عودة الى اللعبة

1214 Words
في الصباح التالي، دخل كوان الغرفة بسرعة، متوقعًا رؤية إيرين في سريرها، لكن الغرفة كانت خالية. تجمدت عيناه للحظة، ثم توجه نحو الممرضة التي كانت تمر بالقرب من الباب. "أين إيرين؟" سأل بصوت مضطرب. نظرت إليه الممرضة بحزن وقالت: "خرجت مع أحد أقاربها قبل قليل، قالت إنها تحتاج لبعض الهدوء." شعر كوان بغصة تتسلل إلى قلبه، القلق والخوف يتشابكان بداخله، لكنه لم يجد الكلمات التي تعبّر عن حاله. جلس على حافة السرير، ثم قرر أن يخرج فورًا. ركب سيارته، وضغط على دواسة الوقود بلا هدف واضح، يقود نحو المجهول، ترك قلبه يتوه بين التفكير والغضب والاحتراق. --- في تلك الأثناء، كانت إيرين في منزل ليون، تحاول المشي بخطوات بطيئة ومتعثرة، كل خطوة تذكرها بكلمات دايسيك القاسية. وقفت قرب النافذة، تتطلع إلى الخارج دون رؤية واضحة، كانت تتكرر في رأسها تلك التهديدات: "إذا اقتربت منه أكثر… سأقضي عليك." خافت، لكنها في داخلها شعرت بشيء آخر، شيء لم تجرؤ على الاعتراف به... شعور بالتمرد، بالتمسك بالحق في اختيار حياتها. تن*دت بعمق، وقررت أنها لن تسمح لأحد بأن يحدد مصيرها.وقف كوان قرب البحر، حيث كانت الأمواج تتلاطم بقوة على الصخور، كما لو أنها تع** العاصفة التي تعصف في داخله. نظر إلى الأفق البعيد، حيث اختفى ضوء الشمس خلف الغيوم الثقيلة. كان قلبه مثقلاً بالحزن، ذهنه مشوشاً بالتفكير بإيرين، بصمتها، بضعفها، وبتهديد دايسيك الذي لازمه كظل قاتم. لم يستطع أن يعود إلى منزله تلك الليلة، فلم يستطع مواجهة نظرات مييون المتسائلة، أو الحديث الذي سيندلع بينهما. كانت مييون قلقة، تتصل به مرات عديدة، لكنها لم تجد إلا الصمت من جانبه. جلست في غرفتها، تحدق في هاتفها، تشعر بقلق يتسرب إلى روحها كالسُمّ البطيء. --- أما في المنزل، دخل ليون مساءً بعد يوم طويل، وقد ارتسمت على وجهه تعابير الإرهاق والقلق. وجد إيرين جالسة في زاوية الغرفة، عينها تائهة، ووجهها شاحب، وكأنها تحمل ثقل العالم على كتفيها. لم تتحرك عندما دخل، ولم تبادل نظراته. أحضر لها طعاماً جاهزاً وتركه على الطاولة بهدوء، ثم علق سترته على المقعد بجانبها، وجلس قريباً منها، لكن صمتها أرهقه. بعد لحظة من التردد، بدأ بالكلام بهدوء: "إيرين... هل أنت بخير؟" لم ترد، ظلّت تنظر إلى الأرض، وكأنها تخفي وراء صمتها عاصفة من المشاعر المتناقضة. كرر سؤاله بطريقة مختلفة: "هل حدث شيء؟ يمكنكِ أن تخبريني. أنا هنا لأجلك." رفعت عينيها نحو وجهه، وفي نظرتها بدا الألم والخوف، وأيضاً الإحساس بالخيانة والتهديد الذي لا يفارقها. كان صوتها خافتاً عندما همست: "تهديد... من دايسيك. قال لي إنني إذا اقتربتُ من كوان أكثر، سيقضي عليّ." شعر ليون بغصة في حلقه، قبض على قبضته بقوة، وأشار إلى نفسه قائلاً: "لن أسمح له أن يؤذيك. لن أدع أحداً يستمر في تهديدك." جلست إيرين هناك، مرتجفة، ودموعها تكاد تنساب، لكنها تمسكت بنفسها. قال ليون بهدوء وحنان: "أنا معك، مهما كان الثمن." كان هناك لحظة صمت ثقيلة، ثم مد يده بحذر لتأخذ يدها. كانت يدها باردة ومرتبكة، لكنه ضغط عليها بخفة، محاولة أن ينقل لها دفء الأمان. ابتسمت ابتسامة صغيرة، ثم استسلمت لهدوء اللحظة، وكأنها وجدت في حضوره ملاذًا مؤقتًا من رعب العالم الخارجي. --- كان كوان لا يزال نائمًا في سيارته المركونة على طرف أحد الطرق القريبة من البحر، حين اخترق رنين هاتفه هدوء الصباح. أزاح رأسه عن المقود ببطء، ضغط زر الإجابة بنعاس وصوت مبحوح: "نعم؟" جاءه صوت دايسيك صارمًا، بلا مقدمات: "هل يمكن أن أعرف أين كنت منذ الأمس؟ إيرين لم تعد في المستشفى." سكت كوان للحظة، يفكر في كلماته، ثم قال بجفاف: "ذهبت في مهمة شخصية." وقبل أن يضيف دايسيك أي شيء، أنهى كوان المكالمة بضغطة سريعة، وألقى الهاتف على المقعد المجاور. قاد سيارته مباشرة نحو الشركة، وجهه خالٍ من التعبير، لكن داخله كان يموج بغضب وصراع لم يهدأ منذ الليلة الماضية. --- عندما دخل إلى مبنى الشركة، كانت مييون تقف تنتظره في الممر الزجاجي المطل على المكاتب. وجهها بدا قلقًا ومشدودًا. "كوان! أين كنت؟ كنت أبحث عنك طوال الليل!" قالتها بصوت مرتفع جذب انتباه من حولها. لكن كوان اكتفى بعبور بجانبها دون أن يتوقف. قال دون أن ينظر إليها: "كنت مشغولاً." تبعته مييون، صوتها يزداد حدّة: "مشغول بماذا؟ لم تعد للبيت، ولم ترد على مكالماتي، هل أنا لا أستحق إجابة؟!" توقف كوان أخيرًا، استدار نحوها ببرود، وقال: "أنا لا أحتاج أن أشرح لك أين أذهب. لستِ زوجتي، ولا أوصيتي." كلماته كانت كالصفعة. ازداد وجه مييون احمرارًا، وصرخت دون وعي: "من أجل من إذًا تغيّرت؟! تلك الخادمة؟ هل هذا كل ما أصبحت تهتم لأجله؟!" كانت أصوات الموظفين تهمس وتتبادل النظرات، فالمشهد أصبح علنيًا ومُحرجًا. خرج دايسيك من مكتبه بسرعة، ملامحه صارمة. اقترب، وبنبرة هادئة لكنها قاطعة، قال: "كفى، ليس هذا مكان الشجارات. مييون، تعالي معي." أخذها إلى مكتبه، وأغلق الباب خلفهما. --- في الداخل، جلست مييون على المقعد وهي تحاول كتم دموعها. سألها دايسيك بنبرة تحمل الحنق: "هل جننتِ؟ هذه الشركة، وليست ساحة معركة عاطفية!" نظرت إليه بيأس: "أنا فقط لا أفهمه بعد الآن… كان شخصًا آخر قبل تلك الفتاة." تأمله دايسيك طويلًا، ثم قال: "دعي الأمر لي. لا تقلقي. كوان لن يخرج عن السيطرة أكثر من ذلك." --- في تلك الأثناء، في مكان مختلف تمامًا من العالم المزدحم، كانت إيرين جالسة على الأريكة في منزل ليون. كانت تضع غطاءً خفيفًا فوق كتفيها، والضوء الصباحي يتسلل من نافذة خشبية صغيرة. خطت خطواتها الأولى خارج الغرفة وهي تمسك بجدار الممر. كانت لا تزال ضعيفة، لكن عينيها فيهما شيء مختلف… قوة صغيرة بدأت تنبت من تحت الرماد. دخل ليون إلى المنزل في تلك اللحظة، يحمل بعض الأغراض والطعام. توقف عندما رآها تمشي، ابتسم ابتسامة خفيفة وقال: "أرى أنك بدأتِ تتحركين. هذا تقدّم ممتاز." أجابت بصوت ناعم: "لا أريد أن أبقى ضعيفة… ليس بعد الآن." أومأ ليون برضا، ثم قال وهو يضع الأغراض على الطاولة: "جيد. ستحتاجين قوتك، لأن ما ينتظرنا… ليس سهلاً." رفعت نظرها إليه، بملامح فيها امتنان، وأيضًا شيء من التصميم الجديد. في داخلها، كانت نيران جديدة قد اشتعلت، لا للبقاء فحسب… بل للردّ. أشعة الشمس تسللت بخفة إلى داخل الغرفة عبر الستائر البيضاء، لتوقظ إيرين من نوم هادئ لم تعرفه منذ أسابيع. فتحت عينيها ببطء، وتنفست بعمق كأنها تعيد ترتيب أنفاسها وروحها. نهضت بتروٍ من فراشها، ارتدت عباءة منزلية خفيفة، وخرجت من الغرفة بخطوات ثابتة. رائحة الخبز المحمص والقهوة الساخنة قادتها نحو المطبخ. هناك، كان ليون واقفًا قرب الموقد، يرتدي مئزرًا رماديًا فوق قميصه الأبيض، يقلب البيض في المقلاة وكأنه طاهٍ محترف. حين التفت ورآها، ابتسم بنعومة وقال بنبرة مرحة: "أهلاً بالأميرة النائمة… توقعت أنك ستنامين حتى الظهر." جلست على الكرسي الخشبي بهدوء، تميل قليلاً للأمام لتستشعر دفء المكان وتستقر على صوت الحياة البسيطة. قالت بابتسامة خفيفة: "الاستيقاظ على رائحة طعامك يشبه العودة للحياة." ناولها كوبًا من الشاي قائلاً مازحًا: "احذري، قد تبدأين بالاعتماد عليّ." ضحكت بخفة وهي تتناول أول رشفة، ثم صمتت قليلًا وهي تراقب حركاته. وضع أمامها طبقًا صغيرًا، جلس على الجهة المقابلة وبدأ يتناول فطوره، ثم قال بنبرة أكثر جدية: "إيرين… لقد تحسّنتِ كثيرًا، وهذا جيد… لكن حان وقت التفكير بالخطوة التالية." رفعت نظرها إليه، عيناها تحملان شيئًا بين الخوف والعزم. "ماذا تقصد؟" أجاب بثبات: "العودة إلى القصر. نحن بحاجة لإنهاء ما بدأناه. دايسيك ما زال يثق بك… وهذه فرصتنا." بدت ملامحها متوترة، لكنها لم تعترض. تابع ليون بنبرة حاسمة: "لكن هناك شرط، لا مجال لأي مشاعر اتجاه كوان. لا نظرات، لا لحظات، لا تردد. أنت لست هناك من أجل قلبك… بل من أجل العدالة، من أجل أمك وأخيك." أطرقت برأسها قليلًا، شعرت بالدم يتدفق إلى وجهها، اختلط الحزن بالفهم، لكنها أخيرًا قالت: "لقد خذلني… لن أسمح له أن يربكني مرة أخرى." نظر إليها طويلاً، ثم قال: "هذا ما أريد سماعه." --- في تلك اللحظة، لم تكن مجرد كلمات. كانت إيرين تستعيد قوتها، تخيط ذاتها بصمت، وتتأهب للدخول إلى القصر لا كخادمة، بل كامرأة تعرف تمامًا ما يجب أن تفعله… وكم هو الثمن الذي ستدفعه.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD