" انه لطيف جدا .. ما اسمه ؟ "
" ليون ..لقد اشترته ماما لي "
وتنفس الطفل بصعوبة من الانبوب الموضوع عند انفه فيما بدا وجهه شاحب اكثر من اي وقت مضى
"اني "
" نعم حبيبي "
" هل ستتاخر امي ؟ "
داعبت خصل شعره البنية الناعمة وهي تجلس بقربه على السرير واجابت
" لا اظن .. ثوان وستكون هنا "
" جيد "
ابتسمت له بحب تتامل ملامحه البريئة المريضة وتشعر بالالم لاجله
" اني "
ووقفت احدى الممرضات عند باب الغرفة الخاصة داخل قسم الاطفال
" السيد هيلي تطلبك لمكتب المدير كليتون .. الان "
توقفت انفاسها في رئتيها وتململت متوترة
"الان ؟! حسنا .. قادمة "
بصعوبة وقفت وراحتيها متعرقتان ثم ودعت تشاد وخرجت..
طوال فترة وقوفها في المصعد متجهة نحو الطابق الثاني حيث مكتبه كانت ترتعش.. تضم قبضتيها بقوة و تحاول ان تهدا من روعها .. كل شيء سيسير على ما يرام عليها فقط ان تكون هادئة متزنة..
بخطاً مترددة سارت في الممر لتتوقف عند طاولة السكرتيرة اخيرا وتهمس :
" لوري"
" انهما بانتظارك .. تفضلي "
"حسنا "
حاولت الابتسام لكنها لم تستطع .. وتركتها لتطرق على باب المكتب بخفة ثم تفتحه وتدخل..
تسارعت انفاسها كما ض*بات قلبها وهي تتقدم في المكان تحاول النظر الى اي شيء الا هو..
تقفل الباب خلفها متمهلة وتاخذ نفس طويل ثم ارتدت لتلقي بنظراتها على هيلي الجامدة..
كان ديف مستريح خلف مكتبه وعينيه على ما بين يديه .. قميصه الابيض الناصع مطوي الاكمام.. يتصرف وكانه لم يعرف بقدومها مما جعلها تهمس :
" مساء الخير "
ارتفع راسه نحوها ونظر اليها بملامحه باردة لا تحمل اي تاثر.. وكانه حقا لا يعرفها.. وكانه لم يراها يوما في حياته .. يدقق في ملامحها.. يحفظ اي تغيير طرا عليها خلال فترة
الغياب الطويلة ربما..
" هذه هي الانسة اني داريل "
قالت هيلي ذلك له وهي تجلس على كرسي بجوار طاولة مكتبه فرفعت هي يد مرتجفة لتضع خصل شعرها خلف اذنيها بعيدا عن جبينها ..
تململ ديف في جلسته وكانه استعاد وعيه للتو وقال بصوت ابح جاف :
"تفضلي بالجلوس.. انسه داريل "
لاحظت بانه شدد على كلمة انسة وكانه يسخر منها لكنها لم تهتم فتقدمت وجلست على الكرسي الموضوع مقابل له بشكل عامودي لتكون بهذا وكانها في محكمة تنتظر صدور الحكم بحقها..
عاد نحو الاوراق بين يديه واخذ نفس عميق.. فعرفت بانه يقرا ملفها مما جعلها تريح يديها
في حضنها لتعبث باصابعها منتظرة
" الممرضة داريل تعمل لدينا منذ سنة ونصف تقريبا وهي ضمن فئة المناوبة ( D ) "
شعرت بجفاف في حلقها وهي قابعة هناك ب**ت.. تركز عينيها على هيلي التي تتحدث عنها فيما قاطعها وهو يسال :
"عمرك ثلاث وعشرون عاما ؟"
" ن..نعم "
" ولدت في لندن !! " وترك الملف باهمال وتراجع بجلسته للخلف يسند ذقنه الى راحة يده يبدو مسترخ هادئ " انت برطانية ؟"
بللت شفتيها الجافتين.. وكانه لا يعرف؟.. الكاذب وسمعت هيلي تجيب عنها
" نعم بريطانية و ... "
ادار ديف عينين باردتين نحو هيلي مما جعلها ت**ت.. ينظر اليها وكانه يسالها
هل انت اني داريل ؟
سكتت هيلي متلعثمة مما بعث الابتسامة لشفتي اني.. انها المرة الاولى التي يتجرا احد وي**تها..
وضعت يدها على فمها سريعا لتخفي الابتسامة الساخرة وتنحنحت فعاد ديف اليها
" نعم.. انسة داريل..لنعد الى حديثنا.. اخبريني عن عملك.. كيف تجدينه ؟ "
" انه جيد .. الدوام متعب قليلا لكنني مرتاحة هنا "
هز راسه متفهما ردها وضاقت حدقتيه اكثر عليها
"هل لد*ك اي اعتراضات على احد الموظفين او الادارة ؟ "
" أ.. لا .. ليس لدي اي اعتراض "
والقت على هيلي نظرة سريعة ثم عادت نحوه
" لهجتك امريكية بحته "
ورفع حاجبيه يبدو مستغربا مما جعلها تفرك اصابعها ببنطالها الازرق القماشي وترد :
"نعم .. انا اكره اللهجة البريطانية "
عبست هيلي بها فيما هو يسال :
"تكرهينها ؟. لكنها لهجة موطنك!!"
" بريطانية لم تعد موطني منذ شهور .. لقد انتهيت منها "
حاولت الا تظهر الالم العميق في صوتها ولا حتى في عينيها فيما ال**ت يغدق على المكان..
ديف يتاملها وهيلي متوترة لردودها الجافة.. فيما ظلت هي مسترخية رغم النيران التي تآكلت داخلها
" هكذا اذا ؟!.. ولما تكرهينها ؟. هل يمكنني ان اسال ؟"
رفت بجفنيها تزيل الحزن بعيدا عن عينيها الخضراويتن وتجيب بهدوء :
" لنقل مجرد ماضي سيء اريد نسيانه "
عضلة فكه انتفضت.. راتها من مكانها ورات ذلك العرق النابض في عنقه.. ولما لم يقل شيء تابعت:
"ان لم يكن لد*ك المزيد من الاسئلة فاذن لي .. لقد تاخرت على المرضى "
فرك ديف جبينه باصابعه الطويلة بحركة جذبت انظارها واوقفت انفاسها ..
ما قالته ايلا كان صحيح.. انه يرتدي خاتم زواج .. لا .. ليس اي خاتم .. وشعرت بقلبها يخفق بجنون.. انه خاتم زواجهما .. هي تعرفه فقد اختارت نقشه بنفسها.. الم تفعل ؟
" يمكنك المغادرة انسة داريل "
وانزل يده يخفيها وكانه لاحظ مكان نظراتها يتابع
"العمل اهم من اي شيء .. تفضلي "
وقفت سريعا قبل ان يغير رايه وتحركت مبتعدة نحو الباب تهمس :
" طاب نهاركما "
اخذت نفس عميق بمجرد خروجها تفرك صدغيها فهي لا تحتمل كمية المشاعر المتضاربة التي عصفت بها.. وسارت بخطوات شاردة في الممر الابيض..
لسوء الحظ ظهر الدكتور سام بوجهها ليقاطع طريقها من حيث لا تدري ويقف مبتسماً
" مرحبا اني "
ردت عليه بابتسامة مرغمة فهو لاذنب له ان كانت في مزاج سيء اليوم
" دكتور سام .. مرحبا "
عينيه الزرقاوتان لمعتا بالاهتمام وهو يتاملها.. يديه في جيبي بنطاله القماشي وابتسامته صادقة رقيقة
"كيف حالك اليوم ؟.. كنت بالاجتماع الخاص ؟ "
" نعم خرجت للتو "
" وكيف كان الامر ؟ هل ازعجك باسئلته ؟ "
" لا "
وتململت بقربه فرفع حاجبيه
" متاكدة ؟. تبدين متوترة ومتضايقة "
" لا انا بخير .. حقا "
" ممتاز .. أ .. وماذا بشان العشاء؟ "
" اي عشاء ؟"
" عشاء يوم السبت .. في المطعم المجاور للمشفى انسيت ؟ "
" اه .. نعم صحيح .."
ليتها لم توافق .. اي ورطة هي هذه ؟. هي متاكدة ان الدكتور سام معجب بها لكنها ارتكبت خطا فادح وعليها دفع ثمنه
" تذكرت نعم "
"هل غيرت رايك ؟"
" لا لا مؤكد .. لقد انشغلت قليلا فقط و .. "
" لا باس عليك .. انا فقط... "
و**ت لا يكمل وعينيه على ما خلفها.. فاستدرات هي ايضا لتلمح ديف كليتون يخرج من مكتبه ويمشي في الرواق ترافقه هيلي كظله .. القى بنظراته عليهما وبدا منزعج وهو يتقدم منهما ويمر بهما :
"سيد كليتون "
حياه سام بلباقة فهز ديف براسه فقط ثم تخطاهما
" يبدو صعب المراس .. هه "
" الويل لهيلي فهي تلاحقه كظله "
ضحك سام وهز براسه موافقا ثم عبثت يديه بخصل شعره الشقراء المرتبة
" بشان العشاء "
اللعنة.. لقد عاد للسؤال نفسه.. وزفرت بسأم...
انهت اني دوام عملها في تمام السادسة مساء كما العادة وعادت برفقة سالي الى الشقة
تسيران وتثرثران معاً عن احداث اليوم عموماً..
تقتربا من المجمع السكني الخاص بموظفي
المشفى حيث تحتل كلتاهما الشقة في الطابق السابع منذ نحو العام
" ربما سيتم تغيير بعض مناوبات الممرضات .. هذه اشاعة سمعتها من عدة اشخاص "
" حقاً ؟! اتمنى الا يفعلوا ذلك بي .. لقد اعتدت على نمط مناوباتي ولا ادري كيف ساحتمل فكرة تغيير المناوبات "
اجابت سالي وهي تهز براسها :
" معك حق .. ثم لو تغير شيء لن يظل الامر على حاله بالنسبة لنا .. الان نحن لدينا المناوبة عينها لو تغير ذلك فلن نرى بعضنا ابداً الا في المناسبات "
" صحيح "
" اه كل الحق على المالك السابق للمشفى .. لما باعها ؟.نحن من يتحمل عبء اوزاره الان "
" لا تذكريني.. كل مايحصل بسببه "
ضحكت سالي لاستيائها وهي تلفها بذراعها وتقول :
" انت اكثر من تضرر منا "
رفعت اني حاجبيها والسخط باد عليها :
" اكاد اقسم بانه كان يستمتع بكل لحظة .. منذ دخلت وحتى خرجت .. وكل قليل يكرر كلمته الساخرة ويذكرني بانني الانسة داريل "
" لكن ما فعله بهيلي .. ذلك شيء يشكر عليه "
ابتسمت موافقة وهي تتذكر ذلك
" صحيح .. معك حق "
" ليته يفعل ذلك مع الدكتورة ماغن .. تلك اللئيمة .. صاحت بي اليوم وكانني عبدة لديها"
" حقودة ومتكبرة ! "
" ليته يطردها "
شدت اني طرفي سترتها البيضاء حولها من نسمات الهواء وهي تتمتم :
"انه مثلها تماماً لذلك لن يطردها .. بل قد يعجب بها.. هه"
ووصلتا نحو الباب الرئيسي الكبير للمجمع ثم دلفتا الى الحديقة الخاصة به ..
مبناهما كان يحمل الرقم خمسة ضمن سبعة مباني صغيرة.. وبطريقهما الى هناك تفاجئتا بشاحنة كبيرة متوقفة عند البناء يعمل اصحابها على انزال اثاث ومستلزمات منزل
" ماالذي يجري هنا ؟!. هل تم استئجار الشقة الاخيرة ؟ "
" ربما .. تعالي لنسأل الناطور "
وتوجهتا نحو السد ريد المسؤول عن المجمع لتسألاه..
اجاب ريد على تساؤلاتهما بابتسامة لطيفة قائلاً :
" صحيح .. لد*كما ضيف ..لقد تم اعطاؤها للسيد كليتون .. المالك الجديد للمشفى "
توقفت انفاس اني وهتفت :
" ماذا ؟!. السيد كليتون ! "
" نعم انسة داريل .. سوف يغدو جاركما في الطابق الثامن "
فركت جبينها لا تحتمل ما يجري فهمست سالي :
" لما .؟. الا يوجد شقة سواها ؟ "
" بصراحة انسه ماركوس .. السيد كليتون حصل على بيانات كاملة لكافة الشقق .. وهو الذي اختار .. على الرغم من انني ظننته سيختار الشقة الثانية في البناء الاول فهي فارغه منذ مدة لكن .. " ورفع حاجبيه
" هذا هو طلبه ونحن سننفذ ..بالنهاية المجمع ملك له الان"
ضمت اني فمها ساخطة حانقة وتركتهما تتجه نحو الداخل .. انها لاتريد سماع المزيد ولا معرفة التفاصيل .. تباً له...
لحقت سالي بها وظلتا صامتتين وهما داخل المصعد .. ثوان طويله واني تتامل الباب الحديدي المغلق .. شاردة حزينة حتى تململت اخيرا و همست :
" انه يتقصد فعل هذا .. لا اعرف لما يخطط ! "
" لما لا تتحدثي معه وتعرفي ؟ "
توقفت انفاسها عن الخروج لمجرد التفكير بفعل ذلك ثم هزت راسها رافضة :
" لا .. لا اريد .. لا اظنها فكرة سديدة " واغلقت جفنيها بعجز " رباه !. لا اظنني سارتاح يوماً .. لن يتركوني وشاني.. ا****ة على ذلك "
***
كان يوم السبت يوماً شاق خصوصاً وان الدكتورة ماغن كانت تطلق سهام سخطها وتكبرها في القسم مما اضطر اني للتحمل رغماً عنها ..وبقوة عظيمة **تت عن الحديث والانفجار في وجهها لما وجهت لها ملاحظة وهي تمر بقرب الغرفة المشرفة عليها في قسم القلبية...
من الجيد انها لا تراها سوى ليوم واحد في الاسبوع والا لكانت قتلتها لترتاح فقط
" اني .. خذي هذه "
" ما هذا ؟!. "
واخذت الورقة من كليو تنظر اليها بتساؤل
" اسماء الممرضات وتوزيع مناوباتهن الجديدة "
اسدلت عينيها تنظر بامعان الى الاسماء المتعددة .. تلاحظ ان اسم سالي و كليو وحتى ايلا غير موجود .. فقط اسمها هي وفي نهاية الاسماء .. لقد تغيرت فئتها فاصبحت ضمن المناوبة ( B ) وهي من اصعب المناوبات في المشفى واكثرهن تعباً ..
ركزت عينيها على الاحرف والنار تغلي داخلها تضم فمها بقوة كي لا تشتم ..
ذلك الوغد.. ما الذي يريده منها ؟. ان يحول حياتها لجحيم ؟.
وتركت مكانها فور انتهاء وقت الدوام تتجه الى الطابق الثاني في البناء الشمالي حيث مكتبه..
" لوري "
" اهلا اني .. كيف يمكنني ان اساعدك ؟ "
وابتسمت لوري لها بلطف فعقدت اني ذراعيها فوق سترتها الزرقاء القماشية واجابت :
" اريد رؤية السيد كليتون .. لو سمحت "
" لحظة فقط .. دعيني اسئله "
ورفعت سماعة الهاتف تطلبه فقضمت اني شفتها منتظرة
" عفواً سيدي .. لكن لدي الانسه داريل هنا وتريد رؤيتك .. اها .. لحظة .. "ونظرت اليها
تسالها " أبشان تغيير المناوبات ؟ "
" نعم "
" نعم سيدي .. بشان ذلك .. هممم .. حسناً حاضر "
واقفلت الخط متمهلة
" السيد كليتون قال بانه مشغول ..يمكنك ترك اعتراضك عند السيد هيلي ..فهي المسؤولة عنك"
شدت قبضتيها تكتم غيظها ثم هزت راسها :
" حسناً لوري .. اشكرك "
وارتدت على عقبيها تتمنى لو يظهر بوجهها الان لتقتله ..
...........