- مش هنام هنا يلا نمشي، عشان نروح بيتنا عند بابا انا ماليش دعوه بقى يلا هيه.
بكت إيمان وأخذت إبنتها بين ذراعيها، ضمتها لص*رها قائله:
-طيب بصي إحنا هنام دلوقتي، ان شاء الله نروح عند بابا بكرا الصبح
كانت الليلة الأولى لإيمان في بيت والدها، طويلة بعدما نامت ابنتها جنى بعد عناء
في اليوم التالي أحسَّت إيمان بأن حياتها عادت إلى سنوات بعيدة، لتجد نفسها تتولى شئون المنزل بأكملها، ذلك حسب أوامر والدها، الذي حذر وأنذر بالنيل منها، إن لم تنفذ ما أمر به، ليتملك منها الأجهاد والتعب يوماً بعد يوم، ما هون عليها ذاك التعب هو معاملة البعض لها بمنزل والدها بالحسنى.
ذات صباح تفاجأت إيمان بابنتيها سحر و بسمله أمامها، لتخبرها سحر بأنها تفتقدها كثيراً، وتتمنى أن تعود لتبقى معهم كما كانوا، ما أن رأو شقيقتهم جنى حتى أحتلت وجوههم السعادة والفرح، ذهبت إيمان سريعاً لتطهو لبناتها طعامهم المفضل، جلسوا بعضهم مع البعض يأكلون بنهم، ليمر الوقت سريعاً عليهم، يغادروا لتتكرر زيارات الفتيات لوالدتهم، فهوَّنوا على إيمان فقدها لهم، لكن دوام الحال من المحال، بعد الزيارات المتكررة بدأ التغير يصيب الجميع، فقَّل مجيء الفتيات دون اسباب.
ليعوض عليها تغير بناتها عليها، إتصال شقيقها حامد بها من السعوديه ليطمئن عليها قائلا:
-إزيك يا إيمان عامله ايه، انا والله لما بابا قالي انك اتطلقتي ماصدقتش، اتعصبت وكنت عاوز أنزل مصر، علشان اشوف الموضوع دا بنفسي، بس للأسف الضغط ارتفع معايا وسببلي حالة إغماء، اصحابي ودوني المستشفى، الدكتور هناك حذرني من أزعل بس أعمل إيه مش بايدي إني أشوفك في الحال دا، حاولي متزعليش يا إيمان وتقبَّلي الوضع وأدعي ربنا يعوض عليكي، حياتك اللي فاتت مع جاد دا نصيب ومحدش فينا يقدر يهرب من نصيبه.
أجابته إيمان وهي متأثره بحزنه عليها، كانت عيونها مليئه بالدموع، لكن كانت تُظهِر ع** ذلك قائله:
-اللهم آمين ياارب، دا نصيبي و انا راضيه به انا اللي فارق معايا بس غياب و فراق بناتي عني
سمعت والدتها حديثها مع شقيقها فجلست و ابتسمت إبتسامة سخريه
-ماتحلميش كتير وبلاش تحطي أمل في الخروج من البيت دلوقتي خالص لان الله اعلم هيجي نصيبك امتا انتي و حظك بقى احتمال تقعدي معانا ستة شهور أو أكتر انتي و حظك بقى.
تعالت ضحكة والدتها الساخرة لتزيد من إحساس إيمان بالالم ولكنها لم تقف ساكنة امام كلمات والدتها فأجابتها بتخوف وسألتها
-يعني إيه الكلام اللي انتي بتقوليه لا أنا مش ها اقدر اقعد هنا كتير كدا انتو لازم تتصرفوا و تشوفولي عريس كويس خليني اخلص بقى مش خرجتوني من بيتي و ضيعتوا مني عيالي عشان تجوزوني
كانت ملامح السخرية مرسومة فوق وجه والدتها التي لازالت تضحك بتهكم لتقول:
-واحنا بأيدينا حاجه يا بنتي و معملناش ربنا يبعتلك ابن الحلال و تحلى عن سمايا النهارده قبل بكرا
لم تعلم إيمان بأنها ستبقى برفقتهم بدل اليوم أيام وشهور طويلة عاشتها كأنها سنوات مظلمة لمست خلالها الحقد بنفوس المحيطين بها وعانت جبروت والدها وقسوة قلب والدتها ورغم ذلك حاولت أن تتأقلم وتتعايش بينهم ولم تدري ما الجديد الذي تخبأه لها الأيام
قررت جَدة إيمان السفر إلى المدينة مستعينة بسيارة ابن عمتها ليقرروا جَدتها وجَدها أن ترافقهم هي وطفلتها بتلك السفرة، لتخفف عنها حدة ما تعيشة على يدا والديها ، لم تكن سعادة إيمان بالسفر سعادة خاصة بها على قدر ما كانت سعيدة من اجل طفلتها جنى التي اتسعت ابتسامتها التي تبدلت خلال ساعات من الحزن والبكاء إلى المرح والسعادة والضحك
و ما أن عادوا إلى منزل والد إيمان حتى عاد الحزن ليخيم عليهم وبكت جني:
-عايزه اروح عند بابا يلا نمشي من هنا إحنا رجعنا هنا تاني ليه
كثيرا ما لجأت إيمان للكذب على ابنتها جنى كي تهدأ من روعها وحزنها، وتضمن بقائها صامتة خشية التعرض للتعنيف من قبل والديها خاصة والدها، الذي كان يهدد ويندد ويخيف جنى، وتابعت إيمان معيشتها بمنزل والدها الذي أهتم بتجارته الصغيرة فكان يبتاع صغار الدجاج الفراخ الصغيرة، ويضعها بحظيرة خاصة ليعتني بها ويرعاها ويهتم بمأكلها ومشربها لتنمو إلى دجاج يافع يبيعه بسعر مضاعف، واستغل الوالد وجود ابنته المطلقة وأوكل إليها أمر العناية بتلك الفراخ الصغيرة كانت تنظف مكان منامهم وتهتم بكل صغيرة وكبيرة، دون أن يعطيها والدها أجراً ولو زهيداً نظير عملها معه، وليت الأمر توقف عند هذا إنما أصر والدها على سلبها ما يرسله جاد لابنته جنى كل شهر، ليطير من بين يداها مبلغ الثلاثمائة جنيه لتبقى هي بين العوز والحاجة بلا سند أو مُعيل لها فوالدها يضن عليها بأموالها، ووالدتها لا تهتم ولا تسأل كأن ايمان ابنة امرأة أخرى، حتى أحتياجات جنى لم يضعها أياً منهم بحسبانهم ولم يراعوا صغر سن جنى وأنها لن تتفهم ما يفعله الراشدون، فهي دوما ما تقان ما تفتقده بمنزلها بما تعانيه بمنزل جدها.
لتزداد الأمور توتراً وسوءً حين تعرضت مروة شقيقة إيمان إلى كــسر بساقها، فوجدت إيمان مقسمة بين رعاية منزل والديها ومنزل شقيقتها ودجاجات والدها، لقد أنهكت قواها وكأنها خلقت من حديد لا ينصهر استغلوها إلى أقصى درجة، ما بين تنظيف هنا وإهانات هناك وجلي أواني بمنزل شقيقتها وترتيب منزل هناك وبأحد الأيام، وكعادتها اتجهت إيمان إلى منزل شقيقتها مروة لترتب لها منزلها وتراعيها بعدما أنهت ترتيب منزل والديها على أكمل وجه، وبدون وعي منها وبتلقائية ظنت إيمان أن بإمكانها طلب أي شيء من شقيقتها حتى وإن كان بسيط فقالت وهي تجلس إلى جوارها بعدما رتبت لها بعض الطعام لتأكل
-إيه رأيك يا مروة لو تتصلي بجوزك وتقوليله يشتري نسكافية معاه وهو راجع يعني نشربه مع بعض زي زمان ونتكلم سوا
قاطعتها مروة بنبرة حادة وكلمات قاسية جافة مليئة بعجرفة وكأن من تحدثها هي غريبة تماماً عنها وقالت بسخط لتهينها
-نعم يا حبيبتي! انتي عايزانى اتصل بجوزي اقوله هات كذا لإيمان مخصوص؟ لا طبعا مش هتصل بيه و لا هقول له يشتري دا و دا لأختي، بصي اللي موجود هنا في البيت اشربي منه وخلاص ولو مش موجود ما تطلبيش إنتي مش هتتأمري علينا.
صدمتها كلمات مروة فأحست إيمان بخيبة الأمل ودمعت عينيها وقالت بصوت متألم
-في ايه يا مروة هو أنا طلبت إيه يعني علشان تردي عليا بالشكل دا ياه دا انا ماكنتش اعرف انك جاحدة كدا وبعدين إنتي إزاي تسمحي لنفسك تكلميني بالطريقة دي هو انتي مفكره إني هاخده معايا و انا مروحه!
لم تهتم مروة لما أصاب شقيقتها من حزن فكانت نظراتها إليها جاحدة فعقبت على كلمات إيمان وقالت
-انا قولتلك ردي و خلاص انتهينا و اقفلي الموضوع دا
و رغم ان مروة هي الشقيقة الصغرى إلا إنها عاملت إيمان بأحتقار ودونية لتعود إيمان إلى منزل والديها وهي تشعر بالمذلة ، لتقص إيمان على والديها ما دار بينهما وبين شقيقتها مروة من حديث بتعقب والدتها عليها قائلة
-متزعليش نفسك يا إيمان هي مروة أختك على طول كدا لسانها متبري منها أقولك خلاص متروحيش عندها تاني ولما تتصل مترديش عليها.
ما أسهل الكلمات ولكنها لا تمحي عن القلب أحساس الأهانة والألم وعلى الرغم من ذلك أجابت إيمان وأخبرت والدتها عما تشعر به
-أنا بعمل معاها خير و هكلمه للآخر مش هسيبها غير لما تروق و ربنا يسامحها على اللي قالتهولي.
بعد قليل من الوقت أتت شقيقتها عفاف لتراهم وأخبرت والديها بانها ستذهب للأطمئنان على شقيقتها مروة فرافقتها إيمان وما كادت تطأ بقدميها منزل مروة حتى أسرعت مروة ووقفت وبدت وكأنها معافاة تماماً لتقول بصوتٍ حاد لإيمان
- انتي جايه تعملي ايه انا مش عايزاكي تعمليلي حاجه دا انتي بوظتي لي الغسيل زي ما تكوني قاصدة تغسلي الأبيض مع الأ**د و الشقه مش نضيفة و مكركبه انا هعمل شغل بيتي بنفسي مش عايزاكي تعمليلي حاجه
استمعت عفاف لكلمات مروة المهينة بحق إيمان ولم تعقب لتزداد قهرة إيمان بسبب شقيقاتها وحدقت بهما سوياً بدهشة وهي لا تستيطع أن تصدق أن تكون تلك هي مأزرة أخواتها لها بمأساتها فقالت
-هيا دي كلمة شكرا بعد خدمتي ليكي يا مروه عموما الله يسامحك، أنا حقيقي مش مصدقة إنتم إزاي أخواتي دا مافيش واحدة فيكم طيبت خاطري وقالت لي كلمة واحدة تواسيني بيها عموما أنا هدعي ربنا إن اللي جوايا دا مافيش واحدة فيكم تجربه علشان إحساس الطلاق مُر زي العلقم وبيوجع القلب وحقيقي المذلة الأكبر مكنتش من الغريب قد ما كانت منكم إنتم يا اخواتي.
تركتهم إيمان تنوي العودة إلى منزلهم و حسرتها بقلبها وهي خارجه من المنزل أوقفتها مروه قائله
-لما تروحي البيت ياختي ابقى وصلي لبابا رسالتي ليه
عادت إيمان و روت لوالدها رسالة شقيقتها ليكون رده عليها جافاً قاسياً بقوله
- وانتي بقى شمتانه فينا، ماصدقتي انها قالتك كدا، فقولتي لنفسك تقوليلي وتولعيها حريقه.
فُزعت جدا إيمان من رد فعل والدها معها، و صاحت صياحا شديدا في وجهه:
-ازاي يعني مش فاهمه يعني ايه شمتانه فيكوا هو انا مش بنتك و لا إيه! و اختي اللي قالتلي اقولك كدا.
ارتفع صوتهم و خرج والدها من الحمام، ضربها بعصا من حديد فوق يدها امام ابنتها جني و هي واقفه تغسل الأطباق، فصاحت إيمان بأعلى صوت قائله:
- انت لو عدويِ مش ها تعاملني كدا، انا مش عارفه ألاقيها منين ولا منين، حرام عليكوا إرحمني، كفايه إل انا فيه.
كانت والدة إيمان قد وضعت قدراً به ماء فوق الموقد وبجواره قدر أخر به الطعام يغلي فأسرعت إيمان وقبضت على سكين حاد قطعت به شريان يدها بعدما يأست من حياتها تلك، وأطاحت بيدها الأخرى بعدما ألقت السكين أرضاً بالأواني بوجه والديها وشقيقها أحمد، هرولت إيمان إلى الخارج ولكن شقيقها كان أحمد الأسرع فأغلق الباب الرئيسي بمفتاحه حتى لا تفر شقيقته إلى الخارج، ويراها الناس وحاوطت والدتها مكانها حتى قبضت على يدها وضغطت فوق جرحها بقطعة من القماش لتصيح بها:
-قومي معايا إلبسي عبايتك وروحي الصيدلية خلي الصيدلي اللي هناك يشوفلك الجرح دا بسرعة قبل ما يتلوث ولا يجرالك حاجة.
رفضت إيمان الذهاب وحاولت الفكاك من بين يدا والدتها ووقفت جنى بأحدى الزوايا تبكي على ما حدث لوالدتها، لتحدق إيمان بوجه والدها بكراهية وازداد إحساسها بالنقمة عليه لتبغضه أكثر مما كانت، لتنصاع أخيراً بعدما شعرت بالخوف على ابنتها الصغيرة وذهبت إلى الصيدلية وما أن رأى الصيدلي يدها حتى سألها بريبه:
- ممكن أعرف الجرح دا سببه إيه؟
أجابته إيمان بحزن وألم:
-اصل أنا كنت بنظف دجاج و السكينة، جرحت إيدي بدون ماأقصد.
فنظر الصيدلي لإيمان بدهشه ليحذرها بقوله:
-طيب متبقيش تنظفي فراخ بعد النهاردة بالشكل دا علشان الجرح دا محتاج مستشفى لازم يتخيط.
استمعت إيمان لكلام الصيدلي و ذهبت للمستشفى و نزلت الإستقبال و قالت للممرضه و هي تُريها الجرح
-انا عايزه اخيط الجرح دا لو سمحتي
فنظرت الممرضه لجرح إيمان و بعدها نظرت لوجهها قائله
-طيب ممكن تدخلي الغرفه و انا جايه ورائك
دخلت إيمان و جلست على السرير ثم جاءت الممرضه لكي تخيط لها بعدما طهرت الجرح بتادين، و سألتها نفس سؤال الصيدلي عن سبب الجرح، و لكن إجابتها لم تعجب الممرضه و هي تضحك لتخفف عن إيمان:
-طيب بلاش بعد كدا تنظفي فراخ علشان مش كل ما مشكله تحصل لينا ننظف فراخ ها فهماني طبعا.
تنظر لإيمان و تضحك ضحكة حزينه، خيطتها لها الممرضه أربع غرز و بعد انتهاءها:
- كل أسبوع تيجي عشان نغير على الجرح و ممنوع إستخدام الميه لحد الجرح ما يطيب
أجابتها إيمان و هي تتألم
-حاضر ان شاء الله ها أجي
عندما ذهبت إيمان إلى البيت قابلتها والدتها على باب الشقه قائله:
-كل دا في الصيدليه؟
فنظرت لها إيمان و هي متعبه:
-كنت في المستشفى بخيط الجرح اربع غُرز
فقالت لها والدتها باستخفاف بالموضوع
-هو كان مستاهل الخياطه يعني؟
تركتها إيمان تتحدث و دخلت الي غرفتها مع ابنتها و اغلقت عليهم الباب لثاني يوم.
في هذه الفتره تحدثت والدة إيمان معها عن ابن عمتها:
-في لينا قرايب عايشين في السويس و ليهم ولد اسمه محمود، كان متجوز و معاه بنتين و انفصل عن مراته، الوقتي بيدور علي عروسه وأمه إتصلت بباباكي عشان تخطب أختك مروه من سنه فاتت، لكن أبوكي قالها ان مروه صغيره جدا و لسه بتكمل تعليمها، فانتي ايه رأيك اتكلم مع باباكي يتصل بيهم ويقولهم ان عندنا بنتنا الكبيره مطلقه و نشوف يمكن يحب يجي ويشوفك، ويعالم يمكن يحصل نصيب وتعيشي في السويس؟
أجابتها إيمان ب دهشه
-و انتي لسه جايه تقوليلي الوقتي فينك من يوم ما إطلقت و جيت عندكوا؟ عموما معنديش مانع اشوفه يمكن يعجبني و أعجبه
بالفعل إتصل و تحدث معهم والدها و كأنه بيتصل مكالمه عاديه، بالصدفه عرف من أخته سناء أن محمود في المدينه زياره عند أقاربه و انهي المكالمه و بعد دقائق جاءه مكالمه من محمود نفسه:
-انا ان شاء الله هكون عندكوا بكرا عايز اقعد معاك شويه قبل مااسافر، وحشني و الله يا عم رضا ما شوفتكش من زمان و وحشتني قاعدتك
عندما أتى و جلس مع والدها، أعدّت له والدتها الفطار و نادي عليها لتجلس معهم، انبهرت إيمان بملامحه في البدايه و كلامه كان شويه اتيكيت دعيت ربها
-يارب يحصل نصيب و اعجبه زي ما عجبني، عشان امشي من البيت دا بقى.
تحدثوا في بعض الأمور بدأ محمود بالكلام:
- إنتي لهجتك شبه بنات المدينه
أجابته إيمان بإبتسامه رقيقه:
-عادي دي لهجتي ويمكن بيقولوا اني بتدلع عن لغة الفلاحين بس مش عارفه لان دي طبيعتي.
غادرت إيمان و تركته مع والدها، حين عاد لبلده، بعدها بيومين اتصلت عمتها سناء بوالدها:
-د انا كنت فاكره انه هايشوف الصغيره البنت بنوت
أجابها والد إيمان:
-لا طبعا الصغيره دي كانت بنت بنوت، الوقتي متجوزه
ومعاها اولاد
ردت عليه أخته سناء:
-تمام ربنا يسعدهم ياحاج رضا، كل شي قسمه ونصيب.
عندما عرفت إيمان رد عمتها تعصبت جدا وثار غضبها.
صارت إيمان في المطبخ وأعدّت فنجانين من الشاي، جلست لتخاطب والدتها محاولةً الا تُظهِر إكتئابها وإستيائها:
- يعني هو البعيد مابيشمش هو مطلق ومعاه بنتين و مفيش عنده بيت و لا شغل، وكمان بيتجرأ و عايز يتجوز بنت بنوت! على رأي المثل رضينا بالهم و الهم ما رضيش بينا.
تعصبت إيمان من رفض محمود لها، لكن كانت تحاول أن تظهر الع** لمن حولها، مرت الأيام فكانت تذهب للمستشفى لتغير على الجرح و تتمشى هي و ابنتها ،
ففي يومٍ اتصل بها رقم غريب لم تعرفه، فإستقبلت المكالمه سمعت نبرة صوته غِلظّه و يريد التعرف عليها، اوقات كانت تسمعه وكانت تهزأ به، اوقات كانت تعطي التليفون لوالدتها تتحدث هي معه، كان دائما يتصل في اليوم مائة مره و لم يمل إطلاقا، أحبّت إيمان إصراره على التحدث معها:
-شوف يإبني بقى من غير لف و دوران انت جايب رقمي منين، وما تقوليش صدفه لان دي حركه مكشوفه اوي؟
أحسّ أحمد أنها أوشكت على الخضوع اليه فأجابها مبتسم بصوت ناعم:
-هتصدقيني لو قولتلك انه في البدايه كان بالغلط، لكن لما سمعت صوتك حبيت اوي أتعرف عليكي وأتكلم معاكي
إنتاب إيمان إحساس بأنه صادق عندما عرف انها من قريه هو يعرفها حق المعرفه فأخبرها انه يذهب إلى قريتها كل أسبوعين، سَعِدَتْ جدا لإنها إحتمال أن تراه.
قاطع أحمد حبل أفكارها :
-على فكره أنا بوزع في بعض المحلات في بلدكوا بسكوتات و شيكولاته
أحسّت إيمان بالسعاده عندما سمعت منه هذا الخبر و تأكدت أنها ستراه للمرة الأ ولي ، شردت بخيالها و لكن وجدت أحمد يحادثها:
-ينفع لما أنزل البلد عندكوا أشوفك و نتكلم شويه؟
إبتسمت إيمان وجاوبته مسرعه:
-انا بروح المستشفى كل يومين بعد العصر
أحسّ أحمد بقبولها الحديث معه فطلب منها مسرعا قبل أن تُغير رأيها:
-طيب تمام جدا كدا إيه رأيك أقابلك هناك ونتمشى شويه بالعربيه هكون فرحان اوي
أحسّت إيمان أنها عادت بالعمر خمسة عشر سنه، كأنها في فترة المراهقه وستقابل أول حبيب لها، كان إحساس ممتع حقا لها فجاوبته بكل جرأه و سعاده:
-تمام أشوفك بكرا ان شاء الله بعد العصر
في اليوم التالي ذهبت إيمان الي المستشفى لتضميد الجرح وكانت تهوى الخروج من المنزل بحجة التغيير على الجرح.
حينما كانت الممرضه تُغير لها على الجرح وجدت أحمد يتصل بها:
-انا واقف قدام المستشفى مستنيكي، هتخلصي إمتا؟
كانت متلعثمه أن تستقبل المكالمه والموجودين معها بالغرفه يحسوا بتوترها، لكن كانت لابد أن تفتح و تتحدث معه لكي لا يعتقد انها ليست بالمستشفى، و يذهب دون أن تراه و يراها فجاوبته إيمان بتوتر وقلق:
- خلاص كلها بس خمس دقائق و هخلص
إرتعبت إيمان أن تخرج لكي لا يشاهدها أحد و هي واقفة معه، لكن كان لابد أن تخرج من المستشفى ، عندما خرجت و إتصلت به لترى من هو في الواقفين أمامها.
وجدت شاب صغير في العمر لكن طويل القامه و وسيم جدا و عيونه عسلي يقترب منها و معه الهاتف على أذنه و إذ هو يتحدث معها؛
شردت إيمان' مع نفسها
- ياخبر عليا لو كنت اعرف انه بالجمال دا كنت لبست احلى من كدا، انا كدا قدامه واقفه شبه مامته لابسه عبايه سمرا و طرحه عاديه و معايا بنتي جني.
تفاجأت به يبتسم لها:
-ممكن تركبي العربيه نتكلم شويه و هرجعك للمكان اللي تحبيه ثاني، لإن ماينفعش نقف كدا و الناس بتبص علينا
إستقلت إيمان معه السياره دون تردد وهي تتحدث مع نفسها لتقنع نفسها بأن ماتفعله لا يدعو للخجل:
-انتي مطلقه يعني حره ايه يعني لما تتكلمي مع راجل و تخرجي معاه، إطمني كدا و ما تخافيش من حد و إجمدي
توجهوا للمدينه يتحدثوا و يدوروا بالسياره على الطريق، تملّك منها الخوف وإرتعبت أن تتأخر على أهلها لكي لا يشكوا في تصرفاتها قائله:
-لو سمحت لِف و إرجع البلد عايزه أروح عشان ما أتأخرش
توجه بها إلى أمام المستشفى واودعها قائلا:
-أنا هتصل بيكي بالليل إوعي تنامي بقى و تطنشيني زي كل ليله
نظرت له إيمان مبتسمه و نزلت من السياره و ذهبوا كل أحد منهم في اتجاه، طوال الطريق لم تقتنع إيمان انه سيعاود الإتصال بها بعد أن رآها.
تفاجأت به في المساء عندما كانت ذاهبه الي السرير لتنام، يتصل بها فأحسّت أنها طائره من السعاده لكن ترددت ان تستقبل المكالمه، خصوصا ان أُسرتها بعدهم مستقيظين و هي تنام مع أخيها في نفس الغرفه، كان مستيقظ أيضا فلم تعرف أن ترد عليه، و وضعت هاتفها على وضع الصامت و كانت تحب ان تفيق من نومها و تري مكالمات فائته كثيره و رسائل أيضا.
لكن إيمان فكرت انه لابد أن يكون لها غرفتها الخاصه بها، قررت ان تنقل السرير في غرفه أخرى و تنقل ما يوجد في الغرفه الأخرى في غرفة أخيها، تناقشت مع والدتها في ذلك الأمر بجديه قائله:
-ماما انا اتخنقت من النوم في الأوضه معاكوا ديقه كدا، وانا عايزه أنقل السرير بتاعي في الأوضه الفاضيه واسيب الأوضه دي ليكي إنتي وأحمد اخويا.
أجابتها والدتها بلا مبلاه قائله:
-ماتعمليش حاجه وما تنقليش حاجه من مطرحها أحسنلك، لان ابوكي هيتخانق معاكي، واحنا ماصدقنا انه نسي المشكله القديمه
أحست إيمان بأن والدتها تثير أعصابها و تضايقها ببرودها قائله:
- انتي بتنامي مع أخويا في السرير و سايبه سريرك و انا بتخنق من الزحمه وكمان انتي بتشخري طوال الليل مابعرفش انام منكوا.
قامت إيمان من مِقعدها و إسترجعت قوتها، بدلت أماكن كل شئ في الغرفتين و آثار غضب والدها، عندما أتى من الخارج كانت على وشك الانتهاء من ترتيب الغرف و تشاجر معها أمام والدتها و أخيها:
-إيه ال انتي عملتيه دا، انتي ما بتسمعيش الكلام ليه يابنتي؟ طب يلا عشان يومك يعدي زي ما نقلتي السرير، ترجعي كل حاجه مكانها تاني
تشاجرت معه إيمان وضاقت نفسها و حزنت من فكرته السيئه عنها التي لم يريد أن يغيرها على الإطلاق قائله:
-أنا مش صغيره و معايا بنتي لازمني أوضه لوحدي و كمان مش بعرف انام من شخير امي طوال الليل و بعدين الأوضه اللي انا هكون فيها في نفس الشقه معاكوا مش في مكان تاني يعني.