الفصل الأول
من نافذة سيارتها الفورد الحمراء..نظرت هزان إلى صديقتها بهار ( بينار دينيز) و قالت" بيبا..هادي أتلا..اصعدي" التفتت إليها بهار و قالت" أين أنت يا مجنونة؟ نكاد نتأخر على التدريب" ابتسمت هزان و هزت كتفيها بلامبالاة..صعدت بهار بجانبها و ضربتها بخفة على كتفها و هي تقول" ألن تتغيري؟ يجب أن تأخذي بعض الأمور بجدية..الحياة ليست عبارة عن لهو و لعب و مغامرة" ضحكت هزان بصوت عال و قالت" لن أتغير..أنت صديقتي منذ الطفولة و تعرفين أنني أعشق الإثارة و المغامرة و الضحك..ليس هنالك ما يدعو للجدية و الدراما..غني و ارقصي و العبي و قللي من التفكير..سنعيش الحياة لمرة واحدة فقط" ثم مدت يدها و رفعت صوت الموسيقى و أخذت تقود و تتمايل..هزان شامكران ..فتاة جميلة..تعشق الحياة و تعيشها بإقبال عليها..تضحك..ترقص..تغني..تسهر..تكره البكاء و الدراما..تواجه مشاكلها بلامبالاة و بابتسامة ساخرة..تبلغ من العمر أربعا و عشرين سنة..هي وحيدة أبويها أمين و فضيلة..مدللة و محبوبة..بعد نجاحها في البكالوريا..درست لسنتين إدارة أعمال..لكنها لم تنجح..لأنها بإختصار لا تحب إدارة الأعمال..درستها بطلب من أبيها..عله يسلمها شركاته بعد مدة من الزمن..و بعد رسوبها..قررت أن تدرس ما تحب..الرياضة..و هاهي في السنة الثانية..ناجحة و متفوقة..و في نفس الوقت..قررت الإنظمام إلى فريق كرة السلة..تعشق تلك اللعبة..و تتفوق فيها منذ الصغر..و اليوم..أول تدريب لها مع فريق الجامعة..أوقفت هزان سيارتها في المرآب و أخذت حقيبتها و هي تقول" أرأيت بيبا..ها قد وصلنا قبل الحصة التدريبية بربع ساعة..لا داعي للتوتر ..هيا..لنغير ملابسنا" ابتسمت بهار و تبعتها إلى غرفة التبديل..و ما إن تجاوزت هزان باب الغرفة حتى رمقتها إحدى الفتيات الموجودات بنظرة حادة و تأففت بصوت مسموع..انها إيليف( نسرين جواد زادة) ..عدوتها اللدودة منذ أيام المدرسة..تكرهها و تغار منها دون سبب..كان التنافس بينهما في الدراسة..و كان التفوق دائما من نصيب هزان..لذلك لا تطيقها و لا تطيق التواجد معها في مكان واحد..ابتسمت هزان و تجاهلتها..حيت البنات الموجودات و غيرت ثيابها.. ارتدت بدلة رياضية مكونة من قميص دون أكمام و سروال قصير بلونين وردي و رمادي و حذاء بنفس اللون و جمعت شعرها القصير إلى أعلى..تحركت الفتيات نحو القاعة الرياضية و تجمعن أمام المدرب..رجل في الثلاثين من عمره..بجسد رشيق و وجه وسيم و عيون بلورية..وقفت هزان بجانب بهار التي شهقت بصوت عالي و قالت" هزان..انظري..أليس هذا هو ؟؟" التفتت هزان إلى المدرب ثم أجابت" نعم..انه هو..اصمتي " ..تكلم المدرب قائلا" مرحبا يا فتيات..أنا ياغيز إيجمان..مدرب الفريق..أتمنى أن تنظروا إلى هذه اللعبة بجدية و ألا تعتبروها تضييعا للوقت..ستخضعن إلى تدريبات قاسية و إلى اختبارات متتالية لإختيار القائمة النهائية للفريق..سأذكر إسم كل واحدة فيكن و لترفع يدها إذا سمحتن" و رفع نظره و أخذ ينادي بأسمائهن الواحدة تلو الأخرى..بقيت هزان للأخير..نظر إليها للحظات ثم قال" هزان شامكران" رفعت يدها و تقدمت نحوه..قال" سمعتك تسبقك آنسة هزان..أستاذ الرياضة حدثني عنك بصفة خاصة..لكن معاييري مختلفة ..أتمنى أن تكوني عند حسن ظني" هزت هزان رأسها و قالت" ميراك ايتما كوتش..سأكون عند حسن ظنك" نظر إليها و لم يقل شيئا..أطلق صافرة و أشار إليهن لكي يصطففن و تنطلقن في الجري..في صف طويل جرت الفتيات حول الملعب..اقتربت بهار من هزان و همست" لا أكاد أصدق..إنه هو..كم أنت محظوظة" ابتسمت هزان و قالت" أعلم ذلك..الآن سيصبح الأمر أكثر متعة..سترين" همست بهار" مجنونة" نظرت إليها هزان و غمزتها بخفة..تجمعن بعد لحظات حول ياغيز الذي أراهن عددا من الحركات الإحمائية و أخذن يكررنها..تجول هو بينهن يصحح وضعياتهن ..هذه تنحني بشكل خاطئ..و أخرى تقف مائلة..وقف خلف هزان و وضع يده وراء ظهرها بخفة و هو يقول" استقيمي..ايفيت..بويلي..هكذا..أحسنت" ابتسمت له هزان فأشاح بوجهه بسرعة..هكذا هو..جدي و صارم..ينظر إلى الحياة بطريقة مختلفة..تخطيط و تفكير ..جدية و انضباط..يعيش حسب مبادئ و ضوابط لا يتنازل عنها..شخص مميز و راقي..متحصل على الدكتوراه في علوم الرياضة ..و يعشق لعبة كرة السلة إلى حد كبير..بعد لحظات..قام بتقسيم الفتيات إلى مجموعتين لكي يخضن مباراة تحضيرية"... قيادة الفريق الأول كانت من نصيب هزان أما قيادة الفريق الثاني فكانت من نصيب إيليف..و انطلقت المباراة..هجمة من جانب فريق إيليف..تصدت بهار لها و افتكت منها الكرة..ثم مررتها بخفة إلى هزان التي ارتقت فوق الجميع و سجلت أول سلة من فئة نقطتين..صفق ياغيز و قال" برافو هزان..جيد..عودوا إلى الدفاع..يجب أن تكونوا أسرع..نعم..هكذا..احذري إيليف" ..تتالت الهجمات من هنا و هناك..و اشتد التنافس بين هزان و إيليف..لكلتيهما خاصياتها و حركاتها..لكن هزان تتفوق قليلا من حيث المراوغات و التسديدات المركزة..وضع ياغيز الصافرة بين شفتيه استعدادا لإنهاء المباراة على نتيجة التعادل و في نفس اللحظة تخلصت هزان من المراقبة الشديدة و سددت الكرة لتسجل ثلاث نقاط **ب بها فريقها اللقاء..رفعت هزان يديها عاليا و قالت" نعم..لقد فعلتها" ثم انطلقت تجري و أخذت تعانق رفيقاتها..نظر إليها ياغيز و ابتسم ابتسامة خفيفة ثم أخفاها و أطلق الصافرة فتجمعت الفتيات حوله..قال" برافو لكلا الفريقين..إيليف حاولي التركيز على الكرة عوض التركيز على هزان..بهار الجانب الدفاعي لد*ك ممتاز..إيلا تصويباتك تحتاج أكثر دقة..أيلام حاولي أن تسرعي حركاتك أكثر..هزان أنت مميزة حقا..لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد لد*ك بعض النقائص التي سنعمل على تلافيها..أحسنتن أيتها الفتيات..انتهى تدريب اليوم..نلتقي غدا" ..تحرك ياغيز مبتعدا عنهن..وضع حقيبته السوداء على كتفه و دخل إلى مكتبه..أغلق الباب وراءه و ارتمى على الكرسي..أخرج هاتفه من جيبه و تأفف بضيق عندما رأى العدد الهائل من الإتصالات..عشرون اتصالا من جيمري..خطيبته..( خديجة شانديل) ..أغمض عينيه و قال بصوت مختنق" يا الله..متى ستفهم هذه المرأة أنني أكره المحاصرة ؟ متى ستفهم أن هذا يخنقني؟ لقد تعبت"..