مشهد متكرر حيث نجد محمود مجتمعا في بيته مع كل من زوجته و كمال بالإضافة إلى فؤاد الذي قال بقلق: يعني إيه الكلام دة يا كمال يابني؟
كمال وهو يشعر بالأسف وقلة الحيلة: والله يا عمي هو دة الكلام اللي المدير قالهولي.
عفاف مستنكرة: ايه الناس اللي معندهاش رحمة دي! وفيها إيه يعني لو حطيت إعلان ع الباب بإنك لقيت بنت تايهة من أهلها؟
كمال: هو قالي إن دة مكان تجاري غير مسموح فيه بالحاجات اللي زي دي, وإن دي مهمة البوليس ولازم أبلغ.
،
محمود بعد تفكير قليل: أنا شايف إن معاه حق, احنا فعلا لازم نبلغ ونخلي مسئوليتنا. مش جايز أهلها دلوقت دايخين ع الاقسام والمستشفيات؟ وخصوصا إن البنت هيئتها ولبسها بيقولوا انها بنت ناس ميسورين.
عفاف محتجة: طيب ماهي كدة ممكن البنت تتبهدل في الاقسام ولو محدش من أهلها لقاها هيبقا مصيرها انها تترمي في ملجأ أيتام والبنت يا عيني مش هتستحمل البهدلة هناك.
ساد ال**ت للحظات بعد كلام عفاف إلا أن قال فؤاد أخيرا: طيب أنا عندي فكرة.
انتظر حتى انتبه إليه الجميع, ثم أكمل قائلا: أنا ليا ظابط معرفة, هقوله الموضوع, ونصور البنت ونديله الصورة, ولو لقى أي بلاغ عن البنت إنها مفقودة يقولنا.
لقى اقتراحه استحسان كل من كمال وعفاف, إلا أن محمود مازال هناك شيء بداخله يريد أن يرفض هذا الاقتراح ولا يعلم ماهيته فسأل فؤاد: طيب لو أهلها ما كانوش بلغوا لأي سبب؟
فردت عفاف بعفوية: يبقا هتفضل معانا,
تبادل محمود النظرات القلقة مع صديقه وكأنه يخبره بأن هذا بالفعل ما كان يخشاه.
***************************
بعد عدة ايام وقد ازداد التعارف بين مازن وصديقيه الجدد ,بل الوحيدين, بعد أن أخذ الإذن من والده لتقوية علاقته بهما, وبالفعل فكان من الطبيعي أن يذهبوا إلى المدرسة سويا ويعودوا سويا وكذلك تبادلوا أرقام الهواتف المنزلية. وبينما وهما في طريقهم إلى منازلهم قال حسام بتوسل لمازن: ياللا بقا يا مازن, دة الامتحانات قربت خلينا نذاكرلنا كلمتين يمكن ينفعونا في الايام اللي ما يعلم بيها غير ربنا دي.
عبدالرحمن مازحا: خلاص يا عم المتسول, والله ساعات بشك انك دخلت ثانوي بس بدعا الوالدين.
حسام متصنعا الجدية: ربنا يخليهم لينا, دة احنا من غيرهم هنتشرد والله وما كناش حصلنا حتى دبلوم زراعة قسم خراطيم.
ضحك الأصدقاء الثلاثة ثم عاد حسام إلى سؤاله مجددا: قولت ايه بقا يا سي ميزو, هتيجي معانا؟
مازن مترددا: والله أنا عن نفسي معنديش أي مشكلة بس بابا هو اللي ممكن يرفض.
حسام بثقة: لا يا عم , من الناحية دي اطمن, دة حتى باين على باباك انه كيوت خالص, ولو تحب كمان اننا نعدي عليه في الورشة دلوقت ونقوله مفيش مشكلة.
مازن: لا خلاص أنا هقوله وإن شاء الله يوافق.
حسام: بس ياريت يا ميزو حاول تقنعه بضمير شوية خلي نفسنا تتفتح بقا ع المذاكرة.
عبدالرحمن مشا**ا: قصدك تتفتح ع المطبخ.
ثم أكمل مفسرا لمازن: أصله طول ماحنا قاعدين كل شوية يقوم يجيب يا اما أكل يا اما عصاير وبيتحجج لمامته بانه بيضايفني يعني.
حسام مدافعا عن نفسه: جرى ايه يا عم عبده؟ مش بنذاكر ولازم نتغذى بردو؟
عبدالرحمن متهكما: تتغذى! وياريت باين عليك يا أخي.
حسام وهو يرفع ساعديه لأعلى بطريقة المصارعين: يابني دة بسبب الرياضة, ايش فهمك انت في الحاجات دي؟
عبدالرحمن ساخرا: يابني دة هو ماتش كل جمعة, ما تعملش فيها بقا ابو تريكة.
بالطبع لم يكن مازن يفهم الكثير من حديثهما فسأل مستوضحا: ماتش ايه؟
عبدالرحمن: أصلنا كل جمعة يا سيدي بنلم بعض ونلعبلنا ماتش كورة.
فأكمل حسام مازحا: أهي حاجة نضيع فيها وقت فراغنا بدل ما نتجه للانحراف.
عبدالرحمن مبتسما وهو يحيط بذراعه كتف حسام بود: ودة كان سبب معرف*نا ببعض.
مازن: ربنا ما يحرمكم أبدا من ببعض.
فجذبه عبدالرحمن من يده ووضع ذراعه الأخر حول كتفه لينضم إليهما: ربنا يبارك في صداقتنا ودايما نعين بعض ع الخير.
وأكملوا طريقهم سويا ملتحمين كالشخص الواحد لبداية علاقة قوية تمنوا أن تربطهم معا للأبد.
****************************
قد اعتاد الجميع على تواجدها معهم وهي أيضا تخلت عن انطوائها وأصبحت تشاركهم حياتهم بل إنها أصبحت تملأ المنزل لعبا وضحكا جعلت كل القلوب تتعلق بها, وكان قد مر أكثر من أسبوعين ولم يصلوا إلى أي معلومة عن أهلها و عفاف أحيانا تتمنى داخلها ألا يفعلوا فهي لا تريد أن تنفصل عنها مجددا. نعم مجددا فلقد اعتبرتها تعويضا من ربها عن فقدان ابنتها, ولكنها تعود وتستغفر ربها وتفكر في تلك الأم الأخرى التي ربما تتحرق الآن شوقا لصغيرتها, فتشفق على الاثنتين معا الأم وابنتها وتدعو الله أن يجمعهما مجددا في أقرب فرصة.
أما عن مازن فقد تبدل حاله تماما أو لنقل أنه تحسن, فقد أصبح أكثر نشاطا ومرحا ويهتم بدروسه التي قد اعتاد على أن يذاكرها مع صديقيه في منزل حسام بعد أن أذن له والده, ثم يعود إلى البيت والابتسامة تعلو وجهه ليبدأ لعبه مع دي دي وسط تشجيع وضحكات والديه اللذين قد سعدا كثيرا بهذا التغيير.
وفي أحد الايام اجتمعت الأسرة سويا وكان مازن كعادته يلاعب الطفلة ممسكا بدمية تشبه الأراجوز محركا إياها في حركات استعراضية وهو يتحدث إلى الطفلة مقلدا عدة أصوات جعلها تغرق في دوامة من الضحك المتواصل, أما الأب الذي كان يطلع على احدى الكتالوجات في يده الخاصة بأثاث المنازل فقد كان يتابعهما من وقت لآخر, وكذلك عفاف التي كانت تمارس هوايتها المفضلة(الكروشيه) فكانت تبتسم على النكات التي يطلقها ابنها, فهكذا أرادت لعائلتها أن تكون, وفجأة قال محمود بعد أن ألقى نظرة سريعة على ساعة يده: الوقت اتأخر يا مازن, كفاية لعب لحد كدة, وادخل اوضتك بقا عشان تراجعلك شوية قبل ماتنام الامتحان فاضل عليه تلات أيام بس.
مازن بثقة: ماتخافش يا بابا, ابنك مستعد للامتحان في أي وقت. وتقريبا انا وعبدالرحمن وحسام قفلنا كل المواد مراجعة ودلوقت بنحل مع بعض امتحانات وبس.
محمود: طيب و يا ترى بقا بتذاكروا كويس ولا مقضيينها لعب وهزار؟
مازن مبتسما: بصراحة يا بابا, ساعات كدة وساعات كدة, يعني اوقات بناخدها جد أوي ونذاكر لحد ما نتعب ونهنج وفجأة تلاقي حسام طلعلنا بحاجة جديدة من هزاره تخلينا نموت على روحنا من الضحك وننسى التعب اللي كنا حاسين بيه.
محمود بخبث: وطبعا تنسوا المذاكرة.
أجاب وكان لم تفته طريقة والده في استدراجه بالحديث: لا يا بابا اطمن, ماحنا معانا المنبه عبدالرحمن, اول ما يحس ان الوقت بدأ يضيع مننا بيسكت حسام ونرجع للمذاكرة تاني.
ثم قال وقد ظهرت على وجهه أثار الحيرة: تعرف يا بابا, ساعات كتير مش بحس انهم اصحاب ومن سن واحد ,لا وكمان أحيانا لما بشوف حسام بيستجيب لكلام عبدالرحمن بسرعة وبيخاف على زعله بحس انهم زي الأب وابنه مش مجرد أصحاب وأخوات وبس.
محمود مبتسما: ماهو دة المعنى الحقيقي للصداقة يابني, ان الانسان يخاف على مصلحة صديقه يمكن أكتر من مصلحته وفي نفس الوقت لازم يكون الطرف التاني مقدر دة كويس, ويسمع لنصيحة صاحبه ولو شافها في صالحه يبقا يعمل بيها.
مازن بصدق: حقيقي يا بابا أنا سعيد جدا لاني اتعرفت عليهم.
عفاف التي كانت تتابع الحوار صامتة: ربنا يخليكم لبعض يابني ويوفقكم ويسعدكم ويحققلكم كل اللي بتتمنوه.
مازن وهو يهم بالنهوض: طيب عن اذنكم أنا بقا هدخل أنام.
ثم لاحظ تلك التكشيرة على وجه الفتاة التي قالت متذمرة وهي تشير له بالأراجوز: مازن, الألاجوز.
فأخذه مازن من يدها وبدأ يقلد صوت الأراجوز وهو يقول لها: دي دي. مازن لازم ينام بدري عشان يصحى بدري. ودي دي كمان لازم تنام بدري.
دي دي محتجة: لا, دي دي عاوزة تلعب.
مازن بنفس الصوت: هو احنا مش قولنا العيال الحلوين يقولوا حاضر وبس؟
دي دي مستسلمة: حاضر وبس
التقت نظراته المشدوهة فجأة بنظرات زوجته والتي قد لاحظت هي الأخرى في الآونة الأخيرة مدى تأثير مازن على دي دي, و التي دائما تستجيب لتلك الطريقة البسيطة التي يستخدمها في اقناعها.
***********************
خرج الأصدقاء الثلاثة من لجنة الامتحان و هم في غاية السعادة والتي قد عبر عنها حسام ملوحا بيديه في الهواء وهو يقول: يااااااااااه, أخيرا خلصت الامتحانات والمذاكرة وأيام التعب! الواحد ما كنش مصدق إنه هيعيش ويشوف اليوم دة. ياما انت كريم يارب.
مازن والذي كان قد اعتاد على مزاحه: ياعم انت ليه محسسني انها كانت امتحانات الكلية؟ أمال هتبقا تعمل ايه بقا في سنة تالتة؟
حسام متصنعا الضيق: يعني وهو انت لازم تفكرني يا عم مازن؟ بقولكم ايه بقا من النهاردة ورايح لحد ما تبتدي السنة الجديدة إياك أسمع حد فيكم بيتكلم عن المذاكرة والمدرسة تاني. المهم بقا قولولي هتعملو ايه في الاجازة؟
مازن: أنا عن نفسي هنزل الورشة مع بابا زي ما بعمل كل سنة.
حسام: بسرعة كدة, يعني من الدار للنار؟ مفيش بريك يومين في النص.
مازن: مش هينفع, دة بابا ما بيصدق ان السنة تخلص عشان أنزل معاه. هو نفسه إني أتعلم كل حاجة عن الشغل بسرعة, ولولا اني متأكد إن هو وماما عاوزني أبقا مهندس كنت شكيت إنه بيجهزني عشان أمسك الورشة معاه.
حسام: ليه يا عم؟ هو مش معاه شريك.
مازن: قصدك عم فؤاد؟ هو فعلا شريك بابا بس مش ليه في الشغل الفني لأنه تقريبا ميعرفش حاجات كتيرة عن الصنعة ع** بابا اللي شغال فيها من أول ما جه القاهرة أيام ما كانت الورشة بتاع جدي أبو ماما الله يرحمه وبعد ما جدي مات جه عم فؤاد واشترى نصيب خالتي في الورشة اللي باعته عشان تسافر مع جوزها الكويت وبكدة بقا عم فؤاد شريك بابا, بس هو مختص بالادارة بس.
فتوجه نظر حسام إلى عبدالرحمن وسأله: وانت بقا يا سي عبده, ناوي على ايه في الأجازة؟
عبدالرحمن: والله أنا بفكر أدور على شغل في أي مكان ع الأقل أجيب مصاريفي.
حسام متهكما: لا يا شيخ, شغل ايه اللي انت جاي تقول عليه يا عم عبده؟ وهتشتغل بقا ايه بالاعدادية إن شاء الله؟
عبدالرحمن: أهو أي حاجة وخلاص. انا سمعت إن عم فتحي الميكانيكي محتاج حد يساعده في الورشة اليومين دول.
حسام: ميكانيكي! عاوز تشتغل ميكانيكي يا عبدالرحمن؟ ولما نيجي نناديلك بقا نقولك ايه؟ تعالى يا واد يا بلية؟
عبدالرحمن: وماله يعني يا حسام؟ هي مش شغلانة حلال ومفيهاش حاجة تغضب ربنا؟ وما تنساش إن ربنا قال "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ" وأي صنعة مهما كانت صغيرة فليها فايدتها في المجتمع, يعني من غير الميكانيكي دة مش هتقدروا تستعملوا العربية بتاعتكم وباباك هيضطر انه يروح المحكمة كل يوم على رجليه ومصالح ناس كتير تتأخر .وكمان المفروض اننا كبرنا ومش هنفضل على طول نمد ايدنا لأهلنا وناخد منهم المصروف, يعني لازم نبدأ نعتمد على نفسنا بقا.
**ت حسام ونظر إلى الأرض خجلا مما قاله منذ قليل, أما مازن فقال مؤيدا: معاك حق يا عبدالرحمن بس ايه رأيك أكلملك بابا يخليك تشتغل معانا في الورشة؟ وأهو بالمرة نفضل مع بعض حتى في الأجازة.
عبدالرحمن: بس باباك ممكن يرفض وخصوصا اني مش بفهم أي حاجة في شغلكم دة.
مازن: يعني أنا اللي كنت بفهم يا عم, مانت هتتعلم و واحدة واحدة تفهم كل حاجة, ومن ناحية بابا ما تخافش أنا حاسس إنه مش هيرفض وخصوصا إنه بيحبك أوي انت والواد حس مش عارف على ايه يا أخي؟ دة حتى احنا اللي اسمنا أصحابه مش طايقينه.
فرفع حسام حاجبه ممثلا الضيق: بقا كدة؟! طيب يالا امشي من هنا بقا يالا انت وهو.انتوا فعلا ما تستاهلوش صاحب زيي.
مازن ضاحكا: خلاص يا حس حقك علينا, بس ما قولتلناش انت ناوي بقا تعمل ايه في الاجازة؟
فقام حسام برفع ياقة قميصه بفخر وهو يقول: والله أنا عن نفسي كنت ناوي أقضيها فسح و***ب.
ثم أكمل مدعيا الحزن: بس شكلك كدة يا مازن هتضطر تكلم باباك إنه يغشلني أنا كمان معاكم.
فحضنه صديقاه بسعادة وهما يهتفان قائلين في صوت واحد: حبيبي يا حس.
************************
جلس محمود في المقهى مع صديقه فؤاد وهو يقول له وقد تضاعف قلقه: طب وبعدين يا فؤاد؟ بقالنا لحد دلوقت أكتر من شهر ولا حس ولا خبر, دة كأن أهلها فص ملح ودابوا, او انهم ما صدقوا انها بعدت عنهم.
فؤاد: ايه بس الكلام اللي بتقوله دة يا محمود؟ هو معقول فيه حد يهون عليه ضناه بردو؟
محمود بعصبية: أمال ايه اللي سكتهم لحد دلوقت؟
فؤاد محاولا تهدئته: ومين قالك بس ان هم ساكتين؟ مش جايز بيدوروا عليها في مكان تاني؟ ويا مين عالم حالهم ايه دلوقت؟
محمود وقد ازدادت حدة صوته: طيب واحنا يا فؤاد؟ ربنا وحده هو بردو اللي عالم بحالنا.
فؤاد: طيب مانا يا محمود عرضت عليك قبل كدة انك تسيب البنت تيجي عندنا وأهي تقعد مع البنات وخصوصا ان غادة تقريبا من سنها فيقدروا يلعبوا مع بعض, وكمان يا سيدي البنت مش حمل اوي للدرجة, واللي يربي واحد زي اللي يربي اتنين.
محمود وهو يحاول أن يتمالك أعصابه وألا يخرج عن شعوره وقد كاد الألم أن يمزق قلبه وهو يقول بنبرة حزينة: يعني انت شايف يا فؤاد اني مش هقدر أءكلها؟ الموضوع لو كان على مصاريفها مكنش هيبقا فيه مشكلة, لكن............
ثم **ت لا يعلم ماذا يقول, وقد شعر صديقه بمدى حيرته فأشفق على حاله وسأله: عفاف بردو؟
محمود وهو يجد صعوبة في التعبير عن مشاعره: ما بقتش عفاف لوحدها يا فؤاد. دي بقت مشكلتنا كلنا, احنا كلنا اتعلقنا بالبنت , مازن ما بقاش ينام غير لما يلعب معاها الاول, حتى أنا ما بقتش قادر أتخيل البيت من غيرها, وقبل ما ارجع البيت لازم أعدي ع السوبر ماركت اجيبلها الشيكولاته اللي هي بتحبها.
ثم أكمل وقد بدا عليه التأثر الشديد وهو يكافح دموعه: بقت بتفكرني ببنتي أوي, وخايف للاحساس دة يزيد جوانا وفعلا ما نقدرش نستغنى عنها.
فؤاد وهو يحاول مواساته: سيبها على ربنا يا محمود, وهو ان شاء الله يحلها من عنده.
محمود: ونعم بالله.
*********************
وفي الورشة كان كل من مازن و عبدالرحمن يحملان أريكة كبيرة من الواضح أنها ثقيلة الوزن فقد بدا عليهما الإرهاق ثم وضعاها في أحد الأركان وجلسا عليها وكان يلهثان من شدة التعب, فقال عبدالرحمن مازحا وهو يحاول أن ينظم تنفسه من جديد: وكان ماله بس الميكانيكي؟ أهو لا شيل ولا حط ولا كل التعب دة, تعرف يا واد يا مازن؟ ساعات بحس ان باباك زعلان منك اوي عشان كدة بيحاول ينتقم منك فينا. ولا يا مازن! روحت فين؟
أفاق مازن من شروده وهو يقول بقلق: مش عارف الواد حسام اتأخر كدة ليه؟ أنا خايف أوي لتكون النتيجة مش حلوة وهو مش راضي ييجي يبلغنا بيها؟
عبدالرحمن بتهكم: بقا انت فاكر ان حسام هيهمه إذا كانت النتيجة حلوة ولا لا؟ شكلك لسة ما عرفتش حسام. أنا أراهن إن ما كنش حسام دلوقت جاب النتيجة وروح ع البيت عشان يشوفله حاجة ياكلها وسايبنا مطحونين احنا هنا.
مازن لائما: يا أخي حرام عليك, ان بعض الظن إثم.
عبدالرحمن: بعضه بس يا ميزو مش كله يعني.
: الله الله, بقا انتم قاعدين هنا واحنا ورانا شغل متلتل ولازم يخلص النهاردة؟
انتفض الصديقان فور سماع صوت محمود الذي نجح في إخفاء ابتسامته و جعل صوته جادا وصارما, فقال مازن معتذرا: معلش يا بابا, احنا بس كنا بنستريح شوية.
محمود: كل حاجة لها وقتها, ولازم يكون وقت الراحة للراحة, ووقت الشغل للشغل. اتفضلوا ياللا على شغلكم بلا لعب عيال.
فغادر الصديقان المكان مطأطأي الرأس من شدة الإحراج في حين اقترب فؤاد من صديقه وقد استمع ماقاله للولدين: مش كدة بردو يا محمود. دول لسة صغيرين, بالراحة عليهم شوية.
محمود: لازم يشيلوا المسئولية من دلوقت يا فؤاد, وهو احنا هنعيشلهم لحد امتى؟
وفي تلك اللحظة دخل حسام من باب الورشة وما إن رآه محمود حتى أسرع إليه يسأله بلهفة: خير يا حسام يابني, جبت النتيجة؟
حسام بهدوء: طبعا يا عمي.
محمود: طيب وعملتوا ايه, انت وعبدالرحمن ومازن؟
حسام: للأسف السابع.
محمود بحزن بصوت منخفض وكأنه يحدث نفسه: السابع! أول مرة يا مازن.
وفي تلك اللحظة حضر كل من مازن وعبدالرحمن الذين قد لمحا حسام من بعيد وأسرع مازن يسأله: اتأخرت كدة ليه يا بني أدم؟
ولم يمهله مازن للرد على السؤال الأول حتى كان سؤاله الثاني: انطق عملنا ايه؟
وكان محمود هو الذي رد على السؤال وعينيه مليئة باللوم: السابع يا مازن.
كانت كالصدمة بالنسبة لمازن الذي قال في غير تصديق: السابع! لا طبعا, اكيد فيه حاجة غلط.
حسام: يا عم دة احنا نحمد ربنا انا اصلا كنت طالع من امتحان الفيزيا وعامل حسابي ان هي اللي هترجعني للمدرسة تاني في شهر أغسطس, بس الحمد لله.
عبدالرحمن وقد فهم سوء الفهم الذي كان, فسأل حسام وهو يقترب منه أكثر: يعني انت اللي طلعت السابع؟
حسام بحركته المعتادة وهو يرفع ياقة قميصه بثقة: طبعا, وبلا فخر.
مازن وهي يتنفس الصعداء: طب وانا؟
حسام بحركة تدل ع الاحتقار: انت الأول, والواد دة تالت مقرر.
كانت سعادة لا توصف بين الأصدقاء, وقال لهم محمود مبتسما: الف مب**ك يا أولاد.
مازن: الله يبارك فيك يا بابا, بس مب**ك كدة حاف ما تأكلش عيش.
محمود: لخص, يعني عاوز ايه؟
مازن: اهو اللي يطلع من ذمتك يا بابا كله حلو.
محمود: ماشي يا سيدي, تحب أعزمكم على ايه.
مازن: تعزمنا ايه يا حاج؟ ودة اسمه كلام بردو؟
محمود مبتسما: امال عاوز ايه يا باشمهندس؟
مازن: زيادة في اليوميات.
محمود: دة انت بترسم على كبير بقا.
مازن مذكرا اياه: الاول والتالت والسابع يا حاج. ايه ما نستاهلش؟
محمود موافقا: لاطبعا, تستاهلوا يا باشمهندس. ومن النهاردة ان شاء الله كل واحد فيكم ليه زيادة في اليومية خمسة جنيه. مرضيين؟
الثلاثة في سعادة: ربنا يخليك لينا يا حاج.
محمود: طيب روحوا بقا عشان تبلغوا أهلكم بالنتيجة وانت كمان يا مازن ماما تلقاها قاعدة على أعصابها, ياللا النهاردة كفاية عليكم نص يوم.
مازن: حاضر يا بابا, ياللا بينا يا شباب.
وبالفعل غادر الأصدقاء وهم في طريقهم للخروج من الورشة همس عبدالرحمن في أذن حسام على غفلة من مازن: مامتك عاملة السمك بإيه يالا؟
حسام متوترا: سمك؟ سمك ايه؟
عبدالرحمن: السمك اللي انت روحت مخصوص عشان تطفحه. اسمع, فيها انا والواد مازن دة والا هنخفيها. آمين.
حسام باستسلام: آمين.
وفي شقة محمود, وتحديدا في حجرة نومه كان يجلس على السرير يقرأ في مصحفه كعادته دائما قبل أن ينام, وعندما دخلت زوجته كان قد انتهى من التلاوة ووضع المصحف على المنضدة بجوار السرير فقالت له زوجته وقد كان الفرح يشع من وجهها: مب**ك لمازن يا أبو مازن.
محمود بابتسامة حانية: مب**ك علينا احنا الاتنين يا أم مازن, عقبال ما نشوفه بقا باشمهندس أد الدنيا.
عفاف: في حياتك إن شاء الله.
محمود: آمين.
وقبل أن يعتدل ليستعد للنوم سمعها تناديه بصوت خافت: محمود.
فأعاد النظر إليها وسألها: خير يا عفاف؟
أجابت بصوت متردد: هو احنا هنعمل ايه مع دي دي؟
محمود بعدم فهم: هنعمل ايه في ايه؟
عفاف: يعني السنة الدراسية الجديدة كلها شهر أو شهرين وتبدأ والمفروض إنها خلاص جابت سن الحضانة. يعني لازم نقدملها في الحضانة وبعديها المدرسة ان شاء الله.
لم يفاجئه كلامها حيث كان يشغل تفكيره هذا الموضوع منذ مدة ولكنه لم يتوصل لحل: والله ما عارف يا عفاف, لحد دلوقت مفيش أي أخبار عن أهلها, ومش معانا أي ورق رسمي ليها, واضح كدة ان المشكلة دي ملهاش حل.
فأسرعت عفاف تقول: لا , ليها.
فنظر لها محمود بتساؤل, فقالت عفاف على الفور قبل أن تخونها شجاعتها فتتراجع عما عزمت على قوله: اننا نتبناها.