شرارات تحت الرماد

670 Words
في الليلة التالية، كانت أجواء القصر مشحونة كأن العاصفة لم تغادر بعد. جلست شيناي في جناحها الخاص، مرتدية ثوبها المخملي القرمزي، ترتشف الشاي ببطء بينما الغضب يتطاير من عينيها. "تصرفاته أصبحت لا تُحتمل!" قالتها بحدة، وهي تضرب فنجان الشاي على الطاولة الصغيرة أمامها، ما جعل الخادمة القريبة ترتجف. نظر إليها دايسيك، وقد كان مستلقيًا على الأريكة، يتأمل سقف الغرفة بصمتٍ ثقيل. "إنها مجرد خادمة يا شيناي، لا تستحق كل هذا الانفعال." رفعت رأسها بسرعة، وصوتها يعلو بحدة: "مجرد خادمة؟ لقد حملها إلى جناحه أمام أعين الجميع! هل نسيت أنها فتاة بلا أصل؟ بلا نسب؟ نحن من أنقذناها من الشارع، والآن تُكافئنا بإغراء ابن أخيك؟" "كوان ليس مراهقًا حتى يُغرى..." أجاب دايسيك وهو يعدّل جلسته. "وما رأيته في عينيه اليوم... لم يكن تهورًا، بل كان تحديًا لي ولكِ معًا." تجمدت شيناي للحظة، ثم تمتمت: "لهذا السبب يجب أن تتصرف. اطردها... قبل أن تتحول المسألة إلى فضيحة داخلية وخارجية." دايسيك لم يجب مباشرة. مرر يده على لحيته المفكرة، وعيناه شاردتان في موقد النار. كان يفكر... لا في إيرين وحدها، بل في كوان. وفي تلك البرودة في كلامه، وتلك النبرة التي لم يسمعها منذ سنوات. هل بدأت الخيوط تُفلت من يده؟ أم أن هناك ما هو أعمق مما يظهر على السطح؟ تنهّد أخيرًا، وقال: "سأفكر بالأمر. لكن أي تصرف الآن... قد يُشعل ما لا يمكن إخماده." ثم أضاف بصوتٍ أخفض: "وإن كانت فعلاً تمثل خطرًا على كوان... فربما لن أحتاج لأن أطردها بنفسي." رفعت شيناي حاجبيها بحدة وقالت، بصوت ممزوج بالمرارة: "أترى؟ كوان رفض الزواج من ميون اليوم أمام الجميع... أمامها هي أيضاً!" ثم وقفت، تدور حول الغرفة كأنها تحاول كتم زلزالٍ في ص*رها، وتابعت: "أيعقل أن تتجاهل إهانة كهذه؟ ابنتنا ليست لعبة، ولن أسمح بأن تُداس مشاعرها لأجل خادمة لا تعرف قدرها." نظر دايسيك نحوها ببطء، صوته هادئ لكنه عميق: "كوان لم يرفض صراحة، لكنه كان واضحًا... هو لا يريد الزواج الآن، سواء من ميون أو غيرها." قاطعت حديثه، وعيناها تتوهجان بغضب: "لكن ميون ليست أي فتاة، إنها من دمنا، من عائلة دايسيك. أما تلك الخادمة، فما الذي تملكه؟ دموع ووجه بريء؟" سكت دايسيك لحظة، ثم قال ببطء وهو ينهض: "أعلم أن مشاعر ميون مهمة... ولكن الضغط على كوان لن يؤدي إلا إلى تمرده أكثر." اقتربت شيناي منه، همست بصوت حاد: "بل تمرده بدأ بالفعل. وأنت تفتح له الباب ليدوسنا جميعاً، خطوة بخطوة. إبدأ بالخادمة اليوم... و*داً لن تتوقع من سيكون التالي." ثم استدارت مغادرة الغرفة، تُغلق الباب خلفها بعنف، تاركةً دايسيك في صمته الثقيل، يحدّق إلى ألسنة النار المتراقصة أمامه... وكأنها تهمس له بأن لا شيء يبقى ساكنًا حين تُشعل امرأة مجروحة شرارة الانتقام. كان كوان جالسًا في مكتبه، ضوء المصباح الخافت يلقي ظلالًا طويلة على رفوف الكتب. تقليب هادئ لصفحات ملف أمامه انقطع بصوت خطوات دايسيك القوية تدخل المكان دون استئذان. أغلق كوان الملف ببطء، رفع عينيه وقال ببرود: "عمي، لم أتوقع زيارتك في هذا الوقت." وقف دايسيك قبالته، عيناه تضجان بالغضب المكبوت. "لم أعد أفهمك، كوان. ما الذي تفعله؟ تتجاهل خطط العائلة، ترفض ميون، وتتقرب من خادمة؟!" كوان لم يجب، فقط ظل ينظر إليه بهدوء، فواصل دايسيك بصوتٍ مشحون: "إن كان اهتمامك بها نوعًا من التحدي… فلتعلم أن كل تحدٍ له ثمن. وإن كنت جادًا، فكن مستعدًا لعواقب لن تروقك." اقترب خطوة، صوته يهبط لكن نبرته تزداد قسوة: "أنا من ربّاك، وأعرف جيدًا كيف تفكر… لكني لن أسمح لك بتدمير كل شيء بنزوة. اختر طريقك، كوان. إما العائلة… أو سقوطك." ثم استدار وخرج، يترك خلفه صمتًا ثقيلاً، بينما كوان ظل في مكانه، قبضته ترتجف فوق سطح المكتب، ووجهه لا يظهر شيئًا… سوى التوتر العميق في عينيه. كانت إيرين تجلس على حافة سريرها، الغطاء لا يزال يلف جسدها المرتجف، وشعرها المبلل يلتصق بعنقها. شاشة هاتفها تضيء ببطء وهي تكتب رسالة إلى ليون: "كان الوقت مناسبًا... لكن الأمور خرجت عن السيطرة. شيناي عاقبتني، وكوان... أنقذني. لم أنفذ ما خططنا له اليوم. آسفة." توقفت للحظة، تنظر إلى الكلمات التي كتبتها، ثم أضافت: "لكني لن أنسى الهدف، فقط... انتظر الوقت المناسب." ضغطت على زر الإرسال، ثم أسندت رأسها إلى الجدار، تتنفس ببطء، تحاول تهدئة العاصفة التي تعصف بداخلها. لم تكن تعلم ما إن كانت خائفة من ليون، أم من نفسها، أم من كوان الذي بدأ يقلب كل الموازين دون أن ينطق بكلمة واحدة.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD