اجاب بنبرة غضب " اخبرتكِ انني لم اكن احاول الانتحار .. و كلا لم ارى حقيبتكِ السخيفة !"
اصابتني نوبة هلع "اثباتات هويتي و بطاقاتي البنكية و نقودي و هاتفي .. و ملابسي , يا إلهي لقد فقدت آلة تصويري حتى! كل هذا بسببك , ايها الــ..."
قاطعني و هو يهم بالخروج " لا يعنيني الامر , هذا سيعلمكِ درساً جيداً بعدم التدخل في امور الغير"
كان يرحل تاركاً اياي ورائه دون أي تردد ! كنت عالقة دون أي عون , في تلك المدينة .
كنت غريبة تماماً و اقرب شخص اليّ كان هو ذلك المنتحر الفظ. فكرت بما انه كان السبب في مشكلتي لذا فالاحرى به ان يتحمل المسؤولية .
وقفت على قدمي الملفوفة بالجبيرة و لم اشعر بألم- بسبب المهدئات- و كان ذلك امراً لم اتوقف عنده كثيراً وقتها ، مماسيجعلني اندم لاحقا.مشيت بأقصى قوتي للامساك به .
ذلك الرجل كان يمشي سريعاً- ربما لامتلاكه ارجلاً طويلة – و لم اكن لاستطع اللحاق به بحالتي تلك لذلك كان عليّ ايقافه بطريقة ما .
امسكت ببطني اقلد كوني امرأة حامل " ارجوك عزيزي لا تتركنا و ترحل!!..لا تتخلى عني بلا مال او مأوى بعد كل شيء فعلته لك!!" صرخت بكلماتي الدرامية و كلي رغبة بالبكاء .
جميع من كانوا حولنا ألتفتوا نحونا بعد ان توقف بيتر متجمداً مكانه . كان ذلك ناجحاً كما توقعت .
كان الناس يحدقون به و نظرات الادانة واضحة . لم يتحمل و قام بالمشي إليّ و الاخذ بيدي و اخذ يجرني وراءه.
اخذ يقول بصوت منخفض " انتِ بالفعل شخص لا يُصدّق! "
انا ببراءة و ابتسامة " فقط خذني الى المكان الذي كنت ستنتحر منه "
كان غضبه واضحاً في نبرة صوته لكنه لم يرفعه " توقفي عن التجول في الانحاء و قول هذا الكلام انا شخص معروف في المجتمع "
كان كلامه مثيراً للسخرية , لكنني فكرت في ان اتوقف عن استفزازه فقد كان الوحيد الذي كان بإمكانه مساعدتي في تلك اللحظة.
توقف الانتحاري امام سيارة سوداء رياضية, و صعد عليها بعد ان فتحها . و انا بتردد صعدت الى جواره و انطلقت السيارة بسلاسة. لم استطع الا ان افكر بكم يمكن ان يكون سعر سيارة كتلك التي كان يملكها !
تكلمت مازحة " بالنظر الى سيارتك لا يبدو لي انك كنت تكذب عندما قلت انك معروف في المجتمع ! انت حقاً محظوظ! "
رد بلا مبالاة " هذا فقط لان والدي رجل اعمال كل حياته قضاها و هو يجمع المال و هو كل مايستطيع تقديمه .." لم ينهِ كلامه و احسست بأني اقترب من معرفة شيء ما .
انا " هل والدك احد الاباء الذين يهملون ابناءهم و لا يفكرون الا في تلبية متطلباتهم المادية؟ هل يعقل انه لهذا السبب انت تحاول انهاء حياتك؟"
هو و قد استشعرت انني اخوض في مستنقع خطر قال بتوتر و استياء "انا لستُ غ*ياً كي انتحر لسبب تافه كهذا !"
انا "اذاً انت تعترف ان والدك كان مهملاً لك!.. و ايضاً تعترف بأنك كنت تحاول الانتحار !"
اوقف الرجل السيارة و نظر نحوي و عينيه تشتعلان غضباً .امسك بذراعيّ و هو يصرخ " انتِ صحفية أليس كذلك ؟ لمن تعملين تكلمي ؟"
لقد كانت قبضته حولي تؤلمني, كانت ذراعي مصابة بسببه و لكنه لم يبالي لحظتها .كنت اشعر بالخوف .
سريعاً أرخى يديه و انا دفعته بعيداً عني بينما اقول " انا لست صحفية ايها المجنون! و دعني اخبرك شيئاً لقد قلت انك لم تنتحر لسبب غ*ي ؟ دون ان اعلم سببك انا متأكدة من انه غ*ي لأنه لا يوجد مهما بحثت َسبب يدفعك للاستسلام عن الحياة دون ان يكون سبباً غ*ياً "
عندها نظرت خارج نافذة السيارة لأعلم انه توقف لاننا كنا قد وصلنا الى المكان بالفعل, كان ذلك قريباً!
لم افكر اكثر , و دون شكراً او حتى وداعاً خرجت من سيارته و هو لم ينتظر حتى دقيقة اخرى , غادر المكان بسرعة البرق بسيارته الرياضية باهظة الثمن .
مشيت جيئة و اياباً امام المبنى ابحث عدة مرات لم يكن هنالك اثر لاشيائي .جلست منهكة على الارض و انا اتندم و ألعن نفسي وانا افكر انه ربما ان كنت لم استفز ذلك الانتحاري ذو الطبع الحاد ربما كان ليساعدني في تلك اللحظة. لكن لم يكن هنالك جدوى من الندم.
نهضت عندها و سألت عن اقرب مركز شرطة .ذهبت لاسأل ان كان احد قد سلمهم اشيائي بعد ان وجدها على الارض . و النتيجة المتوقعة كانت لا , بعدها اخبرني الشرطي نصيحة متأخرة ان انتبه لاغراضي من اللصوص!
بعد ان انهيت بلاغ اختفاء هويتي , حاول الشرطي مساعدتي بعد ان قلت له انني وحيدة في المدينة و لا اعرف احداً فأخبرني ان بإمكاني الاتصال بأحدهم لمساعدتي .
مهما حاولت لم استطع تذكر رقم والدتي و هي الشخص الوحيد المقرب الي كوني لم اكن املك اصدقاء بسبب تنقلي الدائم. بدأت أشتم في نفسي امي التي تغير رقمها باستمرار . غادرت المكان بعد ان اعطاني الشرطي عنوان ملجأ المحتاجين كما وصفه و اقترح علي ان ابقى هناك حتى اجد طريقي.
عندما سألت احد المارة عن مكان هذا الملجأ كانت صدمتي انه قال انه يبعد ساعة كاملة مشياً على الاقدام . كنت مرهقة و متعبة و بقدمي المصابة كان صعباً ان اصل الى هناك سيرا على الاقدام.
لم يكن امامي حل سوى ان حاولت استذكار الطريق الى المشفى الذي اخذني اليه الرجل الفظ لابتز الطبيب الذي بدى على معرفة شخصية بالو*د الذي سبب كل تلك المشاكل لي .
بعد ربع ساعة من المشي البطيء كنت امام ذلك المشفى, كنت شاكرة لله لانني امتلكت ذاكرة للخرائط قوية تطورت عبر الزمن نتيجة لترحلي الدائم اوصلتني الى المشفى .
تجادلت مع الممرضة في مكتب الاستقبال , حيث **مت انني مريضة و يجب ان يكون لدي موعد ليراني به الطبيب الذي تذكرت اسمه جيداً " هيدسون" و مهما حاولت الشرح لها لم تتفهم فانتهى بي الامر انتظر في الردهة خروجه .
مرت اكثر من ساعة قبل ان ألمح الطبيب هيدسون يتوجه مغادراً . قفزت بسرعة امامه و كان مندهشاً لرؤيتي .لحسن حظي لم يكن فظاً كصديقه الذي اخبرني ما ان رآني " مرحبا ! لماذا انتِ هنا هل بيتر تذكر الدواء ؟" لم اعلم عماذا كان يتحدث , لكني كنت مرتاحة بعد ان عرفت اسم الفظ المكتئب : " بيتر"
استمع الطبيب الى قصتي كاملة بتفهم ثم قلت له و انا اهدد واتوعد " انا لن اتكلم الى الصحافة بشأن ما حصل لاني اعلم كم يخشى بيتر ذلك , فقط ان اعطيتني ثمن المواصلات "
انفجر الطبيب هيدسون ضاحكاً و بعد ان سيطر على جنونه قال معلقاً عليّ " انتِ لا تستطيعين ان تكوني شريرة حتى و ان حاولتِ.أليي كذلك؟..هههه.. ثمن المواصلات! " و عاد للضحك.
شعرت بالاهانة و بالاستياء قبل ان يدرك ذلك و اخذ يعتذر ثم يقول " والى اين تعتزمين الذهاب في وضعكِ هذا ؟"
انا " لقد اعطاني الشرطي عنوان ملجأ ما .. لقد قال انه من الافضل ان ابقى هناك .."
قاطعني هدسون " لا لا .. هذا ليس الشيء الصحيح بعد كل شيء قمتِ به لاجل بيتر, انتظري هنا قليلاً "
قالها و ذهب مغادراً .عندما تأخر فكرت انه و لا بد قد هرب ! كم كنت وقتها اشعر بالاهانة لطلبي مبلغاً تافهاً من احدهم كالمتسولة و فوق كل هذا كان الطبيب البخيل قد هرب مختفياً .
بعد ان يئست وقفت مغادرة انا أيضاً. كنت امام باب المشفى عندما توقفت سيارة بعنف امامي كما لو كان استعراضاً خطيراً بالسيارات مثل الذي نشاهده في التلفاز. و خرج وجه مألوف من السيارة يتجه نحوي بسرعة "بيتر"!
شعرت بالخطر و تلك النظرة الغاضبة على وجهه تكاد تلتهمني حية .عدت خطوات قليلة نحو الوراء لاشعر بكف احدهم على كتفي يوقفني ألتفت لارى من ورائي الطبيب هيدسون يقول موجهاً خطابه للدب الغاضب الذي كان قد توقف امامي و بدأت اشعر بطاقته السلبية تجمدني في ذلك المساء "جيد انك اتيت بسرعة, فالانسة جاين تحتاج للراحة , هاك لا تنس اخذ ادويتها المهدئة للألم "
جر بيتر الطبيب الى زاوية لم اتمكن فيها من سماعهما و بعد بعض الوقت عادا معا و قد هدأ قليلا بيتر.
دفع هيدسون كيس الدواء في ص*ر بيتر و اعطاني بطاقته و هو يقول " لقد اتفقت مع السيد بيتر بأنه سيهتم بكِ الى ان تستعيدي بطاقاتكِ .ارجوكِ انسة جاين اتصلي بي في حال اساء التصرف , و تذكر ان لم تكن مستعداً لتحمل مسؤولياتك فقط سأجعل الرئيس باركر يعلم "
وجه اخر جزء من خطابه الى بيتر الذي كان قد استسلم بالفعل لاوامر هيدسون مما منحني الشعور بالامان.
كذلك شعرت بالامتنان الشديد لما كان هيدسون يفعله من اجلي. وقفت امام بيتر الذي كان صامتاً هو ايضاً و بدأت اشعر بالغرابة عندما قلت " دعنا نتعرف بشكل لائق مرحباً انا جاين , شكراً لاهتمامك بي مقدماً "
مددت يدي لاصافح يده التي امتدت و قال "انا بيتر..."
ترك كلامه معلقاً في الهواء دون انهاء جملته . ادركت ان القدر كان قد جمعنا لحظتها لاساعده بطريقة ما لينهض على قدميه مجددا ويتوقف عن التفكير في انهاء حياته ، كنت عازمة بالفعل على فعل اي شيء لابعده عن طريق الاستسلام .
علمت ان امامي الكثير لتخطيه لاساعد هذه الروح اليائسة من الحياة كي تملك املاً جديداً ... ذلك كان اقل ما يمكنني عمله كوننا كنا بالفعل قد اصبحنا معاً .
©ManarMohammed