صيف عام 1913
مرت تسع سنوات عانا فيها والديها اﻻمرين و زارا العديد من اﻻطباء بكافة التخصصات حتى يستطيعا تفسير اﻻمور العجيبه التي تحدث لفلذة كبدهما من تهيؤات و تخاريف و سير اثناء النوم و صراخ و كوابيس مرعبه .
لم تنسَ مطلقا الليالي التي قضتها برفقتها بالمشافي المخصصه للامراض العقليه و مصحات العلاج و جلسات الكهرباء حتى تتوقف عن التشنجات و اﻻمور غير الاعتيادية مثل التحدث بلغة غريبة ، فتذكرت ذلك اليوم عندما حضرت تلك الجلسه و المعروفه بالتنويم المغناطيسي لاحد المختصين بلندن .
اقترب منها الطبيب و امسك بيده جندول طويل اخذ يحركه امام وجهها و قال بصوت خافت : اغلقي عينيك دورثي و تخيلي انكِ تسيرين بممر طويل و الشجيرات الخضراء متراصه بمحاذاة الممر .
فعلت ما امرها به فسألها : ماذا ترين اﻻن ؟
ردت بصوت طفولي : أرى منزلي .
سألها باهتمام : صفي لي شكله .
رمشت قليلا و قالت : هناك اعمدة طويلة من الحجر و الكثير من الكباش على جانبي الممر و الشجيرات الخضراء تحيط الباحه .
سألها باستنباط : انتِ تصفين منزلك الذي تعيشين فيه ام المنزل الذي تودين الذهاب له ؟
ردت مجيبه : نعم ، انا اصف منزلي الذي اود العودة له .
شهقت هانده واضعه كفها اعلى فمها فنظر لها الطبيب بتحذير وعاد يكمل اسئلته : حسنا دورثي ق....
قاطعته مصححه : ذلك ليس اسمي .
سألها بمراوغه : ما اسمك اذا ؟
صمتت هنيهه و كانها تعتصر عقلها و رمشت قليلا فتدخل الطبيب منهيا اﻻمر : هل نسيتي اسمك ؟
ردت بحزن : بل لا استطيع نطقه بتلك اللغة .
اومأ و صفق مرتين متتاليتين و قال بصوتٍ عالٍ : هيا افيقي دورثي .
فتحت دورثي عيناها و نظرت حولها فابتسم لها و سألها : انتِ بخير ؟
اومات مؤكده فتسائل بحيره : اتتذكرين ما حدث منذ قليل ؟
ردت بتلقائيه : فقط تلاعبك بالجندول و اخبارك لي بان اغلق عيناي .
لمعت عين ايدي و رفع حاجبه و هتف متسائلا : هل نست ما حدث ؟
رد الطبيب موضحا : هي لم تكن تعي ما حدث ، بل عقلها الباطن من كان يتحدث معنا و حتى استطيع تحديد حالتها جيدا اظن أن جلسة واحدة لن تكفي .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
دلف ايدي بعد يوما شاقا بمواقع التصوير فهو يعمل كمصور سنيمائي ، ارتمي على اﻻريكه فاقتربت منه زوجته هامسه : اﻻستاذ سام بالداخل معها .
ثم احتدت بحديثها هادره بصوت منخفض : حقا لا اعلم سببا لتلبيتك طلبها بتعلم الهيروغليفيه و كاننا لسنا فى غنى ع تلك اﻻمور !
زفر بضيق و قال بهدوء : ظننت أن تقبلنا للامر و تنفيذنا لرغبتها ستكف عن تلك اﻻفعال الغريبه ، و كان ظني بمحله .
اعتدل بجسده على اﻻريكه و رمقها بنظره متفحصه و اكمل : اﻻ ترين الفرق ؟ لقد كفت عن الكوابيس و اصبحت تنام ساعات متواصله دون السير اثناء النوم و...
قاطعته موضحه : ظننت ان جلسات التنويم المغناطيسي هي السبب !
رد مؤيدا : نعم كان لها عامل كبير و لكن لا تنسي ان الطبيب هو من نصحني بتنفيذ رغبتها بتعلم اللغه الهيروغليفيه و انا انفذ اوامره .
تن*دت بحزن و قالت : لقد اخبرني البروفيسور سام اليوم انها تعلمت سريعا و نصحني ان نجعلها تزور متحف الآثار المصرية الموجود بلندن لتوطيد الامر داخل عقلها ، و لكنني لا اجدها فكرة سديده فما رأيك انت ؟
حرك رأسه ممتعضا و هتف : اذا كان في مصلحتها فسوف اصنع المستحيل لاجلها هانده ، و اتوسل لكِ كفي عن معاملتها كمجنونه فابنتي ليست كذلك .
صرت على اسنانها و ردت بغضب : لقد تنبأت اختك بانها ستعود من رمادها كشخص جديد و هذا ما حدث لابنتي و لولا ...
اكمل عنها بعصبيه : و لولا زيارة اختي ذلك اليوم لما حث ما حدث اليس كذلك ، ذلك الحديث المكرر الذي استمع له لتسع سنوات متواصله و كأنه حقيقة .
وقف و تحرك من امامها و هو يتمتم بغضب : لا تريدين تصديق أن امرا كبيرا حدث لابنتك ذلك اليوم بعد ان سقطت من الدرج و مارسيل فقط تنبأت بحدوثه كما تفعل دائما ، و هي ليست سبب في حدوثه و اللعنه .
تركها و غادر صاعدا لاعلى فالتفتت تنظر خلفها لصوت صغيرتها الهاتف : لقد غادر اﻻستاذ منذ قليل ، و استمعت لحديثكما و اظن انه من الجيد زيارة المتحف المصري امي ، اذا سمحتِ .
سحبت نفسا عميقا و اومأت مجيبه : حسنا دورثي فقط اصعدي لغرفتك اﻻن و ساتناقش مع والدك بالامر .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
خرجت برفقة والديها بسعادة تقفز فرحا و هي ممسكه براحتيهما داخل ذلك الصرح الكبير المخصص لحفظ اﻻثار أﻻ و هو متحف لندن و الذي يحتوي على العديد من الآثار الفرعونيه فلمعت عينها و ابتسمت بسعاده تجري بالاروقه و تدور بين التماثيل العملاقه لقدماء المصريين و ملوكهم و هي تصرخ هاتفه : هؤلاء هم اهلي ، هؤلاء هم عائلتي و عشيرتي .
اقتربت من احد التماثيل وقبلت قدمه و رفعت وجهها تنظر لوجه التمثال هاتفه بلهفه : ذلك هو مليكي و فروعون البلاد ، حامي الشعوب و الفقراء محبوب اﻻله رع .
انحنى ايدي و سحبها ناظرا لها بحزن شديد و همس لها بخفوت : ابنتي ، لا تفعلي ذلك استحلفك بالله الناس تنظر الينا .
توسلته باكيه : اريد العوده لمنزلي ارجوك !
اوما لها و دمعت عيناه و سحبها معه للخارج فاستوقفتها صوره لمعبد ابيدوس معلقه باحد جدران المتحف فوقفت امامها تنظر لها بذهول و اشارت هاتفه بلهفه : ذلك هو منزلي ، انا اعيش هنا .
ردت هانده نافيه : لا حبيبتي مكتوب انه معبد.....
قاطهتها دورثي معقبه : معبد ابيدوس الذي بناه الفرعون سيتي ، اعلم ذلك فانا كاهنه بالمعبد و لكن ...
صمتت تنظر لشكل المعبد فسألت احد الواقفين ممن يعملون بالمتحف كمرشد سياحي : لماذا تهدمت جدرانه هكذا و اين الحديقه التي تحيط به ؟
رد المرشد بتوضيح : لا يوجد حديقه بمعبد ابيدوس يا صغيرتي ، ذلك هو شكله الحالي و لقد تهدم قليلا لانه مر عليه آلاف السنوات .
اصرت صارخه : لا ، هناك حديقه تحيط بالمعبد انا متاكده فلقد كنت العب بها دائما حتى قبل أن اصبح كاهنه بالمعبد .
نظر لها المرشد بحيره و رفع كتفيه لاعلي فسحبتها والدتها قائله : حسنا عزيزتي ، هيا بنا اﻵن لنعود و سوف أرى بشأن الحديقه و المعبد و كل تلك الخرافات التي تهذين بها صغيرتي .