أجمل يوم
نعم أجمل يوم ولكن دائماً البدايات أجمل . أشفق عليه لأنه طلبني للزواج بأول يوم إلتقاني, أشفق عليه لأني أخدعه, أشفق عليه لأنه يحمل تلك البراءة ويدعي أنه ضابط وجاب العالم أجمع, أشفق عليه لأنه لا يجد نفسه وسيمَ؛ لابد أن أحدهم أنزل ثقته بنفسه للحضيض ولابد كذلك أن تكون الزوجة السابقة الفاعلة, ولما تركتُ الشفقة وجدت الحب, لا ليس حباً فليكن الإستحسان لا أريد أن أكون بريئة مثله و أطمع بحبه و الزواج منه و سكن شقته على بحر الزقازيق بعد أول لقاء .
وجيه أول رجل ألقاه بحياتي و ينظر إلى عيناي, لم يحاول لمسي عامداً أو أبدى أنه ليس متعمداً, يعرض علي زواج حقيقي و شقة حقيقية وليس زيجة سريعة يا جميلة في شاليه العين السخنة المصيفي و السري على الزوجات كما يحسب السائل, و من ثم لكي تحياتي للأبد مع مبلغ مالي لا يقدر جمالك الآخاذ .
أنظر للخلف أجده ترجل من سيارته الأنيقة والمعدلة بالكامل على أحدث الطرز و يتخذ طريقه إلي فعلمت أن نظرتي به خابت فقد أتى للمس متعمداً متلصصاً بمدخل بنايتي وهناك فضيحة جديدة على الطريق ولكنه كان ممسك بهاتفي النقال, مبتسم و يقول :
- نسيتي موبايلك .
- ميرسي .
تناولت منه هاتفي و إنتظرت عودته لسيارته إنما لا أجده يعود أدراجه فأقول :
- شكرا يا وجيه رووح.
- هستناكي لما الاسانسير يجي .
- ليه ؟
- عشان أطمن عليكي.
إستدعيتُ الأسانسير و إنتظرت معه بينما أتكتم على ضحكاتي بالكاد, و أستمع لثرثرته بكل شيء لملئ فراغ الإنتظار :
- حلوة العمارة بتاعتكوا .. مريحة .. مدخل العمارة بتاعتي أكبر و رخام و مرايات و فيه إتنين أسانسير .
مسكين, يظن أن شقته أفضل ما به من خصات فقلت مسايرة :
- اوكيه .
- هو ميعادنا إمتي بكرة ؟
- 11.
- تمام .
وليتكمل جمال اليوم أجد خطيبي السابق يترجل من سيارته المتكهنة و يدلف من باب العمارة عيونه علي ثم على خطيبي المزيف الغير مشتت نهائياً, فوجهته عيناي بلا تملل والإبتسامة الودودة على وجهه.
- مين ده يا سارة ؟
تحولت عن عيون وجيه لخطيبي السابق و قلت بحنوً زائف :
- وانت مال أمك .
خطيبي السابق يبدي غضاضة ولكن ليس من سبابي الموجه للوالدة باشا خاصته ولكن غيرة من وجيه لأنه أكثر وسامة و فحولة منه حيث قال :
- العمارة دي محترمة و مش أي حد ...
قاطعه صياح وجيه الحاد :
- ما تعليش صوتك .. انا خطيبها إنت اللي مين و إزاي بتقولها يا سارة كده من غير ألقاب ؟! مين ده سارة ؟
ارتعدتُ لصياح وجيه كما خطيبي السابق, تحول وجيه المفاجئ أذهلني خاصة لو كان هذا التحول موظف لصالحي, الهدوء و العذوبة بصوته ذهبا أدراج الرياح و تحول لثور كما يرى حاله.
نظرت لخطيبي السابق بإذراء تحول لسعادة فائقة لحاله المرتعب وقلت بدونية :
- ده my ex fiancée سابني عشان معرفتش أجيب تلاجة 18 قدم وخطب جارتنا وبقه بقرنين 20 قدم .
قال خطبيبي السابق متعجباً و كأن ذلك لم يحدث :
- انا يا سارة ؟!!!
- لا أمك .
ثم وجيه وهدوئه الآسر يعود من جديد ليقول :
- خلاص يا سارة لو سمحتي .. إتفضل حضرتك الأسانسير جه لو كنت طالع .. و من فضلك ما توجهش أي كلام للأنسة سارة بصفة نهائية .
عاد التحفز لنبرة المرتعب و خاطب وجيه :
- وانت تطلع إيه من دون البشر عشان تكلمني من أساسه انت ما تعرفش انا مين ؟!
مِلت لوجيه موضحة بسخرية :
- ظابط في المرور بيدهن اللوحات المعدنية أصله فنان .. بيسموه فان كخ المرور .
إستجاب وجيه لمزاحي وضحك بشدة ولما هدأ قليلاً مد يده لمصافحة اللعين وقال معرفاً عن نفسه :
- طيار مقاتل وجيه عبد المعطى .
- نقيب ؟
- رائد انا مش صغير .. قصير بس .
وحينها ضابط المرور المغرور صافح وجيه بكل بأريحة بينما يقول بحماسة:
- أهلا وسهلا يا فندم .. نورت العمارة .. نقيب ياسر حلمي المرور.
ثم تركنا ياسر مدحراً صاغراً و لم أراه على تلك الحالة من قبل مما جعلني أقول لوجيه بتعجب :
- انت جامد بقه ؟!
إنما يبدل الحديث و يقول بتقزز :
- كنت مخطوبة لده ؟!
- هبقى أحكيلك بعدين يا وجيه .. و انت كمان بطَّل تقول لأي حد في الشارع إنك خطيبي .. أكيد هيطلع لميسو يحكيلها تقدر تقولي هقولها إيه ؟!
عيناه لها لغة خاصة, تعلمتها في ساعات قلائل, و لمعتها الآن تنم على مطلب قادم سوف يسألني إياه في رجاء كما قال الحين :
- ما انا قولتلك يا سارة انا مستعد أجوزك.
قلت و قد نفذ صبري :
- رووح يا وجيه بليز .
وتركته متحيراً كما وجدته و لا ذنب لي. دلفتُ للمصعد للطابق الرابع لأجد السخيف بإنتظاري فلابد أن يمارس دوره في الحياة كاملاً و يعرف حقيقة خطبتي المفاجئة تلك لأنه ظابط حقيقي و ليس مثل وجيه لأنه ضابط شرطة .
- و إتخبطتي إمتى إن شاء الله ؟
- وانت مالك يا بارد يا رزل زي خطيبتك ..
ثم هتفت بخطيبته المتللصة من خلف بابها المقابل لباب شقتي :
- ما تخرجي يا ختي تلمي زبالتك من على السلم و بطلي بص من ورا البيبان.
خرجت اللعينة إبنة البقال المترف, مرتدية الملابس المثيرة للخطيب تنظر لي في إذراء و تقول :
- بتنادي يا سارة ؟
- سم على دمك .. إستلمي الزبون .
دفعته ناحيتها بكل قوتي ودلفت لشقتي لأجد تحقيق أخر؛ أختي الصغرى سعيدة أو سيا للدلال قفزت من أمام حاسبها بينما كانت متربعة الجلسة على الأريكة, تقدمت مني تقول بلهفة :
- عملتي إيه مع الظابط ؟
- ماطلعش ظابط .
- اومال إيه ؟
- طيار .
- Wow lucky you
تحسب وجيه طيار مدني يقود الطائرات الخاصة بالركاب كالجامبو وما شبه, يقبض الرواتب الدولارية و بالفعل جاب البلدان أجمع فأحبط أمالها العريضة قائلة :
- مش من الطيارين دول .. من اللي بيطيروا بالطيارات الصغيرة اللي شبه الدبان دي .
بدى عليها خيبة الأمل و قالت :
- Shit.. المهم عرفتي توزعي ؟
إبتسمت بظفر وقلت بسعادة :
- بعت كل اللي معايا و بكرة عندي سيشن في مينا هاوس هاخد فيه 100 الف جنيه.
وحينها صرخنا فرحاً سوية وضربنا الأرض بأرجلنا في جذل ليأتينا صوت طنط حافظة ساكنة الطابق الثالث من أسفلنا تقول مهددة :
- يااااا سااااااارة .
وحينها أتندم على الفرح و الحزن بهذا البيت الكئيب وأخرج من باب الشقة أصيح بدوري بالعجوز بالثمانية و الثمانون و تأبي الموت لأن لديها مهمة لم تكتمل بعد؛ قتلنا حزناً في بيتنا :
- سوري يا طنط هنام خلاص ومش هنعمل دوشة .
وأعود أدراجي لأختي الصغرى أحكي لها عن يومي مع الطيار الطيب الوسيم ذو الجسد الرياضي الملتهب بالحرارة إنما يبدوا عليها التحير وتقول :
- هو عجبك و لا إيه وحمزة ؟
- ماله زفت ؟
- هتسيبيه ؟
- انا سيبته خلاص بعد ما إتخلى عني و هو عارف .
- بس هو المورد يا سارة إنتي نسيتي الدين ؟
- الدين هيتسد لكن اللي بيني و بينه خلص .
حمزة كان أول ضابط في حياتي فنحن عائلة تبحث دائماً عن مراكز القوى لأننا لا حول لنا ولا قوة, أبينا أنور مدين لنصف سكان مصر وبناته شريكاته فقد كان يستخدمنا كضامن ببعض الصفقات و من لم يجد أنور للسداد يبحث عن الضامن أي نحن . بنات أنور لهن صيت لاذع بكآفة أقسام الشرطة فعلي سبيل المثال لا الحصر لنا غرفة مجهزة بقسم شرطة المهندسين محل سكننا السابق لأن مأمور القسم تعاطف مع ثلاث فتيات يسحبن ليلاً من بيتهن و يلقون من أمامه حتى يظهر أنور للسداد أو السجن و أنور لم يظهر أبداً بأي مرة .
كان مأمور القسم يترك لنا مكتبه للمبيت إلا أن يظهر أنور, وعندما يأبى الظهور يتملك اليأس من السائل فيضطر لأخلاء سبيلنا بعد إلحاح من مأمور القسم المترأف بحالنا المريع .
حمزة كان ضابط قسم منطقة الخليفة و سمعنا شتى الأهوال عن هذا القسم ورأيتها بأعيني؛ أولاً لم يسمح لي بإصطحاب سيارتي وأصرت دورية الشرطة على حملي في - البو** - أمام الجيران, المدهش فتاة مثلي و في حجمي كبلت بالأغلال وكأن في وسعي الهرب من جمعٍ غفيراً من الرجال بل و الأكثر إندهاشا أمين الشرطة يريد مني أن أقفز من الأرض للسيارة النصف النقل المغلق صندوقها الخلفي من شأن نقل المجرمين أمثالي و حينها قلت :
- مش هعرف أركب وانا مربوطة .
فصاح بي :
- عايزاني أشيلك يا روح أمك .. إتنيلي إطلعي .
وبعد محاولات عديدة مني لم أنجح بالصعود للسيارة فلم يجد أمين الشرطة إلا دفعي من الخلف في إحدى محاولاتي للصعود فإنكببت على وجهي وسط أحذية باقي المجرمين المنف*جة إهترائاً على أصابعهم الغليظة المسودة بالقذارة ذو الرائحة المنفرة. أحد العساكر رأف بحالي و ساعدني على الجلوس بالسيارة و أظن نظر لي بأسى كنت في حاجة إليه, لأشعر أن أحدهم بالعالم يشعر بالأسى حيال بنات أنور .
لما وصلت القسم قابلتني نفس المعضلة؛ علي القفز من السيارة للأرض فبكيت من قلة حيلتي و حينها قابل أمين الشرطة بكائي بالتأفف و لعن النساء و الصباح و المساء الذي حمل له أوامر عمل تنص على جلب مثيلاتي من الفتيات الناعمات لقسم الشرطة. نفس العسكري الذي ساعدني الصعود ترجل قبلي وأمسك بيدي و طلب مني القفز مستندة إليه ولما قفزت هبطت بين ذراعيه و تلك القفزة كانت مكافأة أكثر من جيدة للعسكري فأظن كل الظن أن ذلك العسكري لم يلامس إمرأة ما حيى, فما إن سقطت بين أحضانه إلا و إنتفض و تكبد وجهه وبدى على محياه راحة ما بعدها راحة إنما تلك الراحة بددها صياح نفس أمين الشرطة السخيف :
- ما تخلص يلا, وهات البت اليابانية و إبقى اكتب عليها في النيابة الصبح.
وكأن كلمات أمين الشرطة لها مفعول السحر على العسكري الطيب لأنه تحول من الرحمة للتنمر فقد جذبني من ذراعي بعدائية وقادني لداخل القسم لأرى العجائب الغير طريفة بالمرة, أولاً الرائحة لا تطاق وكأنني بمرحاض عمومي كبير تغشاني رائحة النشادر وفضلات البشر بل و الح*****ت, برودة كاسحة وإن كنا شتائاً ولكن داخل القسم إنتظرت الجليد ليسقط على رأسي فقد كانت أطرافي الملفوفة في الأصواف تجهزاً للرحلتي المألوفة في إقسام الشرطة في حالة يرثى لها, كنت بالكاد أنقل قدم بعد أخرى والبرودة تلفح أكتافي من مرورنا السريع في ممر بارد رطب وكأن من ورانا الأسواط وتأمرنا بالرحيل. ثالثاً؛ المجرمين من أمثالي لا يشبهونني البتة فالرجال مرقفصين أرضاً في إذلال, ممزقين الثياب داميين الجسد, تعلو وجوههم الكدمات أما النساء إلتزمن السواد من عبائات سمراء ذو زخارف شرقية من الذهب و الفضة وأتربة الأرصفة أما الرؤوس ملتزمة بحجاب أ**د يظهر الكث من شعورهن المنتهكة من الصبغات الرديئة و الكي الحراري . يتذلل الرجال للضباط الدفاع عن أنفسهن بينما النساء يتذللن للعساكر كي يرسلن لرجالهن بالسجن المؤن الغذائية مع بسطة يد تحمل ورقة واحدة حمراء من فئة الخمسون جنيه و حينها فقط يصفح العسكري و يرسل المؤن للرجال .
مكتب الضابط النوبتجي ذلك ما كتب على مكتب حمزة, وقفت من أمامه إلى أن طرق العسكري الباب و إنتظر الإذن بالدخول. لما دخلت إلى حمزة كان يصيح بهاتفه النقال المستند على كتفه الأيمن بينما يسراه تحمل سيجارة و يمناه كوب من القهوة. عندما رءاني حمزة لأول مرة توقفت كل أنشطته, وضع السيجارة بالمرمدة والقهوة على مكتبه و الهاتف بجيبه و صاح بالعسكري الذي إصحبني إليه :
- إيه دي يا حمار ؟!
- بنت أنور أبو المجد يا فندم .
- يا دي الليلة السودة .. و دي انزلها التخشبية ازاي, دول ياكلوها تحت ؟!
- أرجعها يا فندم ؟
نظر لي ملياً وقال ملول :
- انت مكلبشها ليه ؟! دي هتهرب منكوا !! يا خيبتي على الرجالة .. فُكها يا بغل .
حل العسكري المتحول أصفادي فقال حمزة :
- تعالي يا إسمك إيه .. أقعدي .
إقتربت و جلست على كرسي من أمام مكتبه فصاح بالعسكري صيحة جعلتني أنتفض فزعاً :
- هاتلها ليمون ..
ثم خاطبني مهدئاً :
- ما تخافيش إنشفي كده .. مش أول مرة ليكي مش كده ؟
- لا أول مرة كانوا بياخدوا ميسو بس مسافرة .
- ميسو ده أخوكي .
- لا أختي إسمها أمسية و دلعها ميسو.
قال ساخراً :
- يا صلاة النبي .. و حلوة زيك كده ؟
صمتُ خوفاً و رجاء, لا أحب أن أُرى جميلة بأقسام الشرطة خاصة في ظل ما كنا نسمعه عنها حينها فقد كان ذلك شتاء 2010 أي قبل ثورة يناير بعاماً كامل. ورغم إنها ليست مرتي الأولى بأقسام الشرطة كذبت حمزة عللني أظهر بمظهر حسن بعض الشيء أمامه كما إنني رأيته بتلك اللحظة وسيم لا أعرف كيف, كانت قامته تناهز المائة وخمسة و ثمانون سنتيمتر, قوامه نحيف ولكن بلمحة عضلية, أسمر البشرة أ**د العينين, أفطس الانف , ذو شفاه سفلية غليظة و رغم كل ذلك أحببته فقد كنت طفلة مراهقة حينها بأول سنة لي بجامعتي.
- ما تخافيش .. انت هتقعدي معايا لحد ما يظهر أنور .
- ما هو مش هيظهر .
إنعقد حاجبيه بذهول و قال :
- ده واطي أوي .. انتي واثقة انه ابوكوا ؟!
إبتسمت فحسب فقال :
- على العموم ده إجراء وقائي لو ما ظهرش في خلال 48 ساعة هرووحك بنفسي .
- هو انا ليه هنا .. انا كنت بروح قسم المهندسين ؟
- عشان المدعي من الخليفة وكان حابب يمرمطكوا عشان أنور يظهر أسرع .
- طب انا هعمل إيه دلوقتي ؟
جلس على كرسيه من خلف مكتبه و قد قال :
- أدينا قاعدين .. كلميني عن نفسك .. اعتبريني الظابط بتاعك الانتيم .
وضحكت بعد ذعر فقد كان حمزة حينها لطيف للغاية, نسبةً لما كنا نسمعه عن ظباط تلك المناطق العشوائية. كنت أسمع كل عشوائية تحدث خارج غرفة الضابط بينما يسمعني النوارد والنكات, طلب لأجلي العشاء من شطائر الكبدة و السجق القميئة المذاق وإختتم بالأزر بالحليب ثم النسكافية من قهوة قريبة ونهاية قال :
- في سرير في الأوضة التانية لو عايزة تنامي .
- لا ميرسي .
- ما تخافيش محدش هيخش عليكي .
- لا صدقني مش عايزه انام .
- كملي كلامك .
- انا تعبت .
- ما انتي لا تحكي لا تنامي ؟
بدى علي الجذع فقال مطمئناً :
- انا بهزر معاكي .. انا هخرج من المكتب هلف لفة وهقفل عليكي الباب من برة .. عايزة تريحي شوية براحتك عايزة تقعدي زي القرد براحتك .. معاكي موبايل ؟
- أيوه .
- هاتيه .
- مش هكلم حد والله احنا مالناش حد اصلا .
- وما أكيد مالكوش حد من غير حداقة وإلا ايه جابك هنا .. انا عايز أد*كي رقمي عشان ترني عليا لو إحتاجتي حاجة و أنا برة .
وبدأت حياتي الإولى مع حمزة. سعى جاهداً لأخراجي من القسم فجر اليوم التالي وأوصلني بنفسه لبيتي, لم يغالي بأي شيء ولم يطلب مني أي شيء مثل من سبقوه وكان إلى جانبي دائما و أبداً . يكفي فقط ذكر إسمه بأي مكان لتفسح الطرقات لبنات أنور, كان دمث خلوق كريم و محب حقيقي يبذل من أجلي الغالي والنفيس فطالما طلبتُ و أمسية لأقسام الشرطة, و هو كان من ورانا دائماً يخلصنا مما أوقعنا أنور به . حسبته الحب الذي إنتظرته ولكني كنت له صفقة رابحة؛ لم أكن شهيرة مثل الآن فقد كنت حينها مجرد فتاة جميلة تستعرض صورها الفوتغرافية الغير حرفية على صفحات التواصل الإجتماعي ومن صنعني حمزة و لست مدينة له بأي شيء.
أرسلني لأقدر المصففين و أشهرهم, أخدق علي من ماله بالهدايا و الملابس المترفة, إستأجر لي مصور خاص ليظهر جمالي الحقيقي كما قال لي, فقد أخبرني أن له عائلة كبيرة قد لا تمرر موافقة شارحة على زواجنا لأنني ببساطة بنت أنور ولكن قد يتغاضوا لو كنت نجمة مجتمع ذو صيت محبب شهير, أرسل لي العقود من كبرى الماركات العالمية لأكون واجهتهم بمصر فأمسيت سارة أنور مدونة الموضة الشهيرة.
أختي الكبرى زاد تقلقها من تعلقي و ظهوري الدائم مع الضابط المتعاطف مع البنات اليتيمات كما كان يطلق علينا حمزة وسط الجموع, أمسية طلبت تتمة فلم أجد ما أقوله فوجدت هي بعد بحث و تقصي وواجهتني به :
- الظابط بتاعك مجوز .
- مين اللي قالك ؟
عرضت علي هاتفها الذي ظهر على شاشته صفحة إنستجرام خاصة بإمرأة تدعى لبنى, تعيش بالخارج كما تظهر خلفيات صورها العديدة, يجمعها بالصور فتاة و فتى صغيرين و حمزة و جميعهم يضحكون بسعادة كبيرة, إستعرضتُ باقي الصور لم أجد بسعادتهم نقصان بل أحضان دافئة و قبلات حامية بين لبنى و حمزة فلم أجد ما أقوله لأختي فقالت هي :
- حصل بينكوا حاجة ؟
- لاء .
- اومال كل اللي بيعمله ده, بيعمله ليه ؟
- عشان بيحبني .
أشهرت بوجهي جوالها الذي يحمل صورة لزوجة حمزة وقالت :
- و دي .. هيحبكوا سوا .. هو الباشا بتاعك مكلمنيش في موضوع جوازكوا ليه لحد دلوقتي لو كان ناوي على جواز أصلا ؟
- انا هكلمه .
- ولا تكلميه و لا تبصي في وشه تاني الموضوع إنتهى .. إنتي فاهمه.
ميسو كانت العائل الوحيد لنا حينها, ولازالت لأن أنور يدفع إيجار شقة المهندسين فحسب وميسو هي المتكفلة بطعامنا و **وتنا و تعليمنا بمشروعاتها الصغيرة ومعارضتها لا أقوى عليها فقد كان دخلي حينها شحيح بالكاد يغطي تكاليف المصور والمصفف و الباقي يتكفل به حمزة, و تركت حمزة و هو من تبعني و بحث عني. تفاجأت به على باب شقتي, يطرقه بعنف كما يفعل عساكره عندما يأتون للقبض علي و بعدما تملك مني الفزع من زيارة جديدة إلى قسم شرطة ما, وجدت حمزة يسألني :
- انتي فين و ما بترديش على تليفوناتي ليه ؟
- عشان ما بكلمش راجل مجوز .
دفعني دفعة خفيفة بكتفي ودلف لبيت أنور لأرى بعيونه الإستهزاء بحالي فقد قال :
- صحيح من بره هلا هلا ومن جوا يعلم الله بقه دي شقة ؟! دي عشة فراخ .
كانت شقة و لكن خاوية على عروشها, كنبة مهترية حشوتها مطلة بنفور من قوائمها, كراسي مهشمة من قهوة أنور لما طلبنا منه بعض الاثاث فجلب لنا ما تم تكهينه, ونهاية الشقة عارية من فرش, تقنياً نعيش على الملاط و ننام عليه كذلك, حتى ملابسنا نضع لها مشاجب حديدية لأننا لا نملك خزائن للملابس .
تلفت من حوله ثم قال :
- حتى مفيش مكان نتكلم فيه .. غيري هدومك و تعالي معايا نتكلم.
- ليه ما قولتش إنك مجوز ؟
صاح بي و كأني الملامة :
- ولو كنت قولت كنت هتبقي معايا, كنت هتحبيني زي ما بحبك .. إلبسي يا سارة و انا هفهمك كل حاجة .
بدلت ملابسي ونزلت معه من الشقة لمكاننا الأسير فندق عائم و هناك برر لي أفعاله قائلاً مع عصير الليمون لتهدئتي كما يهزي:
- انا حياتي معاها منتهية يا سارة و من سنين .. هي في بلد و انا في بلد.
- وليه ما طلقتهاش ؟
- مقدرش يا سارة .
- ليه ؟
- أهلها جامدين .. ليهم وضعهم و لو طلقتها مش هلاقي حد يسندني .. تعرفي إنك وشك حلو علي .. جالي جواب إني من المرشحين لجهة سيادة و إحتمال كبير لتكون رئاسة الجهمورية أو على الاقل أمن الدولة وكنت بدوَّر عليكي عشان أبشرك.
- إحنا هنجوز إمتى يا حمزة ؟
- زي ما انتي عايزة إنشالله دلوقتي .. بس ما ينفعش يخرج جوازنا عننا.
- ليه ؟
- ما أنا لسه قايلك أهلها جامدين و ممكن يضيعوني.
- أومال هنجوز إزاي ؟
- عرفي .
وعلى فور تركت المائدة للعودة لخرابة أنور إلا أنه أمسك بيدي و أجلسني من جديد و قال :
- إستني بس هفهمك .. انت فارق معاكي إيه عرفي من شرعي .. انت حد يعرفك غيري و انا عارفك يا سارة و عارف إنك بنت كويسة و شريفة ومالكيش في الغلط رغم أن أمك لمواخذة يا يعني ...
- ماشي يا حمزة انا خلاص ماعتدش يفرق معايا .. لكن جواز, مش هجوز لا عرفي و لا شرعي عشان أمي لمواخذة يعني ... وخليك بقه مع بنت الناس الجامدين وخليها برضه توزع البضاعة .. الإحراز اللي بتاخدها من مخازن الداخلية يا حمزة باشا .
قال مهدداً :
- وحياتك أمك الغالية رصاصة بشلن تاخديها في نفوخك وأرميكي في النيل وقتي لو قليتي عقلك .
- وحياة أمك انت ما تقدر تعمل حاجة.
قال مهادناً :
- ايوه فعلا .. اصل بحبك و لسه باقي عليكي .
لم يكن حباً على الإطلاق لأن حمزة رجل تجارب وأقام تجاربه على أكثر من فتى و فتاة وجميعهم تم القبض عليهم فيما عداي فوجهي الياباني البرئ وجمالي الأخاذ يبعد عني الشبهات كما إنني معروفة في الأوساط بالثراء بسبب ما أرتديه من ملابس لماركات عالمية مزيفة و حلي مزيفة كذلك وفرها لي حمزة . حمزة كان يعاملني معاملة الكبش يسمنني ليذبحني لاحقاً لما جعلني وجه مألوف يصعب التششك به. إستخدمني للتربح, يسرق من مخازن القسم الم**رات و ما شبه ويودعها إلى بيت أنور فالجميع يعرف أني أبي لص وليس تاجر م**رات, تقنياً أبي متعثر قي سداد القروض والشيكات فحسب وبيته أنظف من الخزف الصيني بعد غسله فحتي عندما تأتي الشرطة للمنزل لا تبحث عن أي شيء إلاي و أختاي . علمني حمزة أين أجد الراغ*ين لأبيعهم بضاعتي المستوردة و التي لن يجدوها بمصر بأكملها, مثل النوادي الكبيرة والمولات الضخمة التي تطلبني محالها للترويج عن منتجاتها وبدأت تجارتي التي جعلتني أترك بيت أنور لما خدعت أختي الكبري وأخبرتها أنني أمسيت أتحصل على مبالغ مهولة من عملي كموديل للماركات العالمية وتركنا بيت أنور و بدأت حياتنا الجديدة بمدينة نصر.
هاتفي أخرجني من أولى خيبات الأمل لما دق بخيبة قادمة ولا تملص بأي أمال, الماضى إنتهى و الحاضر وجيه يحدثني الآن, ترى ما مطلبه بعد منتصف الليل :
- هاي يا وجيه .
- هاي .. انا فضلت مستنيكي خفت يضاقك تاني .. و سمعت صوت زعيكوا لكن مقدرتش أطلع خفت تزعلي عشان بدخل في حياتك لكن كنت هطلع والله بس لقيتك أخدتي حقك.
ا****ة سمع لكنتي السوقية مع الرعاع ولكن قلت :
- أصله بارد أوي ..وانت فاهم بقه .
- انتي كويسه دلوقتي ؟
- اه .. انت فين ؟
- مزنوق في عباس .
- سوري يا وجيه .
- ولا يهمك .. خلاص روحي نامي عشان التصوير بتاعك الصبح.
- ممكن أفضل معاك لحد ما ترووح .
- اتمنى طبعا .. لكن كان باين عليكي انك تعبانه .. تصبحي على خير.
- وإنت من أهله .
أين كنت يا وجيه منذ زمن, مع زوجتك الغ*ية بالطبع, كيف لها أن تترك رجل مثلك أنفق بغداء واحد خمسة آلاف من الجنيهات ولم يحاول حتى لمس أطراف أصابعي, قد يكون أخر الرجال المحترمين لو كنت سعيدة الحظ و لكني أملك أتعسه لذلك أنا أكيده بكونه من - بتوع الصيت و لا الغنى – لذلك يخدمني بكل أريحة و بلا مقابل فقد قابلت تلك الشاكلة من الرجال و هو الأكثر كرماً معي.
- يا زفتة يا سارة.
إنها أمسية عادت من عملها الأول بمحال ملابس المحجبات فهي مسكينة تعمل و تكد لتعلينا بعدما طلقها زوجها الو*د و إبنتهما لم تتم السنة, عملها الثاني هو إعداد المأكولات الجاهزة للسيدات العاملات أو ال**ولات غير العاملات فنحن نسلم زبائننا الطعام جاهز على التسوية فحسب .
دلفت أمسية لغرفتي على وجهها الغضب القبلي رغم جمالها الأوربي مضرب المثل بالحي و كل حي, إقتربت من سريري الجالسة عليه وجذبتني من طرف أذني لتستنهضني عن السرير ولم أقاوم فذلك يزيد من هياجها. صاحت مجدداً :
- إخس عليكي .. مش تفرحي أختك .. مين يا بت الاقرع اللي اتخبطتي له ؟
- ده واحد وصلني لما عربية أنور عطلت .
زادت من جذب طرف أذني بقسوة و قالت :
- عربية أنور عطلت واحدة الظهر و أنور إتصل يطمني عليكي وياسر ظبطك مع الواد الاقرع الساعة عشرة بليل أدام الأسانسير .. كنت فين طول اليوم معاه ؟
- أصل قابلنا بالصدفة واحد صاحب إيهاب وطلع عنده معارف في مينا هاوس وجابلي سيشن هاخد فيه 100 الف جنيه.
- سيشن إيه بالظبط اللي هيدفعوا فيه 100 الف جنيه ومع واحد أقرع ؟
- أصل هو زبون في مينا هاوس و رشحني.
أطلقت علي وعظها المذل قائلة :
- بصي هي كلمة .. احنا فقرا و سيرتنا زي الهباب وسمعتنا قطران ولا نملك إلا إياه وده اللي لسه رافع راسنا ولو ضاع هو كمان الناس هتاكلنا .. فاهمة يا سارة .
- فاهمة
- مش عايزة حد يوصلك تاني وانتي من إمتى بتركبي مع حد ما تعرفوش ؟
- أصله ظابط .
- فين ؟
- في الجيش .
- يقدر يعملي خصم على المكرونة وزيت الزيتون ؟
لو وجيه سمع ذلك لقتله الغيظ وليس الضحك مثلي فقد قلت :
- لا هو بعيد عن الحاجات دي .. أصله طيار .
تركت أذني أخيراً بعدما صنعت بها النتوء وقالت متضرعة لله بالغوث :
- الحمدلله طول عمرك خايبة .. أول مرة ظابط إقسام فاسد و دلوقتي طيار مالوش أي لازمة .. نامي .
كان حمزة فاسد حتى النخاع يسرق يحرق و يلفق و نهاية يقتل وكما لا أتمنى أبداً حدثت المعجزة و سقط حمزة من فوق برجه العالي لما قامت ثورة يناير أو ما حسبت لأني غرة حمقاء فقد إستغل حمزة السرقات التي تمت في كافة الأقسام و سرق كل ما طالته يداه من أسلحة ميرية و بالطبع كافة المواد الم**رة وأمسيت المخولة بتوزيع كافة المسروقات ولما أبديت إعتراض إنتظرت التهديد ولكن قال :
- انا ضعت يا سارة .. محدش باقيلي غيرك .. بالفلوس اللي هنلمها هاخدك و نسافر وهطلق لبنى .. و نعيش سوا على طول .. لبنى أخدت كل الفلوس و هربت بيها ولازم نشتغل من تاني .
وصدقت و ليس لي أي ذنب فجين الحمق عند الفتيات يصدق هذا الهراء بلا أي تفكر, كان شباب مصر بالتحرير بينما أمد باقي الشباب بالمواد الم**رة وحققت ربح هائل من تجارتي و أودعت كل النقود لحمزة منتظرة منه تحقق مشيئته إنما تملص و تملص لأسابيع و شهور كونوا عام إلى أن إنتهت الثروة ومخزونه من مواد م**رة, حتى النقود التي حسبتها عائلنا القادم مع زوجي المستقبلي نقلها حمزة لزوجته الحالية للخارج فقد كان مبقي عليها وي**عني بالطبع إنما تعلل حينها بأنها شريكة لنا لأنها تنقل لنا المال للخارج وصدقت كذلك.
تعيسة الحظ مثلي عندما تعشق تجد حمزة؛ رجل متزوج, ضابط فاسد وبإنتظاره محاكمة عسكرية ورغم ما حملته من عشق له كنت سعيدة أيما سعيدة بوجوده من خلف القضبان وهو بالزي الأبيض الجميل للذين ينتظروا الحكم عليهم .
كنت أقف بين الحشود وأصيح بفرحة غامرة مع باقي الثوريين :
- إعدام .. إعدام .. إعدام .
بالمناسبة لم ينساها حمزة رغم ما زعمته حينها, فقد أخبرته إنني كنت متخفية من بين الثوريين لألقاه عن قرب لذلك هتفت بإعدامه من قاع قلبي وبكل الحب. إنتظرت إعدامه وتأرجحه من رقبته الطويلة ذو الخيلاء أو حتى سجنه ولكن فصل من عمله فحسب وعاد من جديد إلى فأنا الباقية.
- سارة ؟
كنت ممدة على سريري الصغير استعدي الذكريات الآسية و السعيدة و سعيدة تناديني من السرير المجاور فقلت :
- عايزه ايه ؟
- انا بلغت الكلاينتس انك هتكون بكره في مينا هاوس.
- شاطرة .. اسكتي بقه عايزة انام .
تمددت على جانبها الأيسر مواجهة لي و هي تقول بحلم الرومانسية الأبدي :
- بجد الطيار كان عايز يجوزك إنهارده ؟
إعتدلت على السرير جلوساً و سحب وسادتي من خلف ظهري لأضمها لص*ري و كأنها الحبيب الغائب بينما أقول بفرحة غامرة :
- أه والله .. و عايزني أعيش معاه في بلده .. وناكل سمك بيقول زقزق .. طيب أوي .
- طب ما تجوزيه لو عجبك و كبَّري من حمزة .
وذهبت الفرحة الغامرة و حط الهم والغم على قلبي و أيامي القادمة و قلت للحالمة :
- دلوقتي هو عارف إني سارة أنور لكن لما يجي يجوزني هيعرف إني بنت سلوى سليم ومش هيبص في وشي تاني .. ياريتنا فعلا بنات أنور وبس .