الفصل الأول
( يبتلينا القدر بأيام تضرنا وتحزننا ، وليال تثقلنا وتتعبنا حتي تنهك روحنا ، أيام تُحدث في الروح شقٌ هائل لايلتئم إلا بمعجزة ، لا نعرف إذا كانت تلك المعجزة هي الغرق أم النجاة ، ولكنها الفاصل الوحيد بين الموت وذلك الشعور القاتل ، شعور وكأنك سفينة محطمة علي الشاطئ لم تعد قادرة على الابحار ولا العودة لتكون شجرة ، شعور بأنك على شفا حفرة من الهلاك و روحك باتت فارغة من أيّ شغفٍ يدفعُها للحياة ،
هذا القدر جعل مني ناراً باردة ، جعل مني خيالاً من النور في الظلام أزور قبور أحبتي وأحتضنهم شوقاً ولهفةً للقائهم ، جعل مني قلباً يدفن حبه داخل أعماق اليأس ، أشعر وكأننى أموت من الوحدة..... من الحب..... من الكره..... من اليأس..... من الأمل.... من كل مايهبه العالم لي..... إعصار داخلي يبتلعني داخل العبث وكأن حياتي تسحق داخلي من الحدة الزائدة واختلال التوازن المبالغ فيه....... ولكن مازال الطريق طويل وليس لدي ما أخسره فبقائي على قيد الحياة ماهو إلا معجزة...... ?
أنا معجزة غير مكتملة ?
أنا معجزة ولدت من رحم الموت ??)
في مستشفى باشاك الخاصة ترقد ريحان علي سريرها وقد انهكها المرض تنظر امامها بضعف ، وامير يجلس علي ركبتيه بجانبها يتوسل إليها ويحاول أن يقنعها أن تتراجع عن رأيها وتوافق علي إجراء العملية ، كان يترجاها وهو يقول : أرجوكى ريحان اقبلي بالعملية وأنا اعدك سأبتعد عنك ولن تري وجهي مرة أخرى ، أرجوكى لاتعاقبيني بهذه الطريقة أقبل بإبتعادك ولكن فقدانك مستحيل ، إبتعادك يحرقني ولكن فقدانك يقتلني ، أعلم انني جرحتك كثيراً بل أنك أكثر إنسان جرحته وقسوت عليه ولكنك أكثر إنسانة أحببتها لقد أحببتك أكثر من أي شئ لقد عشقتك ولكنني كنت جاهلا كنت اعمي ، لا اطلب أن تسامحيني ولكن لا تختاري الموت ارجوكي ، لن أستطع العيش بدونك ، لتنظر له بعينين انهكتهما الحياة وأطفأت بريقها بسبب قسوتها وقالت بل**ن أنهكه المرض : انتهى ..............
_________________________
فلاش باك : قبل أربعة سنوات في أحدي أشهر الجامعات الخاصة باسطنبول
كانت الجامعة تستعد لقيام مسابقة بحثية مهمة جدا عن مشاريع طبية مختلفة حيث سيقوم كل طبيب اختيار طالب حسب تخصصه ليساعده في المشروع البحثي المناسب ويفيده بخبرته ويؤهل الطالب ليصبح طبيبا متمكنا.
يدخل أمير الجامعة بهيبته و سيارته الفخمة التي لفتت انتباه كل الطلاب وخاصة الفتيات ما عدا فتاة واحدة مرت من امامه دون الإلتفات إليه ، ولكنه انتبه لها بطريقه سيرها وثقتها بنفسها الظاهرة من عينيها وشيئا ما داخله انتبه لها وكأنه يعرفها من قبل ، وشعر بنبضة غريبة في قلبه وكأنه يألف تلك الفتاة ، ظل متتبع أثر سيرها بلهفة غريبة حتي اختفت من أمامه ، انتبه لنفسه ليقول : ما بك يا أمير... إنها مجرد فتاة عادية... هل ستخون عهد قلبك وتنظر لغيرها ، لقد ذهبت حبيبتك وسلبوا منك قلبك ودفنوه تحت التراب ??وحتى مكان قبرها اخفوه عنك... ليتني أعرف مكانه فقط لأذهب إليها وارتمي في أحضان قبرها وربما تهدأ نيران قلبي و غصة روحي ?????
تجول قليلا في الجامعة ثم صعد لمكتب صديقه الدكتور سليم ليسلم عليه ويطمئن علي أحواله ويتطلع علي شروط المسابقة
واثناء خروجه اصطدم بنفس الفتاة التي تجمع ملامحها بين هدوء الريف وقوة وشراسة الحياة ، ملامحها خير دليل علي مامرت به في مغامرة الحياة الغير عادلة
ابتعدت عنه بسرعة شديدة وكأنها صعقت بالكهرباء ولم تنظر حتي لوجهه ، ودخلت غرفة الطبيب سليم فهو مقرب لها كأخيها وهي كذلك بالنسبة له ، اما أمير فظل مكانه لدقائق ساكنا ثم تحرك ونزل للحرم الجامعي
مر الوقت وحان موعد المسابقة وكل طالب يقوم بعرض موضوعه وكل طبيب يختار الطالب المناسب له
صعد الطلاب المنصة بالترتيب حسب التخصص وبقيت ريحان آخر متسابقة فهي الوحيدة التي اختارت تخصصات الجراحة القلبية و جراحة الدماغ معا ، فهما أصعب تخصصات الطب فكيف لطالبة بنهاية السنة الرابعة أن تقدم بحثا في كلا التخصصين
نادي الدكتور علي اسم الطالبة ريحان اردام
صعدت المنصة وسألوها علي تخصص البحث وما إن قالت الجراحة القلبية و جراحة الدماغ حتي صعق كل من في القاعة ، واصابهم الذهول ( ولكنه ليس بالشئ الجديد عليهم فجميعهم يعرفون ريحان وانها لا تعجز امام شئ في دراستها حتي أن زملائها يعتبرونها استاذتهم ويلجأون إليها كلما أعجزهم شئ)
ولكن هناك من اعتدل بجلسته وانصت باهتمام وبدأ يستمع لها
وكان يندهش من كل معلومة وكل ثغرة تذكرها ، بدأ يشك بأنها مجرد طالبة انهت لتوها السنة الرابعة فهي تذكر أشياء هو لايعلمها في الطب وهو الجراح العام الذي شهدت تركيا بأثرها تكريمه منذ شهرين بالجراح المثالي بعد عودته من اميركا حيث ذهب مع بعثة تركية لتبادل الثقافات الطبية ، واثبت بجدارة تفانيه في عمله سواء في تركيا أو أمريكا....
وبينما يستمع لها بتمعن سمع الطبيب سليم وهو يهمس بصوت خفيف ويقول إنها المعجزة... هي حقا معجزة
نظر أمير لسليم ليجد دمعة فخر تسقط من عينيه
تعجب من الامر فسليم هو صديقه المقرب وتساءل بين نفسه ما علاقة سليم بهذه الفتاة ، ولكن سرعان ماقطع حبل تساؤلاته صوتها الملائكي وهي تقول وهكذا نكون اتممنا العملية بنجاح ولكن نظريا فقط باتحاد قوتي القلب و الدماغ معا و الاشارات العصبية للمخ التي تسيطر علي أجزاء الجسم بأكملها والقلب أيضا سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ورغم أن القلب كتلة عضلية وليس عصبية إلا أن لفسيولوجية المخ العصبية اثرها عليه والع** فإن توقف القلب للحظات يتوقف الدماغ بدوره نتيجة نقص الامداد الد**ي فهي فسيولوجية وظائف متبادلة بين أهم واقوي عضوين في جسم الإنسان ،
ويتبقى العمل الجراحي وتقنيات الطبيب ، ولكن قاطعها أمير بسؤال كان قد أطلع عليه بالأمس ظننا منه أنها ستخفق في اجابته فغروره لم يرضي بفكرة أن طالبة تتفوق عليه ، ولكنه صعق عندما جاوبت عليه وبدون تفكير ، فهيهات هيهات فهي المعجزة كما يلقبها كل اساتذتها في الجامعة.
إنتهت من القاء بحثها وافكارها في علاقات و فسيولوجية القلب و الدماغ وعلاقتهما بالجراحات الحديثة ، اختارها أمير في فريقه ولكن كان اختياره لها كتحدي يريد أن يثبت أنها ليست هكذا وأنه يوجد خطأ ما وسيحاول اكتشافه ، فيستحيل أن تكون تلك الفتاة التي ألقت البحث منذ قليل هي مجرد طالبة
خرجت ريحان من القاعة ولكنها سمعت دكتور سليم يناديها ويقول حضرة المعجزة إلي أين هكذا ؟
التفتت وقالت كنت ذاهبة إلي نور لابشرها بقبول بحثي وأنني نجحت به رغم احباطها لي ، قال لها ولكنها محقة فانتي ياجميلتي غريبة الأطوار حقا ، ردت بتحدي ستري يوما سأكون أنا الطبيبة المعجزة ، ولكن سمعت صوتا يقول أووووه ماهذه الثقة ؟؟؟ الطبيبة المعجزة دفعة واحدة والعالم ملئ بالاطباء ؟؟اعترف تفوقتي في بحثك ولكن هذا لا يعني انكي معجزة بالمعني المطلوب ،
تضايقت ريحان ونظرت له نظرة تحدي ، وقالت الايام بيننا وسترى ، قال أهذا تحدي أم وعد ؟؟
قالت : ليس تحدي ولا وعد فأنا لا اتحدي أشخاص وخصوصا الرجال وعدي هو للحياة التي ستثبت لك ، حاول سليم تهدئة الموقف ليقول لاعرفكم أولا
دكتور أمير الجراح العام وحصل علي الجراح الأول علي تركيا هذا العام
وهذه دكتورة ريحان معجزة الجامعة ، ستعملون معا علي المشروع الجديد
قالت له تشرفت بمعرفتك دكتور أمير تارهون
ولكن استغرب من معرفتها لكنيته وسرعان ماقال وأنا تشرفت بك دكتورة ريحان ومد يده ليسلم عليها ولكنها سرعان ما وضعت يدها علي ص*رها وأماءت برأسها وقالت نلتقي علي موعد محاضرة المشروع ، واستئذنت للذهاب وهي تقول في نفسها : أمير تارهون.... أمير تارهون ، ولكن بمجرد خروجها لمح دكتور سليم نور تتجه نحوه وهي سعيدة وتقول نجحت صديقتي هذه المرة أيضا وفازت بالتحدي
ليتعجب سليم ويقول ومن أخبرك
لتقول هي أخبرتني بمجرد انتهائها
ليغمض سليم عينيه فلقد أدرك
أين ذهبت ؟؟ولمن ستزف بشرة تفوقها من جديد ؟؟؟
قال سليم بحزن : الآن عرفت لماذا كانت علي عجلة من أمرها فتلك عادتها ولن تغيرها مهما تحدثنا وقلنا ستفعل ما برأسها ، قالت نور سأذهب لعمي شاهين اخبره بنجاح بحث ريحان لابد وانه ينتظر بقلق واعرف أنها لن تذهب للبيت إلا في وقت متأخر ، واستئذنت منه وذهبت ، كل هذا وامير يقف لا يفهم شئ ، ليقول باستغراب : ماذا يحدث هنا ؟؟ومن هذه الفتاة ؟؟وماعلاقتك بها ؟؟
ليقول سليم : لا يوجد شئ هي فتاة متفوقة وحسب ولكن مكانتها عندي مختلفة فهي مثل أختي الصغري ، وافتخر دائما بها هذا كل الموضوع ، ليقول أمير : واين ذهبت ؟؟
ليربط سليم علي كتفه ويسيران نحو مكتبه وهو يقول لا تشغل بالك كثيرا ، وايضا ستتعاملون وجها لوجه وتتعرف عليها ،
على الجانب الآخر تقف ريحان أمام قبور احبتها تبكي في **ت تبث وجع الفراق لأحبابها.. فلقد شكل الفراق صرخات ونيران تأكل قلبها... وتأبي تلك العين اللعينة أن تحرر مجرد دمعة لتطفئ لهيباً ، لطالما نهش الروح حتي تلفت من فرط ماتحملت ، فراغ مطلق سيطر علي روحها ، وانطفاء تام عانق قلبها وكأن الشخص المتعب داخلها الذي كان يحارب لمحاولة جعل الأمور متماسكة ، رمي سيفه علي الأرض وغادر ببساطة.. فما عاد القلب يتحمل تلك النيران وماعادت الروح تتحمل ما يحدث في ذلك القلب... وتلاشت رغبتها في الافصاح عمّا يحدث داخلها ..وقفت تسترجع ذكرياتها معهم ليقطع **تها صوت أمها وهي تقول : ريحانتي اوعديني ستجتهدين في دراستك وتتوقفي عن تلك المشاغبات ، اوعديني أنك ستحققين حلمي وتصبحين طبيبة بل طبيبة متفوقة أريد أن أرى ابنتي وكل العالم يشير إليها بالبنان ، لتقبل أمها وتقول : اوعدك جميلتي بل اقسم لك سأحقق كل أحلامك وستفتخرين بي يكفي فقط ألا تحزني مني ، لتعود للواقع ويقع نظرها علي إسم أمها (جميلة آردام)
لتجلس بجانب القبر وتضع الورود لأمها وتقول بصوت يغلفه البكاء والحسرة ، أمي يا جميلتي اشتقت لك ولحضنك ، انظري لقد بدأت أحلامك تتحقق ، بقي القليل وستفتخرين بابنتك ، وبعدها سأعرف من حرمني منك وانتقم منهم ، أبي يرفض أن يخبرني ويدعي أنه لا يستطيع الوصول إليهم ولكنني أدرك أنه يفعل ذلك فقط من أجل حمايتي ولكنني سأصبر وسيأتي اليوم وافتح تلك القضية من جديد ولن اكتفي بذلك بل سأدمر حياتهم واحولها لجحيم ، سأجعلهم يتمنون الموت اقسم لك جميلتي ، ثم اتجهت لقبر أختها (نفس أردام) لتنهمر في البكاء وتقول اشتقت لك يانفسي ، لماذا توقفت عن زيارتي في أحلامي ، هل انتي حزينة ؟هل آنتي غاضبة مني ، لاتغضبي أختي أنا لم ولن أنساكي فأنتي نفسي ، أعرف قد تكوني حزينة لأن مراد سيتزوج ولكن هذه الحياة هو مجبور فالكل يجبره وأمه مريضة ، لاتحزني أختي أنا لا انساكي وإن تنساكي كل الناس ، ثم توجهت لقبر أخوها (مارت آردام) وهنا بكت صارخة وكأنها تنتحب وهي تقول أخي....... صغيري ..... ياروحي ، لماذا استعجلت بالذهاب ؟؟لماذا ذهبت ؟؟لماذا لم تنتظر كنت قد أخذت موافقة أمي وذهبت لأ حضر لك الدراجة التي كنت ترغب بها ، ياروحي اليوم عيد ميلادك أتممت احدي عشر سنة ،لو كنت هنا لكنا نحتفل الآن ، هل تعرف ماذا افعل بعيد ميلادك ؟؟اذهب واشتري دراجة لاعطيها لطفل محتاج واطلب منه أن يدعي لك بالرحمة والمغفرة.
ثم ألقت نظرة بتثاقل علي القبور الثلاثة وتحركت لتنام بينهم لعلها تهدئ من لهيب حياتها فهي اشتاقت لحضنهم ولدفئ عائلتها الذي تحول لعاصفة ثلجية بعد فراقهم ????
في المساء ذهب أمير لبيته ليجد اخاه (محمد تارهون) وقد احتله تماما وحوله إلي فوضي ، ليصرخ به أيها الا**ق ماذا تفعل ؟؟أهو منزل أم شارع ؟؟ليرد محمد بكل برود : أخي بكل مرة تصرخ هكذا وكأنك تتفاجئ ألا تستطيع أن تتأقلم علي أخيك بعد ، ليقول سأتقلم ولكن أولا سأجعلك تتأقلم وتصرخ من هول التأقلم ، لينهض محمد مسرعا ليقول عقابك هذا تجعله لطلابك في الجامعة أما أنا فلاتستطيع أن تفعل شيئا واسرع إلي غرفته هروبا من أخيه ، ليقول أمير : طفل اقسم بالله أنه طفل لايكبر أبدا ، وذهب لغرفته ليبدل ثيابه ثم رتب البيت وتناول عشائه مع أخيه ثم ذهب لغرفته ليبدأ في التفكير في فكرة للمشروع ، في الاصل كان قد اختار الفكرة ولكن فكر أن يجد أفكار أصعب ليقول يجب أن نجد أفكار تلائم المعجزة وضحك باستهزاء ، ثم وقعت عينيه علي منديل احمر جميل على سريره.. حمله وابتسم بألم وضمه بجانب قلبه وتخيل بأنه يحتضنها هي... رائحتها الطفولية الممتزجة بالمنديل ما زالت تسكر عقله وتنعش قلبه ، تن*د بألم وقال : بماذا تفكر... لقد ذهبت وانتهي ، ربما تلك الفتاة تشبهها وربما يخيل إليك فأنت مازلت تري وجهها في جميع النساء ، لقد سرقوا منك طفلتك ولكنك ما زالت تراها تكبر وكأنها لم تفارقك يوما ، ارتفع صوته بألم : آه والله لم تفارقني يوما وتكبر كل يوم في أحلامي ?????
علي الجانب الآخر كانت ريحان امام بيتها تمشي بتثاقل فلقد انهكها البكاء ، ولكنها لم تشعر ببرودة الجو فلهيب حياتها يطغي على كل شئ ،
وصلت البيت ليفتح والدها الباب و يحضنها بشدة وهو يصطنع الابتسامة ويقول لماذا تتأخرين هكذا ، ودائما أعرف بنجاحك كالغريب ، لتبتسم وهي تقول يبدو أن الرويتر أخبرك ، ليقول كانت هنا انتظرتك طويلا ولكنها ذهبت عندما تأخر الوقت ، لتجلس في حضن والدها فهو يعرف جيدا أين كانت ؟؟وبعد فترة قال لها احذري ماذا طبخت لكي اليوم ، لتبدأ في الشم لتبتسم وتقول يبدو أن الشيف خاصتي يعمل جيدا هذه الايام ، سأبدل ثيابي واتي إليك حالا ، وما إن ذهبت حتي اختفت ابتسامتها وابتسامت والدها فكلاهما يتصنع ظنا منه أنه لا يشعر الاخر بحزنه ، فوجع الفراق خلف في نفس كلا منهما وجع... وأي وجع ?.. فما أقساه من وجع ، اجبرهم علي ترك الأمس دون أن يحملوه في ذكرى أو يسقطوه في دمعة، وجع أدخلهم يدخلك الغد من منطقة حائرة في المنتصف تركوا فيها كل شيء عدا تلك الندبة التي تملكت من قلوبهم وارغمتهم علي العيش بين اليأس واللابأس... ولكن ورغم كل ذلك الوجع فيحاول كلا منهما التماسك من أجل الاخر... من أجل آخر سبب للحياة... من أجل آخر نبضة ??
انتهي عشائهم لتذهب لغرفتها ولكن النوم هجرها لتقع في بحر ذكري ذلك اليوم المشؤوم ، كلما أغمضت عينيها تري صورة أمها واختها واخيها وهم غارقين في دماءهم ، ولكنها خرجت إلى شرفة غرفتها علها تهدأ وجاء في خاطرها أمير لتبتسم بحزن وهي تقول : آاااااااه يا آمير تارهون آاااااااه...... اااااااااااه
في الصباح نهضت ريحان وكان يبدو عليها الإرهاق وتناولت فطورها مع والدها وذهبت للجامعة ، وكذلك أمير الذي ذهب برفقة أخيه للجامعة فهو طالب في كلية الهندسة ،
التقت ريحان مع صديقتها نور وجلستا تتحدثان قليلا ، وصل أمير وأخيه لينزلا من سيارة أمير الذي اتجه نحوها مجرد مالمحها ليقول صباح الخير ، لترد صباح الخير دكتور ، ليقول هل آنتى جاهزة للبدأ في المشروع ، قالت : نعم بالتأكيد ، ليقول حسنا نلتقي في مكتبي بعد انتهاء الدوام الدراسي لنناقش فكرة المشروع ، لتقول : حسنا ، تحرك للمشي ولكنه تذكر اخاه ليجده غارق امام نور التي وكأنها تجمدت بمجرد رؤيته (ههههههه حب من النظرة الأولى ??) ليسحب أمير أخوه وهو يقول هيا طفلي اقترب دوامك علي الانتهاء ، لتغمز ريحان صديقتها وهي تقول ستجلطيني يوما ، ماهذه النظرات البلهاء ، لتقول نور : ريحان ألا ترين كم هو وسيم ، لتقول ريحان من الوسيم أيتها الحمقاء ، لتقول نور بهيام : الشاب الذي كان مع الاستاذ أمير ، لتقول ريحان بغضب : ياصبر ياصبر إما ستجلطني يوما أو سأقتلها الحل من عندك ياربي ،ونهضت لتلحق بمحاضرتها ونور تركض خلفها ، دخلتا المحاضرة وبعد قليل دخل الدكتور عثمان الذي هنئها بنجاح بحثها وحصوله علي المرتبة الاولي ، لتشكره وتقول هذا من بعض ما عندكم أستاذي ، وبدأ يشيد بتفوقها امام الطلاب لتشجعيهم ثم شرح المحاضره وذهب ليليه الأستاذة ليشرحوا العديد من المحاضرات والسكاشن ،
انتهي الدوام بعد حوالي 6 ساعات لتذهب بعدها لمكتب دكتور أمير ، قرعت الباب ليأذن لها بالدخول وهو يقول تفضلي يا معجزة ، زفرت ريحان بضيق وتمتمت في نفسها : أنت بالاخص لا أريد أن تكون نهايتك علي يدي ، ثم دخلت حيث كان يجلس علي مكتبه ليطلب منها الجلوس ، ليبدأ بالحديث ويقول من أين نبدأ ؟؟لتقول كما تريد حضرتك ، ليقول يجب أن نتفق من الآن فأنا لا أحب المشاكل والاختلافات في العمل ، يعني نتفق الآن علي كل شئ ، وبعدها نبدأ في العمل علي المشروع ، لتقول إذا لنتفق أولا حول فكرة المشروع ، ليقول تمام ولكن أنا لا أحب الافكار التقليديه ، ما رأيك ليكون المشروع علي أحد الحالات المستعصية يعني اقصد المستعصية في التشخيص والعلاج وليس المرض ، لتنظر له بتعجب وتقول كيف ؟؟ليقول ماذا يا معجزة هل استصعبتي الأمر ؟؟لتنظر له بضيق فلقد فهمت مقصده من تلك الفكرة ، فهو يريد تعجيزها ، وبالفعل كان هكذا الأمر من ناحية أمير فغروره كجراح عام وحصل علي المركز الأول على مستوى جراحين تركيا لا يسمح بأن تتفوق عليه طالبة ، كان ينظر لها بترقب ليزداد اندهاشه عندما نطقت بالموافقة علي فكرته ، لتقول وما المانع من المحاولة ؟؟لنحاول كما حاول غيرنا ومن الافضل أن نختار الحالة الاصعب علي الاطلاق حتي يكون لنا السبق ، زادت نظرة التحدي عند أمير ليقول : بما أننا اتفقنا فهذا جميل جدا ، بقي الاتفاق علي الحالة ، لتقول له : أستاذ أمير اختر الحالة التي تريدها أيا كانت ، قال : حسنا نلتقي غدا في نفس الميعاد لنتفق على الحالة ، غادرت مكتبه لتذهب لنور التي وجدتها مع محمد في الحديقة يضحكان ويتحدثان بصوت عالي وكأنه لا يوجد غيرهم بالجامعة ، لتصعق ريحان وتذهب ناحيتهم لتعرفها نور علي محمد ، وتقول محمد هذه صديقتي وأختي ريحان ، ريحان هذا محمد أخو الاستاذ أمير وهو يدرس الهندسة لقد تعرفنا منذ قليل ، لتقول ريحان التي ما زالت تحت تأثير صدمتها من صديقتها : تشرفت بلقائك وأكملت قائلة : نور يجب أن نذهب لأكمل مذاكرة فعندي عمل لن ينتهي وسحبتها و غادرتا الجامعة ، بقيتا صامتتين لفترة لتقطع ريحان حبل ال**ت لتقول : إلي متي ستظلين هكذا ؟؟لتقول نور : ماذا ؟؟
ماذا فعلت أنا ؟؟لترد ريحان بغضب : لماذا انتي هوجاء هكذا و تندفعين نحو الناس بسرعة فائقة ، يا ابنتي ليست الناس ملائكة بل بعضهم قد يكونوا شياطين ، لماذا لاتضعين حواجز بينك وبين الناس ، لتقول نور : ليس موضوع حواجز الآن ، أنا فقط شعرت بشئ غريب عندما رأيته ، لا أعرف شعرت بالراحة فجأة وكأننى اعرفه منذ سنوات ، لتقول ريحان : نور آنتى صديقتي الوحيدة وأنا خائفة عليكي ، لا أريد أن تتأذي ، لتحضنها نور وهي تقول : لا تقلقي صديقتي لن يحدث شئ فقط سنتعرف واساسا أنا لست ساذجة لهذه الدرجة ، لتضحك ريحان وهي تقول أجل لستي ساذجة لتلك الدرجة بل أكثر من ذلك بكثير ، لتكملا طريقهما وتذهب كل واحدة لبيتها ، دخلت ريحان لوالدها لتجده في المطبخ يحضر الطعام لابنته الجميلة لينتبه لها ويقول : وهاقد جاءت اميرتي ، هيا اذهبي وبدلي ثيابك ليكون الطعام جاهزا ستأكلين أصابعك من جماله ، لتقول أمرك قائدي ،
في المساء كان أمير يجلس بشرفة غرفته وهو يفكر بالحالة التي سيختارها لتأتي بذهنه وتظهر ملامحها امامه ، لا يعرف كيف حفظ ملامحها هكذا عن ظهر قلب ، ولكنه كان يتعجب في نفسه ويقول : من يرى ملامحها يري البراءة ولكن نظراتها دائما وكأنها تنبأ بعاصفة ، ليعلو صوته قليلا وهو يقول مبتسما : ياتري لماذا اشعر وكأننى أعرفك ؟! وما حكاية تلك المعجزة ؟؟
ليسمعه محمد ويقول : خيرا أخي من هي تلك المعجزة ؟؟
ليرد أمير مسرعا : معجزة!! عن أي معجزة تتحدث ؟؟ليقول : أنا لم أتحدث عنها بل انت ، ليقول أمير باستهزاء أنا لم أقل شيئا كهذا يبدو انك تتوهم يعني بالاخير طفل ويتوهم ، لينظر إليه محمد وهو يضيق عينيه ويقول : لاتتهرب أخي فواضح جدا أن هناك احداهن قد خ*فت لنقل عقلك لا نريد إيصالها للقلب الآن ، لينهض أمير ويبدأ بالركض خلف أخيه الذي يهرب كالعادة ،
دخل محمد غرفته ليتذكر نور وانه قد نسي أن يأخذ رقم هاتفها بسبب استعجال ريحان ، ليقول : لامشكلة لنأخذه غداً ، اما عند ريحان فكانت تدرس محاضراتها وتبحث أيضا عن الحالات المستعصي علاجها لتقول في نفسها من المحتمل أن يختار دكتور مغرور إحدى هذه الحالات هذا وإن لم يخترع الحالة التي يريدها ، لم أتوقع أنك أصبحت مغرورا هكذا أمير تارهون ولكن لم يعد يهمني أبدا أبدا ،
لتنهض وتحضر قهوتها لتظل تدرس وتبحث حتي الصباح لتنام ساعتين فقط في بداية الصباح لتنهض مسرعة للذهاب للجامعة فلقد تأخرت علي أول محاضره ،والتي كانت من نصيب دكتور أمير ، دخلت المحاضرة على عجلة ليوقفها صوته وهو يقول بجدية : إلى أين ياآنسة ؟؟هذه قاعة المحاضرات وليس كافتيريا الجامعة لتدخليه وقتما شئتي ، حاولت الاعتذار عن تأخيرها ، ولكنه قاطعها قائلا لاتظنين أن جميع الأستاذة سيسمحون بهذا التسيب و الاستهتار ياآنسة معجزة ، لتقول : أستاذي أنا اعتذر لتأخري ولكن من فضلك لايوجد مايستدعي هذا الكلام ، ليقول فعلا لايوجد ما يستدعي هذا الكلام اخرجي خارج القاعة حالا فأنا لا اسمح أن أشرح بوجود الطلبة المهملين ، صعق جميع الطلاب فهذه المرة الأولى التي تحدث مع ريحان فهي الطالبة المستثناة دائما من قبل كل أساتذتها....
لتتحرك مسرعة خارج القاعة والغضب يعتريها فلقد اهانها وسط زملائها......??