1

1177 Words
كانت سيارة الفيراريّ السوَّداء تسرع في شارع إيست-هوستون التجاريّ، عبر المذياع انسابت نغمات أغنية هادئة من تسعينيات القرن الماضي، كان المغنيّ الشاب يتحدث عن الضياع، الاحساس المُخِيف لأول يومٍ لك في المدرسة – وأن الطفل من ذلك اليوم ما يزال يرتجف في سردابٍ رطبٍ تحت الأرض، ينتظر من يعثر عليه وينتشله من الظلام. بحركةٍ من يده أغلق إيفرت المذياع، تناول الكوب الموضوع في الحامل وأخذ رشفة، كانت السيارة متوقفة في تقاطع مزدحم بانتظار تحول لون الإشارة، أخذ الصحيفة وحدق بالعنوان في صفحتها الأولى: "فضيحة تهز مبنى الكونغرس: اتهامات بتورط السيناتور بيل فروست بالتداول الداخلي." تابع الارتشاف من قهوته وعيناه تمسحان المقال باهتمام، تحولت الإشارة للون الأخضر لذا وضع الكوب والصحيفة وتابع القيادة، أوقف السيارة في مصف سيارات خارجي بطريقةٍ عرضية وترجل، حدق بالحقيبة الم**تة والملفات المكومة بمقعد الراكب لوهلة، انحنى لتناولها لكنه توقف بمنتصف المسافة وأغلق الباب، استدار ورفع رأسه، حدق بنهاية الصرح الكبير أمامه وزواياه الحادة، مشفى سي-هارلم، تم افتتاح هذا المبنى حديثًا وانتقل الطاقم قبل شهرين من المبنى القديم في نهاية هذا الشارع ذاته، كان حدث الافتتاح ضخمًا وقد حضره بعض المسؤولون من قطاع الصحة، هز رأسه وفكر أن شكل المبنى الحديث لا يلاؤم غرضه الأساسي، كان من الممكن جعله عمليًا أكثر وبتكلفة أقل لكن المسؤولين يحبون التباهيّ لا اقتطاع التكلفة، أطلقت السيارة صوت إغلاق أقفالها، أدخل المفاتيح في جيب بذلته العلويّ وصعد الدرجات الحجرية، انغلق الباب السحاب وراءه مطلقًا رنينًا إلكترونيًا. كان المشفى يقع في قلب منطقة طرفيَّة بالقرب من نهر هادسون، تحتلها الشركات الصغيرة والمكاتب، الشوارع حوله ضيقة نسبيًا وحركة المرور منخفضة، انتظر المراهقون الأربعة الواقفون في الزاوية دخول إيفرت إلى المبنى قبل أن ينطلق صاحب الهودي نحو السيارة بينما بقيّ غلين وهارفي يراقبان الشوارع المجاورة أما مايلز ثبت عينيه على بوابة المشفى. اقترب المراهق اليافع من السيارة وابتلع ريقه، إنزو فيراريّ موديل العام، لابد أنها على الأقل كلفت 600,000 دولارًا، فكر: حتى إن باع إحدى كليتيه لن يتمكن من شراء مثلها، رفع عينيه للأعلى وحَسَب القيمة برأسه، الكِلية الواحدة تكلف حوالي مئتان وستين ألف دولار، العضو الوحيد الذي بإمكانه بيعه وسيمكنه من اقتناء مثلها هو قلبه، فقط القلب يساوي حوالي مليون و**ر دولارًا وإن باعه في السوق الأسوَّد قد يجني مليونين، يليه الكبد، وقيمته حواليّ خمسمائة ألف دولار، هاه، لكن لو باع قلبه سيكون ميتًا ولن يستطيع قيادتها على أي حال، حرك رأسه، لم يكن هذا وقت الضياع في الخيالات، ض*ب مقدمة السيارة بقبضة يده وتحفز للركض ما إن يشتغل إنذارها الصاخب، لا شيء حدث، ركلها بقوةٍ كبيرة هذه المرة ومجددًا لاقته السيارة بال**ت التام، إلهي لم لا يضع إنذارًا في سيارة باهظة الثمن كهذه؟ حدث نفسه وتناول عدته من حقيبة كتف رياضية وشرع بالعمل على القفل، من حسن حظه أن صاحبها شخصٌ مهمل، لم يكن يدريّ كيف سيستطيع تدبر أمره لو كان بها إنذار بالفعل، اندمج في العمل على تفليس القفل ولم ينتبه لصاحبه الذي كان يلوح نحوه من بعيد بيديه الاثنتين في الهواء. "غلين! وا****ة إنه لا يرانا! سيمسك به ما الذي سنفعله؟!" همس مايلز بملامح منقضبة، قطب غلين وهو يبادل نظره بين المشفى ومصف السيارات. "غلين!" صرخ الثاني وقبض على كتفه ليحوز انتباهه، نفض غلين يده بتحريكه لكتفه وصرخ: "لا أعلم يا مايلز وا****ة! اركض وأخبره!" التفت مايلز بقلق ناحية رفيقهما الذي يعمل على السيارة فجحظت عيناه، أراد أن يصرخ محذرًا إياه إلا أن غلين أغلق فمه بالقوة، "أ**ق فات الآوان! لنغادر!" جره معه عنوة فتعثر الأخر وكاد أن يسقط على وجهه، حاول مايلز إفلات يده وعلق نظره بالخلف إلا أن غلين سحبه بقوة أكبر وقال: "تحرك مايلز وإلا سيمسك بنا معه!!" بصوت "كليك" أعلن قفل السيارة استسلامه أخيرًا، علت ابتسامة جانبية وجه المراهق ذو الشعر الأسوَّد وما إن استقام بوقفته أطبقت يدٌ على كتفه، شعر بجسده يرتطم بهيكل السيارة بقوةٍ كبيرة ويده ملوية على ظهره بزاوية كادت أن تمزقها! بالرغم من الألم الرهيب الذي شعر به كزّ على أسنانه ولم يص*ر صوتًا. "كم عمرك؟ أتمنى أنك فوق الثامنة عشرة." زاد إيفرت من ضغطه على يد المراهق، أحسَّ بعظامه تهرس مع الهيكل لكنه لم يتململ وجز على أسنانه. هزه إيفرت وكرر: "كم عمرك؟ هل أنت أ**؟" أصرّ المراهق على البقاء صامتًا، كان إيفرت يعلم مقدار الألم الذي لابد أنه يشعر به، حركة بسيطة من كف يده وسيقوم بخلع كتفه من مكانه إلا أنه يرغب بالتظاهر بالقوة. "حسنٌ جدًا، أعتقد أنك لن تحتاج إلى هذه اليد بعد الآن." قالها بنبرة هادئة جدًا بدت للشاب أكثر رعبًا من حقيقة أن يده ست**ر خلال ثوان...ولكن عوضًا من أن يسريّ ألمٌ رهيب كصعقة عبر ذراعه؛ شعر بانحسار الألم وارتخت القبضة حول يده، التفت وراءه لرؤية ما حدث، ربما غير الرجل رأيه؟ لكنه عوضًا عن ذلك رأى وجهًا مألوفًا أطبق يده على ساعد الآخر، رجلٌ ثلاثيني ب*عرٍ ذهبي وعينين ماكرتين، ابتسم ناحيته بود وقال: "هايّ إيفرت، كيف حالك؟" طوال هذا الوقت كانت عينا إيفرت ساكنة، كما لو أنها خاوية من المشاعر كصوته تمامًا لكن في اللحظة التي التقت عيناه بالرجل الأشقر رأى شعلة صغيرة تتقد فيهما، رفع إيفرت حاجبًا مزدريًا وحدق باليد القابضة على ساعده، "أبعد يدك." "سأفعل، لكن ألا تظن أنك تقسو على الطفل قليلًا؟" ضغط إيفرت على يد المراهق فأغمض الثاني عينيه بألم، "طفل أو لا، ليتحمل نتائج أفعاله." شد الشاب الأشقر قبضته وقال بابتسامة بينت نابًا مسننًا: "نتائج أفعاله أن تأخذه لقسم الشرطة، لا أن ت**ر يده." نظر إيفرت إليه بتحدي، "أنويّ فعل الأمرين معًا." مع جملته الباردة تلك، التفت المراهق للخلف وحدق بعيني مهاجمه، اِلْتقت نظراتهما ل**رٍ من الثانية وجفل كل منهما، بادل الدخيل نظره بينهما وسأل: "أتعرفه؟" كشر إيفرت ورمقه بازدراء: "أتظن أني أعرف حثالةً مثله." "اترك يده ودعنا نتحدث كالراشدين." أدار إيفرت المراهق بعنف وانتزع ساعده من الآخر. "ما يحدث ليس من شأنك يا ڤينسنت. تابع طريقك نحو الحانة التي كنت ذاهبًا إليها." ابتسم المدعو ڤينسنت كما لو أنه سمع أمرًا طريفًا، كانت يديه بداخل بنطال أخضر مبرقعٍ كزيّ الجيش، ارتدى تيشيرت أسوَّد بنصف كم له ياقة على شكل ٧ مع بوتٍ ثخين يصل منتصف ساقه وقد أدخل فيه حواف البنطال، شعره الأشقر الحاد تبعثر بكل اتجاه، مع قامته الفارعة وجسده الرياضيّ الممشوق بدا كشخصٍ لا يود أحدٌ العبث معه. "لا بأس، سأتحدث لغتك إذن، أطلق سراح الطفل وسأوافق على نقل مواعيد البرنامج إلى الساعة الحادية عشرة مساءً." شعر المراهق بارتخاء قبضة إيفرت حول رسغه فحدق بجانب وجهه، كانت عيناه تقدحان شررًا. نظر إيفرت إليه فقابل نظراته بأخرى صلبة، لم يكن يخشى الألم، وقطعًا لا يخشى هذا الرجل، علَمته الحياة أن العنف الظاهر دائمًا ما يكون مجرد قناع لدواخل هشة، هؤلاء الذين يسببون أسوأ الأضرار يفعلون ذلك لأنهم مليئون بالصدوع كذلك، هاه، فكر إيفرت بداخل نفسه أنه لا يصدق عيناه، هل يشفق عليه هذا الصبيّ؟ كانت عينا الصبيّ الخضراوين تتموجان بالتعاطف، كأنما موقفهما معكوس، هو الضحية ـ هو المقيد والعاجز ومَنْ يشعر بألمٍ رهيب! فكرة سخيفة جعلته يدفع المراهق للأمام بعنف، تلقفه ڤينسنت قبل أن يسقط وساعده على التوازن. هندم إيفرت جاكيت بذلته الذي تجعد وأخرج مفتاح السيارة من جيبه، أطلقت السيارة صوت انفتاح ضلفة الباب، وقبل أن يدلف إلى مقعد السائق قال: "من الأفضل ألا تنسى ما قلته. وأنت." حدج المراهق بنظرةٍ باردة، "إن دخلت مرةَ أخرى نطاق نظري ولو بالصدفة. لن أكتفي ب**ر يديك." أغلق الباب خلفه فزأر محرك السيارة بأزيزٍ دفع بهواءٍ حارٍ حولهما، انطلقت الفيراري السوَّداء في الطريق السريع وظلا يراقبانها حتى اختفت وراء المنعطف. "أنصحك بسماع ما قاله، فتهديدات إيفرت ليست مجوفة." شعرَّ بجسد المراهق يتصلب أسفل كفتي يديه فأثنى رأسه وقال بابتسامة حاول جعلها ودودةً قدر الإمكان: "والآن أنت مدينٌ لي بيومك."
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD