الفصل الثالث :

2120 Words
سالها سام وهما يجل**ن معاً الى طاولة صغيرة في المطعم عن الامر.. يبدو منزعج مثلها : " وهل كلمت السيدة هيلي ؟ " " نعم فعلت ..لكنها كما العادة قالت بانه قرار اداري ولا يمكن تغييره .." وتن*دت تفرك جبينها بسام " اسفه.. منذ وصلنا وانا اتحدث عن مشكلتي.. لابد اني اثقلت راسك " " لا تقولي ذلك .. انها مشكلة حقيقية .. يسرني ان تشاركيني بها " ابتسمت له ممتنة ورفعت كاسها لترشف منه " يبدو بان صاحب المشكلة هنا " انزلت الكاس تضعه جانباً وادارت عينيها فوقعت نظراتها على ديف الذي دخل برفقة الدكتور رولاند رئيس الاطباء في المشفى .. وشعرت بالغضب والكره نحوه يملأ كيانها .. " سمعت بانه يقيم في الشقة الثامنة ..في المبنى عينه الذي تقيمين فيه " عادت نحو سام لتجيبه : " صحيح .. هذا ما سمعته ايضاً .. كانوا يعملون على نقل الاثاث له لكنه لم ينتقل بعد " " اذاً سنراه هنا كثيراً .. بما انه المطعم الوحيد التابع للمجمع " رفعت حاجبيها غير مهتمة لكن ض*بات قلبها تسارعت رغماً عنها لفكرة بقائه بقربها .. ليتها فقط تقف بوجهه وتصرخ به وربما تصفعه لتزيل هذا الغضب من داخلها .. وشدت اصابعها حول الكاس تاخذ نفس عميق ثم قبل ان تخنها شجاعتها تركت مكانها ووقفت " لاين اني ؟ " " فقط لحظة .. سوف اعود " وتحركت مصرة نحو مكان جلوسه تقترب من الطاولة وتقف هناك مما جعل العيون تتجه اليها.. حيّت بأدب الدكتور رولاند ثم استدارت اليه.. ليتبدل اللطف في ملامحها " الوصول اليك اصعب من رؤية الرئيس " رولاند ضحك ..سمعت ذلك.. لكن ديف ظل مسترخ في جلسته يراقبها بعيون لامعه وهي تتابع : " بشان المناوبات " قاطعها على الفور ببرود : " اسف لكنني لا اعمل خارج المشفى.. انسه داريل " وادار وجهه عنها يحمل كاس شرابه وكانه بذلك ينهي حديثهما ويطردها ففتحت فمها تنطق بسخط: " ولا داخل المشفى .. يبدو بانك لا تعمل ابداً.. سيد كليتون " حل ال**ت.. رولاند راقبها مستغرباً فيما ادار ديف عينيه برويد نحوها وهو عابس يدقق بها فوقفت متحدية لا تتراجع " عفواً !! " " ان كنت لا استطيع محادثتك داخل المشفى واثناء الدوام ولا خارجها واثناء الاستراحة.. فمتى يمكنني ذلك ؟. في الاحلام ؟! " ابتسامة ساخرة توضعت على ركن شفتيه فازداد وسامة.. اللعين .. ونهرت نفسها لا تريد التفكير بجماله.. الوقت غير مناسب لذلك الان " اترينني في احلامك ؟. " زفرت انفاسها امام سخريته لا تحتمل وجسدها يغدو كتلة من التوتر " هذا ليس ما عنيته " " جيد .. اعذرينا الان " وعادت عينيه نحو الدكتور رولاند يطردها بادب .. تاملته اني لثوان .. بدأً بقميصه الرمادي وسترته السوداء .. عنقه وذقنه الحليقة .. ثم خصل شعره السوداءالمقصوصة.. والتوت شفتيها بابتسامة واهنة تهمس له : " هذه صفة جديدة اكتشفها فيك .. هه .. وهي تؤكد لي بانني كنت على حق " عضلة فكه انتفضت بوضوح وتسمرت عينيه للامام مما جعلها تهز راسها مستسلمة وتسير مبتعده عنه " ماذا حصل ؟ " جلست الى كرسيها من جديد تشعر بغصة باكية تملا حنجرتها فابتلعت ل**بها واجابت : " لا شيء .. هلا نغيير الموضوع ؟ " " مؤكد " وابتسم سام لها بتفهم يلاحظ عينيها الدامعتين ووجهها المرتبك الخجل .. .............. ........ رافقها سام بعد العشاء الى المبنى ثم ودعها وانصرف بنحية لطيفة مؤدبة.. فاقتربت هي تضغط زر المصعد وتقف لتنتظره.. عينيها حدقتا بالباب الحديدي امامها وحل الشرود عليها.. تعود للذكريات القديمة.. تتذكر ابتسامته اللطيفة ونظراته المحببة.. كل ذلك كان كذب.. كله.. منذ التقيا وحتى رحلت.. كل تفصيل وكل ذكرى .. ورفت بجفنيها ونظراتها هائمة تائهة .. كانت مجرد شيء يريده ويدفع مقابلاً له .. سلعة يشتريها بامواله ليعبث بها وبمشاعرها وهي ولغبائها لم تلاحظ .. وعقدت ذراعيها حول نفسها تشعر ببرودة الماضي تض*ب جسدها عميقاً وتثير في خلاياها الرعشة .. هو ووالدها معاً .. وقد اكتشفت ذلك متاخراً جداً .. جداً .. بعد ان وقعت اوراق الزواج المدنية واصبحت زوجته رسمياً.. كان كل مابقي هو المراسم الدينية في الكنيسة .. لكن كبريائها لم يسمح لها بالبقاء.. ولا للحظة اخرى واحرقت الدموع عينيها لمرارة الذكريات .. لتلك الكلمات التي لا تفتئ تتكرر في عقلها .. وهي تقف خلف الباب بابتسامة مشعه وثوب ابيض.. كلمات جعلت من السعادة هباء ومن الاحلام بنايا محطمة.. عرفت حينها مامعنى ان تعيش وهماً وتبني عليه امآلاً لتراها اخيراً تندثر امامك بسهولة.. وتقف عاجزاً عن فعل شيء لايقاف ذلك.. الابتسامة غادرت وجهها منذ ذلك اليوم ولم تعد .. والثوب الابيض الذي كاد يخنقها تركته في غرفتها مشقق مبعثر ومرمي جانباً .. وحين جلست لتخط له كلمات لاذعه مودعة كانت قد وصلت للحد الاخير من القوة والشجاعه .. دموعها بللت الورقة يومها رغماً عنها وشوشت رؤيتها وهي تكتب ما تبادر الى ذهنها من كلمات جريحة حزينة.. ضمت شفتيها المرتعشين وقلبها يصرخ باسى وحسرة لايريد التذكر ولا يريد العودة الى تلك اللحظات المميتة القاسية " لقد وصل المصعد " ايقظتها كلمات اتت من خلفها فعادت لارض الواقع تلاحظ بان هذا الصوت ليس بغريب عليها .. فيما تقدم ديف ليصعد داخل المصعد الذي وصل للتو.. فظلت هي واقفة مسمرة تراقبه .. امتدت يده لتوقف الباب عن الانغلاق من اجلها وعاد ليقول لها : " هيا اصعدي " رفت اني بجفنيها وهي تبتلع الغصة الشائكة في حنجرتها وببطء خطت للخلف بعيداً عنه.. ضاقت حدقتي ديف عليها ونظراتهما لا تنفصلان ثم هز براسه متفهماً وحرر الباب من قبضته " كما تشائين " والتوت شفته بابتسامة ساخرة ثم تراجع خطوة عنها وانغلق الباب اخيراً ليفصلهما عن بعض ويحررها من سطوة وجوده ودقة نظراته.. الهدوء عاد ليسود في ردهة الدخول .. وازدرت اني ل**بها الجاف تشعر بجسدها هش مرتجف ثم اسدلت جفنيها مستسلمة فانسابت دمعاتها سريعاً على وجنتيها.. ترفع يدها المرتجفة لتريحها عند قلبها الخافق بجنون وتهمس في داخلها " اهدا ارجوك .. لا تفعل هذا .. ليس مجدداً " ** *** ** كان الاحد هو يوم العطلة فاستيقظت الشابتان بوقت متاخر.. تناولتا افطارهما بارتياح على الشرفة ثم شرعتا وكما العادة بحملة التنظيف الاسبوعية للشقة... كانت اني مبللة بالكامل وتضع على شعرها المعقود للخلف منديل قماشي كي لا يتسخ بالغبار حين سمعت رنين جرس الباب " سالي .. افتحي الباب " سالي لم تجب .. لربما لم تسمع لذلك فتاففت واضطرت هي للدخول .. تتجه نحوه وتفتحه ثم تقف عابسة بوجه ديف " نعم " " صباح الخير " ولمعت عينيه وهو يتاملها مستمتعاً ساخراً .. مما جعلها ترد عليه بسام : " خير ؟؟ اي خير ؟. ماذا تريد ؟ " " من بالباب اني ؟ " وظهرت سالي بقربها وهي مقطبة ثم همست : " أ...سيد كليتون .. اهلا بك ..تفضل بالدخول " قبضت اني على حافة الباب لا تفتحه بشكل كامل وهي تهتف : " لكننا لسنا متفرغتين .. لا اظنها فكرة جيدة " ورمقت سالي بامتعاض للفكرة السخيفة التي عرضتها مما جعله يتحدث بهدوء : " لا تنسي بان هذا المبنى ملك لي .. آني " انه يقول اسمها للمرة الاولى وبطلاقة .. كم مر من الوقت على اخر مرة ناداها باسمها ؟. وتذكرت .. كانا في مبنى البلدية بعد ان وقعا اوراق الزواج .. حينها قبلها ثم همس في اذنها " لقد اصبحت لي الان آني .. ملك لي ولاخر العمر " نفضت الذكريات بعنف عنها لتجيبه هازئة : " وهل تريد نسخة عن المفاتيح.. بما انها لك ؟ " اص*رت سالي ضحكة خافتة ثم وضعت يدها على فمها لتخفي ذلك لكن كلتاهما لمحتا ابتسامة تتوضع على شفتي ديف وهو يومئ براسه ويجيب : " الهي .. الانسان لا يتغير " " بل يتغير .. للاسوء .. اذا تصادف وعاشر اناس واشخاص سيئين وكاذبين .. والان .. بما اساعدك ؟ " " كل ما اردته هو القليل من القهوة آني .. فقط " كادت سالي تتكلم لكن اني قاطعتها بخفة : " لقد نفذت القهوة من عندنا .. للاسف .. حظك عاثر دائماً على مايبدو .. لما لا تسال الجيران في الاسفل ؟. او ربما تقصد المحل التجاري وتشتري هذا افضل لك " وضع يديه في جيبي بنطاله الرياضي الاسود يدقق بها بسرور وكانه يستمتع في استفزازها ثم تراجع للخلف قائلاً : " نصيحه جيدة .. حسناً .. استمتعي في دوامك الجديد غداً " ونظر الى سالي " طاب نهاركِ " وارتد على عقبيه مبتعداً فضغطت اني على فكها والغضب يغلي داخلها.. فيما تضحك سالي بقوة ودلفتا الى الشقة من جديد " ذلك الحقير .. النذل .. انه يهددني ويسخر مني " " انه لطيف حقاً .. ومضحك جداً " " سالي " ورمقتها عابسة ثم عادت الى عملها علها تنسى صورة وجهه الباسم وعينيه اللامعتين ** ** كان اليوم الاول للمناوبة هو الاصعب فهي لم تعتد الامر بعد .. وانشغلت مابين تفقد المرضى في قسم القلب والعمل على ترتيب ملفاتهم ثم الوقوف في مكتب الاستقبال الخاص بالقسم لتشرف على الدخول والزيارات ... عندما عادت الى الشقة كانت منهوكة القوى وكادت تفتح الباب حين سبقتها سالي بفتحه وظهرت بوجهها " اه .. جئت ؟! " " نعم " " تبدين بحالة " ورفعت حاجبيها "يائسة.. هه " ضحكت اني رغماً عنها وتطلب ذلك مجهود قوي منها .. ثم اجابت : " صحيح .. ستذهبين ؟ " " نعم .. ساعود عند السادسة صباحاً كما العادة " " حسناً بالتوفيق " وتنحت جانباً تسمح لها بالمرور " تركت لك طعام على المائدة " "اشك بان لدي القدرة على تحريك فكي والاكل فالامر يتطلب جهد كبير " ضحكت سالي تهز براسها وسارت مبتعدة : " كلي وتوجهي نحو السرير .. اراك صباحاً .. احلام سعيدة " " ولك ايضاً .. وداعاً " ودلفت نحو الشقة الصغيرة المعتمة .. تضيء الضوء وتنظر حولها في المكان الساكن .. الهي .. كل ماتريده هو وضع راسها على الوسادة .. ربما الشيء الوحيد الجيد في امر تغيير مناوباتها هو الارهاق .. فقد غطت في النوم فور وصولها الى السرير ولم تكد تذكر حتى ماذا فعلت قبل ذلك .. ان الامر ربما لصالحها ..هذا مافكرت به وهو تدخل صباح اليوم التالي نحو غرفة المريضة رقم ثمانية تهتفت بصوت لطيف وابتسامة محببة : " صباح الخير " وجه المريضة شع فرحاً على الفور حين راتها وتململت في سريرها تهمس : " اه واخيراً جئت .. مللت بدونك " " اسفة ..لكن جرى بعض التعديلات على برنامج مناوباتي وبذلك سوف تريني هنا يومي الاثنين والجمعة فقط. " " اه لا ..!! " لوت اني شفتها وهي تتقدم لتتفقد مؤشراتها الحيوية وقالت : " نعم للاسف .. اذاً .. كيف حالك انت ؟ " " جيدة .. جيم خرج لياكل وانا لوحدي كما ترين " " وكارول .. الم تتصل ؟ " حل الحزن على وجه السيدة مادلين وهي تهز براسها " لا لم تحضر حتى ..يبدو بانها لن تسامحني يوماً لانني كنت ام جيدة لها .. لما كل الاولاد هكذا ..؟. بعد كل عناءنا معهم يكبرون ويتركونا ؟! " **تت لا تجيب .. ولم تدري لما حلت صورة وجه والدها امام ناظريها .. ترى ماذا يفعل ؟. هل يحس ايضاً بالامر عينه ؟. لكن خطأ والدها بحقها لا يغتفر ولا ينسى .. اثناء وقوفها في مكتب الاستقبال داخل قسم الطوارئ خلال اليوم نفسه تطرقت زميلتها ميغ الى موضوع حفل الاستقبال الذي سيقام في المطعم التابع للمجمع للترحيب بالمدير الجديد .. قائلة بانه سيكون ربما يوم الخميس.. اني **تت ولم تعلق وكأن الامر لا يعنيها .. حتى لو اقيمت حفلة لاجله هي لن تذهب .. وعلى كل يوم الخميس ستكون مناوبتها مسائية وبذلك ستجد حجة كي لا تكون متواجدة هناك " أكل شيء على مايرام ؟ " رفعت راسها تبعد عينيها عن الملفات بين يديها وهي مستريحة خلف مكتب الاستقبال على طاولة حديدية صغيرة .. لتجد ديف يقف مقابلاً لها ويده تستند الى حافة مكتب القسم.. ميغ هتفت بسرعة وتوتر : " سيد كليتون .. نعم .. كل الامور بخير " اعادت هي عينيها نحو الاوراق تتصرف بتجاهل حتى يرحل تشعر بض*بات قلبها تتسارع لوجوده قريباً .. تباً .. لما يثير هذه العاصفة داخلها ؟. مؤكد بسبب كرهها الشديد له .. " اريدك ان ترافقيني بجولة في القسم .. انسة داريل .. هيا " نظراتها عادت اليه سريعاً بصدمة وتوقفت انفاسها وهي ترد بطريقة حذرة : " لدي عمل كثير " " ستكمليه لاحقاً " واسدل يده عن الحافة وتراجع " تفضلي " " حسناً " تاففت وهي تترك كرسيها وتلتف من خلف طاولة القسم لتصبح بقربه .. ترتدي ثياب التمريض الخاصة وتعقد شعرها الاشقر للخلف.. سار ديف بخطاً واثقة امامها داخل الرواق وهي تساير مسيرته وتلحق به متمهلة يديها خلف ظهرها فتفرك اصابعها ببعض.. فيما ظل ال**ت وليد اللحظة .. لم ينطق كلاهما .. وعيني اني ارتدت نحوه رغماً عنها.. تترك نظراتها لتتامل تفاصيله من الخلف .. بنطال جينز غامق .. وسترة رسمية سوداء .. ياقة قميصه الابيض بانت اسفل عنقه .. يمشي كما العادة بخطوات هادئة وكان لاشيء يعنيه .. وكان لاشيء يخيفه او يؤثر به .. وكانه لم يشعر يوماً او يضعف .. هي لا تظنه فعل ..ليس معها ولا مع اي انسان اخر .. ولا ربما والديه حتى .. وتذكرت حين حدثها عن والدته التي تركت المنزل وهربت في يوم من الايام .. عن والده الذي بات مختلف متباعد واخيراً قضى السرطان عليه .. عن تركة جدته التي جعلته اغنى رجال المقاطعة .. اكان ذلك صحيحاً ام كذب ..؟. فهي لم تعد تعرف .. ولما تصدق بعد كل ما سمعته ذلك اليوم .. انها لم تعد تعرف اي من كلماته كان حقيقة وايها نفاق .. وكم كان ذلك مؤلماً !!
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD