شك و اعتراف صامت

740 Words
عاد كوان إلى القصر بعد أن ترك إيرين في المنزل السري، ولم يكد يلتقط أنفاسه حتى استدعاه دايسيك إلى مكتبه. كان الأخير واقفًا خلف مكتبه، ينظر إليه بنظرات يملؤها الشك والريبة. قال بنبرة ثابتة وهو يراقبه: "تصرفاتك غريبة مؤخرًا... اختفاء إيرين، تجاهلك لتعليماتي، واختفاؤك عن الاجتماعات. لا أحب أن أشك بمن حولي، كوان، لكنك تدفعني إلى ذلك. إن كنت تخفي شيئًا، فاعتبر هذه فرصتك الأخيرة." حاول كوان أن يبدو هادئًا رغم التوتر الذي تسلل إلى نبرته، وأجاب: "لا يوجد ما أخفيه. أنا أقوم بعملي فقط." ضاقت عينا دايسيك وهو يرد بحدة: "إياك أن تستخف بي. إن اكتشفت أنك تعلم شيئًا عن إيرين ولم تخبرني... لن أسامحك. وستدفع الثمن." لكن قبل أن تتصاعد المواجهة أكثر، اقتحم أحد رجال دايسيك الغرفة وهو يلهث من شدة ركضه، ليصرخ بقلق: "سيدي! لدينا خبر عاجل... وجدنا الفتاة، إيرين." ارتفعت حاجبا دايسيك، فسأله فورًا: "أين؟ وما حالتها؟" أجاب الرجل وهو يحاول التقاط أنفاسه: "في المستشفى. نُقلت هناك بعد حادث سير. كانت وحدها، مصابة وفاقدة للوعي." التفت دايسيك ببطء نحو كوان، وابتسامة ساخرة ترتسم على شفتيه: "يبدو أنك متأثر جدًا... كأن الخبر يعنيك أنت." لم ينطق كوان بكلمة. استدار فجأة، وخرج من المكتب مسرعًا، كأن النبض الذي انفجر في ص*ره لم يحتمل لحظة تأخير. وصل إلى المستشفى أولًا، يمشي بخطوات قلقة ونظرات مشوشة. محاولاته في إخفاء القلق باءت بالفشل، وانكشفت ملامحه المرتبكة. بعد لحظات، لحق به دايسيك، يتقدم بخطوات واثقة ببرود مخيف. اتجه كوان مباشرة إلى مكتب الاستقبال وسأل بصوت مضطرب: "الفتاة التي نُقلت بحادث سير... اسمها إيرين، أريد أن أعرف حالتها فورًا." رفعت الممرضة رأسها ونقرت بضع كلمات على الحاسوب، ثم قالت بهدوء: "نُقلت قبل ساعة. حالتها مستقرة الآن، الطبيب ما زال معها." في تلك اللحظة، خرج الطبيب من إحدى الغرف، بدا عليه الإرهاق الشديد. تقدم كوان نحوه بلهفة: "دكتور! كيف حالها؟ أرجوك قل لي إنها بخير." نظر الطبيب إليه، ثم إلى دايسيك الذي اقترب دون أن ينبس بكلمة، قبل أن يجيب: "أصيبت في ساقها اليمنى. الإصابة سطحية لكنها سببت نزيفًا قويًا من ارتطامها بجسم حاد. لديها جروح وكدمات متعددة، لكن لا **ور. فقدت كثيرًا من الدم." قبض كوان على يده بقوة، وانخفضت عيناه للأرض، كأن الألم غرز مخالبه في ص*ره. سأله بصوت خافت، يكاد لا يُسمع: "هل كانت... واعية؟" هز الطبيب رأسه وهو يرد: "عند وصولها كانت فاقدة للوعي، لكننا أوقفنا النزيف وأعطيناها المسكنات. الآن نائمة، وتحتاج إلى الراحة لعدة أيام." قطع الصمت صوت دايسيك البارد: "أريد ملفها الطبي. من نقلها؟ كيف وصلت إلى هنا؟" أجابه الطبيب: "سائق أجرة أحضرها وأبلغ الشرطة. لم نجد معها سوى بطاقة قديمة. هل أنتما من أقاربها؟" لكن دايسيك تدخل قبل أن يرد كوان: "نحن زملاؤها في العمل. سنتولى شؤونها مؤقتًا." نظر كوان إليه نظرة جانبية، امتلأت بالريبة، لكنه لم يعارض. بدا الطبيب متفهمًا، فأضاف: "يمكنكم زيارتها عندما تصحو، لكن يُفضل أن يبقى أحدكم هنا لمتابعة وضعها." قال كوان بسرعة، دون تردد: "سأبقى." رمقه دايسيك للحظة طويلة، ثم ابتعد بهدوء، كأنه يزرع خلفه كاميرات خفية لا تترك كوان دون مراقبة. بقي كوان وحيدًا في الممر، ينظر إلى الباب المغلق، يراقب ظلال المجهول تنمو في قلبه. شيء ما كان يتغير، يكبر، يتضخم بداخله دون أن يستطيع تفسيره. مرت دقائق ثقيلة، قبل أن يقترب منه ممرض شاب وقال بصوت خافت: "سيدي... الفتاة استيقظت قبل قليل." رفع كوان عينيه، وفي نظراته لهفة وخوف وارتياح مختلط. أومأ دون أن يتكلم، وتوجه نحو الغرفة بخطى حذرة. فتح الباب بهدوء، ودخل. رائحة المعقمات ملأت أنفه، والضوء الأبيض المنع** من الجدران زاد من شحوب الغرفة. وعلى السرير، كانت إيرين مستلقية، جسدها هزيل، ووجهها باهت كزهرة عطشى. فتحت عينيها ببطء، وما إن رأته حتى أشاحت بنظرها. لم تستطع مواجهته، كأن الذنب أثقل من قدرتها على النظر إليه. اقترب منها كوان، وجلس بهدوء إلى جانبها، صوته خرج همسًا: "كيف تشعرين؟ الطبيب قال إن الإصابة سطحية، لكنك فقدتِ الكثير من الدم." لم تجبه. كانت تحدق بالسقف، كأنها تبتلع دموعًا خفية. سألها بهدوء أكبر، وعيناه تتفحصان ملامحها: "لماذا هربتِ من المكان الذي تركتك فيه؟ هل كنتِ تحاولين العودة؟ أم الهرب من كل شيء؟" هزت رأسها بالكاد، وهمست بصوت مبحوح: "لم أعد أعرف إلى أين أعود..." شعرت كلمتها كطعنة بطيئة، تغور في عمق ص*ره. أطرق للحظة، ثم قال بنبرة راجفة: "لا أطلب منكِ أن تثقي بي، لكن فقط... توقفي عن إيذاء نفسك. لا تهربي. لا تختفي. أنا هنا، ولن أسمح لأحد أن يؤذيكِ." لم ترد، لكن عينيها تلألأتا بدمعة خجولة. سألته بنبرة من**رة، دون أن تنظر إليه: "لماذا تهتم بي إلى هذا الحد؟" ساد صمت قصير، ثم جاء صوته عميقًا وهادئًا: "لأنكِ تستحقين من يهتم... حتى لو لم تصدقي هذا الآن." بقيت صامتة، وهو أيضًا. لا كلام آخر، فقط حضوره القريب، وسكونه الحامي، كانا أكثر من كافٍ ليمنحاها شيئًا من الأمان المفقود.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD