صراع مستمر

1253 Words
كان كوان جالسًا في مكتبه، ضوء المصباح الخافت يلقي ظلالًا طويلة على رفوف الكتب. تقليب هادئ لصفحات ملف أمامه انقطع بصوت خطوات دايسيك القوية تدخل المكان دون استئذان. أغلق كوان الملف ببطء، رفع عينيه وقال ببرود: "عمي، لم أتوقع زيارتك في هذا الوقت." وقف دايسيك قبالته، عيناه تضجان بالغضب المكبوت. "لم أعد أفهمك، كوان. ما الذي تفعله؟ تتجاهل خطط العائلة، ترفض ميون، وتتقرب من خادمة؟!" كوان لم يجب، فقط ظل ينظر إليه بهدوء، فواصل دايسيك بصوتٍ مشحون: "إن كان اهتمامك بها نوعًا من التحدي… فلتعلم أن كل تحدٍ له ثمن. وإن كنت جادًا، فكن مستعدًا لعواقب لن تروقك." اقترب خطوة، صوته يهبط لكن نبرته تزداد قسوة: "أنا من ربّاك، وأعرف جيدًا كيف تفكر… لكني لن أسمح لك بتدمير كل شيء بنزوة. اختر طريقك، كوان. إما العائلة… أو سقوطك." ثم استدار وخرج، يترك خلفه صمتًا ثقيلاً، بينما كوان ظل في مكانه، قبضته ترتجف فوق سطح المكتب، ووجهه لا يظهر شيئًا… سوى التوتر العميق في عينيه. عادت إيرين إلى غرفتها، مفتوحة الباب بهدوء بعد يوم طويل من ترتيب مكتب دايسيك. كانت تسحب هاتفها الصغير، جاهزة لإرسال المعلومات التي جمعتها إلى ليون، عندما توقفت فجأة في عتبته. في قلب الغرفة، كانت ميون، ابنة دايسيك، تقف وسط فوضى عارمة، وهي تمزق أغراض إيرين بهستيريا. الأقمشة المتناثرة، الأوراق المتناثرة على الأرض، وحتى بعض الصور التي كانت إيرين قد احتفظت بها، كلها كانت في حالة فوضى تامة. تفاجأت إيرين تمامًا مما يحدث، ولم تستطع تصديق ما تراه. وقفت في مكانها للحظة، تشعر بنبضات قلبها تتسارع. "ماذا تفعلين؟!" قالت إيرين بصوت منخفض وحاد، تحاول التحكم في أعصابها. توقفت ميون عن تمزيق أحد الأوراق، ورفعت عينيها المليئتين بالغضب تجاه إيرين. "أنتِ! كيف تجرأتِ على التلاعب بمشاعري؟!" قالت وهي تواصل تمزيق الأشياء من حولها. "أنتِ لا تستحقين أن تكوني هنا!" تابعت ميون بتحدي، "أنتِ مجرد خادمة، وكيف تجرؤين على الاقتراب من كوان؟" أصاب إيرين غضب مفاجئ، لكن قبل أن تتمكن من الرد، تدخلت ميون بسرعة، وقامت بتدمير أغراضها أكثر. كان صوت الأشياء تت**ر يملأ الغرفة، بينما كان قلب إيرين ينبض بسرعة. “لا، هذا لا يمكن أن يستمر!” تمتمت إيرين في نفسها، لكنها كانت تقف هناك، عاجزة عن الرد، فقط تراقب. بينما كانت ميون تستعد لتمزيق آخر قطعة من ذكريات إيرين، دخلت شيناي إلى الغرفة بخطى سريعة، أمسكت بذراع ابنتها بشدة وقالت بنبرة صارمة: "هذا يكفي، ميون!" ميون التفتت نحو والدتها، والدموع تلمع في عينيها من شدة الغضب، لكنها لم تتراجع. أشارت بيدها نحو إيرين التي كانت واقفة بصمت وسط الغرفة المدمّرة، وقالت بصوت مرتجف: "إنها السبب! لو لم تكن هنا لما أهانني كوان!" شيناي لم تُبعد نظراتها الحادة عن إيرين، اقتربت منها ببطء، وفي عينيها نار لم تُخفِها. "استمتعتِ كثيرًا بلعب دور الخادمة البريئة، أليس كذلك؟" همست بسخرية، ثم أضافت بتهديد صريح، "لكن تذكري، بيتنا لا يحتمل وجود أفعى بيننا. سأحرص بنفسي على أن تُطردي قريبًا." إيرين لم ترد، عيناها معلقتان بالأرض، وقلبها يخفق بعنف. هل انتهى كل شيء؟ هل هذا يعني أن الوقت قد حان لمغادرة هذا القصر... دون أن تنهي ما بدأت؟ لكنها تماسكت، وأجبرت نفسها على الوقوف بثبات، رغم أن كلمات شيناي كانت كصفعة على وجهها. لقد بدأت تشعر أن الطرد لم يكن مجرد احتمال، بل أصبح وشيكًا. خرجت إيرين من القصر في المساء، ووجهها شاحب وعيونها متورمة من البكاء، تسير بخطوات سريعة نحو المقهى القديم الذي لطالما التقت فيه بليون. كان جالساً هناك، ينتظرها كما وعد، يعبث بكوب قهوته دون اهتمام. وما إن رأته حتى هرعت إليه، وألقت بنفسها في حضنه دون تردد، تشهق بالبكاء وهي تتمسك بقميصه كأنها تغرق. "ليون… دمروا كل شيء… كادوا يطردونني، ميون مزقت أغراضي، وشيناي هددتني أمام الجميع…" ليون وضع يده على رأسها، يمسح شعرها بهدوء، وصوته منخفض كعادته لكنه يحمل نبرة حازمة: "إيرين… هل نسيتي لماذا دخلتِ هذا المكان؟ الانتقام، تذكرين؟ دموعك الآن لا تليق بفتاة عرفت ما عانته أمها، ولا بفتاة أقسمت أن تُعيد كرامتها بأي ثمن." ابتعد عنها قليلاً لينظر في عينيها، يهمس بثقة: "أنتِ أقرب مما تظنين... لا تضيّعي كل شيء من أجل لحظة ضعف. ستبقين هناك، وستنهي ما بدأته، حتى لو اضطررتِ للعب دور الخادمة المُهانة ألف مرة." إيرين أومأت ببطء، تشهق بدموع خافتة، لكنها عرفت في تلك اللحظة أن انسحابها الآن... يعني خسارة كل شيء. عادت إيرين في ساعة متأخرة من الليل إلى القصر، وجهها ما زال يحمل أثر الدموع، لكن عينيها كانتا تحملان شيئًا مختلفًا… عزيمة صلبة تختبئ خلف نظراتها الهادئة. فور دخولها من البوابة، لمحت كوان واقفًا بجانب إحدى الأشجار، وكأنه كان بانتظارها. "أين كنتِ؟" سألها بنبرة قلقة، يقترب منها بخطوات حذرة. لكنها لم ترد، بل تجاهلته تمامًا، ثم التفتت إليه فجأة وقالت بحدّة: "لا تسألني! لو لم تساعدني وقتها لما حدث كل هذا… كان يجب أن تبتعد!" ارتسمت على وجه كوان ملامح الدهشة، ثم استعاد هدوءه وقال ببرود ممزوج بالغرور: "كنت أظن أن من أنقذتها من المطر، يفترض أن تشكرني… لا أن توبخني." نظرت إليه ببرود، ثم أدارت ظهرها دون أن ترد، ودخلت مسرعة باتجاه القاعة الكبيرة حيث كانت العائلة لا تزال مجتمعة على العشاء. توقفت أمام الطاولة، ثم انحنت ببطء أمام الجميع، بصوت خافت لكنه واضح: "أعتذر على كل ما بدر مني… أعتذر للسيدة شيناي، للسيد دايسيك، وأعتذر لآنسة مييون." ساد الصمت، وحدها عينا كوان تابعتا إيرين بصمت… بينما داخل قلبها، كانت تجهز لخطوتها التالية. رفعت شيناي حاجبها ببرود، لم تُظهر أي اهتمام أو تعاطف، بل أدارت وجهها عنها وكأنها لم تسمع شيئًا، أما مييون فكانت تحدق بكوان، بعينين غاضبتين وم**ورتين في آنٍ واحد، تنتظر منه أي رد… أي موقف. دايسيك تن*د وهو ينهض ببطء من مكانه، ثم قال بصوت متعب: "لقد سبب هذا الموضوع الكثير من الفوضى… أظن أنه من الأفضل أن ننهيه هنا." لكن إيرين لم تستطع الصمت، اقتربت منه قليلًا، ثم انحنت مرة أخرى وهي تقول بتوسل: "أرجوكم… لا تطردوني… لقد كنت مخطئة، لكنني سأصحح كل شيء… أرجوكم فقط، امنحوني فرصة." ساد الصمت للحظة، كانت كل الأنظار نحو دايسيك… كوان بدوره لم يتكلم، وبدت على ملامحه صراع داخلي، بينما مييون رفعت ببرود كأس الماء أمامها لتخفي غضبها. دايسيك نظر إلى إيرين، ثم قال بنبرة صارمة: "ابقِ في القصر… لكن أي تصرف آخر، لن تكون هناك فرصة ثانية." همست إيرين بخفوت: "شكرًا سيدي… شكرًا…" ثم انسحبت بخطوات بطيئة، تحبس دموعها مجددًا، لكن هذه المرة لم تكن دموع ضعف… بل بداية نهوض. خلال الاجتماع في شركة العائلة، كان كوان يجلس في مكانه المعتاد، الأوراق أمامه، العروض تُعرض على الشاشة، والموظفون يتحدثون… لكن عينيه شاردتان، لا تتابعان شيئًا مما يُقال. كان ذهنه في مكان آخر تمامًا… في الغرفة الصغيرة التي كانت ترتجف فيها إيرين، في نظرتها الخائفة حين دخلت غرفة الطعام وانحنت، في كلماتها وهي تتوسل البقاء… كان يشعر بثقل في ص*ره، شيء لم يعهده من قبل، وكأن هذه الفتاة بدأت تحرك شيئًا بداخله لم يكن مستعدًا له. لاحظ دايسيك شروده، تبادل النظرات مع ابنه دونيون، الذي رفع حاجبه قليلًا وكأن لسان حاله يقول: "إنه ليس في مزاج العمل." دايسيك أنهى الاجتماع بسرعة غير معتادة، وما إن غادر الموظفون حتى التفت إلى كوان بنظرة حادة وقال: "كوان… نحتاج إلى حديث." جلس كوان مستقيمًا وأومأ برأسه، لكنه لم يتحدث. قال دايسيك وهو يضع يديه خلف ظهره: "أعرف ما يدور في بالك… وأقولها بوضوح، ابنتي مييون ليست مجرد ابنة عم بالنسبة لك ، إنها الأفضل لهذا البيت، لهذا الاسم… وأنت تعلم أن هذا الزواج يجب أن يتم." كوان لم يُجبه مباشرة، بل نظر نحو النافذة للحظة ثم قال بهدوء: "أنا لا أكره مييون… لكنها ليست من أريد الزواج بها." تجمد الجو، حتى دونيون الذي كان يراقب بصمت رفع عينيه باهتمام. دايسيك قال بجفاء: "هل ستخرب كل شيء من أجل نزوة تجاه خادمة؟" كوان نظر إليه مباشرة، بعينين ثابتتين وقال: "لا أعلم ما أشعر به حتى الآن… لكنني أعلم أنني لا أريد أن أعيش حياة تُفرض عليّ." كان ذلك التصريح كافياً ليغرس قلقًا جديدًا في قلب دايسيك، وشرارة غيظ في قلب شيناي عندما علمت لاحقًا. أما دونيون، فقد بدأت علامات الترقب تظهر في نظرته، وكأنه يعرف أن ما هو قادم… لن يكون سهلاً أبدًا.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD