في قصر الفولاذ توتر اورهان هو ايضا من توتر فضيلة و ريحان التي بدأت بالاتصال بزوجها رغم اخبارها انه لم يصل بعد و انه تبقى القليل على هبوط الطائرة
و مع مرور الساعات وعدم التمكن من الوصول لأمير اضطر اورهان على الاتصال بأحد أصدقائه العاملين في المطار لكي يطمئن على وضع الرحلة و سبب تأخر هبوطها
لم يرد عليه اول الامر و عند رده اعتذر منه بانه سيعاود الاتصال مرة اخرى لوجود امر هام و اغلق قبل ان يتحدث اورهان او يرد عليه
نظر أورهان لريحان وهو يقول " اهدئي يا ابنتي لا يوجد شيء سيفتح هاتفه بعد قليل انت تعلمين حالة البلد من الممكن ان تكون شبكة الاتصال ضعيفة"
استمرت ريحان بتكرار الاتصال حتى اتى الاتصال لأورهان من زهير ليبلغه بكل اسف بسقوط طائرة امير قبل وصولها للنيجر بوقت قصير
ليسقط الهاتف منه وهو لا يستطيع الكلام فلقد عقد ل**نه عن النطق
اخذت فضيلة الهاتف وهي تصرخ بالمتصل قائلة" ماذا حدث "
لتتسع اعينها هي ايضا لتسقط ريحان بمنتصف الصالون وهي تصرخ بإسمه منادية عليه " امير لاااااا امير لااااا لااااااا لاااااااااا اميررررررررر"
ان ارادت الحياة ان تعصفك و تقصفك و تنهيك لن تجد ما تفعله أكثر من حرمانك من روحك و حياتك و النفس الذي تحيا به
نعلم جيداً انها سنة الحياة بل فرض على كل انسان ننتظر تلك اللحظة بخوف و حذر من سرعة قدومها، و رغم إيماننا به الا ان الموت يطفئ ما تضيئه الحياة ، حتى لو نسينا و اخذتنا الأيام بعيداً وكان ما بينك وبين من افتقدته فراق بحجم مجرة سيبقى حاضراً في قلبك وذكرياتك ، تتمنى ان لو يأخذ أحدهم يدك إلى مدينة لا يزورها الفراق ، تتمنى لو عاد بك الزمان للبدايات ، حيث الذكريات و الحكايات فهناك ألف حكاية و حكاية ينسجها القلب قهراً وتألماً على فراق الأحبه ، احاول الهروب من ذكرياتنا سوياً لاجدني دون ان اشعر اختار احدها لأتلوها على قلبي كل ليلة لأواسيه بها حتى لا يقتله ألم الفراق فأن كنت اعلم انه سينتهي طريقنا بألم الفراق ما كنت بدأت به ، وما كنت سمحت لقلبي ان يتعلق بك ، ولكن كيف سأتحكم به وهو اول من تمرد علي لأجل حبك، فيا لها من دنیا عجيبة، تجمع بیننا ونحن بأسواء حالاتنا لا نعرف بعضنا البعض ، وتفرق بیننا بعد أن تعلقت و امتزجت قلوبنا وارواحنا ببعضنا البعض استرجع شريط حياتي معك لاجدني اتمزق اكثر واكثر ابكي اصرخ اتمنى ان لو لم تتقاطع طرقنا من قبل ، اتمنى ان لو لم اراك من قبل ، ياليت قلبي تمرد على حبك يا ليته ابعدني عن روحك و قلبك الكبير يا ليته لم يشعر بحنانك و عطفك ، يا ليتني انتهيت وتناثرت وتبعثرت قبل حبي لك
انهارت ريحان صارخة باسم زوجها " أميـــــر~امــيــر " لتنهار فضيله و تُرج جوارحها من هول الخبر من يرى أعينهم التي كادت ان تخرج من مكانها من صدمة وقوع الخبر عليهم ، ومن يرى انهيارهم وصرخاتهم واحتضنهم لتولاي و لي لي يعلم جيدا حجم ما تم فقده
واي فقد اكبر من فقدهم ، فهو أشبه بفقد الجسد للروح
بل بفقد الجسد للحياة كلها لتصبح بعدها كجثة هامدة مستلقية على فراشها بعد خسارتها لجنينها حديث التكوين
لم يكن الانهيار مقتصرا على ريحان فقط بل شمل وقصف العائلة بأكملها ، لا اكذب عليكم ان قلت لكم ان جميع من سمع هذا الخبر الصادم انهار وحزن لأجل امير
ولكن هذه هي الحياة وهذه هي الاقدار لا يمكننا الوقوف بنفس المكان كثيرا بكل يوم لدينا فقيد اما بالمرض او كما رأينا بالأخير اعمارنا تنتهي بمشيئة الخالق
و في قصره المخيف اتصل به سنان مساعده الخاص ليطلبه بشكل عاجل بغرفة المكتب، تحرك نعمان وخرج من غرفته التي وصلها للتو ليذهب لسنان على عجل فهو يعلم مدى جدية الامر حين يخبره بأنه عاجل
لم اتوقع حزن نعمان على من نعته بمتعجرف ، سأل مساعده هل هو متأكد من الخبر وكيف حدث ليفتح سنان هاتفه و يعطيه لنعمان كي يسمع بنفسه خبر سقوط الطائرة واسم أمير الذي توسط المنكوبين بها
جلس نعمان على مكتبه وهو يضع يده على فمه متذكرا اخته وهي فوق قصرها محتضنة زوجها وهي سعيدة وفرحة، اغمض اعينه ليتذكرها و هي تركض لتلعب مع طفلها الصغير هي وزوجها بحديقة القصر كان يتذكر فرحتها وسعادتها مع زوجها طوال السنوات الماضية
استأذن سنان وخرج من الغرفة ب**ت امام حزنه، ليفتح نعمان اللاب توب الخاص به و يفتح عليه الملف الخاص بمراقبة اخته و هو يشهد على سعادتها مع زوجها، تلك السعادة التي أجبرته على عدم الاقتراب منه واذيته بعد أن فرقة ومنعه من رؤية اخته
رأيت عيد ميلاد تولاي الخامس بمدينة الال**ب ورأيت امير وهو يحتضن زوجته ويدور بها، رأيت أكثر من مشهد لهم وهم اعلى القصر بجانب التمثال الفولاذي في حضن بعضهم البعض، ورأيت باحتفالات الشركة وبنجاحاتهم محتضنون سعداء ، كانت فيديوهات كثيرة مختلفة على مدار الثمان سنوات السابقة ، نعم مختلفة ولكنها متشابهة بنظرات العيون التي تعلقت ببعضها بحب وسعادة ، متشابهة في حضنهم وقربهم وضحكاتهم وأعينهم التي لم تلمع سوى بالنظر لبعضهم
رفع هاتفه واجرى اتصالا بصوته الأجش الحزين وهو يقول " لماذا لم تخبريني بأول الأمر ؟ "
بكت نصرة بحزن وهي تقول " اعتذر منك ولكن عقلي لم يصدق ما سمع "
تأثر بدموعها ليقول لها " كيف هي الآن ، ما وضعها "
وبحزن ودموع أخبرته نصره انها فقدت حملها من شدة الصدمة والبكاء و ان جميع من بالمنزل بحالة سيئة "
اختنق اكثر وهو يقول " هو ، كيف هو صغيرها "
لترد نصره بدموعها قائلة " الجميع منهار الاولاد بأحضان امها واجدادهم يحاولون تهدئتهم دون فائدة فهم منهارون اكثر منهم "
طلب نعمان من نصره صور لأخته كي يطمئن عليها، ولكنها اعتذرت منه لتخبط الوضع و سوء حالتها بعد ان علمت بالخبر فلقد عملت بقصر ستة سنوات لم ترى من امير والجميع سوى المحبة و الاحتواء
وبعد مرور اثنان وسبعون ساعة جاء اتصال لأورهان من جسور بيه احد المحامين الذي تم ارسالهم من قبل اورهان للبحث والتقصي خلف الحادث
ابتعد قليلاً بخطواته المتعبة عن احفاده وهو يفتح الهاتف قائلا بدون مقدمات و بصوت أنهكه الحزن " اسمعك جيدا هل هناك خبر جديد "
رد عليه جسور بيه قائلا " مع الأسف اردت ان لا أخبرك ولكن بالأخير ستعلم بهذا الأمر "
وبصوت ضعيف يعلوه نبرة الاختناق و الضيق والالم رد اورهان ليقول " هل تم ايجاد جثمانه ؟ "
تحدث المحامي واعينه مملوءة بالدموع قائلا " تم إيجاد هوية امير و ما يقرب لنصف جثمانه العلوي او اقل بمكان الحادث "
تدمر اورهان اكثر واكثر وضع يده على ص*ره وهو يفتح فمه يحاول ان يتنفس بهدوء و يستجمع نفسه لأجل عائلته الروحية ، ظن جسور انه انهى المحادثة دون اغلاق الهاتف ولكنه تفاجأ بسؤال اورهان له عندما قال " هل تأكدت بنفسك ؟ هل رأيته بنفسك ؟ "
رد جسور عليه قائلا " اعتذر لهذا الخبر ولكني لم اتصل بك حتى تأكدت من الامن حين اخبروني بثبوت وجود امير بيه من ضمن المنكوبين وايضا وجود ما تبقى من جاكيت طقمه الذي تم إيجاد هويته بداخله "
سقط الهاتف من اورهان وهو يحاول ان يلتقط انفاسه المختنقة ، وكأنه سمع خبر وفاته الآن فلا اعلم من اين جاء إليه كل هذا الامل بنجاته ، حتى أنه تمنى أن يكون حدث له أي أمر معا** مثل توقيفه من جهة الشرطة قبل صعوده للطائرة أو تأخره عنها و صعوده بطائرة أخرى
ولكن مع الاسف ذهبت هذه الآمال بعد هذا الاتصال ، والأصعب من هذا وبعد ساعات من الاتصال المحزن ، وبناء على طلب أهالي الضحايا تم عرض فيديوهات مسجلة لكاميرات المطار التي اذيعت على الهواء مباشرةً ، كفيديو صعود الراكبين الطائرة و فيديو اخر من هاتف احدى الضحايا داخل الطائرة و قبل سقوطها بثواني يحاول التسجيل لأبنائه و توديعهم، و ظهر بالفيديوهات وجود أمير وهو يصعد الطائرة والاخر وهو يتضرع لله بأيديه المرتفعة للأعلى
كانت هذه الفيديوهات قادرة على انهائهم بشكل كامل فحتى وان كان بهم روح بعد خبر وتأكيد الوفاة ، إلا أنهم بعد هذه الفيديوهات ورؤيتهم للحظاته الاخيرة تمزقوا و اصبحوا اكثر حزناً و قهراً و انهيارا
امتلأ القصر بالأهل و الاصدقاء لمساندة العائلة تفاجأت غمزة بسيارة شاهين تقف أمام القصر فشاء القدر أن يأتوا بنفس المعاد وكأنهم متفقون على هذا.
حاولت عدم الاهتمام والدخول دون انتظاره ، جاء صوته من الخلف وهو ينادي عليها ليوقفها ويسرع بجانبها وهو يقول لها " لا يمكننا التصرف وكأننا لم نعرف بعضنا من قبل "
ردت غمزه بحزن وقالت " نعم أنت محق ولكن الخبر جعلني افقد عقلي ، لازالت تحت تأثيره حتى الأن "
هز شاهين رأسه بحزن وهو يقول " اعطيكِ الحق، حاولت ان لا اصدق بأول الأمر ولكن بعد تأكيد الخبر لا علينا سوى الدعاء له "
تحركا سوياً بحزن و**ت للداخل متفاجئين بحالة ريحان فهي جالسة بالصالون وسط الاهل والاحباب صامتة مغمضة الأعين تبكي بحرقة كل ما يظهر عليها دموعها الحارقة التي تتساقط و انفاسها النارية التي تخرج من فمها كلهيب نار من فوهة البركان
جاءت غمزة لتقترب منها لتعزيها ولكن عمتها منعت اي احد من التحدث والتقرب لها كي لا تعود لبكائها وانهيارها ومناداتها على روحها و حياتها
أرسلت نصره عدة صور لنعمان لتمتلئ عيونه بالدموع على حالتها ، احتضنته زوجته من الخلف وهي تسند رأسها على كتفه تهون عليه حزنه بكلماتها الحنونة
وصلت هوليا لقصر الفولاذ بعد مرور أسبوع على الوفاة ، لتتفاجأ بها فضيلة أمامها تبكي وهي تحتضنها وتعزيها بغاليهم
رفضت لي لي الخروج من غرفتها والنزول لاستقبال والدتها، صدمت هوليا برفض ابنتها نظرت لفضيلة متسائلة " لماذا لا تريد رؤيتي ؟ "
وقبل ان ترد فضيلة أتاها ردها من الخلف بصوت ريحان وهي تقول " ليس رفض لشخصكِ، هي على هذه الحالة منذ أن علمت بالخبر ، تستطيعين الصعود لغرفتها ان اردتي "
تفاجأت هوليا من قوة ريحان و**ودها برغم وجهها الذي يفضح ما بداخله، فكانت تتوقع ان تجدها طريحة الفراش او جالسه جانباً تبكي فقيدهم
وبعد موافقة هوليا، نظرت ريحان لنصرة لتقول بقوة " اصطحبي هوليا هانم لغرفة لي لي "
وعند اقتراب هوليا منها وبصوت منخفض تحدثت قائلة " حزنت كثيرا على ما حدث ، بسلامة رأسكِ "
ردت عليها ريحان قائلة "انه القدر، شكرا لكِ "
تحركت هوليا لتكمل طريقها للأعلى بعدما انهت ريحان ردها عليها.
جلست ريحان امام فضيلة مستندة بضهرها على ظهر الأريكة تنظر للأمام متذكرة حديثة لها وهو مختنق و قلق يوصيها على ابنته وأن لا تتركها لأمها مهما حدث
سقطت دمعة من عينها الحمراء لتقترب فضيلة وتجلس بجانبها وهي تقول باعين تنظر للأعلى " هوني على نفسكِ يا ابنتي ، هوني على نفسكِ ان لم يكن لأجلكِ ، فلأجل ابناءكِ "
تحدثت ريحان بصوت يعلوه البكاء والحسرة والندم قائلة " كان قلبه يشعر بهذا حدثني كثيراً و اوصاني كثيراً يا ليتني لم ادعه يسافر ياليتني "
لم تستطع اكمال حديثها من تغلب بكائها عليه بالأعلى تمكنت هوليا من احتضان ابنتها الحزينة بعد ان شاركتها البكاء و التألم على والدها ، كانت هوليا تقول لها " سنداوي جراحنا مع بعضنا البعض لن اترككِ ، سنبقى سوياً حتى تتعافى قلوبنا "
بكت هوليا اكثر وهي تتذكر رقصاتها الجميلة مع امير ايام زواجها ، مسحت اعينها وهي تروي لابنتها كم كان حبهم كبير وكيف تعرفت عليه بالجامعة وكيف كانت امه تغار من حبهم حتى فرقت بينهم.
**تت هوليا عن بكاءها وهي تراقب طفلتها الباكية لتضمها اكثر بحضنها وهي تقول" لا تبكي يا عمري ، لا تبكي يا حياتي ، يا وحيدتي ، يا كل ما لي بهذه الحياة لا تبكي "
بالأسفل كانت فضيلة تهدئ ريحان وتقويها قائلة " لا يمكنكِ الضعف أمامها من الجيد ما فعلتيه معها كوني قوية لأجل ابناءكِ ، امسحي دموعكِ لنصعد لنرى بأي سم عادت إلينا هذه المرة "
ردت ريحان وهي تمسح دموعها وتستقيم بجلستها قائلة" لنتركهم سوياً ، لربما تحسن من حالة لي لي وتخرجها من عزلتها ، يا ليتني أجد قلب قوي يحنو على تولاي ويشد ازره بهذه الازمة ، فأنا لا طاقة لي بمساعدتهم "
نظرت فضيلة لها بشدة وهي تقول " هل ستستسلمين بهذه السهولة ، هل ستنسين وعدكِ له ، هل نسيتي ما فعلته هذه العقربة به وبنا جميعاً على مدار تلك السنوات ، هل ستنتظرين منها ان تسممها باسمها من جديد ، انسيتي بكل مرة كانت تأخذ ضالتها وتترك ابنتها خلفها تعصف و تتخبط من جديد "
ردت ريحان بتعب و انفاس كادت ان تتقطع لتقول" لا يمكنها تكرار افعالها وخاصة بهذا الموقف ، لا اعتقد انها بدون قلب لهذه الدرجة "
وقفت فضيلة وهي تقول لها بصوت غاضب " برافوو هذا يعني انكِ أعلنت استسلامكِ قبل أن تبدأ المعركة ، ان أتت بعد أيام لتأخذ ابنتها من بين يدكِ لا تحزني ولا تبكي "
نظرت ريحان نحو فضيله بصعوبة تألمها وهي عاقدة حاجبيها من شدة دوران رأسها لتقول " لي لي لن تتركني ، لا يمكنها أن تتركنا وتذهب لأي مكان "
حزنت فضيلة لوضعها وحالتها لتأخذ نفس عميق محمل بالألم ونار الفراق لتقول بعده" لا تكوني واثقه ، ما يدريكِ باي سم ستسمم الصغيرة وهي بأضعف حالاتها ، انسيتي انها لازالت طفلة ، وإن كانت كبيرة وشابة بهذه المراحل الصعبة بالحياة يكون القلب ضعيف ومتألم لدرجة أنه يمكنه التشبث بأي ضوء بسيط ينقذه من انهياره وألمه وحزنه "
وتحركت وهي تكمل حديثها " ولكني لن اسمح لها، لا يمكنها هدم ما بنيناه لسنوات، لا يمكنها تحطيم آمال ابني بحبيبة قلبه ".
نزلت هذه الكلمات على ريحان لتصعقها وتصدمها وتملأ قلبها رعبا على طفلتها ، تحركت وهي ممسكة برأسها تصعد خلف فضيله بخطوات بطيئة ، فهي قد أسقطت حديثا و بجانب ان الحزن جعل هذا الاجهاض أكثر صعوبة ونزفاً و سوءاً