عادت ارتجافتها الى جسدها بقوه، كإنها تقف تحت صنبور ماء بارد فى ليلة شتويه قارصة البروده، تتخيله وهو يلقى بها الى رجاله، فيدمر لها حياتها، بل كل شئ فى عالمها الذي كانت دائمٱ تحاول ان تحافظ عليه بعيدٱ عن اى مخاطر من تلك التى تقف بها الٱن.
ابتسم ساهر لرؤيتها على تلك الحال، فتحرك بعنجهيته المعتاده ليصل الى مقعد مكتبه الخاص به وحده، وهو يمشي بخطوات ثابته وواثقه.
ساهر: الظاهر انك بدأتى تعقلى وشكلك هتتكلمى اهو، يلا قولى اللى عندك كله ومتحاوليش تتلاعبى معايا، عشان دى هتبقى غلطه كمان.
ماريا بنبره خائفه مستفهمه: لو قولتلك الحقيقه، هتعمل فيا ايه؟، هتسيبنى امشي ولا برضو هتخليهم يإذونى؟
رفع رأسه الى سقف الغرفه مستندٱ بها الى ظهر معقده الوثير، ثم اشبك اصابعه ببعضهما قائلٱ بتفكير مصطنع: إمممممم، ياترى ممكن اعمل فيكى ايه بعد ماتقولى الحقيقه؟؟
ثم نظر لها مرة اخرى قائلٱ بحده غريبه على كل مامر به من ابتسامات وضحكات متفرقه: انتى فى الحالتين هتتعاقبى، مانتى لازم تدفعى تمن تصرفك الحقير ده فى مملكتى، انا مبأذيش اى حد ولا عمرى اتعرضت لحد، بس اللى بيقرب منى، بيبقى حفر قبره بإيده.
**ت قليلٱ ليرى تأثير كلماته عليها، التى أتت بثمارها بالفعل.
فرٱها ترتجف أكثر وتلتصق بالحائط كإنها تحتمى به من شعلة الغضب والشر التى تراها أمامها الٱن متمثله فى ذلك الرجل غريب الأطوار، الذي يغضب ويصفع ثم فجأه يضحك، ثم لا يلبث ان يغضب مرة أخرى.
وبالفعل وجدته للمره التى لا تعلم كم عددها يبتسم وسط غضبه وكلماته الكريهه لها ليقول وكأنه يطمئنها!!!
ساهر: بس طبعا عقابك لو قولتى الحقيقه غير عقابك لو فضلتى ساكته وبتقاوحى معايا اكتر من كده.
ماهذا الرجل!!، أهو الٱن يخيرها بين
جحيم وجحيم أشد، وعليها الٱن ان تختار فعلٱ؟!!؛ وما الفارق إذن إذ إنها فى كلتا الحالتين لا خلاص لها من تلك المصيبه التى حطت على رأسها، ولا يد لها بها من الأساس ولكنها لن تستطيع ان تقول ذلك فهى كما قالت له منذ قليل، كانت تعلم انها تمضي ذاهبه بقدمها الى الموت ولكنها ذهبت ولن تتراجع، هو بالفعل لا يعرفها مطلقٱ، ولكنها تعرفه حق المعرفه، فمن له أن لا يعرف ذلك الساهر المتعجرف، الذي يصف نفسه وبمنتهى الوداعه انه لا يتعرض لأحد الا اذا تعرض له، فهل يعقل ان معظم من بالبلد تعرضوا له بالأذى ليسقيهم كل هذا الوبال...
تحدثت ماريا وهى تشعر بشدة التخبط الذي يحدث بداخلها ولكن ال**ت الٱن ليس هو السبيل للخلاص: انت كده بتخيرنى بين عذاب وعذاب اشد والاتنين مجهوليين بالنسبالى، فأختار على اساس ايه يعنى؟
نظر لها ساهر متعجبٱ منها، فلم يقف امام شخص مثلها من قبل، ولن يحدث!.
ساهر: انتى بتحاولى تعملى ايه؟، بتضيعى وقت مثلٱ؟، ولا تكونيش بتتفاوضي معايا؟؟
ثم اطلق كلماته بصوت قوى مرتفع شعرت انه هز الحائط الذي تستند عليه
ساهر: لو متكلمتيش حالٱ مش هضيع معاكى لحظه كمان، وهرميكى ليهم ومش هسأل فيكى لحد ماتخرجى من تحت ايدهم ميته وتترمى فى اقرب صفيحة زباله تليق بأمثالك، اللى اختارك للمهمه دى ذكى اوى بصراحه انه يختار واحده ملاوعه زيك وأمينه كمان بتحاول تحافظ على سره، بس انا اذكى اكتر بكتيير، وملاوعة الدنيا كلها مش هتجيب معايا نتيجه.
فهو لا يعلم انها حقٱ لا تجد ماتقوله له، فهى لا تعلم لماذا كانت اختها تريد سرقة هذه الملفات ولصالح من كفلت نفسها كل هذا العناء بهذه المخاطره الغ*يه التى كالعاده تتحمل هى نتائجها بدلٱ عنهم، فهم فى حياتها كى يخطئون فتدفع هى ثمن تلك الأخطاء مرحبه.
بدت أمامه تفكر وعينيها تدوران فى كل مكان من حولها، هى بالفعل تفكر، فهى لا تعلم من الحقيقه شيئٱ، وحتى لو تعرفها لن تبوح بها كى لا يبحث ورائها فتصل يده الى اختها، ويضيع كل مافعلته من اجلها، هو يريد ان تتحدث وتروى له، وهو لا يعلم انه بهذا الطلب يجعلها تفكر بأكذوبه ماكى تريحه وتختصر من ساعات الرعب التى تحياها بين جدران ذلك المكتب البغيض الذي يشعرها بالاختناق على الرغم من سعته وجمال ت**يمه المنمق بشكل يثير الاعجاب لو كانت فى حال افضل من حالها الٱن....
نطقت اخيرٱ وهى تزدرد ريقها بصعوبه، قائله ببطئ خائفه ان يفتضح امر كذبتها بمنتهى السهوله، وكيف لها ان تقنع رجل بمثل هذا الرأس العجيب..
ماريا: انا مش عايزه اتكلم عشان عارفه لو اتكلمت مش هتصدقنى.
ساهر: لا اتكلمى ومالكيش دعوه هصدق ولا لا
فى حى شعبى بسيط، كانت تقف رانيا فى النافذه المتهالكه، تنظر الى الشارع الخالى من البشر بعينين زائغتين، وروح متخبطه وقلب لا يكف عن الض*ب بقوه يكاد ان يمزق اضلعها ويخرج من بينهما يجرى هائمٱ على وجهه عله يصل الى اختها فيدافع عنها ويعترف بالحقيقه، ولكنها لا تستطيع فعل ذلك، فهى أجبن من أن تفعل ذلك بل هى أنانيه، لا تعبأ الا بنفسها فقط، تعلم جيدٱ ان هذه الكارثه التى تلبستها اختها الٱن ماهى الا من فعلتها الدنيئه، وهاهى تقف الٱن فى نافذة منزلها ٱمنه مطمئنه فى حين انها تعى تمامٱ ماتمر به ماريا الٱن، ولكن ليس لديها الشجاعه لأن تذهب وتعترف وتخلصها مما كان من المفترض ان يحل بها هى لا ماريا التى لا تعرف حتى ماحدث او ما حمل اختها على فعل ذلك، بل هى اشد دناءه من كل ذلك، بسبب ذلك الشعور القابع بداخلها بالسعاده انها ليست هناك مكان ماريا، ذاك الشعور الذي حاولت جاهده ان تمحيه من داخلها ولكنها لم تستطع نكرانه منذ لحظة ان اخبرتها ماريا بذعر ان تخرج حالٱ من هنا تاركه لها شأن التصرف.
تشعر بالخجل من نفسها ولكن ابتعادها عن مواجهة ذلك المتعجرف ساهر، تستحق ان تسعد بها عن ظهر قلب، ومن يخفى عليه صعوبة لقائه اذا كان يخص محاسبه على خطأ فى حقه....
تقف عاجزه تمامٱ، لا تستطيع حتى ان تدعمها بأى طريقه، فتلك هى تعليمات جمال الو*د الذي كان هو المتسبب الاول فى كل ماحدث حتى الٱن.
كادت ان تحترق من كثرة الافكار المتلاحقه على عقلها، فذهبت الى هاتفها التقطته لتعبث بازراره ثم وضعته على أذنها متحدثه بصوت يشوبه القلق والاتهام: ماريا لسه مرجعتش لحد دلوقتى، انت السبب فى كل المصايب اللى حصلت دى، وكان زمانى انا مكانها دلوقتى لولا ان ماريا ضحت بنفسها عشان تطلعنى منها.
جمال على الجهه الأخرى متحدثٱ بخبث: مانتى اللى غ*يه، انا قايلك تعملى ايه كويس اوى وكنت عامل حساب كل اللى ممكن يحصل معاكى، بس واحده بمخك القفل ده تغرق فى شبر مياه طبيعى تبوظ كل حاجه.
شعرت رانيا بالغيظ منه ومن الخبث والكذب الذي يقطر من كلماته التى لا تهدئها بقدر ماتزيدها نفورٱ وغليانٱ: لا انت كداب، انت مكنتش حاسب حساب اى حاجه، بالع** انت كنت عارف ان كل ده ممكن جدٱ يحصل وعشان كده قولتلى انا اللى اروح ووهمتنى ان كل حاجه هتمشي مظبوط.