بدأ موسم الخريف في حياة مريم ، بمجرد حوار دار بين شابين أقل ما يقال عنهما أنهما شابين أخرقان ، لا يفقهوا شيئا عن الأخلاق والقيم الإنسانية ، فكيف لمجرد تحدي تافهة أن يضعوا حياة فتاة علي المحك وخاصة أنها فتاة صغيرة. ، لا تفقه عن مكر الدنيا شيئا ،
بينما كان حمزة يري في مريم حب الطفولة ، لقد بلور حياته حولها ، لا يريد أن يري غيرها بالرغم من حداثة عهده فهو لا يتعدي الثانية عشرة من عمره ..
كانت مريم تشعر دائما ب*عور سئ جدا تجاه حمزة ، لا تعلم لماذا ، ولكن مجرد رؤيته يصيبها الغثيان .
وصل حمزة الي منزله متأخرا ، كعادته في الآونة الأخيرة ، بعد الانتهاء من الدوام المدرسي ، يذهب ليتمشي كما أمره الطبيب في محاولة نافعة لانقاص الوزن ، وبالفعل أتت هذه المحاولة ثمارها ، وبدأ حمزة في نقصان الوزن ، أصبح الآن وزنه ستون كيلو جراما ، وبالرغم من أن وزنه ما زال كبيرا إلا أن ملامحه الرجولية الجذابة بدأت في الظهور ، فالبرغم من سمار بشرته إلا أن لون الشجر في لون عيونه ي**به سحرا خاصا ،
بالرغم من ذلك ما زالت مريم لا تراه ومازالت علي طبعها القديم ..
كانت السيدة أسماء والسيدة سهيلة اتفقوا أن يجتمعوا اليوم عند سهيلة في فيلتها الجديدة ، التي اشتراها لها محمود مؤخرا ..
وصلت اسماء وحمزة الي الفيلا ، رحبت سهيلة بهما ولكن مريم لم تبالي ..
كانت سهيلة خجلة جدا من تصرف مريم فالبرغم من تحذيراتها لها المستمرة ،مازالت مريم علي عنادها القديم .
فكرت الصاحبتان إيجاد بعض النقاط المشتركة بينهما ،سألت أسماء سهيلة في وقت سابق عن ما تفضله مريم هذه الأيام ،فهي الآن في فترة مراهقة ، كل يوم في شأن جديد ، أخبرتها سهيلة بانشغال مريم في الآونة الأخيرة بقراءة القصص الرومانسيه ، كما في روايات عبير ، حاولت أن تجنبها تلك العادة ، ولكن مع إصرارها وعدم تأثير قراءة هذه الروايات بمستواها الدراسي تركتها سهيلة تفعل ما تريد .
لذلك أحضرت أسماء لها هدية معها عبارة عن سلسلة جديدة من روايات عبير موقعة من مؤلفها الأصلي ..
أعطت أسماء الروايات ل حمزة وطلبت منه الذهاب لغرفة مريم واعطاءها لها ...
سمعت مريم دقا علي الباب ، ف زاد نقمها وغضبها ، ف أردفت بحنق ..
يوه يا ماما بقي قولتك مش هنزل ..جاءها صوته من خلف الباب ، شعرت بالاحراج ولكنها لم تبالي .
فتحت الباب بغضب طفولي ، ثم قالت بحدة ..
مريم :
_نعم فيه أيه ،
شعر حمزة بغضبها ، برفضها له لا يعلم سببه فعلي الأقل هم مجرد طفلان لما كل هذا النفور .
أراد أن يتركها ويذهب ولكن لذة النظر في عيونها متعة لا يحصل عليها إلا نادرا ..
لم ينتبه لحديثها ، فقط سرح في لون عيونها الفيروزي ، فجمال مريم كان لوحة فنية متكاملة الأركان ، استفاق حمزة من غفوته علي صوتها تهتف به وتلوح بيدها عدة مرات أمام وجهه لعله يلحظ وجودها ...
مريم :
_ هااي نحن هنا ، أصحي وفوق كدا ، خير فيه أيه ..
أعطاها هديتها وكاد أن يخرج ولكنها دعته للدخول من فرط سعادتها ، كانت تنظر للكتب بفخر غريب ،لا يعلم لماذا ، فتلك الروايات من وجهة نظره تضييع وقت ليس إلا ، لا يحصل القارئ علي أي استفادة منها ،
قال لها متعجبا ، انا مش عارف سر حبك لروايات عبير ايه ، يابنتي دي مش حاجة قدام روايات الاستاذ الكبير يوسف السباعي والأستاذ احسان عبد القدوس..
ضحكت بسخرية ثم قالت:
يا سلام يا سي حمزة ، وأنت تعرفهم منين بقي ،
أردف حمزة بفخر ، أنتي ناسية أن بابا الله يرحمه كان كاتب ، هو اه سياسي بس المكتبة بتاعتنا كان فيها كتب كتير عن الأدب والروايات ،انا يقرأ منها ساعات بس مش كتير ، علشان انتي عارفه أنا بلعب رياضة ومش فاضي ، كل املي أني افقد وزني وأبقي طبيعي ..
تمعنته ثم أردفت :
بس انت خسيت شوية ،استمر علي المشي وانت هتبقي تمام ..
شعر حمزة بسعادة غامرة احتلت أوردته ، ثم قال:
بجد يا مريم ، تعرفي إن أفضل كلمة بيحب يسمعها اللي وزنهم زايد ، انت خسيت شوية ، كأنها سيمفونية جميلة للعندليب ..
ضحكت مريم ثم قالت ، قولي بقي انك بتسمع عبدالحليم حافظ كمان ..
نظر إليها بحب جارف ،ثم قال وهو ينظر في عيونها بصوته العذب ..
قولوله قولوله قولوله ، قولوله الحقيقة قولوله بحبه بحبه من اول دقيقة ، قولوله بحبه آه ومعذبني حبه آه في عيونه الجريئة ، قولوله قولوله قولوله الحقيقة قولوله بحبه بحبه من اول دقيقة .
انتهي حمزة من الغناء ، انتبه لاعجابها بصوته واندهاشها ..
مريم بإعجاب :
أنت كدا بجد ولا أنت اتغيرت ، فين حمزة الكئيب ، طلعه ولا أقولك أثبت علي النسخة دي ،
شعر حمزة بقشعريرة سرت في جسده لمجرد لمسة طفولية منها ، أحقا حمزة أصبح رجلا وبدأت تلك النظرات والضحكات في إثارة متعته ..
حمزة بضحك :
يعني لو سبت الشخصية دي هنبقي صحاب ..
مريم ، طبعا ياابني ، انا مش عارفة ليه كنت دائما بحس لما بشوفك بحاجة تبعدني عندك علشان كدا كنت ببعد بس أنا هحاول اقاوم إحساسي دا ..
يلا بقي ننزل الجنينة نقرأ شوية في الكتب اللي مش عاجباك دي ..
هبطت مريم السلم وتلاها حمزة ، كانت صوت ضحكاتهم تملأ المكان .
ابتسمت سهيلة واسماء لنجاح الخطة ، دعوا الله كثيرا أن يديم السعادة عليهم ، ولكن هل من مستجيب ..
جلست مريم تقرأ كتابا بينما حمزة ينظر إليها كأنه يحفظ ملامحها ..
أطال حمزة النظر إلي وجه مريم الجذاب ، لا يعلم لماذا اختارها وانجذب لها عن من سواها ، هل لاختلاف ملامحها عن ملامحه ، أم ماذا ،
فاق حمزة من شروده علي صوت هلول الأمطار ، ضحك عندما رأي مريم جرت بسرعة وأخفت كتبها ثم عادت مرة أخري ترقص فرحا تحت المطر ،
كانت جميلة جدا ، شعرها المبلول و اثر المطر أ**بها أ***ة طاغية ، ما هذا الهراء الذي أقوله ، هل أصبحت أهذي الآن ، لعن حمزة تلك المسلسلات والأفلام ، فلقد أصبحت أتحدث مثلهم
هتف بها حمزة ، مؤنبا نفسه كيف أصبح هكذا ، هذه مريم ، يا أبله ، لا يمكن التفكير بها بمثل هذه الطريقة ..
تركها وذهب إلي والدته ، وبالطبع سألته خالته سهيلة عن مريم ..
أجابها قائلا :
مريم بتلعب تحت المطر يا طنط ..
ضحكت سهيلة ثم سألته أن يذهب إليها لتأتي كي تبدل ملابسها حتي لا تصاب بالبرد ..
جاءت مريم مسرعة ، ترقص فرحا من شدة سعادتها ..
نظر إليها حمزة ثم تسللت ابتسامة خافتة الي شفتيه ..
رأها في تلك اللحظة كنجمة تلمع في سماء قلبه شديدة السواد ، ترسل نورها ف تنير ظلمات قلبه الذي يقع أسيرا ، لها هي فقط ..
عدت الأيام سريعا ،
أصبحت مريم صديقة ل حمزة ، اعتبرته أخ وصديق ،
في أحد الأيام ، بينما كان حمزة مريض ، ذهبت مريم مع صديقتها هند لتحضر درس العلوم ، تأخر المدرس في الشرح ذلك اليوم ، أصبحت الساعة الخامسة ، سمعت مريم صوت آذان المغرب ، قلقت مريم بشدة ف منزلها بعيد عن هذا المكان ، ووالدها اعتذر عن اصتحابها هذه المرة ، وهي الآن وحيدة ، لأن منزل هند قريب ، لم تعلم ماذا عليها أن تفعل ، رفعت يدها واستأذنت المدرس للذهاب ، حتي لا تتأخر أكثر من ذلك فهي مازالت طفلة ..
أذن لها المدرس ، تركت مريم هند ، ثم ذهبت عائدة إلي منزلها ، رأت سيارة تراقبها ، ظلت تجري بسرعة من شدة خوفها ،
لم تنظر أمامها ، ضحك طارق علي سذاجتها ، أسرع قليلا ووقف أمامها ..
ترجل من سيارته الزرقاء ، نظر إليها شرزا وقال بغضب مصطنع :
ممكن أعرف أيه السبب اللي يمشي بنت زيك في الطريق دا في وقت متأخر كدا ..
صدمت من سؤاله ، ودهشت من نبرة صوته الغاضبة ،
كادت أن تتحدث وتنعته بأب*ع الألفاظ ولكنه لم يعطيها الفرصة ، طلب منها أن تستقل السيارة ، لكي يقوم بايصالها إلي منزلها ..
أرادت أن ترفض ولكنه دفعها بخفة ورفق ليحثها علي السير ، حتي لا تتأخر أكثر من ذلك
استقلت السيارة والقلق والتوتر ي**وان ملامحها ، ظلت تؤنب نفسها ، كيف سمحت له أن يتحدث معها بهذه الطريقة ، وكيف صعدت معه إلي السيارة ، كانت تائهة ، شاردة الذهن ، لم يتكلم طارق طوال الطريق ، فقط كان يتابعها في المرأة ، تشابك أصابعها دليل قوي علي توترها ، تورد وجنتيها دليل علي الخجل وال**وف ..
كان يراقب كل تصرف تقوم به ويحلله ..
انتبهت مريم علي الطريق ، كاد طارق أن يفوت منزلها ، ولكنها أوقفته ، قائلة :
هذا هو المنزل شكرا لك
طارق :
لا شكر علي واجب ،
همت لتنزل ولكنه أوقفها ..
مريم ..
هتف بها طارق بحنو بالغ.
مريم متسائلة :
نعم ..
لم يتحدث ولكن أعطاها ورقة ما ، ثم طلب منها أن تقرأها عندما تكون بمفردها ..
أومأت برأسها ، ثم تركته وذهبت ..
وصلت مريم إلي منزلها ، ودقات قلبها تتسارع ، لا تستطيع أن تتنفس ، جواب هذه أول مرة يعطيها أحد جواب ،
كانت والدتها ووالدها جالسين ينتظروها ، والقلق واضح عليهما ، ازداد قلقهم عندما دخلت وبمجرد أن ألقت السلام تركتهم وصعدت إلي غرفتها ..
محمود :
مالها مريم يا سهيلة ، قومي يا حبيبتي شوفيها أحسن تكون زعلانة علشان رجعت من الدرس لوحدها .
سهيلة :
متقلقش يا محمود ، ممكن تكون عايزة تدخل الحمام ، أنا طالعة أشوفها ..
دخلت مريم غرفتها ، أغلقت الباب ثم وقفت خلف الباب تلتقط أنفاسها ، تن*دت بقوة ، تبتسم لا إراديا وهي تتخيل ما مكتوب داخل الجواب .
وصلت سهيلة إلي حجرة مريم ، دهشت عندما وجدتها مغلقة ..
دقت علي الباب ، أخفت مريم الجواب ، ثم فتحت الباب لوالدتها التي تعجبت من فعلتها ولكنها لم تعلق ، سألتها عن سبب دخولها لغرفتها فورا ، بدون الجلوس معها قليلا ..
جاوبتها مريم أنها تشعر بتوعك بسيط ، وأنها أرادت أن تذهب لتنام ، لتتمكن من الاستيقاظ مبكرا ، لتذاكر دروسها ..
اقتنعت سهيلة بما قالته مريم .
قبلتها ثم تركتها وذهبت لتطمئن والدها ،.
سهيلة بابتسامة :
متقلقش يا حبيبي هي كويسة ، شوية إرهاق من المذاكرة ، هتنام شوية وبعدين تصحي تذاكر ..
أخرج محمود علبة سجائر من جيبه ، لتسأله سهيلة بغضب انت رجعت تشرب سجائر تاني يا محمود ..
لم يجيبها محمود من كثرة توتره فلقد نسي أنه في المنزل ..
ياتري أيه هيكون رده ، وأيه اللي هيحصل بين طارق ومريم .
انتظروني في الفصل القادم إن شاء الله .
قراءة ممتعة .
دمتم سالمين.