مخطط الغدر

1596 Words
في نهاية الأسبوع، غادرت إيرين القصر متوجهة إلى منزل عائلتها لزيارة والدتها وأخيها الصغير كما اعتادت. كانت بحاجة لبعض الدفء، لشيء من الأمان الذي لم تعد تجده في القصر. وبينما كانت تستعد للخروج من منزلها بعد الزيارة، تفاجأت برؤية كوان ينتظرها في السيارة السوداء التي أوقفها بجانب الطريق. فتح لها الباب بهدوء وقال: "هل ترافقينني لبعض الوقت؟" نظرت إليه مترددة، لكنها وافقت في النهاية، رغم أنها شعرت أن هذا اللقاء لا يشبه لقاءات العمل ولا أي أمر معتاد بين خادمة وسيدها. قادها إلى مطعم هادئ خارج المدينة، جلسا في زاوية بعيدة، الجو كان خفيفًا، والكلام بينهما قليل لكنه عميق… لأول مرة رأت فيه جانبًا أكثر إنسانية وهدوءًا. كان كوان ينظر إليها باهتمام، يتأمل كل حركة منها، يبتسم أحيانًا عندما تضحك بخجل أو عندما تتحدث عن أخيها. لكن ما لم يكن يعلمه الاثنان… أن عيون آل دايسيك لم تكن بعيدة. في سيارة أخرى متوقفة على بُعد أمتار قليلة، جلس رجلان يرتديان نظارات سوداء، يتبادلان الملاحظات بهواتفهم، يصوران ويتابعان كل شيء بدقة. لقد أُمروا من دايسيك نفسه… "راقبوه… أريد أن أعرف إلى أين سيأخذه هذا التهور." كانت هذه المرة الأولى التي يسمح فيها كوان لمشاعره أن تتسلل إلى تصرفاته… ولم يدرك بعد أن كل خطوة يخطوها نحو إيرين، ستدفعه أكثر نحو قلب الخطر. بينما كانت تجلس أمامه، تراقب عينيه التي لم تعتد أن تراها بهذا الهدوء، شعرت إيرين بشيء غريب يضغط على قلبها… لم يكن خوفًا، بل شعور غير مألوف، مزيج من القلق والارتباك والدهشة. كانت تحدّق في كوان وهو يتحدث، ليس كالسيد المتحكم، بل كإنسان يحلم. قال وهو ينظر نحو النافذة: "أحيانًا أفكر أنني خُلقت فقط لأُرضي توقعات الآخرين… عمي دايسيك، العائلة، الشركة… لكني كنت أرغب بشيء آخر. أردت أن أعيش حياة بسيطة، أن أبني شيئًا بيدي… ليس فقط أن أُولد كوريث." ثم نظر إليها مباشرة، بابتسامة خافتة: "لم أخبر أحدًا بهذا من قبل… لا حتى دونيون." إيرين لم تعرف كيف ترد. كانت تلك المرة الأولى التي ترى فيها شخصيته الحقيقية، بلا حواجز، بلا قناع. شيء في داخله كان مألوفًا بشكل مؤلم… تلك الوحدة، ذلك الحِمل الثقيل. ردّت بصوت خافت: "أحيانًا نرتدي أقنعة حتى ننسى من نحن… لكن هناك لحظات نادرة، نخلعها أمام من لا نتوقعه." ابتسم كوان أكثر، كما لو أن كلماتها لامست شيئًا عميقًا فيه. وفي تلك اللحظة، شعر بشيء غريب هو الآخر. شعور بالراحة… بالانتماء… شعور لم يكن جزءًا من خططه، ولا مما تعلّمه طوال حياته. لكنه لم يعلم أن ما يشعر به الآن… قد يصبح لاحقًا نقطة ضعفه الأكبر. تأملها كوان للحظة، وقد سكنت نظراته على وجهها وكأنها لوحة يحاول أن يقرأ ما وراءها. سألها بهدوء: "وأنتِ؟ ما هو حلمك يا إيرين؟" صمتت قليلًا، ترددت. كانت كلمات الانتقام تطرق باب لسانها، لكنها كتمتها في ص*رها. شعرت بثقل نواياها، بالضجيج الذي لا يليق بهذه اللحظة الصامتة الهادئة. نظرت للأسفل ثم رفعت عينيها نحوه، وقالت بابتسامة باهتة: "أريد بيتًا صغيرًا… تحيطه الأشجار، وحديقة فيها أرجوحة… أستيقظ على صوت العصافير، أعد قهوتي، وأعيش بهدوء. لا أوامر، لا صراخ… فقط أنا والحياة البسيطة." بدا التأثر على كوان، لم يكن هذا الجواب الذي توقعه. شيء في كلامها لامس شيئًا دفينًا فيه… ذلك الحلم القديم الذي نسيه وسط ازدحام الواجبات والقيود. "أتعلمين؟" قال بنبرة دافئة، "هذا الحلم… أجمل من كل القصور التي أعرفها." ابتسمت بمرارة، لكنها لم تُجبه. لأنها في أعماقها تعرف… أن طريقها بعيد جدًا عن ذلك الحلم. في القصر، كان كوان يعود إلى مكانه المعتاد، ولكن هذه المرة كان في قلبه شيء مختلف. كان يشعر بشيء يشبه الاضطراب الذي لم يعرفه من قبل. إيرين، رغم أنها كانت بعيدة عنه الآن، إلا أن أفكارها كانت تلاحقه كظل لا يمكن تجاهله. أما دايسيك، فقد لاحظ تغيرًا في سلوك كوان، وكان يعلم أن هناك شيئًا لا يسير على ما يرام. وصلته الأخبار عن موعد كوان مع إيرين، ولم يكن يستطيع أن يتجاهل القلق الذي بدأ يراوده. لم يكن مجرد أمر عابر بالنسبة له؛ فقد بدأ يشعر أن هناك تهديدًا يلوح في الأفق. ليس فقط بسبب العلاقة التي قد تنشأ بين كوان وإيرين، ولكن لأنه كان يدرك أن كوان كان يبتعد شيئًا فشيئًا عن مسار خططهم. في تلك الليلة، جلس دايسيك مع ابنته مييون في غرفة المعيشة، وتحدث عن الموقف بهدوء وحذر. "كوان لم يعد كما كان، مييون. إذا استمر في هذا الاتجاه، فقد لا يكون لدي ما أستطيع فعله." لم ترد مييون على الفور، كانت مشاعرها مختلطة بين الغضب والقلق. لم يكن هذا ما كانت تتوقعه من كوان. وفي الوقت ذاته، كان كوان جالسًا في غرفته، ينظر من النافذة إلى الظلام الذي يغطي الحديقة الخارجية. شيء ما في قلبه كان يربكه. كان يتساءل عما سيحدث إذا استمر في الاقتراب من إيرين. هل ستكون تلك بداية شيئًا آخر يهدد وضعه؟ أو ربما مجرد فوضى أخرى لا يريدها في حياته؟ أصوات الخدم في الممرات، وكأنها تذكير دائم بالتحديات التي لا مفر منها. "هل أنت مستعد للثمن؟" كان السؤال الذي يدور في ذهنه كلما فكر في إيرين. بينما كانت شيناي في الجناح الآخر، تشعر بأن شيئا ما غير مناسب. تلك التلميحات عن العلاقة بين كوان وإيرين كانت تجعلها تشعر بقلق بالغ، وكان لابد من اتخاذ خطوة للحد من هذه التأثيرات على عائلتها. شيناي جلست أمام دايسيك في غرفة الجلوس، وجهها مشحون بالغضب والتصميم. كانت عيونها تبرق بالحذر والقلق، وكان صوتها منخفضًا لكنه يحمل تهديدًا لا لبس فيه. "هذه الفتاة، إيرين... سرقت عقله. لا يمكن أن نسمح بذلك. لا يكفي أن نطردها من هنا. يجب أن نفعل شيئًا أكبر، شيء يُبعدها نهائيًا عن حياة كوان." قالت شيناي، وبصوتها الحاد الذي يع** جدّيتها. دايسيك استمع لها بعناية، لكن بدا على وجهه تردد واضح. كان يعرف أن الأمور بين كوان وإيرين خرجت عن نطاق السيطرة، ولكن كان يحاول أن يجد مخرجًا يعيد الأمور إلى نصابها دون أن يسبب ضررًا أكبر. كانت عينيه تتنقلان بين شيناي وفكرة حل المشكلة التي طرحتها. "لكن ماذا تقترحين، شيناي؟" سأل دايسيك بصوت خافت، وكأنه يفكر في تداعيات أي خطوة قد يتخذها. "يجب أن نقطع كل علاقة بينهما بشكل نهائي. إذا استمرت هذه الفتاة في التأثير على كوان، فإنها تهدد مستقبل العائلة بأكملها. وحياة ابنتنا الوحيدة، مييون، ستكون في خطر." أكدت شيناي، وهي تمسك يديها ببعض التوتر، خوفًا من أن تتسرب أي فرصة أخرى لصالح إيرين. تجمد دايسيك للحظة، عينيه تتسعان في محاولة فهم تبعات هذه الكلمات. كانت شيناي، دائمًا ما تأخذ الأمور بحزم، لكن هذه المرة كانت أكثر حدة في مطالبها. كان يعلم أن هناك شيئًا أكبر يلوح في الأفق، شيء قد يغير مجرى الأمور بين العائلة و كوان. "أفهم، ولكن يجب أن نكون حذرين. لا نريد أن نزيد الأمور تعقيدًا." رد دايسيك ببطء، وهو يراقب ردود فعل شيناي. شيناي أخيرًا وقفت، وعيناها تتوهجان بالتصميم. "ليس لدينا وقت. إذا لم نتخذ خطوة حاسمة الآن، فإن الأمور ستفلت من أيدينا. لن نسمح لإيرين بتدمير خططنا." وبتلك الكلمات، أصبح واضحًا أن