خطوة محسوبة

1022 Words
في الصباح التالي، جلس كوان إلى طاولة الإفطار كما يفعل كل يوم، بوجه هادئ ونظرات متزنة، يتصرف كما لو أن شيئًا لم يحدث. أمسك كوب الشاي بهدوء، وتحدث مع دونيون عن مشروع العمل الجديد، وشارك شيناي الحديث عن حالة الطقس والاقتصاد، حتى أنه ابتسم بخفة عندما مرّت مييون أمامه. كان تمثيله متقنًا لدرجة أن شيناي نظرت إليه بشك، لكنها لم تجد أي دليل على اضطرابه. أما دايسيك، فقد تفاجأ من هذا الهدوء المفاجئ، وهو الذي كان يتوقع أن يرى توترًا أو رد فعل يع** ما دار في الليلة الماضية. "هل علم بالأمر؟ هل سيتحرك؟ أم أنه فعلاً لا يهتم؟" تساءل دايسيك وهو يراقب كوان عن كثب. أما كوان، فكان في داخله يغلي، لكنه تعلم من والده المتوفى أن الذكاء في الأزمات ليس في رد الفعل السريع، بل في توقيت الضربة. كان الآن ينسج خيوط خطته بصمت، ويعرف أن أي خطوة طائشة قد تطيح بكل شيء، بما في ذلك إيرين. وبينما كانت إيرين تنظف في الزاوية كالمعتاد، أبقى كوان عينيه بعيدة عنها تمامًا. لم يوجه لها كلمة، ولم يبدُ عليه أي اهتمام. لكن في داخله، كان يعد لكل شيء. بينما كان الجميع مجتمعين على مائدة الفطور، حافظ كوان على هدوئه المتزن، يوزع نظراته بدقة وكلماته بذكاء. تحدث عن العمل، وعن مشروعات جديدة للشركة، وشارك دونيون الحديث حول صفقات محتملة، حتى بدا وكأنه عاد لنسخته القديمة الباردة والمنضبطة. لم يلتفت لإيرين، التي كانت تمر بهدوء لتقديم الشاي، ولم يبدُ عليه أي اضطراب. كان هذا مقصودًا — جزءًا من خطته لإبعاد الشبهات عنها، ليحميها من كل ما سمعه ليلة أمس. دايسيك، الذي لم يغب عن باله ما دار بينه وبين زوجته، بدأ يلاحظ هذا البرود المصطنع من كوان، فقال بصوت هادئ لكنه مملوء بالمعنى: "كوان وو... تبدو متزنًا اليوم، حتى أكثر من المعتاد. هل هذا يعني أنك... تفكر جديًا في الزواج من مييون؟" توقفت مييون عن الأكل، ورفعت عينيها متفائلة، بينما ترقّبت شيناي الرد بنظرة فاحصة. لكن كوان، دون أن يغير نبرته الهادئة، أجاب بثقة دون أي تردد: "لا، لم أقبل. ولن أقبل... على الأقل، ليس الآن." ساد صمت لحظي، ثم أكمل بصوته العميق ونظرته الموجهة نحو دايسيك مباشرة: "الزواج مسؤولية، وأنا لا أشعر أني مستعد لتحملها. لن أدخل حياة أحد إن لم أكن على يقين من أني سأكون منصفًا. والزواج من ميون فقط لأنكم تظنون أنه الوقت المناسب؟ هذا ليس عدلًا لا لي... ولا لها." ارتجفت يد ميون قليلاً وهي تمسك ملعقتها، وظهرت صدمة خفيفة على وجه دايسيك، أما شيناي، فقد ضغطت على فمها بضيقٍ واضح. أكمل كوان بهدوء: "أنا أقدّر ميون، وأحترمكم جميعًا... لكن لا يمكنني التظاهر بمشاعر غير موجودة فقط لإرضاءكم أو لحماية إرث العائلة. أفضل أن أكون صادقًا... قبل أن أكون تابعًا لرغبات الآخرين." أنهى كلماته ونظر حوله، ثم عاد لتناول طعامه، وكأن شيئًا لم يكن. كان هدوؤه ثقيلاً، وقراره واضحًا: لن يتراجع. أما في أعماقه، فكان يعلم أن معركته الحقيقية بدأت. في طريقهم إلى الشركة، جلس دايسيك في المقعد الخلفي يحدّق من النافذة بصمت بينما كان كوان ودونيون يتحدثان عن العمل. لم يكن ذهن دايسيك مع الأرقام ولا الخطط، بل كان غارقًا في تنفيذ الخطة التي رتب لها مع شيناي في الليلة السابقة. "كل شيء جاهز... السائق يعرف ما عليه فعله، وبمجرد أن تبتعد عن أعيننا، سيتم الأمر." قالها لنفسه داخليًا بنظرة باردة. في القصر، كانت إيرين تحمل في قلبها غضبًا مكتومًا. تجاهل كوان الجليدي منذ البارحة يؤلمها أكثر من كلمات ميون القاسية أو نظرات شيناي المحتقرة. أخذت قائمة التسوق من إحدى الخادمات، قبضت عليها بشدة وهي تتمتم: "هل كنتَ تدافع عني فقط لتتخلى عني بعد ذلك؟" دخل السائق المجهز من قبل دايسيك وقال بابتسامة مزيفة: "سيدتي الصغيرة، السيارة جاهزة." لم تشك بشيء. ركبت السيارة وهي لا تعلم أنها تقترب من كمين قاتل خُطّط له بإحكام. لكن ما لم يكن في حسبان دايسيك... أن كوان، رغم تصرفه البارد، لم يثق بأي شيء من كلام عمه. كان يعلم أن هناك شيئًا يُخطط له في الخفاء، وخصوصًا بعد أن رأى شيناي تنسحب من الغرفة في الليلة الماضية بابتسامة خبيثة. ولذلك، أرسل رجاله بصمت: "راقبوها من بعيد. أي شيء غير طبيعي... تدخّلوا فورًا." في تلك اللحظة، بينما السيارة تغادر القصر، كانت عيون دايسيك تتابع عبر هاتفه موقع المركبة، وعيون كوان الأخرى، من رجال الظل، ترصد كل حركة... إيرين، رغم كل شيء، كانت محاصرة بين نارين — من ي**عها باسم العائلة، ومن يحاول حمايتها دون أن يظهر. كانت السيارة تشق الطريق بهدوء، بينما إيرين تحدق من النافذة بشرود. وفجأة، أحست بشيء غريب… استدار السائق نحوها بابتسامة مريبة، ثم أخرج بخاخًا صغيرًا ورشّه بسرعة نحو وجهها. حاولت أن تصرخ، أن تدافع عن نفسها، لكن كل شيء بدأ يختفي من حولها… العالم يغرق في الضباب، وعيونها تثقل. واصل السائق القيادة وكأن شيئًا لم يحدث، يراقب الطرقات بخبث، وهو يهمس لنفسه: "كل شيء يسير حسب الخطة..." لكن لم يكن يعلم أن خطته كانت مرصودة. في منعطف مهجور من الطريق، ظهرت سيارة سوداء بسرعة كبيرة، قطعت عليه الطريق فجأة. نزل منها رجال ملثمون، يبدون كأنهم لصوص، كأنهم غرباء لا علاقة لهم بشيء، وهاجموا السائق بشراسة. "ماذا تفعلون؟! من أنتم؟!" صرخ السائق وهو يحاول الدفاع عن نفسه، لكن الضربات نزلت عليه بلا رحمة. فتح أحدهم باب السيارة الخلفي، رفع إيرين بلطف، وضعها بسرعة في سيارتهم، ثم انطلقوا بها دون أن يتركوا أثرًا خلفهم. كل شيء تم في أقل من دقيقتين… بمنتهى الدقة. بمنتهى الصمت. لم يكن أحد يعلم، لا دايسيك، ولا شيناي، أن رجال كوان كانوا أول من وصل… وأن إيرين الآن بين أيدٍ أكثر أمانًا مما يتخيل الجميع. في هدوء مكتبه الفخم، كان دايسيك يتنقل بعصبية بين المقاعد، الهاتف على أذنه، يرن دون إجابة. مرة… مرتين… ثلاث مرات. لا رد. "ا****ة… أين هو؟!" تمتم بصوت خافت وهو يضغط على الهاتف مجددًا. كان كوان يجلس على الأريكة المقابلة، يتظاهر بتقليب بعض الملفات، لكن عيناه تراقبان كل حركة. نبرة دايسيك المتوترة، ارتباكه الواضح، كانت كلها علامات يعرفها كوان جيدًا. أغلق دايسيك الهاتف بقوة وقال: "الغ*ي لم يرد… خرج بها من وقت طويل، المفروض أنه عاد الآن." رفع كوان حاجبه باهتمام مصطنع، وقال بهدوء: "عن من تتحدث؟ هل أرسلت أحدًا في مهمة خاصة؟" تردد دايسيك قليلًا، ثم قال بنبرة متوترة وهو يتفادى النظر إليه: "السائق… أرسلته في مهمة عادية للتسوق." ابتسم كوان ابتسامة باهتة وأغلق الملف في يده ببطء: "ربما تأخر في الطريق… تعرف أن الزحام لا يُرحم هذه الأيام." هز دايسيك رأسه وهو يحاول إخفاء قلقه، لكن كوان كان قد قرأ كل شيء. كان يعلم… وأن خطته المضادة قد نجحت. الآن، كان عليه فقط أن يراقب بصبر، حتى تنكشف الأوراق.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD