للكاتبة ندى محسن

الفصل الثالث

رجل غريب الأطوال

الفصل الثالث

الكاتبة/ندى محسن

لم تكن تعلم معنى حديثه، ما الذي يقصده من حديثه الغامض هذا! أتى لها ببطانية وأيضًا بكوب من الشاي الساخن لتحصل على الدفء، ترددت في التحدث لكنها فعلت في النهاية وهي تشعر بالإحراج"أنا جائعة، في الحقيقة لم أستطيع حتى أن أتناول وجبة الأفطار جيدًا"قالتها وهي تشعر بالخجل.

ذهب أثاناسيوس تجاه المطبخ وهي تفكر ما الذي سوف تفعله، يبدو أن أمر هذا المنزل قد أنتهى، لا يمكنها أن تفعل شيء حيال وجوده هنا معها، شعرت بالكثير من الحزن وتمنت لو أن هناك أحد يساندها حتى تستعيد منزل والدتها، بقيت تفكر لبعض الوقت حتى أتى أثاناسيوس حاملًا طبقين من الطعام وضعهم أمامها.

نظرت روز الى عينيه السوداء القاتمة لينظر لها، شعرت أن هناك شيء غريب بهما، عينيه تفعل شيء غريب بمجرد النظر لها، لا تعلم هل تشعر بالخوف أم الراحة! مشاعر متضاربة معًا لكنها تعيشها الأن، أبعدت روز عينيها على الفور بعد أن أرتفع نبض قلبها بشكل ملحوظ.

أبتسم أثاناسيوس، كان يرى ما تفكر به جيدًا، يرى محاولاتها الفاشلة في أستعادة قوتها، تسائل بتهكم سرًا هل مثل هذه الفتاة تمتلك قوة! تبدو ضعيفة للغاية حتى أنه من السهل السيطرة عليها وأستغلالها في أي شيء، حرك رأسه في تهكم ولم تروق له هذه الأفكار لا يعلم لماذا! هل تعاطف أثاناسيوس معها يا ترى؟!

أنهت روز الطعام كله، نظر أثاناسيوس لها بعدم تصديق، تسائل كيف أنهت الطعام في هذا الوقت القصير لكنه علم أنها جائعة، نظر اليها"أخبريني إن كنتي تريدين المزيد من الطعام! "قالها أثاناسيوس في حيرة.

حركت روز رأسها بنفي وقد شعرت بالأحراج، أزدادت وجنتها حمرة، نظرت للمكان من حولها وهي تتذكر ما رأته قبل أن تغيب عن وعيها، أستفاقت على صوت أثاناثيوس فيرتجف جسدها" بماذا تفكري؟ كل ما تشاهديه حقيقي"تحدث أثاناسيوس في ثقة وهو يرى علامات التشتت على وجهها.

أبتلعت روز ما بحلقها، ظهرت قطرات العرق على جبينها رغم برودة الأجواء من حولها"هناك شيء غريب يحدث في هذا المكان، ألم تشعر به أنت؟! "سألته روز في قلق وهي لا تعلم كيف تعبر عن شعورها.

ضحك أثاناسيوس، لا تعلم روز هل يستخف بمشاعرها! أم يوجد ما يستحق الضحك حقًا!

_______________

بقى چيمس يفكر وقت طويل في كيفية إيجادها، يفكر الى أين ذهبت وأختفت بتلك الطريقة وفي تلك الأجواء يا ترى! أخذ نفس عميق بفقدان أمل وهو يفكر في أي مكان من الممكن أن تذهب إليه" الى أين ذهبتي أنتي! سوف تجعليني على وشك أن أفقد عقلي حقًا دون مبالغة"تحدث بغضب وهو يتذكر خوفها وركضها منه وكأنه وحش يطاردها وعلى وشك القضاء عليها.

بدأ يشعر بألم في رأسه من كثرة التفكير، شعر بأحدهم يضع يده على كتفه لينتفض"ما هذا! ما الذي تفعله أنت يا چوزيف هنا؟! "تسائل چيمس بعد أن رأى وجه چوزيف أمام عينيه.

قرب چوزيف بين حاجبيه بحيرة" أين روز؟! لم أجدها بغرفتها، ألم تكن معك يا چيمس؟! "چوزيف سأل چيمس وهو لا يعلم الى أين أصطحبها.

نظر چيمس له وقد حاول أن يلقي بأي كذبة لعله يتركه وشأنه" هي هربت من المنزل، لا أعلم الى أين ذهبت، والدتك لا تعلم عنها شيء هي الأخرى، لا نعلم الى أين أختفت، أحاول أن أفكر في الأمر ولم يجد عقلي مكان من الممكن أن تذهب اليه" تحدث چيمس وهو يتدعي الحزن.

نظر چوزيف له لبعض الوقت"أنا أعرف، ربما ذهبت لمنزل والدتها القديم؛ فلا يوجد مكان آخر لتذهب اليه يا چيمس، سوف أذهب الى هناك ربما أجدها هناك، أتمنى أن تكون على مايرام"تحدث چوزيف وهو على عجلة من أمره.

أقترب چيمس معه بسرعة وهو يشعر بالقلق"سوف ءأتي معك"تحدث چيمس وذهب مع چوزيف من بعدها.

______________

نظر أثاناسيوس الى روز بحيرة"أخبريني ما الذي جاء بكي الى هنا بعد غياب سنوات طويلة! "تحدث وهو ينظر لها.

أخذت روز نفس عميق وهي تنظر له، بدأت تشعر بالراحة في وجوده بالقرب منها، لا تعلم لماذا أنتشر الدفء في المكان فجأة بعد أن كان الأجواء باردة، نظرت له" أنا هربت من زوجة أبي وأبناءها، رغم أني أريد أخوتي فهم أطفال ولا أريد لقلبهم الأذى وتلك السيدة لا تعرف شيء عن الرحمة، أعلم هذا؛ لذلك أريد أن أنتشل أخوتي رغم أنهم أبناءها أيضًا لكني لا أطمئن"تحدثت روز وهي تشعر بالتشتت.

لاحظ أثاناسيوس كم هي تعاني، لاحظ دموعها المحبوسة خلف جفنيها، كانت تنظر له وكأنها تريد أن تقول شيء ما لكن لسانها لا يسعفها، شعور بالتردد لا يمكنها أن تسيطر عليه، قبل أن يتحدث اليها وجد الباب يدق بقوة وصوت أتى من الخارج"روز هل أنتي هنا؟! "كان چوزيف منفعل وهو يريد الدخول والأطمئنان عليها.

وقفت روز مبتعدة عن الأريكة، كانت تريد أن تخرج لترى چوزيف؛ فهي تعلم أنه ليس مثل والدته أو حتى چيمس، تعلم أنه مختلف كثيرًا عنهم، أعترض أثاناسيوس طريقها وهو يحرك رأسه بنفي" سوف تتأذين، إن ذهبتي معهم سوف يضركي چيمس بعد كل ما قولتيه لا يوجد أمان له"تحدث أثاناسيوس وقد كان يتحدث بجدية وكأنه يشعر بالخوف عليها حقًا!

أبتلعت روز ما بحلقها"چوزيف مختلف، أجل هو من نفس عمري وأصغر من چيمس لكنه لن يوافق على الظلم أبدًا، چيمس أراد أن يستغلني لأجلس مع أصدقاءه، كان المكان مليئ بالخمر والفتيات العاريات، أنا لن أصمت سوف أقول الحقيقة الى چوزيف ليخبر والدته"تحدثت روز في سرعة من أمرها وهي تسمع نداء چوزيف عليها.

تخطت وجود أثاناسيوس أمامها وأتت لتفتح الباب فوجدته يبتعد عنها كثيرًا، أتسعت عينيها بصدمة، كلما أقتربت من الباب تزداد المسافة وكأنها لا تنتهي، حركت رأسها بعدم إستيعاب وهي تلتفت لتنظر له، وجدت أثاناسيوس خلفها مباشرة وكأنها لم تتحرك مبتعدة عنه، تعجبت وهي تتأمر وجهه بدى وكأنه يسخر منها، بدى كأنه يتعمد ما يحدث، حركت رأسها بعدم إدراك"ما الذي يحدث هنا؟ أنا أعلم أن هناك شيء غريب، لكن ما هو؟! "تحدثت روز ويديها ترتجف، لا تعلم سبب ما يحدث لكنها تنظر حولها في قلق شديد، كأنها تنتظر حدوث شيء سيء لها.

" من تكون أنت؟ أخبرني من أنت وما الذي يحدث هنا؟! ما الذي يحدث في هذا المنزل قل لي ما الذي يحدث يا أثاناسيوس؟! "سألته روز في إنفعال شديد.

"أنا أثاناسيوس، تسألين عن كل ما يحدث هنا ويمكنني أن أخبركي، لكن هل تريدين حقًا أن تعلمي ما الذي يحدث هنا؟!" أخبرها أثاناسيوس وهو يتابعها بتسلية.

شعرت روز أن هناك أمر مريب وهي لن تحبه، سيكون هناك شيء يغضبها أو يجعلها تخاف"ما الذي يحدث هنا، أريد أن أعرف لذلك أخبرني ما الأمر!"سألته روز وهي تشعر بالضيق.

نظر أثاناسيوس لها في ثقة"أنتي بعالم الجن يا عزيزتي، أنا هو أثاناسيوس أمير الجان، أسكن هذا المنزل المهجور منذ سنوات، سنوات ولم يدخله أحد غيري، لقد كنت معاقب من عائلتي لذلك أتيت الى هذا المنزل الحقير، لكن أنظري حولكي أصبح كل شيء مثالي"تحدث أثاناسيوس ببساطة، كأنه أمر عادي مسلم به، حركت روز رأسها بعدم إستيعاب، لا تصدق أنه يتحدث بجدية.

لاحظ أثاناسيوس التعجب على وجهها، أبتسم وشيئًا فشيئًا تحولت أبتسامته لضحكة رنانة"لا شيء يستحق خوفكي حتى الأن يا فتاة، ما يستحق قلقكي حقًا أن لا أحد يستطيع سماعكي، كأنكي أصبحتي في حقبة زمنية مريبة، لا داعي للصراخ، للحديث، للنباح مثل الكلاب، لأن چوزيف هذا لن يسمعكي مهما حدث"قالها أثاناسيوس في ثقة وهدوء، كأنه شيء يستحق أن يفتخر به.

مر الوقت وذهب چوزيف ومعه چيمس، كانت روز لا تصدق ما يحدث، كانت تحدق في أثاناسيوس هيئته كهيئة شخص عادي، لا يمكنها أن تفرق بينه وبين البشر وكأنه واحد منهم"مستحيل ما يحدث، أنت لست كذلك، مستحيل أن أبقى واعية إن كان هذا الأمر حقيقي، أنت تكذب علي أعلم أنك تكذب"قالتها روز بإنفعال واضح.

ضحك أثاناسيوس وهو يتأمل وجهها"فكري في الأمر جيدًا، ألا تلاحظين تغيير الأجواء من حولكي! الم تلاحظي تبدل كل شيء ليصبح المكان قديم خالي من الحياة؟! كيف لم تلاحظي كل هذا يا ترى؟! "قالها أثاناسيوس وهو يسخر منها.

أبتعدت روز عنه في فعل عفوي، شعرت بشيء غريب يجعلها تعود إليه من جديد، إنه كالمغناطيس القوي الذي يجذب أي قطعة حديد تجاهه، حركت رأسها بنفي وعدم إستيعاب، وجدت جسده يطفوا عن الأرض وهي تنظر اليه في صدمة وعدم إستيعاب، صرخت في هلع وهي تبتعد عنه، هل تقف امام جني الأن! كانت تشعر بالعالم يدور من حولها، تريد أن تهرب من هذا المنزل الذي لطالما قضت به أسعد ايام حياتها مع والدتها ولكن الأن ما الذي سوف يحدث وكيف سيكون مصيرها! هل ستموت هنا دون أن يشعر بها أي شيء لتبقى روحها معلقة دون أن يساعدها أو ينجدها أحد!

_________________

أغمض چوزيف عينيه في ضيق شديد، حرك رأسه في نفي" لا يمكنني أن أدرك الأمر حقًا، لا يمكنني أن أصدق أنها أختفت بتلك الطريقة، كيف يمكنها أن تختفي بتلك الطريقة، هي بحاجة لنا، هي بحاجة الى وجودها بجوار أخوتها، كيف يمكنها أن تختفي من العالم بتلك الطريقة أخبرني؟! "قالها چوزيف وقد ظهر عليه الأنفعال والضيق، تمنى أن تكون بخير وهو يرفض تصديق أنها في خطر.

نظر چيمس له، شعر أن رأسه على وشك ان تنفجر، شعور دفين بالحزن أصاب قلبه، أبتلع ما بحلقه بألم، يتسائل هل من الممكن أن يكون حدث لها مكروه! حرك رأسه بنفي وألم" لا يمكن ان تكون بخطر، لا أريد أن أشعر بالخوف عليكي يا روز، عودي وأعدكي أني سوف أكون شخص أخر، سوف أكون رجل جيد صدقيني يا روز"قالها چيمس سرًا، يرفض أن يعترف بالحقيقة حتى لا يلومه أخاها وتوبخه والدته.

وصلوا للمنزل، ما أن سمعت والدته صوت إغلاق الباب حتى ركضت لتفتح"ألم تجدوا روز بعد؟ "تسائلت والدتهم في قلق.

حرك چوزيف رأسه بنفي، أبتلع ما بحلقه بقلق" لا أعلم ما الذي حدث لتختفي فجأة هكذا"قالها چوزيف في ضيق شديد وهو يتجه الى غرفته ليرتاح قليلًا.

_________________

كانت روز تشعر أن حياتها على وشك أن تنتهي، رياح قوية أحاطت بها، تعلم أن أثاناسيوس هو السبب، لا تعلم هل يريد أن يقضي عليها أم أنه يخيفها وحسب، لكن لماذا سيخيفها!

سمعت ضحكته الساهرة وقد بدت أكثر رعبًا من أي مرة مضت"ما رأيكي الأن! هل مازال لديكي أي شك بي وبقدراتي يا أنسية؟! "قالها أثاناسيوس وهو يسألها.

كانت روز تغمض عينيها وكأنها أستسلمت لأمر واقع لا فائدة من تغييره، بين ثانية وأخرى تبدل كل شيء من حولها مرة أخرى، فتحت عينيها وقد سقطت أرضًا من شدة خوفها، حركت رأسها بنفي وعدم إستيعاب، أرتجف جسدها بالكامل وقد بدأت في الإنهيار بشكل كامل؛ فهي لم تعد تحتمل كل ما يحدث حولها. ااااااا

أقترب أثاناسيوس بعد أن جعل كل شيء يعود طبيعي من حولها، جلس على الأرض أمامها لم يهتم لأي شيء وهو ينظر الى وجهها" أنتي أكثر ضعفًا مما توقعت يا روز، لا أعلم هل علي أن أكون سعيد أم أقوم بتوبيخكي على هذا، أنا أكره كل ضعيف، لا أشعر بالراحة عندما أقوم بجرح شخص ضعيف"قالها أثاناسيوس وهو ينظر لها في خيبة أمل.

نظرت روز له وقد ظهر عليها الخوف والغضب في وقت واحد، حركت رأسها في نفي وهي تكره هذا الشعور، حاولت أن تتحدث ولكن عقلها وأين شفتيها لم تساعدها، بقيت صامتة وقطرات العرق تتجمع على جبينها، ظهر الأرهاق على وجهها، أبتسم أثاناسيوس "أنه الخوف، أستطيع أن أستنشق رائحة الخوف يا روز، ألا توافقيني الرأي؟!" قالها أثاناسيوس وهو يشعر بالتسلية، هو يلاحظ غضبها من سخريته، عينيها بها شيء غريب، قوية عكس ما تفعله وعكس ما يظهر عليها، حرك رأسه في تعجب شديد كيف لفتاة بهذا الضعف أن تكون عينيها بتلك القوة يا ترى؟!

يتبع