شيناي كانت مستعدة للذهاب إلى أبعد الحدود لحماية مستقبل العائلة وتحقيق رغبتها في رؤية ابنتها في المكان الذي تريد. شيناي، التي كانت دائمًا متحفظة في تصرفاتها، أطلقت اقتراحًا صادمًا بشكل غير متوقع، كانت الكلمات التي خرجت من فمها ثقيلة وأشد قسوة مما كان دايسيك يتوقع. "إن لم يكن هناك حل آخر، ربما يجب أن نأخذ الأمور إلى أبعد من ذلك." قالت شيناي بصوت منخفض لكنه حازم، بينما كانت عيونها تتألق بنظرة جادة للغاية. "يمكننا أن نختطفها، ن*ددها، وربما نتخلص منها نهائيًا إذا استمر هذا التهديد. هذه الفتاة تهدد كل شيء، ونحن لا يمكن أن نسمح بذلك." دايسيك تراجع قليلاً في مكانه، وكأن الكلمات التي سمعها كانت صدمة قوية. كانت عيون شيناي مليئة بالحزم، بينما كانت فكرته تتجه نحو فكرة الكارثة التي قد تحدث إذا تم تنفيذ هذا الاقتراح. لكن في الوقت نفسه، كان يدرك أن هناك حقيقة في كلامها: إيرين أصبحت مص*ر تهديد حقيقي للعائلة والمستقبل الذي كان يحاول بناءه لابنته، ميون. "شيناي، هذا... هذا ليس ما كنا نتوقعه." همس دايسيك، صوته يرتجف قليلاً من القلق. "قتلها؟ هذا قد يدمّرنا جميعًا إذا تم اكتشافه. نحن بحاجة إلى الحذر. يجب أن نكون أكثر ذكاءً من ذلك." لكن شيناي، بدت أكثر تصميماً من أي وقت مضى. "الذكاء يكمن في التخلص منها قبل أن تتسبب بمشاكل أكبر. إذا كنا نريد حماية العائلة، يجب أن نتحرك بسرعة، وبقوة. لا مجال للتساهل بعد الآن." بينما كان دايسيك يفكر في الاحتمالات العواقب الوخيمة لمثل هذا الفعل، كان يدرك أن هذه الخطوة، إذا تم اتخاذها، قد تعني نهاية كل شيء بالنسبة لهم جميعًا. رغم ذلك، كان يواجه صراعًا داخليًا بين رغبته في حماية عائلته وضغط شيناي الذي كان يدفعه إلى اتخاذ إجراءات أكثر تطرفًا. بينما كان كوان يقف خلف الجدار الذي يفصل غرفة الاجتماعات عن ممرات القصر، كانت الكلمات التي سمعها تردد في رأسه كطنينٍ لا يتوقف. لم يكن ليصدق ما سمعه؛ كان قلبه يخفق بشدة، وكأن كل شيء كان على وشك الانهيار أمامه. فكرة أن تتعرض إيرين للتهديد أو الأسوأ، أن تُقتل، جعلته يشعر وكأن الأرض تبتعد تحت قدميه. "كيف يمكنهم التفكير في ذلك؟" همس لنفسه، وهو يقف في الظلام، يضغط على جبينه بيديه. كانت شيناي ودايسيك يتحدثان عن إيرين كأنها مجرد قطعة من اللغز يجب التخلص منها. أما هو، فقد كان قد بدأ يرى فيها شيئًا آخر. كانت إيرين أكثر من مجرد خادمة؛ كانت إنسانة، وكانت قد بدأت تأخذ مكانًا مهمًا في حياته. اتجه نحو نافذة غرفته، وهو ينظر إلى مشهد القصر في الظلام. كانت أفكاره تتنقل بسرعة، لا يستطيع إيقاف نفسه من التفكير في ما يجب فعله. إذا اكتشفوا أنه كان يهتم بإيرين بهذه الطريقة، فقد يؤدي ذلك إلى مشكلات أكبر. لكن في نفس الوقت، كان يعلم أنه لا يستطيع الوقوف مكتوف اليدين بينما يتعرض شخص كان يهتم به لمثل هذا التهديد. تن*د بصوت عميق، وهو يحاول أن يجد طريقة لحماية إيرين دون أن يلفت الأنظار. "يجب أن أجد حلاً... ربما أستطيع مساعدتها دون أن أضع كل شيء في خطر." بينما كان يراقب الظلام، شعر بشيء غريب في قلبه. كان شيئًا يشبه الالتزام، شعورًا عميقًا بأن عليه حمايتها مهما كان الثمن. لكن كيف؟ وهل سيكون قادرًا على مواجهة دايسيك وشيناي؟ استدار، وبدأ يتخذ قراراته. كان عليه أن يتصرف بحذر، لأن أي خطوة خاطئة قد تعني عواقب لا يستطيع تحملها. لكن الأمر الوحيد الذي كان يدركه الآن هو أنه لن يترك إيرين تقع فريسة لتلك الأيدي القاسية.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD