سمع ياغيز طرقات على الباب فقال " ادخل" ..دخلت جيمري و هي تقول" حبي..أين أنت..لقد اتصلت بك كثيرا لكنك لم ترد" وقف ياغيز بتثاقل و رد " كما ترين..لقد كان لدي تدريب" اقتربت منه و لفت ذراعيها حول عنقه و قالت"حياتي..أنت تعلم أنني أعشقك كثيرا و أفتقدك عندما لا نكون معا..لذلك.." قاطعها" جيمري..و أنت تعلمين أنني أكره المحاصرة و الضغط..يابما بونو..لا تفعلي هذا" قبلت جيمري خده و قالت" تمام..فهمت..لا تغضب..لقد انتهى عملك هنا..أليس كذلك؟" هز رأسه فأضافت" أنا أدعوك على الغداء" ابتسم و قال" تمام..سأستحم و ألحق بك" انتظرها لكي تزيح يديها عنه لكنها لم تفعل..بل قربت فمها من أذنه و همست" رائحتك مميزة..تفدني صوابي" ثم نظرت إليه و قالت" سأنتظرك في السيارة..لا تتأخر" و تحركت مبتعدة عنه..تحت مياه الحمام الدافئة..وقف ياغيز و هو يمرر أصابعه في شعره..جيمري هي ابنة شريك والده..قدير دوغان..حازم و قدير صديقان منذ زمن بعيد..و تشاركا معا في أعمال و مشاريع..ياغيز هو الإبن الثاني لعائلة إيجمان ..لكنه صار وحيدا بعد وفاة أخيه جوكهان منذ سنة في حادث سيارة..كان يعيش حياة مختلفة جدا قبل تلك الحادثة..يضحك كثيرا..يفعل ما يريده..يقطن في شقته في البلازا..ثم تغير كل شيء..صار والداه يريان فيه ولدهما الوحيد الذي يرغبان في المحافظة عليه و حمايته..لم يعودا قادرين على تحمل خسارة أخرى..صارا يسيران حياته و يتحكمان في كل تفاصيلها..أصرا على عودته إلى القصر و الإقامة معهما..ثم صارا يخططان لزواجه من جيمري..صحيح أنه يكن لها بعض المشاعر الهادئة ..هما أصدقاء منذ الطفولة..و مقربان جدا..لكنه لا يعشقها إلى تلك الدرجة التي تجعله يتحمل طبعها الثقيل..هي تحبه إلى درجة جنونية..تحاصره و تخنقه و تضغط عليه..و تريده أن يبادلها نفس المحبة ..لا يريد أن يغضب أبويه منه..فبعد وفاة أخيه زادت حساسيتهما و صارا يحزنان بسرعة..هما يريان في جيمري الزوجة المناسبة له ..فتاة مثقفة و مهذبة و ابنة عائلة محترمة..أما هو فيسايرهما فقط..لذلك اكتست حياته طابعا جديا أكثر من اللازم..و صار لا يرى أهمية فيما يريده هو أو يرغب فيه..أنهى حمامه و التحق بخطيبته في سيارتها..اقتربت منه جيمري و قبلته..تحركت هزان بسيارتها بالقرب منهما و رأتهما..ابتسمت بهار و قالت لها" ..مؤسف..يبدو أنك ستخسرين الرهان سيدة هزان" رمقتها هزان بنظرة حادة و قالت" و منذ متى كنت أخسر الرهان؟ ..كأنك لا تعرفينني"..
قادت هزان السيارة و هي تنظر من حين لآخر إلى صديقتها التي كانت تبتسم لكي تغيظها..ردت هزان عليها بابتسامة و عادت بذاكرتها إلى ما حدث صدفة قبل يومين..كانتا في مقهى تجلسان كعادتهما..و تتمازحان..قالت بهار" أنا أشعر بالملل..منذ رهاننا السابق و الذي **بته كعادتك..لم نتراهن ..تراهنا حول كرة القدم..حول الموضة..حول الممثلين..حول الطقس..و **بتي في كل مرة ..لم يبقى سوى.." نظرت إليها هزان و هي ترتشف رشفة من عصير المانغو ثم سألت" سوى ماذا؟ قولي" أجابت" الرجال..ما رأيك..هل نتراهن على قدرتك على الإيقاع بأي رجل تريدين؟" ضحكت هزان بصوت عالي و قالت" حسنا..نتراهن..اختاري الرجل المناسب" نظرت بهار حولها و قالت" تمام..أول رجل يدخل من هذا الباب سيكون هو الرجل المقصود..ما رأيك؟" هزت رأسها و اجابت" موافقة" ابتسمت بهار و قالت بسخرية" لن تتراجعي حتى و لو كان الرجل بشعا أو أصلعا أو ذا بطن كبيرة" قالت"لا تقلقي..لن أتراج..وعدي وعد" تعلقت عيون الفتاتين بالباب تنتظران دخول الرجل المتراهن عليه..مرت عشر دقائق دون نتيجة..ثم فتح باب المقهى و دخل رجل وسيم ..طويل القامة..زاد قميصه الأخضر من لمعان عيونه البلورية..جلس على الطاولة القريبة منهما..و أخذ ينظر إلى هاتفه..غمزت بهار هزان و قالت" كم أنت محظوظة يا هذه..انظري إلى هذا الرجل الوسيم..هل ما زلت عند كلامك؟" ابتسمت هزان و أجابت" أنا دائما عند كلامي" وضعت بهار يدها في يد هزان و قالت" أنا أراهنك أنك لن تكوني قادرة على الإيقاع به..يبدو رجلا جادا و صارما..ستخسرين الرهان هذه المرة" ضغطت هزان على يد صديقتها و قالت" سأربح الرهان..و سترين" ..رفعت هزان صوت الموسيقى في سيارتها و أخذت تغني بأعلى صوتها..ضحكت بهار و قالت" مجنونة..أوصلت هزان صديقتها بهار إلى منزلها ثم عادت إلى البيت..رمت حقيبتها على سريرها و جلست على الكرسي قبالة النافذة..أخذت هاتفها و راحت تتصفح الفايسبوك..وجدت صفحة بإسمه..نظرت إلى صورته..ثم حاولت الدخول إلى صوره الخاصة لكنها لم تستطع..الولوج إلى ملفاته الشخصية مقتصر على الأصدقاء..لم تتردد لحظة في إرسال طلب صداقة إليه..تريد أن تعرف عنه كل شيء..أن تقترب من عالمه الخاص لكي تنجح في إيقاعه..فركت يديها ببعضهما بحماس و ابتسمت ابتسامة عريضة..هذا ما يجعل حياتها مختلفة و ممتعة..الحماس و الإثارة و المغامرة..يخفق قلبها بشدة و تكتسي أيامها نسقا سريعا و رائعا..لم تعرف في حياتها طعم الحب..لا تعترف به..ترى فيه مص*را للألم و العذاب و الدموع..و هي تكره ذلك..و تكره إضاعة الوقت في خلق دراما و مشاكل ..الحياة قصيرة و لا تحتمل ذلك..سمعت امها تنادي فانتفضت واقفة و جرت على الدرج و هي تصيح" غيليوروم آني..قادمة يا أمي" ..دخلت إلى الصالون حيث كانت فضيلة تجلس مع أمين..قبلت هزان والديها و جلست قبالتهما..قالت فضيلة" جنم..هل أنت جائعة؟" أجابت" اووو.جدت..أكاد أموت من جوعي..مثل الذئب" نادت فضيلة المدبرة المنزلية و قالت" جهزي لنا طعام الغداء" ..نظر أمين إليها و قال" كيف حال التدريب؟" هزت رأسها و قالت" رائع..أتنافس مع إيليف كعادتي..و التنافس سيكون على أشده خاصة على قيادة الفريق" ابتسم والدها و قال" أنا أثق بك..و أعلم أنك ستتفوقين كالعادة..لكن.." قاطعته" بابا..لا تفعل..أرجوك..لا تفتح موضوع الشركات و إدارتها مرة أخرى..أنا لا أفلح في ذلك..و أنت تعلم" هز الرجل رأسه بصمت..ارتمت عليه هزان و قبلته ثم أخذت تداعبه و تدغدغه لكي يضحك..في مطعم..جلس ياغيز قبالة جيمري يتناولان طعام الغداء..قالت" حياتي..ما رأيك أن تأتي معي للقاء أصدقائنا؟ أنت تتهرب منهم منذ زمن" رفع يده و اجاب" لا..لا أريد..أنت تعلمين أنني لا أتفق مع أحد منهم..أحاديثهم تافهة و سطحية..لا أحتملهم" ..تأففت جيمري بضيق و قالت" أوف يا..ياغيز..لم تكن هكذا في السابق.. ماذا حصل لك؟" ارتشف رشفة من كأس نبيذه ثم أجاب" جيمري..أنت تعلمين ما حدث..حياتي تغيرت منذ ذلك اليوم المشؤوم..أصبحت شخصا آخرا..فقدت حياتي السابقة إلى الأبد..صرت بعيدا جدا عن الجميع..أفكر في الموت أكثر من الحياة..آخذ الأمور بجدية و بنظرة قاتمة..صرت أكره الإكتظاظ و الأحاديث التافهة..صرت لا أجد راحة سوى في الرياضة و في لعبة كرة السلة .." قاطعته" و أنا؟ ألا أخفف عنك ما تمر به؟ ألا يكفيك حبي؟" تن*د بعمق و قال و هو يضع يده على يدها" جيمري..حبيبتي..أنت تعلمين ما يضايقني و مع ذلك تفعلينه و بإصرار..أنت صديقتي المقربة قبل أن تكوني خطيبتي و حبيبتي..أرجوك..توقفي عن محاصرتي و الإتصال بي لأكثر من خمسين مرة في اليوم..تعرفين كل الأماكن التي أتواجد فيها..و تعرفين أنني لا أحتمل الضغط و أنني أختنق بسرعة..ارجوك..توقفي عن فعل ما يضايقني..اتفقنا؟" ضغطت بأصابعها على يده و قالت" أعتذر حياتي..أحبك جدا و أخشى أن أفقدك..لذلك أتصرف بطريقة مزعجة جدا..أنا آسفة" هز ياغيز رأسه و قال"لا تعتذري..لا مشكلة..سأكون في شقتي هذه الليلة..تعالي إلي إذا أردت" ابتسمت و قالت" سأتخلص بسرعة من أصدقائي ثم آتي إليك" صمتت قليلا ثم أضافت"اشتقت اليك كثيرا" نظر إليها و قال" و أنا أيضا" ..كان يعلم في قرارة نفسه أنه لا يحبها بنفس درجة حبها له..تعلقها به يصبح مرضيا في أغلب الأحيان..يزعجه و يطبق على ص*ره..يضايقه و يخنقه..و هو الآن في أمس الحاجة إلى الراحة..فالضغط المفروض عليه من قبل والديه و تحكمهما في حياته و محاصرتهما له بحجة حمايته و الخوف عليه يخنقه بما فيه الكفاية..و ينتظر منها أن تكون هي مص*ر راحته و سكونه ..لكنها تفشل في ذلك في أغلب الأوقات..لم يصادف إلى الآن ذلك العشق الذي من شأنه أن يحرق جنبيه و يلهب قلبه بمشاعر لم يعرفها من قبل..لم يقابل إلى الآن تلك المرأة التي يكون عاجزا أمامها عن السيطرة على نفسه أو عن تكذيب أحاسيسه..لم يواجه إلى الآن امرأة تكون عبارة عن جحيم حارق يأكل الأخضر و اليابس منه و يجعله يشتعل بمجرد لمسة منها..ليست مجرد علاقة اكتفاء..