الفصل الأول
حطت الطائرة القادمة من مدينة زوريخ السويسرية في مطار اسطنبول..نزلت
فتاة جميلة في الخامسة و العشرين من عمرها مسرعة..تريد أن تصل في الوقت
المناسب..يجب أن تمنع ما سيحدث بعد قليل..وضعت نظاراتها الشمسية السوداء
على عينيها و تحركت بسرعة لكي تخرج من بهو المطار قبل أن ينتبه إليها
المعجبون أو الصحفييون..ليس لديها وقت لكي تضيعه معهم..هناك ما هو أهم منهم
الآن..أهم من شهرتها و الأضواء التي تلاحقها في كل مكان..ذلك الخبر الذي قرأته
في الجريدة زعزعها و حرك شيئا ما داخلها..و لذلك هي هنا اليوم..يجب أن توقف
ذلك الهراء الذي سيحصل..أمام سيارة تا**ي ..وقفت و أخرجت هاتفها من
جيبها..اتصلت كثيرا لكن دون جدوى..تعلم انه لن يجيب على اتصالاتها..لن بكون
قادرا على سماع أية كلمة تقولها..مررت اصابعها في شعرها الأ**د القصير و
تأففت بضيق..تقدمت نحوها مجموعة شباب ..قال أحدهم " هزان هانم..هل لنا
بصورة معك؟ نحن من أكبر المعجبين بك" ابتسمت و قالت" تفضلوا..لكن بسرعة
ارجوكم..أنا في عجلة من أمري" اصطف الشباب حولها و التقطوا عددا من
الصور..استأذنت منهم و ركبت سيارة التا**ي..تمنت أن تطير السيارة و تصل
إلى هناك في لمح البصر..نار ملتهبة تحرق جنبيها..قلبها يتمزق..ليتها فهمت
سابقا..ليتها رأت ما لم تتمكن من رؤيته في ما مضى..ليتها لم تفعل ما فعلته..لكن
الندم لن ينفعها الآن..لن يفيدها بشيء..كل ما عليها الآن أن تتمكن من ايقاف ما
سيحصل..توقفت سيارة الأجرة أمام فندق شيراتون اسطنبول..كادت من لهفتها
أن تنسى دفع النقود للسائق..لكنه استوقفها قائلا" سيدتي..أنت لم تدفعي لي"
وضعت يدها في جيبها و مدت له كل ما في جيبها..حاول إيقافها لكي يعيد لها
الباقي..لكنها لم تتوقف..لم تكن هناك قوة قادرة على ايقافها..تقدمت نحو غرفة
الإحتفالات..قاعة تغص بالمدعوين..زينة بلونين أبيض و وردي هنا و هناك..صحافة و
شخصيات معروفة..وصلت أمام الطاولة التي جلس عليها العروسان..نظرت
بعيون دامعة إلى ياغيز الجالس هناك..ببدلته السوداء و قميصه الأبيض..بعيونه
البلورية الساحرة..بشعره المصفف بعناية..كان ينظر إلى الفتاة الجميلة الجالسة
بجانبه..ثم رفع نظره نحوها..بدا ثابتا لولا لم ترتعش رموشه و قلبه معها..لكنه أراد
احراق روحها ..فنطق بكلمة نعم و هو ينظر مباشرة في عينيها..نزلت دمعة من
عين هزان متحسرة على وصولها المتأخر..لقد تزوج ياغيز..و هاهو أمامها
الآن..يقبل عروسته و يعانقها..يغيظها و يريها ما خسرته و ما ضيعته على
..نفسها..فلكل فعلة و لكل خطأ يرتكبه الإنسان ثمن يجب أن يدفعه..عاجلا او آجلا..خرجت هزان من الفندق تجر ساقيها جرا..تتجرع مرارة خيبتها في حلقها..تحاول
التحكم في نفسها لكي لا تنهار هنا على مرآى من الجميع..تضع نظاراتها على
عينيها علها تنجح في اخفاء دموعها التي تحرق مآقيها ..كبرياءها و مكانتها و شهرتها
تمنعها من فضح نفسها أمام الجميع..تعلم أنها المخطئة..هي من تخلت عنه عندما
كان هو الوحيد الذي يحبها بصدق..هو من صنعها و جعل منها هذه النجمة الشهيرة
التي هي عليها اليوم..هو من دلها على الطريق الصحيح و اوصلها إلى القمة..هو
من أعطاها دون حساب..و بماذا كافئته هي؟ ..لا تريد أن تتذكر ذلك الآن..فجلد
الذات يكاد يقضي عليها و يقتلها..في مراسم الفرح المحيطة بها ..كانت هي
الوحيدة التي يكتسي الحزن ملامحها..تفادت فلاشات الصحفيين و أسئلتهم
المزعجة بخروجها من الباب الخلفي..أخذت هاتفها و اتصلت" ألو..مرحبا
جيداء..نعم..انا في اسطنبول..نعم..علمت..أرجوك..تعالي لاصطحابي..يجب أن
اراك و نتكلم قليلا..انت الوحيدة التي أستطيع أن أخبرها بما في قلبي دون احراج
او حسابات..لا تتأخري علي أرجوك..تمام..أنا انتظرك" ..جلست على حافة الطريق
تنتظر وصول صديقتها..في الداخل..راقص ياغيز زوجته و هو يحاول ألا يظهر
للعيون ذلك الإضطراب الذي يشعر به..قال في نفسه" تبا لها..لماذا أتت؟ هل
كانت تعتقد أن مجيئها سيمنعني من الزواج؟ هل كانت تعتقد انني سأغفر لها و
أنسى ما فعلته معي؟ ..لا..انها مخطئة..لقد انتهت هزان شامكران من قلبي و
حياتي ..لا مكان لها بعد اليوم..انتهى..بيتي..هار شي بيتي..كل شيء انتهى..لن أعود
إلى الوراء..يكفيني ما حدث في الماضي..لقد دفعت غاليا ثمن حبي و غبائي..لن
أسمح لنفسي بتكرار نفس الخطأ مرة ثانية..سأكون سعيدا من دونها..هذا ما يجب
..أن يحدث" نظر إلى زوجته ( ميريتش) و ابتسم..توقفت سيارة ميني كوبر حمراء أمام هزان الجالسة على الرصيف و نزلت منها
فتاة شقراء طويلة القامة ترتدي قميصا ابيضا و سروالا أ**دا يلتصق بساقيها
مظهرا قوامها الرشيق( ليلى في الطائر المبكر) و قالت" مرحبا أيتها النجمة
الشهيرة..هيا نذهب قبل أن تلتقطك عدسات الصحفيين" نظرت إليها هزان و
وقفت..اقتربت منها و عانقتها بقوة و هي تقول" اشتقت اليك كثيرا..أنا
أحتاجك جدا" قالت جيداء" أعلم ذلك..و أنا أيضا اشتقت إليك كثيرا" ثم اقتادتها من
يدها و اركبتها في السيارة و تحركت بها..في شقتها في الطابق الخامس من بناية
البلازا..جلست جيداء أمام هزان بعد أن جهزت لها القهوة..نظرت هزان عبر
النافذة و تن*دت بحرقة..قالت" لقد تزوج..تخيلي..لقد استطاع أن يفعلها و يتزوج
بعد كل ما كان بيننا" رمقتها جيداء بنظرة حادة و قالت" هزان..أنت تعلمين أنني
أحبك كثيرا و لا أريد أن أزيد من آلامك..لذا لا تتكلمي كأن لا ذنب لك فيما حصل"
وضعت هزان رأسها بين يديها و قالت" أعلم ذلك..أنا المذنبة الوحيدة ..أنا التي
استغلت حب المنتج و الملحن الشهير ياغيز إيجمان لكي تصل إلى الشهرة..أنا
التي ضيعته من يدي..و آلمته..و تخليت عنه..لكن.." قاطعتها جيداء" لكن ماذا؟
..أرجوك هزان..لا تحاولي أن تبرري لنفسك ما فعلته..فأنت لم تكوني شاهدة على
ما عاناه ياغيز بعد فراقكما..لا تتفوهي بالهراء..أنا آسفة لأنني
قاسية معك..لكنك تستحقين ذلك" انتفضت هزان واقفة و قالت" أعلم أنني أستحق
ذلك..لكن تلك الهزان الفقيرة الطموحة الإستغلالية لم تعد موجودة..لم تعد
مهووسة بالشهرة و الأضواء..لم تعد تريد الصعود إلى القمة بأية طريقة..حتى ولو
داست على مشاعر الآخرين في طريقها..تلك الهزان لم تعد موجودة..هزان التي
تقف أمامك الآن موجوعة و متألمة..فهمت متأخرا جدا أنها تعشق ذلك الذي
استغلته بأبشع الطرق لكي تصل إلى الشهرة..هزان التي تقف أمامك الآن يكاد
الندم يقتلها لأنها ضيعت حبا رائعا من يدها كان سيكفيها العمر كله..هزان التي
تقف أمامك الآن حاولت الوصول في الوقت المناسب لكي تمنع حبيبها من الزواج
بإمرأة اخرى..لكن وصولها جاء متأخرا" وقفت جيداء بجانبها و قالت" هزان..أنا
آسفة..لم اتعمد أن أقسو عليك..لكنني شهدت عذاب ياغيز و
معاناته..أنا كنت شاهدة على تلك الفترة السوداء التي عاشها بعد فراقكما..في
الوقت الذي كنت أنت فيه تتسلقين سلم الشهرة و تنشغلين بحفلاتك هنا و
هناك..كان هو يحاول جاهدا أن ينساك و ينسى ما فعلته به..اجلسي و اشربي قهوتك..لا بد أن السفرة كانت طويلة و متعبة"..