الفصل الرابع

4263 Words
مينا هاوس جميلة في قيظ الظهيرة وقبيل الغروب ولا يضاهيها جمال أخر, تقطع شريحة اللحم لقطع متناهية الصغر وتلقيها في فمها دون تلامس من شفتاها بغية الحفاظ على أحمر شفاها في حالة مستوية. عنابي اللون ككل منحنى بها؛ وجنتاها؛ عقلات أصابعها وأذانها الصغيرة عندما تتعريان لما يتخلى السكون عن شعرها بفعل نسيم المغارب. -        تعرف كان نفسي أبقى مين ؟ جملة خاطئة لغاية يا سارة و لذلك وجب التصحيح فقلت : -        قصدك تبقى إيه .. مش مين . قالت متبرمة : -        بطَّل تصلح كلامي .. انا عارفه انا بقول إيه . -        طيب يا ستي نفسك تبقي مين ؟ -        المهندسة هنا بتاعت صفحة د*كوريت باشونيت .. تعرفها ؟ -        أعرفها مرات واحد صاحبي . -        بس هنا مش مجوزة . -        مجوزة من سنة تقريباً . -        اومال مش قالت على صفحتها إنها مجوزة ؟! -        صورها و حياتها الخاصة بعيد عن النت تماما من عيلة كبيرة وجوزها بيغير عليها بهبل . -        أكيد حلوة  . -        يعني . جوالي كان على الطاولة بالفعل فأخرجت من محتواه من جديد الصورة الوحيدة التي جمعتني بهنا تلك لأعرضها على سارة . كان بيوم زفاف مالك صديقي عليها؛ لكم كانت عروس مزعجة, ضربها الغرور في مقتل, فقد كانت تتعامل بدونية مع الجميع حتى زوجها وكل ذلك لأن زوجها طلب منها أن تتوضع للتصوير مع أصدقائه و زوجاتهن بينما هنا تجد نفسها أعلى و أرقى من الجميع و بالكاد و بعد توسلات عديدة خضعت للصورة المريعة تلك. تطلعت سارة في وجه هنا الجميل و قالت :   -  حلوة وهم .. هي شقرا بجد ؟ -   أه,  ليها أخ نسخة منها و أشقر طبعا . -   ليها إخوات ولاد ؟ -   أربعة, إثنين طيارين واحد معانا و التاني في امريكا و التالت ظابط مباحث و الرابع فنان تشكيلي . -   يا بختها محظوظة في كل حاجة ماعدا جوزها .. هو شكله عامل كده ليه ؟ -   عمل حادثة كبيرة و وشه إتبهدل زي ما إنتي شايفة .. كانوا سوا في الحادثة وهي خرجت منها حتت .. م**رة .. صرف عليها كل فلوسه عشان  ترجع زي ما كانت و بخل على نفسه . -   ياااه .. قد كده بيحبها ؟! -   متيم بيها . -   هي كمان شكلها بتحبه .. شكله صعب أوي .. إزاي بتتحمله ؟ -   هي عايشه مع العفاريت طول عمرها ما يفرقش معاها. -   عفاريت ؟! أجبتها متداركاً هتك ستر صديقي و زوجته المشعوذة المقيتة : -   قصدي .. إنها .. هي كمان بتحبه زي ما بتقولي  .. وبعدين على الحقيقة مش مخيف كده .. اصل اللي صوّر الصورة واحد متخلف صاحبنا و أخد الصورة من الشمال من مكان الحرق اللي في وش مالك .. اليمين عنده سليم . ظلت سارة تتأمل صورة صديقي و زوجته للحظات عدة؛ تارة أجد بعيونها السعادة و تارة أخرى الشجن . سارة تحب هنا كمدونة مجتهدة مثلها رغم المحتوى العلمي المختلف كلياً عن الذي تقدمه هنا, فــهنا تستعرض على قناتها معلومات هندسية بحتة ومقطفات من تاريخ الفن المعماري والأدب الروسي القديم . سارة ظنت أن هنا ضائعة مثلها تعرض محتواها الثقافي على الشبكات الإلكترونية بحثاً عن داعمين ومعجبين  أما الآن عرفت سارة أن لهنا حياة سوية لا تملكها هي, مكونة من عائلة كبيرة, زوج محب و إخوة بمراكز مرموقة وحينها أيقنت إنها وحيدة وباكراً عن توقعاتي . تطرد عن عيونها الشجن و تستبدله بالشغف و تسألني :   -   و مالك صاحبك أوي ؟ -   أكتر من إخوات . -   بيشتغل معاك ؟ -   لا هو مدرس و أنا مدرب . -   إيه الفرق ؟ -   يعني زي ما يكون عندك في الكلية دكتور المادة و المعيد .. انا المعيد . -   أشطر منك يعني ؟ -   فوق ما تتخيلي أسطورة في الطيران .. ممكن يطير على مقشة. ضحكت بشدة لمزحتي وجمال سارة يزداد عندما تضحك, وجنتاها العنابتين يبرزا عن ذي قبل  وأحيانا يخفيا عيناها الصغيرتين . -   شكلك بتحبه ؟ -   صاحبي . -   يعني مش بتغير منه ؟ -   كلاً مُسير لما خلق له .. هو في مكانه أسطورة  و انا في مكاني أسطورة. بعد كل المشاحنات التي خضتها مع سارة ظننت أن يومي معها سوف ينتهي سريعاً كما بدء, مجرد غداء ينتهي بظهور حجج واهية تفيد بالهرب عن وجهي, فلست رجل نساء أو رجل محبب من تلك الطائفة بوجه عام ولكن على النقيض قضيتُ و سارة يومنا سوياً. سألتني أسئلة عدة تخص عملي, ولم أبخل عليها بأجوبة فقد أكل الصمت علي و شرب لسنوات وسجنني بصحاري الوحدة العجاف بلا حور الجنة و رطب جني. أجيب الشغف بعيناها قبل سؤال صداه بقلبي, أعجبني إلحاحها رغم بغضي للغو النسائي ولكنها ليست نساء لأنها حورية تتخذ من زوجة صديقي المدعوة هنا مثلاً أعلى  و هنا تشجع السؤال و تدحض الخجل خاصة من الجهل فمن قال لا أعرف قد أفتى علّه يجد مجيب لسؤاله بالقريب وحينها يفتي هو من لا يعرف و لذلك تسأل سارة عن كل شيء بلا خجل من جهلها بأبسط الأمور لأنها براحبة ص*ر تريد تعلّم كل شيء أعجبتني حماستها للمعرفة و انا من وددت سؤالها ؛ لماذا لم تسأل مبكراً عن ذلك, فيمَ أفنت سنواتها السابقة, ولمَ إعتمدت ثقافتها على المستحضرات التجميلية فحسب إنما نهاية تجابنت عن السؤال, خشيت من تدخلي في أغوار أسرارها يترجم على نحوٍ خاطئ, و  كذلك لا أعرف ما واجهته في حياتها السابقة من مآسي و أكيد من وجود مآسي تفوق مأساتي فأم سارة كانت فنانة سينيمائية كبيرة إنما تم ضبطها لمرتين بقضايا كبرى مخلة بالشرف و كانت تلك القضايا حديث الساعة و للآن ملابسات تلكما الحادثتين على شبكات الإنترنت . صارحتني سارة بالعديد و على تعجب مني و لكن عرفت فيما بعد أن سارة لا تراني إلا صديق مقرب ولا أمل بنشأة عاطفة أخرى قد تربطنا رغم العواطف الناضحة عني و تتجاهلها سارة بإستمرارية تمزقني . سارة المرأة الوحيدة التي لم تجدني صيد ثمين كمثل العديدات فأنا طيار ورجل أعمال ثري و أعمالي مستقلة عن أعمال أبي و رغم ذلك قبعت بخانة الصداقة وحيد فعلى الأقل ليس لها أصدقاء رجال أو حتى نساء بخلافي. هن ثلاث أخوات الكبرى تدعى أمسية وتدليلها ميسو تتبعها سارة ثم سعيدة وتدليلها سيا لأنها تبغض أسمها أيما بغض . ثلاثتهن يعيشن بمفردهن بشقة بعباس العقاد رغم وجود أنور, و يعملن جميعاً ليعيلن أنفهسن . ميسو مطلقة منذ سنوات عدة و لها إبنة تبلغ سبع سنوات, طلقها زوجها لكي يتبرأ من سلوك حماته المشين ولم يعبأ لقصة عشق حامية دارت بينه و بين ميسو. تعمل ميسو مصصمة و منفذة أزياء لفئة المحجبات وقد لاقت منتجاتها رواج كبير على شبكات التواصل الإجتماعية كذلك, لأن أزيائها تتسم بالتحشم والألوان الزاهية الجميلة والقياسات المتنوعة خاصة الكبير منها لأننا شعب سمته الأولى البدانة.  الشراكة بين الثلاث أخوات كانت كالآتي الأخت الكبرى  تصمم و تنفذ و الوسطى تستعرض الموديلات على قوامها البض و الصغرى مسئولة الدعاية و التوزيع. لما تضخم العمل قمن ثلاثتهن بإستئجار محال كبير بمنطقة مصر الجديدة و توالت النجاحات ويفكرن الآن بإفتتاح فرع أخر بمنطقة التجمعات خاصة لما أوجدت سارة مجال أخر للتسويق و كانت المنتجات التجميلية المستوردة والتي لا تتوفر إلا لدى محلات أمسية سارة بلا سعيدة لأن الأخت الصغرى  تخشى أن يعرف أحد أن أسمها سعيدة وليس سيا . قلت مازحاً :   - والكريمات بتاعتك ممكن تغير خِلقة ربنا  يا سارة؟! قابلتني بتهجم طفولي مجيبة : -   لاء يا ظريف .. بترجع وشك لطبيعته الأولانية لو إنتظمت عليها . -   و انا لو عايز أتسخط أدفع كام ؟! ضاقت عيناها بتساؤل قائلة : -   تت .. إيه ؟ -   أصغر في السن يعني . -   يا بني إفهم .. انت مثلا .. وشك في acne marks  لو إنتظمت على ديرما رولر مع سيرم كويس هتخف جداً و الحفر دي هتروح . -   حفر !! انا وشي في حب شباب ؟! انا عندي أربعين سنة . تفحصتني لوهلة ثم قالت : -   بجد !! مش باين عليك خالص. -   مش أربعين يعني سته و تلاتين . -   عجوز برضه .. انا إفتكرتك بالكتير سبعة وعشرين . قالب من حجر رصف الطوار ضرب وجهي للتو, و صرت أترنح في إعياء, حاولت بكل طريقة أن أتجاوز كلمة عجوز تلك ولكن بدى على وجهي الغضب فقالت للمواساة : -   بهزر معاك .. هنا أصلاً بتقول like wine like men  لكم وددتُ أن أخبرها أن أكثر إمرأة أكرهها بالوجود بعد زوجتي هي هنا ولكن لابد من بعدها أن أبرر سبب كراهيتي لها و فتش أسرار صديقي الدفينة ونهاية قلت متعجباً : -        صفحة هنا فيها معلومات تقيلة عن الهندسة و الادب .. إزاي بتعجبك ؟ -        بس مفيدة خالص .. تعرف نفسي أ**ب مرة المسابقة اللي بتعملها كل شهر لكن مش بحب أقرا خالص بهزهق أوي .. انت بتقرا ؟ -                  يعني لما بلاقي وقت . -                  طيب ممكن تغششني حل المسابقة ؟ -                  هنا بتجيب روايات محدش قراها في الدنيا غيرها .. و صعب أعرف الإقتباس من رواية مين .. بتحب الأدب الروسي ومعقد أوي بصراحة. -                  خلي مالك يغششك . -                  انتي فاكره مالك بجلالة قدره هيسيب شغله ويقعد يقرا روايات .. هنا فاضية عشان كده بتتسلي على الناس . قالت بحزن : -   أوكيه . حزنت لحزنها وسألتها : -   ليه عايزة ت**بي المسابقة ؟ -   نفسي أشوف هنا أوي أنا بحبها خالص . -   مابتقابلش حد غريب والجوايز بتتسلم في محلات الحلويات بتاعتها . -                  عشان جوزها بيغير عليها ؟ -                  أه . كل ما قلته محض كذب فهنا لا تقابل أناس غرباء لأنها مخبولة ليس أكثر وزوجها يخشى من إفشاء جنونها و كذلك مريضة برهاب الخروج من المنزل ولا تقابل غرباء.  بدلتُ الحديث مرة أخرى لما قلت : -                  سارة عندي سؤال و خايف أكون بحرجك بتطفلي . قالت بإبتسامة رائقة : -   إسأل يا أوجي إنت بقيت الانتيم . -   ليه مش عايشين مع أبوكم وعايشين لوحدكم ؟ -   عشان مش بنحبه دمه تقيل . ضحكتُ و قلت : -   لو مش عايزة تجاوبي انتي حرة . -   بص يا وجيه أنور مديون لطوب الأرض وعليه قضايا والناس اللي عايزه فلوسها و البوليس لما بيجوا البيت عشان ياخدوا أنور و مش بيلاقوه بياخدوا واحدة مننا لحد ما أنور يظهر وأنور مش بيظهر. -                  مش معقول !! ظهرت الدموع في عنيها و السبب فضولي الغ*ي؛ فقلت متداركاً : -                  أنا .. أنا أسف جداً يا سارة .. و لو في أي حاجة أقدر أعملها مش هتأخر والله. -                  إنت مش ظابط أصلا يا إبني .. هتعمل إيه يعني ! إضطررت لمسايرتها للمرح فحسب و قلت مازحاً : -                  أه صحيح دايماً أنسى . كذلك لم أجرب نفوذي العسكري بأي شيء خاصة أقسام بوليس وقد تكون محقة . ضحكنا بعد مأسآة سارة و رجعنا لصفائنا الأول, تكفي إبتسامتها الصغيرة ككل شيء بها تضيئ عتمة قلبي و أعتام المغارب على الأبواب فقد تجاوزت الساعة السادسة مسائاً. سارة بها كآفة المواصفات التي تمنيها بإمرأة و زوجة؛ جميلة بالطبع وتستطيع إبراز جمالها و ذلك شيء في حد ذاته يفوق الجمال لأن الجميع رأى زوجتي السابقة جميلة فيما عداي, هادئة و أنا عاشق للهدوء, حتى عندما ينال منها الغضب صوتها يثير الضحك أكثر من السخط لأن طبقته رفيعة مثل الأطفال . لا تحب الدراسة ولا العمل ولا القهوة ولا القراءة ولا الكتب ولا القيادة لا تريد من الحياة أي شيء إلا الدلال ولكن ليس في وسعها الدلال لأنها في حاجة لمن يعيلها و هي من تعيل نفسها لتزيح عن أختها بعض النفقات. تحب السيارات وتقدر سيارتي أيما تقدير, ومعجبة بكل التعديلات التي أدخلتها عليها, بينما زوجتي السابقة عندما كانت تراني أبدل أي شيء في سيارتي, تنظر لي بحقد و غل كبيرين ولسان حالها يقول لتحترق بسيارتك يا كبير الحمقى وذلك لأنها ترى السيارة تعمل إذاً ليست في حاجة لتصليحات تهدر نقودي . عيب سارة الوحيد خوفها من الزواحف و لكن هناك بارقة أمل هي محبة للح*****ت الأليفة خاصة القطط و تملك قط يدعى سوشي وكانت تملك كلب أشقر منزلي من فئة  الجولدن و لكن مات منذ سنوات ولم تفكر بشراء أخر . - تحبي أجيبلك واحد .. واحد صاحبي عنده مزرعة ؟ -   ياريت بس ميسو مش بتحب الكلاب. -   ليه ؟ -   بتقول بينجسوا البيت .. و إحنا مش ناقصين نحس . أخوات سارة جميلات مثلها, رأيتهن في صور عديدة على جوال سارة ولكن لا يجمعهن شيئا أبداً بالملامح ولا القسمات, لكلاً منهن جمال من نوع خاص و كذلك محير, و كأنهن نتاج قارات متباعدة و ليس نتاج أم و أب واحد إنما أنور وسيم للحق, و وسامته تكاد أن تكون نسائية,  و  قد سمعت الأقاويل تتناقل بكونه داعر كبير تقع بغرامه النساء و تقوم بالانفاق عليه و رغم ذلك لا يعني بالانفاق على بناته و الإعتناء بهن . قد أعتني بها و بأخواتها مقابل جلسة أخرى كتلك, بل لنظرة واحدة من عيناها التي لا تلقى إستحسانها و تكرهها أحياناً رغم إنها أكثر شيء مميز بها و لابد أن أصرح بما يعتمل بص*ري إثر نظرة واحدة من تلكما العيون : -   بالع** يا سارة عنيكي حلوة أوي .. انا لما شفتك أول مرة إفتكرتك نانسي عجرم ولما شفتك إنهاردة لقيت وشك مظبوط عنها. -   مظبوط إزاي ؟ -   هما بينفخوا وشوشهم جامد فملامحهم الطبيعية بتضيع .. بتحسي إنك أدام بلونة عيل عمال بيفعص فيها و بيطلع منها أشكال تخوف. ضحكت سارة ثم قالت : -   لو الرجالة بتشوفهم كده ما كانوش نفخوا. -   صدقيني كلنا عارفين الطبيعي من الصناعي لكن النفس أمارة بالسوء . تضحك من جديد لجملة إثباتية لم أقصد بها المرح, لطيفة سارة تجدني خفيف الظل على النقيض من زوجتي فقد كنت أرى بعيونها على الدوام الإستهانة من أي كلمة تص*ر مني و لولا إنني كنت زوج حاد الطباع ولا أسمح بتجاوز في علاقتي معها لكانت فعلت زوجتي ما هو أكثر من ذلك . -   إحنا إتأخرنا أوي . و قد انقبض قلبي لوقع الجملة الأخيرة من سارة و قلت في رجاء : -   ليه لسه بدري .. لسه الاهرامات هتنور وهيبقى منظرهم خرافي. و كأنها تعلم ما ألم بي من آلام قالت بشفقة مبررة : -   ميسو بتضايق لما بتأخر .. لازم أمشي .. خليك إنت كمل قعدتك. -   ما ينفعش من غيرك . نعم قلتها علانية, أي شيء دونها لا شيء على الإطلاق ولن أخجل من حقيقة .   وإنتهى أجمل يوم في حياتي بأكملها, طلبت فاتورة الغداء بالجنة فجاء ما لم يأتي بحسباني أبداً, فاتورة بالفعل و لكن ليس بها أرقام بل كلمات تقول؛ أرجو أن يكون الفندق نال رضائكم مع تحياتي كارولين, ثم إمضاء مديرة الموارد البشرية . عوضاً عن غبطة الفرح لتوفير مبلغ طائل إنتفضت عن كرسيَّ بعصبية و خاطبت النادل قائلاً :  -  رجع الفاتورة دي و هات حساب الترابيزة و إندهلي شريف . قال النادل الجديد : -   شريف سلِّم الشيفت يا فندم. حاولت سارة تهدئتي قائلة : -   خلاص يا وجيه . -   ما ينفعش يا سارة عيب .. ثم خاطبت النادل المتابع لحديثنا و لم يهم لتنفيذ مطلبي بعصبية : - ما تروح يا إبني تجيب الفاتورة الحقيقية . -   يا فندم أنا واخد أوامر إن حضرتك ما تدفعش حاجة. -   طب عايز أقابل مديرة الموارد البشرية . -   هي فعلا نازلة لحضرتك .. حضرتك تؤمر بحاجة تانية . -   قهوة زيادة. غادر النادل, فعدت لكرسيَّ ول نظرات سارة المتحيرة, تتفحصني عن ذي قبل و نهاية قالت : -   إنت زعلت ليه كده .. مصلحة ؟ -   انا محدش يصرف عليا . سارة في وسعها التمكن من كآفة ردود أفعالها وتوهج عيناها ورغم ذلك لمحت الإشادة بموقفي بأعماقها وكنت شاكر لذلك, شاكر لكل ما مررت به و جعلني هذا الإنسان . عهد و إتخذته على نفسي إن كان بي مقدرة لا أحمل أحد مسئوليتي, ومهما كلفني قراري فقد كنت فقير لسنوات عدة وتلقيتُ العطف و الإحسان من كل قريباً و بعيد و بقدر فرحتي بالعطف و تبعاته المادية شعرت بالذل من موضعي في المعادلات الإجتماعية فقد كنت في الدرك الأسفل؛ شحاذ مسكين من أسفل المحسنين؛ من أسفل أرجلهم . جائت مديرة الموارد البشرية ومعها إبنتها اللطيفة كارولين, تقدمت كارولين نحو سارة من جديد و ضمتها إليها بينما الأم صافحتني ثم تحولت لسارة و هنئتها على الخطبة و قد بدء الأمر يخرج عن السيطرة فقد بدى التخوف على عيون سارة من كذبتها الأولى . جلسنا جميعًا ثم قالت مديرة الموارد البشرية :    -          عجبك مينا هاوس يا سارة ؟ -   So nice in deed تحولت إلي مديرة الموارد البشرية و سألتني كذلك : -   وإنت يا أستاذ وجيه ؟ -   المكان جميل .. إحنا متأخرين لو سمحتي و عايز الفاتورة بسرعة. قالت مديرة الموارد البشرية : -   إعتبره كومبيلموا من الاوتيل وبعد إذن سارة طبعا كام صورة حلوين على صفحتها مع ريفيو حلو. سارة قالت بفرحة : -   أه طبعاً .. بس لازم أجيب الفوتغرافر بتاعي . قلت محذراً : -   سارة إحنا إتفقنا . نظرت سارة إلي بتعجب وقالت : -   إتفقنا على إيه ؟ -   مفيش دعاية تاني انتي نسيتي . وقبل أن تعترض سارة على تدخلي السافر في شئونها الخاصة وجهت كلماتي القادمة لمديرة الموارد البشرية وقلت : -   أصل العيلة عندي مش حابين الموضوع .. وسارة هتبطل دعاية خالص و حسابها هيبقى خاص. بدى الضيق على ملامح مديرة الموارد البشرية و من ثم إنف*ج لما تقدح ذهنها بعرض جديد  : -   ليه خسارة .. سارة قربت على تلاته مليون فان .. و ممكن تستفيد جداً وتعلم بيزنيس كويس من صفحتها ؟ قلت بإستهزاء : -   للأسف سارة مش بتستفيد وبتعمل الدعاية ببلاش زي ما انتي عارفة . -   لكن دعايتنا مش هتكون ببلاش .. نقول تلاتين ألف؟ -   لو سمحتي الفاتورة متأخرين . -   أربعين ؟ -   يا فندم متأخرين والله . في ظل الصمت عن قرار إتخذته عن سارة إستطعتُ أن أصل بالمساومة إلى مائة ألف جنيه بخلاف ملابس لجلسة التصوير و أجر المصور و الماكيير, لم أتصور يوماً أنني قد أكون تاجر جيد مثل أبي فحتى أعمالي يسيرها عني أخرون و انا المستثمر فحسب . هي من أخبرتني عن شح ما تتقاضاه من مبالغ مقابل الدعايات الإلكترونية لشتى المنشآت التي طلبت خدماتها, منهم من يعد ولا يفي, و منهم يعرض حسومات من منتجات شركاتهم, و هناك الأخير و الأبغض بين الجميع؛ يعرض مبلغ من المال أكثر من مُرضي إنما شريطة منحة كبيرة للغاية لأنه يريد فتاة الدعاية ذاتها تقضي معه ليلة أو أثنتين, و كان علي مباشرة التقدم و الدفاع عن فتاتي رغم أنفها و يبدوا أنني أحسنت صنعاً.    مذهل أن تكون عيون متناهية الصغر كعينا سارة ترى بها تلك الأحاسيس الجياشة من الإمتنان و كأني في حاجة إليها فأنا الممتن لها, خاصة لما هتفت بسعادة و صدق و كأنني خطيبها بالفعل : -        يايلا بقه يا حبيبي إحنا إتأخرنا . حملتني الملائكة من كرسيًّ إليها إستعداداً لمغادرة كرهتها إنما أحببتها الآن بعدما أمسيت حبيب, فقط لو توقف لغو مديرة الموارد البشرية لأصغيت مطمئناً لأحلامي المستحيلة؛ تطلب من سارة أن تنام مبكراً الليلة ليسطع جمالها بالغد. -        انت فاضي بكرة يا وجيه ؟ رنحتني الصدمة؛ عذراً المفاجأة لما أمسيت ضمن مخطط الغد لسارة وقلت بكل إمتنان ليوم أخر معها : -   حتى لو مش فاضي هفضيلك نفسي .. المسافة كبيرة عليكي من مدينة نصر للهرم. قالت مديرة الموارد البشرية : -   هبعتلها عربية ماتشلش هم . -   شكراً انا اللي هجيبها و أرووحها . لم أفهم بالطبع سر إصرار مديرة الموارد البشرية على إقصائي عن الغد, و لم أبالي يكفي أن الغد لي  كما الفاتورة التي حسم منها ثلاثون بالمائة إكراماً لخطبتي المزيفة اليوم على سارة. خرجت من الفندق برفقة الجميلة مسار العيون دائماً إنما ليس في وسعي التذمر فكل ما يربطنا مزيف ليس أكثر. سارعتُ لسيارتي و حملت عزيزة عن الكنبة الخلفية للسيارة لأعيدها لحقيبة السيارة من جديد وضيق التنفس من داخلها ولكن سمعت سارة تقول : -        سيبها إلتفت لسارة متعجباً وقلت : -        بتكلمي جد ؟! -   عادي .. سيبها .. هي مش بتعض صح ؟ -   لا مش بتعض خالص .. و جوا صندوقها زي ما إنتي شايفة . -   خلاص سيبها . حتى العيب الوحيد بها تنصل عن نفسها بساعات قلائل, للوهلة الأولى ظننت أن الجنون ضربني من فرط وحدتي وتوحدي مع نفسي و ح*****تي, ولكنها حقيقة تبتسم لي و تؤكد أن كل أفكاري التشاؤمية من حول هذا اليوم مجرد هواجس عبرتها على متن ضياء عيناها بلا خوف. تتسع إبتسامتها وتقول مازحة : -        مش هتوصلني البيت ؟! ا****ة على حمقي, أخذتُ أحملق بها بتعجب ساكناً بمكاني, أحجب عنها الباب الأيمن من السيارة و المفترض أن تنفذ منه إلى سيارتي فتنحيت عن باب وقلت متداركاً : -        لمواخذة إتفضلي . لكم تمنيتُ أن لا ينتهي يومي معها رغم أن الغد لي . المدهش لماذا الآن خاصة شعرت بالوحدة رغم إنها كانت مطلبي الأول وحتى حصلت عليها بعد عناء. قبل سارة كنت متكيف للغاية مع حياتي كعصفور حر بين الأغصان و الجميع حاسديني بينما اليوم أُسرت بمحض إرادتي . أخرجتني سارة من نجواي لما قالت :   - ساكت ليه ؟ ظلت عيناي على الطريق يداي على المقود, أطالع الشوارع الخالية كيداً لي, فاليوم فقط تمنيت زحام يجمعني بها و يطيل من طريقي معها . قلت : -   أنا ساكن في العبور. -   مش في الزقازيق ؟ -   أبويا قاعد في العبور بقعد عنده شوية و في الزقازيق شوية أمي ساكنة هناك. -   باباك و مامتك منفصلين ؟ -   أيوه . -   معلش .. نسبة الطلاق عالية جداً . -   انا مش فاكر ليهم ذكرى واحدة جمعتهم إتطلقوا و انا عندي خمس سنين وأبويا ساب الزقازيق و نزل القاهرة وأنا عندي عشر سنين كنت بشوفه مرة كل شهر أو شهرين . لمست كتفي بخفة و قالت مواسية : -   Poor baby... So sorry for you (طفل مسكين أشعر بالآسى حيالك ) كانت تسخر مني لأن وجود الأب في حياتها شبه معدوم, و بالتالي لا تعرف قيمته ولا حزينة على فراقه و الذي إختارته هي و أخواتها. -   انا بحكيلك عشان انتي صريحة وحبيت اكون صريح معاكي برضه .. لكن الموضوع عمره ما أثر فيا .. إنما قوليلي أمك فين ؟ -   إتطلقت من أنور من فترة كبيرة .. مانعرفش عنها أي حاجة كأنها إتبخرت. -   أنور!!! -   احنا متعودين نقوله يا أنور .. باباك طيب ؟ -   أوي .. طيب جداً .. بسيط على فطرته خالص .. ما بيعرفش يقرى ولا يكتب لكن تاجر شاطر . -   يا بختك ومامتك ؟ صمتُ لأني لا أعرف الوصف الصحيح لأمي, ولا لأي لأم بوجهاً عام, فلم تكن أمي الأم الحنون المضحية التي نراها بالافلام العربية, وكذلك زوجتي كانت أم مريعة لإبنتي . -   أمي دكتورة بيطرية . -   عشان كده بتحب الح*****ت ؟ -   أه .. جعتي ؟ -   إنت بتهزر ؟!  نعم أسخر من نفسي و من سارة فالوجبة التي تناولناها ليس من السهل هضمها خاصة بعد أقل من ساعة ولكني أريد لها البقاء, لازالت الساعة الثامنة مسائاً والليل في أوهجه وتلك أصعب الأوقات التي تمر علي, الليل محطم الحضارات و معمرها, كل الأفكار السوداوية لا تهاجمك إلا ليلاً, وغز الضمير ضيف ليلي, حسابك لنفسك وتقييمك لحياتك زائر الفجر, الليل عتمة كاشفة لكل بعيد ظننته قريب إنما عند الليل يتركك ويذهب لكل ذي قربة حقيقية لديه و حينها تعرف إنك لم تكن قريب من أحد خاصة عند الليل . -   بلاش تسكت أنا بزهق و الطريق طويل . -   ما تيجي نجوز يا سارة ؟ حتى لم تنظر إلي, لم تجزع حتى, فقد وجدت أن ما قلته مجرد مزحة وقالت : -   لا خلاص إسكت . -   أنا بقول كده برضه . صمتُ للقليل ثم  قلت : -   هبقي مدير أعمالك . قالت بمرح : -   قول كده بقه, راسم على البونس . -   أنا عندي شقة كبيرة 300 متر في الزقازيق على البحر هفرشهالك على ذوقك .. مش هخليكي تشيلي هم حاجة أبداً .. مش هتشغلي تاني .. هوفرلك كل إحتياجاتك . -   بطَّل هزار . -   طيب . هذا الليل و ليس أنا, فلست ذلك الحمق لأسأل إمرأة رأيتها منذ ساعات قلائل الزواج, تباً لا ينقصني إلا أن أترك المقود و أمسك بيدها و أتوسلها الزواج و للعجب فعلت ذلك : -   انتي مش عايزة تجوزيني ليه ؟! انا زوج متعاون جداً و بعرف أطبخ .. مش هضايقك انا شغلي خمسة و عشرين يوم و أجازتي أسبوع عشرة أيام بالكتير .. نسمة مش هتحسي بيا . ضحكتْ, لابد أن تضحك بالطبع فما أقوله حدث لا يأتي بالعمر مرتين , لم أنجذب لمرأة من قبل كإنجذابي لسارة ولا طلبت من إحداهن الزواج من قبل, ولا حتى زوجتي فقد سقطت في طريقي و تزوجتها شفقة عليها ونهاية جعلتني أكره صنف النساء أجمع حتى وجدتُ سارة. سارة هذه المرة نظرت إلي متفحصة ثم قالت متباحثة : -   إنت شربت حاجة في الاوتيل ؟ -   ده منظر واحد بيشرب أي حاجة ؟! -   بصراحة لاء ..  انت رياضي أوي .. اومال ما لك ؟ -   بهزر معاكي . -   طب كفاية هزار كده . حدثت نفسي تماسك يا وجيه أنه يوم و أوشك على الإنتهاء, حقيقة و لا تقبل تشكيك كما الموت حقيقة و واقع مادي و مصير كل مخلوق و لكن أغلبنا يهرب من الحقيقة كحالي الآن . -   ليه هتدخل من عباس ؟ ا****ة كشفت مخططي باكراً و لكن قلت متدراكاً : -   ما يبقاش زحمة دلوقتي. نظرت لي سارة بخبث, تعرف أني كاذب و أماطل لأستنزف باقي اليوم معها,  فإن دلفنا من شارع عباس العقاد قد نقضي ليلتنا به ونهاية قالت مذكرة و كأنني نسيت : -   وجيه احنا هنشوف بعض بكرة . -   ما أنا عارف . -   طيب أدخل من أي إختصار و أخرج من عباس. -   تاكلي أيس كريم ؟ -   لازم أنام يا وجيه عشان يبقي شكلي كويس بكرة . بالفعل عيونها مرهقة؛ بريقها تخافت عن ذي قبل, وحينها ظهرت لي حقيقة جديدة عن سارة؛ مخلوقة نهارية من الدرجة الأولى كحالي لأن طبيعة عملي تفرض علي الإستيقاظ نحو الخامسة فجرا,ً و لذلك أخلد للنوم بعد أذان العشاء مباشرة كالدجاج . بأي حال جميلة في عيوني عند الصباح و عند المساء و وجدت نفسي أقول مسحوراً بجمالها :  -   عايزة شكلك يبقى كويس أكتر من كده ؟! ده ظلم في حق باقي الستات . تضحك من جديد لوقع كلماتي و اليوم إكتشفت أنني وسيم وخفيف الظل لمجرد مقابلة مع سارة أنور ولابد أن أستمع لسارة و إتخذ أول طريق مختصر يخلصنا من الزحام الخانق الشارع و إن أملت الغرق معها وليس التكدس في الزحام فحسب. في سرعة البرق وصلنا لشارعها وتوقفت أمام بنايتها تماماً, فلم تطلب سارة مني إنزالها بموضع بعيد عن مسكنها حتى لا يراها الجيران برفقة رجل غريب, عذراً فأنا رجل قروي ولم أعتاد على تحرر القاهرة و كذلك لم تكن لي علاقة واحدة مع إمرأة أجنبية علي بالسابق . فتحت سارة باب السيارة و همت بالترجل منها إلا إنها عادت من جديد لتقول : -   هجيبلك بكرة هدية حلوة عشان أنت جدع أوي. -   لا أرجوكي بلاش أنا مش عايز حاجة غير أنك تكوني مبسوطة. ما الذي حل بك يا وجيه لتوجس الجميلة من كلماتك فهي تحدجك بتعجب يميل للريبة و لو كان مطلبك الأول كما صرحت منذ ثوان سعادتها, تماسك يا رجل, لملم مشاعر الفياضة و اسجنها داخل فمك و ابتسم مودعاً للجميلة التي أجابك تمنياتك بحيرة : - غريبة أنا فعلاً مبسوطة . 
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD