اتفاقنا

1532 Words
ماتيلدا. "هل تثقين به؟" سألتني والدتي، في مشهد غريب لم أكن لأتوقع حدوثه قبل قرابة الستة عشر شهرُا من الآن. جلست في غرفة ضيقة تحوي كرسيين إثنين وسريرًا صغيرا لا يبدو مريحُا جدا. غرفة أمي كما سماها مايڤ، وسجن قبيح على رأي هذه المرأة. لا أعرف متى صار وجهها شاحب لذلك الحد، كنت دائما واثقة من قوة أمي وصرامة شخصيتها التي كنت أتيه بها مرارًا..لكنها في هذه اللحظات بدت كغصن م**ور لا أكثر، أو ربما أنها كذلك منذ البداية. "من تقصدين؟" سألتها، أي نوع من الأمهات يسألن أطفالهن هذا النوع من الاسئلة الغامضة في لقاء جاء بعد قرابة عامين من البُعد؟ "ذلك الرئيس، العملاء هنا معجبون به كثيرًا. ذلك الذي يهيم به الناس إما أنه ملك او و*د كبير." ساخرةً كانت، هي لا تتذمر ولا تشكي ولا يبدو عليها الحنين بقدر ما هو بادٍ عليّ. لا أستطيع أن أجزم بأنني توقعت أكثر من هذا عندما طلبت من مايڤ أن يصحبني لها، لكنني على الأقل كنت أنتظر عناقًا. "هل كل ما في جعبتك هو قصص عن الرئيس؟ لقد كنت تعرفين أنني هنا طوال الوقت." أخبرتها، فنسبة للمعلومات التي ذكرها مايڤ كانت تعلم منذ اليوم الاول أنني عميلة مستجدة وقد طمأنها الرئيس على حالي، لكنها كانت في حالة طبيعية من الخمول والذعر بعد مقتل زوجها فلم تقم بأي رد فعل يذكر. الحقيقة أن أمي لم تهتم يومًا بحال أبي وما يحدث له وما آخر أخباره، أستطيع أن أتوقع سبب صدمتها وخمولها الشديد حنيئذ من موقعي الحالي. وهي حسرتها على فقدان كل الذهب الذي وعدها الأمير 'هنري' به. "ماذا تريدينني أن أقول؟ انا لم أعد أعرف شيئًا." قالت. كانت تبدو متوترة فعلا، مزيج من الرهبة والقلق والراحة والشدة. 'أمي' المعتادة، لكنها فقط محبوسة في غرفة ضيقة لا تحوي سوى كرسيين وسرير صغير. "لا أعرف كذلك، لكنني جئت للاطمئنان حين أدركت أنكِ هنا. سأعيدك لمملكتنا غدًا صباحًا حيث أنني سأذهب في مهمة ما مع الرئيس..لذلك لا تحتاجين للتصرف وكأن هذا السرير لا يصيبك بالاشمئزاز." نهضت بعد أن أنهيت كلامي، وهمهمت هي مردفةً:"انتِ تثقين به اذًا." صمت لبضعة ثوانٍ. كيف يجيب البشر في هذا النوع من المواقف؟ لا أعلم فعلًا، إن هذه النبرة الساخرة تجعل جبالًا من اليقين تهتز. ولم أكن على وفاق مع مايڤ قبل زيارتي على أي حال فزاد حديثها من الأمر سوءًا. "لن أنصحك، لن أتظاهر بالحكمة. لكنكِ ابنتي..وعليكِ أن تعرفي بأن البقاء هنا ليس آمنًا." أردفت مع ملامحٍ جادة وحروف هادئة، لكنني كنت أعرف أنها تتحدث ارتجالًا فحسب. "لم أجد الأمان بين شقي منزلي..هل سأجده هنا؟" ألقيت جملتي كمن يلقي قنابلًا وأسرعت بالخروج من الغرفة بينما يعتريني شعور غريب بالضيق. لم أبنِ أية آمال حقًا، فلماذا مازلت أشعر بالإحباط ؟ ------------------------------ "كيف كان الأمر؟" سأل مايڤ بثقة وكأنه يعلم الإجابة مسبقًا، تجاهلت سؤاله وسرقت الخطوات بين الردهات والسلالم حتى تحررت من جدران المقر الضخمة وغازلتني رياح الغابة في دفئ. كان مايڤ يتبعني طوال ذلك الوقت، لعله أدرك كم الضيق الذي يحويه قلبي وقرر في تفانٍ أن يتركني أنفس عن حزني في صمت قبل أن يعاود إغاظتي مجددًا. "ما الأمر؟ لقد خضعت لكِ ووافقت على كل ما قد طلبته لكن هذا ما يزال غير كافِ؟" أردف ممازحًا، لقد تفاجأت من موافقاته العديدة على كل طلباتي وشروطي بالفعل، لكن ذلك كان رد فعل طبيعي اذا ما أخذنا في الاعتبار هالة الغضب والصدمة التي كانت تحيط بي ما أن قرر مايڤ أن يستعمل معي إستراتيجيات التهديد الملتوية التي يستعملها مع عملائه عادة. "شيء بي يخبرني أنها قد تغيرت كثيرًا." قلت. "ماذا لو أنكِ الشخص الذي تغير؟ ربما كانت كذلك طوال الوقت وانت التي لم تقدر على رؤية الحقيقة." هل يواسيني أم يزيدني ضيقُا فوق ضيقي؟ في هذه اللحظة بدى كل شيء مثيرًا للغضب لذلك إلتزمت الصمت وحاولت أخذ وجهة نظره بالاعتبار. أ**ق هو من يستهين بعقل رئيس عصابة كالتاكينسكي. "هل نحن على إتفاقنا؟" سألني في بعض من التردد. تسللت لذاكرتي ذلك المشهد القديم قبل عدة أيام من الآن. لقد إشترطت على مايڤ أن يسمح لي بلقاء أمي للمرة الأخيرة ثم إرجاعها لموطنها لتقضي سنواتها البائسة في فعل كل ما كانت تهوى فعله في الماضي. هناك أشخاص لا يتغيرون مهما مر عليهم من زمن، وحبي لها كابنتها لم يسمح لي برؤيتها محجوزة في هذا النوع من الأماكن. اعترض مايڤ قليلًا بحجة كونها قد تشكل خطرًا علينا ولو كان طفيفًا، لكنني أجبت بأنها لا تقدر على أخذ أي نوع من الخطوات المتمردة دون أن يكون من يقودها هو والدي وبعض من أقربائها وأصدقائها الذين قد قتلوا جميعا على يد العميل5 في ليلة الانقلاب. الطلب الثالث والأخير كان إتفاقًا أكثر من كونه طلبًا. وكان ينص على أن ننطلق بحثًا عن لايدا...اذا ما وجدناها سليمة الحال فسنسعى لإنقاذها بكل ما نملك، واذا ما وجدناها في حالٍ مزرٍ كشيطان حقيقي فسنريحها من عذابها ونعطيها النوم الأبدي. أعرف جيدًا أنني سأخضع لهذا الإتفاق مهما حدث، لكن ما يثير قلقي هو هذا الجبل العالي، هذا القائد الذي يتحرك في خط مستقيم واثقًا. هذا الذي يبدو دائما في أتم الاستعداد لمحو كل من يعترض طريقه من على وجه الأرض دون أن يظهر على عينيه الداكنتين أي نوع من الندم. انا أثق بكلماتي، ولكنني لا أثق بشغف قائدٍ حين يطمح في المُلك. والآن بينما أتبادل النظرات معه تتسارع الافكار المقيتة لشن حربها على عقلي، واسأل نفسي..هل هو بهذه القوة؟ هل كان دائما بهذه القوة؟ أم أن هذا القدر الضئيل من السنين قد جعل منه محاربُا حقيقيُا؟ "أجل..نحن على إتفاقنا." هيدال. "ما الأمر؟" سألتني لايدا، لقد لاحظت ملامحي الممتعضة والعرق المتصبب مني بكل تأكيد. إنه الليل والسماء تغلف نفسها بغطاء من السواد دون أدنى خجل، لكن ذلك لا يحد من شدة ملاحظة لايدا بأي شكل من الأشكال. "قليل من الإرهاق." كذبت، الحقيقة أنني قد رأيت للتو أطوار سنين سيباستيان التي أقصى بها نفسه بعيدًا. الحقيقة أن ذلك بدى مؤلمًا أكثر مما كنت أظن..وأنني عاجز عن التصرف كأن كل الأبجدية لا تحوي كلمة واحدة تجيد التعبير عن ذاك الحصار الذي يبطح قلبي أرضًا. "لا تبدو مرهقًا، تبدو حزينًا." قالت. كما ذكرت، كان الليل قد حل. سيباستيان نائم الآن كما هو ظاهر لي. تورو يتولى أمر الحراسة في تفانٍ رائع، لم يكن بهذه المسؤولية حين كان يتبع أوامري. انا ولايدا نستلقي على الأرض فوق سرير بسيط من أوراق الشجر ونغلف جسدينا أسفل عبائتي الدافئة. المشكلة في هذه الوضعيات المريحة هو أنك لا تمتلك قدرة واسعة على الكذب. هذه الفتاة تحس بنبضي وتحركاتي وأنفاسي ونظراتي وتلك الروح اللعينة بداخلها تعطيها كثيرًا من طاقتها كنوع من الترغيب. 'اذا خضعت لي فسأهب لكِ ما لم تمتلكيه قبلًا.' لكن لايدا على الأرجح لا تدرك ذلك. فقط شخص يعرفها جيدًا سيدرك أنها صارت أكثر دهاءًا من المعتاد. جذبت لايدا رأسي ودفنته في عنقها دون كثير من الكلام، أذكر جيدًا أنني كنت أستعمل ذات الإستراتيجية مع سباستيان حين أعجز عن مواساته بلساني. وذلك ما جعلني أحيط بخصرها مضيقًا المساحة بيننا وأشتم رائحة العشب والجلد في نهم. الراحة تملأ ص*ري الآن. إنه وقت مناسب للتفكير بأمر سباستيان، لكن رائحة لايدا وملمسها البارد نسبيًا يجعل إستعمال العقل صعبًا. "هيدال؟" نادتني لايدا في قلق واضح، وأجبتها مهمهمًا. "انا أستطيع رؤية حيوات الڤيرودوس السابقات." قالت، كان يبدو أنها تمتلك المزيد للبوح به..ولذلك انتظرت باقي القصة في فضول دام لبرهة قصيرة. "أرى أشياء عشوائية، جثث وكوارث وحرائق ضخمة ثم أشجار وقرى هادئة وأشخاص يشبهوننا. في البداية كنت أعتقد أنها محض صدفة، أو أن هذا جزء لا يتجزأ من كوني الڤيرودوس..لكنني سرعان ما اكتشفت أنها بالأحرى رسائل." يا عزيزتي، أرجو ألا يستمع لنبرتك المرتعدة إنسان سواي. كم أرجو ألا يمتلك كائن فرصة واحدة للشرود في خوفك وهدوئك ولهجتك الغريبة سواي. كنت أجذب جسدها نحوي أكثر فأكثر كلما يرتعدان كفاها المحيطان برأسي، الآن أعرف غرضها من ضمي بهذا الشكل. "رسائل؟" طالبتها بأن تشرح. "اجل، الڤيرودوس السابقات يحادثنني. كل واحدة تمتلك رسالة مختلفة. إحداهن تمتلئ رسالتها بالدماء واليأس..الاخرى لا تكف عن إظهار حياتها السعيدة قبل أن تسيطر عليها روح الڤيرودوس، جميعهن يمتلكن قصة محددة لي..لكن هنالك قصة ما تثير ذعري، هنالك واحدة لا تبدو كالباقيات." "ماذا تخبرك؟" سألتها في فضول، الآن بدأ الأمر يصير خطرًا. اذا كان هذا النوع من القصص يراودها منذ فترة فكيف لي الا اقرأ منه كلمة؟ هل هذا نوع من تلك الأفكار التي تحتاج أسلوبا مميزًا؟ أخذت لايدا أنفاسها في ثقل، تضيق خناق عناقنا العميق في عنف وكأنها تستمد منه طاقة تنطق بها ما تبقى لها من حديث. مذعورة هي من تلك الحروف التي توشك على نطقها، كل نبضة منها تبدو كانفجار هائل يقضي على دواخلها بلا رحمة. وقد فرقت شفتيها ناطقةً بعد طول إنتظار، موجهةً نظراتها المتذبذبة تمامًا نحو عينيّ:" تخبرني أنني سأموت على يديك..قريبًا، وسط أرض جرداء لا يوجد فيها سوانا." -------------------------------- في وسط الليل، بينما الجميع نيام وانا ضحية الأرق الوحيدة. بينما ينع** ضوء القمر فوق ملامحي المصدومة ويتعمق عقلي في الشك تارة والتفكير تارة والصمت تارة. أفرك جبهتي كأنني موشك على الجنون وأحاول إقناع ذاتي أن ما سمعته كان محض هراء..لكن الأمر كان أصعب مما يبدو عليه. أصوات خطوات بطيئة تقترب من خلفي. أرفع رأسي عن كفاي وافاجأ بكف يمد لي كتابًا سميكًا مهترئًا عفن الرائحة. "خذه." كان ذلك صوت سباستيان يحادثني، وقد أمسكت بالكتاب في ضلال مردفًا:"ما هذا؟" أجلس سباستيان نفسه فوق الأرض الجافة بجانبي، ضم ذراعيه معًا وأجابني:"لا أعرف ايضًا..لكنه شيء تحتاجه." أخفضت عيناي نحو الحروف الڤيسية القديمة المنقوشة فوق الغلاف بإتقان، إن غلافًا كهذا يستحيل أن يهلك مهما مر عليه من زمن. كان ذلك أول ما قد خطر ببالي قبل أن اقوم بقراءة حروفه فعليًا.. "ما وراء النهر." _________________________________________ ازيكو???? للي نسي، ما وراء النهر هو اسم الكتاب اللي هيدال كان عايز يجيبه من مقر الشيوخ بس معرفش بسبب ان جايد طعنه وسبقه للمقر رأيكو في البارت؟؟ تفتكروا ايه اللي فالكتاب؟ وكلام لايدا هيحصل؟ واثقين في مايف ولا شاكين فيه زي ماتيلدا؟ XD باي باي يا قمرات❤❤❤❤
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD