ظل و نار

2471 Words
جلس ليون في مكتبه، يحدق في هاتفه بعينين متوترتين، أنفاسه غير منتظمة، والقلق واضح على ملامحه. الأوراق مبعثرة أمامه، لكنه لم يلمسها منذ ساعات. أعاد الاتصال بها... مرة... مرتين... لا رد. ضغط على أسنانه، ثم نهض فجأة وبدأ يتمشى ذهاباً وإياباً. ليون (يتمتم لنفسه): "مستحيل... لو كانت هاربة كانت أخبرتني... لو تعرضت للأذى؟ لا، لا يمكن... لكن الصمت يخيفني أكثر." جلس على الكرسي مرة أخرى، وفتح رسائلها الأخيرة، يتأمل كلماتها كأنه يبحث عن أي تلميح، أي رمز يدل على مكانها أو نيتها. أمسك الهاتف مجددًا واتصل برقم مجهول، كان يتردد في طلبه من قبل. "ألو؟... مرحباً، أحتاجك أن تتحقق من مكانها، كاميرات، اتصالات، أي شيء... أدفع ضعف المعتاد." أغلق الهاتف وتنهد... "إيرين... أين أنت؟" كانت الأجواء خانقة في الشركة، توتر دايسيك واضح، يمسك هاتفه كل دقيقة، يضغط على الأرقام بسرعة، يصرخ على رجاله: "لماذا لم تعثروا عليها بعد؟! ابحثوا في كل مكان، لا أريد أعذار!" في هذه الأثناء، جلس كوان في مكتبه هادئًا بشكل مبالغ فيه، يراقب بعينيه كل من في الغرفة. نهض فجأة، تمطّى بتكاسل متعمد، ثم خرج من المكتب وهو يقول: "سأذهب للحمام." دخل الحمام، أغلق الباب خلفه بسرعة، وبدل ملابسه التي خبأها مسبقًا، وضع قبعة سوداء على رأسه، وأخفى ملامحه جيدًا. تأكد من خروجه دون أن يراه أحد، لكن لمح في انعكاس المرآة أحد رجال دايسيك يراقبه. كوان (بهدوء شديد): "مراقب، كما توقعت." فتح الباب بخفة، وانسل بين الممرات الجانبية حتى خرج من الباب الخلفي للمبنى، وهناك كانت سيارة سوداء بانتظاره. ركبها بسرعة وانطلق مبتعدًا عن المكان. خلال دقائق كان على الطريق المؤدي للمصنع القديم، الطريق المهجور، حيث ترك إيرين مختبئة. قلبه كان ينبض بقوة... لم يكن فقط قلقًا عليها، بل غاضبًا من كم التهديدات من حولها. كوان (يفكر في نفسه): "عليّ أن أخرجها من هذه الدوامة... قبل أن يفعل دايسيك شيئًا لا يمكن إصلاحه." دخل كوان إلى المصنع بخطى متسارعة، وعيناه تبحثان عنها بقلق واضح. لمّا وصل إلى الغرفة الصغيرة في الزاوية، وجد إيرين مستلقية على مرتبة رقيقة، ملفوفة بغطاء قديم، ووجهها شاحب تتصبب منه قطرات العرق، تنفّسها متقطع، وحرارتها مرتفعة بشكل مخيف. اقترب منها بسرعة، جثا على ركبتيه بجانبها، وضع يده على جبينها فشعر بسخونة مقلقة. كوان (بصوت مرتجف): "حرارتها مرتفعة جداً... ما الذي حدث؟!" التفت إلى رجاله الذين كانوا يقفون قرب الباب، ملامحهم متوترة. صاح بهم غاضبًا: "أين كنتم؟! لماذا لم تنتبهوا لحالتها؟ ألم أطلب منكم الاعتناء بها؟!" أحد الرجال تلعثم في الكلام: "سيدي... لم ترغب في الأكل، وكانت ترفض الحديث معنا، اعتقدنا أنها بخير..." نهض كوان بغضب، خطا نحو الرجل واقترب منه حتى كاد يلتصق به: "أنتم لا تفكرون! هذه فتاة ضعيفة، خائفة، ومنهكة! كيف تتركونها بهذا الحال؟!" ثم عاد مسرعًا إلى جانبها، حملها برفق بين ذراعيه، وهمس بصوت خافت: "إيرين... تحمّلي قليلاً، سأخرجك من هنا." ثم نظر إلى رجاله بعينين مشتعلتين: "أعدوا السيارة حالًا... نحن ذاهبون إلى مكان آمن." حمل كوان إيرين بين ذراعيه دون تردد، وقد اشتدّ القلق في ملامحه. كانت شاحبة، خفيفة كريشة، تتنفس بصعوبة. التفت إلى رجاله بسرعة وأمرهم بنبرة حاسمة: "نظفوا المكان تمامًا، لا أريد أن يبقى أي أثر يدل على وجودها هنا. أسرعوا!" ثم اتجه بخطى ثابتة إلى الخارج، فتح باب السيارة الخلفي برفق، مدّد جسدها على المقعد المغطى ببطانية نظيفة، ثم صعد إلى المقود وانطلق مسرعًا. طوال الطريق، كان يرمقها من المرآة بين حين وآخر، يطمئن أنها لا تزال تتنفس. وجهه كان عابسًا، تفكيره مشتتًا، لكن قراره كان واضحًا: "لن أتركها تموت وسط تلك المؤامرات." قاد السيارة نحو أحد منازله الخاصة، منزل صغير منعزل عن المدينة، محاط بالأشجار، هادئ، وآمن. ما إن وصل حتى أسرع إلى الباب، فتحه، ثم عاد ليحملها من السيارة ودخل بها إلى الداخل. وضعها على سرير نظيف، ثم أخذ منشفة باردة وبدأ يبلل جبينها وهو يهمس: "أرجوك، اصمدي... أنتِ بأمان الآن." نزع كوان سترته بسرعة، ورفع أكمام قميصه ليبدأ في الاعتناء بها بنفسه. كانت أنفاسها متقطعة، وجسدها يشتعل حرارة. أزاح الغطاء عنها بلطف، ثم بدأ يفتح أزرار ملابسها العليا بحذر، لا بدافع آخر، بل فقط ليسمح لجسدها بالتنفس قليلاً، علّه يساعد في خفض حرارتها المرتفعة. في يده الأخرى أمسك هاتفه واتصل بالطبيب الخاص وهو يضغط على شاشة الهاتف بنفاد صبر: "تعال فورًا إلى العنوان الذي أرسلته... إنها في حالة حرجة، الحرارة مرتفعة جدًا." أغلق المكالمة وهو لا يكفّ عن مراقبتها. كانت وجنتاها محمرّتين، تتقلب في أنين خافت، ويده تمسح جبينها بمنشفة مبللة بالماء البارد. جلس قربها بصمت، تتزاحم في رأسه الأسئلة والمخاوف، وعيناه لا تفارقان وجهها: "ما الذي فعلته بكِ يا إيرين...؟" تمتم بها، ثم تن*د بعمق وكأن الألم قد استقر في ص*ره. في الشركة، كان دايسيك واقفًا أمام نافذة مكتبه الزجاجية، نظراته غارقة في الغضب والقلق. التفت فجأة نحو رجاله الواقفين أمامه في صمت خانق، ثم صرخ بصوته الجهوري: "أهذا هو مستواكم؟ ابن أخي يختفي دون أثر، والخادمة التي يفترض أن تُخطف لا يعرف أحد مكانها؟!" ارتبك الرجال، تبادلوا النظرات بينهم، لكن لم يجرؤ أحد على الرد. "أرسلنا فرقًا لتتبعه، واختفى كالشبح! كيف يحدث هذا؟!" ضرب سطح مكتبه بقبضته، فاهتزت الأوراق الموضوعة عليه، ثم أضاف: "أما بالنسبة لتلك الخادمة... لا أخبار، لا شهود، لا حتى أثر صغير! أنتم عارٌ على اسم الحراسة!" ثم اقترب منهم خطوة، وبتوتر شديد قال: "إن لم أسمع خبرًا خلال الساعات القادمة، سأبدأ بالتفكير أن بينكم خائن!" صمت ثقيل خيّم على المكان، والوجوه شاحبة تخشى غضبه القادم. في تلك اللحظة، بينما كان ليون يخرج من المحكمة، رن هاتفه المحمول فجأة. كان الرقم المتصل مجهولًا، لكن بعد أن نظر في الشاشة، أدرك أنه أحد رجاله. "سيدي، لدينا خبر مهم. لقد تمكنا من تتبع كوان." شعر ليون بارتياح مؤقت، لكنه احتفظ بتركيزه الشديد على التفاصيل. "قل لي، ما الذي حدث؟" قال ليون بسرعة، محاولًا التحكم في أعصابه. "لقد جاء إلى مقر الشركة، وأخذ طريقًا غريبًا. عندما لاحظنا أنه كان يتبع بحذر، تنكر بسرعة في زي مختلف وأخذ سيارة أخرى. بعد ذلك، توجه مباشرة إلى المصنع القديم حيث اختبأت إيرين." صمت للحظات، ثم تابع: "لكن الأمر لم ينتهِ هنا، سيدي. بعد دقائق قليلة، حمل كوان إيرين إلى سيارته الخاصة واتجه بها إلى منزل معزول، بعيد عن الأنظار." شعر ليون بالغضب والقلق يتصاعد داخل ص*ره، لكنه حاول الحفاظ على هدوئه قدر الإمكان. "هل أنت متأكد من كل هذه التفاصيل؟" سأل ليون بلهجة حادة. "نعم، سيدي، كل شيء دقيق. نحن نراقب الوضع." أغلق ليون الخط سريعًا، وعيناه مليئتان بالقلق والغضب. كان يعلم أن الأمور قد بدأت تأخذ منحنى خطيرًا، وكان على استعداد للتحرك بسرعة أكبر. بينما كان الطبيب يفحص إيرين بعناية، كان كوان يراقب عن كثب وهو يشعر بالقلق يزداد مع مرور الوقت. تحدث الطبيب بصوت هادئ بعد أن أنهى الفحص. "جسدها ضعيف جدًا، وهي لا تتغذى بشكل جيد. يبدو أنها تعرضت للبرد لفترة طويلة، مما أثر على صحتها بشكل كبير." توقف الطبيب للحظة وهو يكتب الوصفة، ثم أضاف: "يجب أن تبدأ بتناول طعام مغذي بسرعة وتستعيد قوتها. سأكتب لها بعض الأدوية والمحاليل لتسريع تعافيها." حينما ذكر الطبيب تعرض إيرين للبرد لفترة طويلة، شعر كوان بوميض من الغضب يمر في ذهنه. تذكر على الفور العقاب الذي فرضته شيناي على إيرين تحت المطر، وهو ما جعل قلبه ينقبض بشدة. عندما انتهى الطبيب من تحضير المحاليل الطبية وأعطاها لكوان مع الوصفة، قال له: "تأكد من أن تتبع التعليمات بدقة، وتأكد من أنها تحصل على الراحة اللازمة. حالتها تحتاج إلى رعاية دائمة." غادر الطبيب بسرعة، تاركًا كوان مع تفكير عميق في حال إيرين. شعر بوزن المسؤولية الثقيلة التي كانت على عاتقه، وقرر أن يظل بجانبها حتى تتحسن حالتها. فوجئ كوان بالاتصال المجهول الذي ورد إليه، وعندما رأى الرقم الغريب، بدأ قلبه ينبض بسرعة. كان الصوت في الطرف الآخر هادئًا، لكنه كان مليئًا بالتهديد. "أنت في موقف صعب الآن، كوان. أعرف أين أنت، وأعرف ما فعلته بإيرين. إذا تعرضت لأذيتها بأي شكل، سأجعلك تدفع الثمن غاليًا." اتسعت عينا كوان للحظة، لكنه حاول أن يبقى هادئًا. لم يكن يعلم أن هذا الصوت يعود إلى ليون، المحامي الذي كان يبحث عن إيرين. لكن رغم ذلك، لم يرد أن يظهر أي ضعف أمامه. أجاب كوان بصوت بارد، محاولًا إخفاء أي شعور بالارتباك: "إذا كنت تعرف كل شيء، إذًا يجب أن تعرف أنني لن أسمح لأي شيء سيء أن يحدث لها. إيرين تحت حمايتي الآن، وأنت لا تملك الحق في تهديدي." لكن في داخله، كان القلق يزداد. اغلق ليون الخط و بقي ينظر للهاتف . أغلق كوان الهاتف ببطء، عينيه تركز على إيرين التي كانت نائمة في سريرها. و المحاليل متصلة بيدها .كان يشعر بتوتر غير معتاد، وكان يدرك أنه يجب عليه أن يتعامل مع الوضع بحذر أكبر، فالأمور بدأت تخرج عن السيطرة. جلس كوان بالقرب من إيرين، يقرأ في كتابه بصمت، يحاول أن يشغل نفسه لتهدئة أعصابه بعد التهديد الذي تلقاه. كانت أضواء الليل تخترق النوافذ بشكل خافت، والهواء البارد يدخل من الشقوق. كان يراقب إيرين بهدوء، يتفحص ملامح وجهها وهو ينتظر أن تستيقظ. مرت بضع ساعات قبل أن بدأت إيرين تحرك أطرافها ببطء، ثم فتحت عينيها ببطء. تفاجأت عندما رأت نفسها في مكان مختلف تمامًا، لا تتذكر كيف وصلت إلى هنا. قلبها كان ينبض بسرعة، وكانت تتساءل عن السبب وراء تغير الوضع المفاجئ. "أين أنا؟" همست بصوت خافت، محاوِلةً التذكر. نظر إليها كوان بابتسامة هادئة، ثم رد بصوت مطمئن: "أنت في أمان هنا. لا داعي للقلق." أردف بهدوء: "كنت مريضة جدًا، فأنا جلبتك إلى هذا المكان لأعالجك." أخذ نفسًا عميقًا وهو يتابع الحديث، "لقد مررت ب*روف صعبة، لكنني هنا الآن ولن أدع أي شيء سيء يحدث لك." كانت إيرين تحاول استيعاب الوضع، لكن شعرت بارتياح غريب حينما سمعت كلماته. لم تستطع أن تتجاهل مدى اهتمامه ورعايته، رغم كل الأحداث التي مرّت بها. لكن عقلها كان مليئًا بالأسئلة: "لماذا يفعل هذا من أجلي؟" شعرت إيرين بألم خفيف في جسدها، فحاولت الجلوس على السرير لكنها كانت تشعر بتعب شديد. نظرت إلى كوان بعيون مليئة بالاستفهام واللوم، وقالت بصوت ضعيف، لكنها مليء بالحدة: "أنت السبب الذي جعل الأمور تصل إلى هذا الحد. لو أنك لم تتدخل لما حدث كل هذا." كان كوان جالسًا على الكرسي بجانبها، وعيناه كانت مليئة بالتوتر والقلق. استنشق الهواء بشدة قبل أن يرد بصوت منخفض ولكنه حاد: "أنت ثرثارة ولا تعرفين ماذا تقولين." لم يكن يريد سماع كلماتها اللاذعة التي تعبر عن شكوكها حول نواياه. كان يعاني من صراع داخلي؛ فهو لم يكن يود إيذاءها، لكنه كان مجبرًا على تصرفاته من أجل حمايتها. حاول أن يبقى هادئًا، لكن كلماتها كانت تؤلمه، رغم أنه كان يعرف أنه فعل كل ما بوسعه لإنقاذها من الخطر. "كنت أحاول حمايتك، ولم أكن أريد أن تنتهي الأمور كما حدث. لكن ما الذي كنت تظنين أنني يجب أن أفعله؟" أضاف بنبرة خافتة وهو ينظر إليها بحزن. إيرين لم تجب مباشرة. كانت تنظر في عينيه بتمعن، محاولًة أن تفهم ما يدور في ذهنه. لكن الألم الذي تشعر به جعلها غير قادرة على الرد عليه بالكلمات، مما زاد من تعقيد مشاعرها تجاهه. نظرت إيرين إلى كوان بعينيها الممتلئتين بالحزن، وقالت بصوت ضعيف يملؤه الألم: "عمك سوف يقتلني قريبًا، وسيعرف مكاننا. لا يوجد مفر من هذا." كانت الكلمات تخرج منها بنبرة يأس، كما لو كانت تتوقع الأسوأ. لكن هذه الكلمات أثارت توتر كوان، فحدق بها بنظرة قاسية، وهو يحاول كبح مشاعره التي بدأت تخرج عن السيطرة. "اصمتي!" قالها بصوت حاد، ثم أضاف بلهجة غاضبة: "توقفي عن الثرثرة. لا شيء سيتغير إذا استمريتِ في الحديث عن هذه الأفكار السلبية." كانت نبرته مليئة بالتوتر، لكنه كان يحاول أن يظهر صلابة في الموقف. لم يكن يريد أن يرى يأسها يتزايد أمامه، لكنه كان في صراع داخلي. كان يحاول أن يحميها بأفضل ما يستطيع، ولكن تهديدات عمّه والظروف التي وجد نفسه فيها جعلت الأمور أكثر تعقيدًا مما كان يتوقع. إيرين، التي كانت تشعر بالألم والضياع، سكتت للحظة. كانت تدرك أن كوان قد يكون غاضبًا، لكنها كانت بحاجة للمساعدة والطمأنينة. ومع ذلك، لم تستطع إلا أن تشعر أن هناك شيئًا ما غامضًا يحيط به، شيء يعمق الصراع في داخلها. نظر كوان إلى إيرين حين طلبت هاتفه، كانت ملامحها قد هدأت قليلًا، لكن عينيها لا تزالان تحملان القلق. قالت بصوت خافت: "أريد فقط أن أطمئن أمي... لن أتأخر." تردد قليلًا، ثم أعطاها الهاتف بشرط أن لا تخرج من المنزل، فهزّت رأسها بالموافقة، نزع لها ابرة المحلول برفق٫ وأمسكت الهاتف بأصابع مرتجفة، ثم خرجت من الغرفة بهدوء. بمجرد أن أغلقت الباب خلفها، أسرعت إلى الزاوية البعيدة حيث لا يمكن لكوان أن يسمع، اتصلت بليون. رن الهاتف لمرة واحدة فقط قبل أن يُجيب ليون بلهفة: "إيرين؟! هل أنت بخير؟! أين أنت؟!" همست بسرعة وهي تنظر خلفها بحذر: "أنا مع كوان... لقد أنقذني من رجال دايسيك. قال إن احدا اتصل وهدده... هل كان انت؟" رد ليون بصوت منخفض لكنه مشحون بالقلق: "نعم لأني خفت عليكِ... لم أكن أعرف أنه يحاول حمايتك. كنت أظنه متورطًا." سكتت إيرين للحظة، ثم قالت: "هو لا يؤذيني... لكنني لا أفهم لماذا كل هذا الصراع حولي." أجاب ليون: "لأنك لستِ مجرد خادمة يا إيرين... حياتك باتت تمس أكثر من طرف، وأنتِ وسط عاصفة. لكن كوني قوية، وأنا لن أتركك." أنهت المكالمة سريعًا قبل أن يُثار الشك، ثم تنفست بعمق وهي تعود إلى الغرفة، تخفي كل ما دار في تلك اللحظات، بينما كوان ما زال يجهل فحوى حديثها الحقيقي. نظر كوان إلى إيرين بنظرة حادة، وصوته جاد حين قال: "لن تعودي إلى القصر، هذا أمر." لكن إيرين تقدمت نحوه بخطوات متثاقلة، بعينين دامعتين وقلب مثقل: "حياتي أصبحت في خطر بسببك... كل شيء بدأ حين بدأت تهتم بي، حين رفضت الزواج من مييون... كان بإمكانك إنهاء كل شيء!" صمت كوان لحظة، نظر إليها بعينين تشتعلان بتوترٍ مكتوم، ثم رد ببرودٍ قاتل: "أنا لست مجبرًا على فعل شيء لإرضاء عمي. لا زواج ولا مساومات." اقترب منها أكثر، صوته صار أكثر حدة وقسوة: "وأنا لا أساعدك لأنك مهمة... أنا فقط أشفق عليك، لا أكثر. لا تحملي الأمر أكبر من حجمه." تجمدت ملامح إيرين، وكأن كلماته ضربتها بقوة، شعرت بأنفاسها تختنق، وكأن الغرفة ضاقت بها، لكنها لم تنطق... فقط نظرت إليه نظرة طويلة، ثم أدارت وجهها بصمت، تخفي الألم الذي مزّق قلبها في لحظة واحدة. صرخت إيرين بعناد ودموعها تكاد تسقط: "أنا لا أحتاج شفقتك! ولا مساعدتك! دعني أمُت إذن، على الأقل سأرتاح!" لكن كوان لم يلتفت، ظل واقفًا قرب النافذة، ظهره نحوها، وصوته هادئ كالجليد: "أنا أشفق عليك... فقط حتى لا تكوني ضحية لشيء لم ترتكبيه، لا أكثر." كلماته كانت كالسكاكين، باردة، قاسية، مجردة من أي شعور، كأنها ليست موجهة لإنسانة تقف على حافة الانهيار. انفعلت إيرين أكثر، تقدمت إليه بعينين يملؤهما الحزن والغضب: "هل تعتقد أن كلماتك تحميني؟ أنت تعاملني كأنني عبء! لو كنت حقًا تهتم، لما تركتني أتألم وحدي!" لكنه لم يرد، ظل ينظر إلى الخارج، يتابع المطر الذي بدأ يهطل بهدوء، كأن صراخها لا يعنيه، أو كأنه يحاول الهرب من نظراتها، من شعورها، ومن نفسه. الصمت بينهما أصبح أثقل من الكلمات، وأبرد من نظراته… نظر إليها كوان بنظرة جامدة، وعيناه تخفيان تعبًا لا يقال، ثم قال ببرود قاتل: "ستبقين هنا... إلى أن تهدأ الأمور." تقدم نحو الباب ثم أضاف بصوت هادئ لا يخلو من القسوة: "بعدها، اذهبي حيث شئت. لكن لا تعودي لذلك القصر. لن أكررها." رفعت إيرين رأسها نحوه، الغضب يتأجج في عينيها، وقالت بعناد واضح: "ومن أعطاك الحق لتقرر عني؟ لا دخل لك في حياتي، سأذهب حيث أريد، حتى لو كان القصر!" توقف كوان عند عتبة الباب، التفت إليها ببطء، كانت ملامحه صارمة، ونبرته تحمل حدة غير مسبوقة: "أنا منقذكِ الآن، لا تتحديني." ثم اقترب خطوة، نظراته مباشرة وقاطعة: "ذلك المكان لم يعد آمنًا لك، وأنتِ تعرفين ذلك. وإن عدتِ، فلن أكون مسؤولاً عما قد يحدث." سكت لحظة ثم أردف بلهجة جافة: "لا تعجرفي بقراراتك. ما تمرين به ليس لعبة، وأنا لست شخصًا تتحدينه فقط لأنك غاضبة." سادت لحظة صمت، شعرت إيرين بأنها تُقيد بكلماته رغمًا عنها. لم تجد ما ترد به، سوى نظرة تحدي تخفي خلفها الخوف. ثم خرج كوان، وأغلق الباب خلفه، تاركًا وراءه قلبًا مشوشًا بين الغضب والخذلان.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD