غادة؟
غادة: طبعا ربنا يحبنى ولا يريد أن ي**ر بخاطرى
عادت الأم تقول: تمهلى قليلا لكى أفكر
غادة:
ستوافقين بإذن الله يا حبيبتى وقبلتها من وجنتيها
الأم: تمهلى قليلا ما زلنا متعبين من الحفل ‘غدا سوف نتحدث فى الأمر
غادة : ماذا أيضا لم أكن أتخيل أن يدبرها الله بهذه الطريقة
وسوف أسأل أبى هذه المرة ثم جرت تجاه حجرة أبيها وطرقت الباب
صائحة :
أبى أبى ما رأيك تأجلت الرحلة أريد أن أذهب
فابتسم كريم قائلا:
طبعا أوافق ونادى قائلا:
يا سميرة لا تنكدى على البنت دعيها وشأنها
عندئذ قالت الأم :
دعنى أرى جدول الدروس أولا ربما فاتها درسا لايمكن تعويضه .
لاتخافى يا ماما سوف أحضر مع مجموعة ثانية كما ستفعل كل الطالبات قالتها غادة
وأمام كل هذه التوسلات لم تجد سميرة بدا مما ليس منه بد
ورضخت الأم لرأى الجميع ووافقت
فى نفس الوقت أخذت أختها الصغيرة
تفكر لو كان هناك مرافقين فى الرحلة فلما لا؟
فى يوم الأربعاء صباحا كانت آية تبكى وتقول :
أستحلفك بالله يا ماما أذهب مع غادة والأم ترفض حتى تدخل الأب كالعادة وأنهى الحوار موافقا على سفر الفتاتين برغم تبرم الأم وقلقها ورفضَها أن تصدق ما يحدث.
الرحلة
جاء يوم الخميس واستعدت الفتاتان للسفروقامت كل منهما بإعداد حقيبة السفر بما فيها من ملابس وأطعمة وعصائر خصوصا أنهما ستمضيان ثلاثة أيام هى كل مدة الرحلة ولم تنسيا وضع الهاتف النقال الذى يحتوى على كاميرا 13 ميجابي**ل لضمان الصور الرائعة لكل مكان سوف يذهبون إليه ، وقالت غادة أتعرفين يا آية هذا الهاتف أهم عندى من الطعام والشراب ألا تعرفين أن الزمن سوف يتوقف عند لحظات التقاط الصور فقالت لها آية كيف ذلك؟
فردت غادة: لحظة التصوير ما هى إلا تسجيل للحظات الزمن كلما مررنا عليها فى المستقبل إستعدناها بكافة تفاصيلها وشعرنا نحوها بالحنين.
وفى تمام الثامنة صباحا ،كانت الفتيات جهزت كل شىء واتجهت إلى المدرسة وكانت الحافلة تنتظر الجميع أمام المدرسة حيث تجمعت كل الطالبات والمشرفات والمشرفين وبعد حوالى ساعة كانت الحافلة تشق طريقها بين المئات من السيارات متجهة صوب محافظة الفيوم حيث المكان المتفق عليه للرحلة .