الفصل الثاني

3673 Words
داخل كراچ القصر الذي حوى مجموعة سيارات خرافية .. همت "صفية" بركوب سياراتها ، و لكن أوقفها صوت "صالح" و هو يركض نحوها : -صافي .. صافي إستني ! تأففت بضيق و وقفت بمكانها إنما لم تلتفت نحوه ، فإضطر هو أن يدور حول السيارة ليصبح في مواجهتها : -إيه يا صافي ، علي فين من بدري كده ؟ .. سألها بإهتمام ، بينما نظرت للجهة الأخري و هي تجيبه بجفاف : -رايحة أودي عنتر للتطعيم. نظر "صالح" إلي ذاك الشبل الذي توسد ص*ر "صفية" بوداعة تتناقض مع طبيعته ، و قال بجزع : -أنا بجد مش عارف إيه سر حبك للح*****ت المفترسة ، أوكيه عارف إنك دكتورة و بتهتمي بالح*****ت كلها ، بس لسا مش قادر أفهم إشمعنا الأ**د تحديدا إللي بتحبيهم أوي كده ! بتحبيهم أوي كده ليه يا صافي ؟ أجابته بإسلوب صارم : -بحبهم عشان بيحموني من إللي زيك. -إيه ده إيه ده إيه ده ! .. إنتي بتكلميني كده ليه ؟ إنتي زعلانة مني ؟ ردت بحدة : -حل عني يا صالح و أوعي من سكتي. تغيرت ملامح وجهه المنف*جة و هو يقول بجدية : -لأ ده إنتي زعلانة مني بجد بقي .. في إيه يا صافي ؟؟ قالت ماطة الأحرف بتهكم : -مش عارف في إيه ! روح إسأل البنات إللي كنت بترقص معاهم إمبارح و هما يقولولك ، أو روح لفريدة بنت طنط زيزي أحسن دي كانت لازقالك طول الفرح و ماسبتكش إلا علي الأخر. إبتسم "صالح" بفهم ، و قال و هو يغمز لها : -إنتي بتغيري يا حبيبتي ، ماتغيريش يا قلبي ده إنتي ستهم كلهم. -أنا أغير ! لأ يا حبيبي سبتلك إنت الغيرة. قهقه بخفة ، و قال : -يا صافي يا حبيبتي اطمني ، و لا واحدة منهم تقدر تملي عيني ، بدليل إني سيبتهم كلهم و إختارتك إنتي ، الكل عارف إنك خطيبتي. -و إنت عملت حساب لخطيبتك ؟ ده إنت مسحت بكرامتي الأرض. هز رأسه نفيا ، و هم بملامسة وجهها بكفه ، لتصيح بغلظة : -شيل إيدك ياض. جحظت عيناه من الصدمة ، و قال : -ياض ! إيه ياض دي ؟ إتعلمتيها فين يا بنت البحيري ؟ -إوعي من قدامي يا صالح أحسنلك ! هتفت بصرامة ، فإستند بمرفقه إلي سيارتها و قال متسليا : -و لو ماوعتش يعني هتعملي إيه ؟ -هتوعي من قدامي و لا أسيب عليك عنتر ؟ و رفعت الشبل ذا الفراء الذهبي أمام عينيه ، لينتفض مرتدا إلي الخلف من فوره و هو يقول بسرعة : -لا لا لا خلاص .. خلاص ياستي مع السلامة إنتي و عنتر. نظرت إليه بتكبر ، و وضعت الشبل في المقعد الخلفي من السيارة ، ثم إستقلت بدورها أمام المقود ، و إنطلقت بها مخلفة غبارا طار كله في وجه "صالح" ... ••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• في صبيحة ليلة عرسه .. يدخل "عثمان البحيري" شركة عائلته ، و تبدأ همسات الموظفين عليه و بخاصة الموظفات .. فواحدة تقول : -شايفين جاي رايق إزاي ؟ و لا كأنه طلق عروسته إمبارح ! فردت عليها الأخري : -يا تري طلقها ليه ؟ و في ليلة الدخلة كمان ! وبختها الثالثة : -و دي محتاجة فقاقة يا ذكية ؟ أكيد فيها حاجة ، أومال هيكون عمل كده ليه ؟ تمتمت رابعة : -خلاص بقي يا بنات الله أعلم الحقيقة فين ، ربنا يستر علينا كلنا. إلتقط "عثمان" حوارهن كله أثناء مروره من جانبهن ، ليزداد شعوره بالسرور ، فها هي خطته قد أثمرت و أصبحت القصة كالعلكة في أفواه الجميع و هذا ما أراده ، أن يفضح زوجته السابقة هي و والدها ليعاقبها علي خيانتها و يرد كرامته أيضا .. دخل "عثمان" إلي مكتبه ، و طلب سكيرتيرته الخاصة ، و أمرها بتجميع حاجياته كلها ، و بفرز الملفات المهمة بالنسبة له ، ثم كلفها بعد ذلك بإرسال كل هذا إلي مقر شركته الجديدة مع أفراد الأمن و الحراسة .. إنصرفت السكيرتيرة بعد تلقي الآوامر ، بينما رن هاتف "عثمان" ليتأفف بضجر ، إذ إنه يعلم جيدا من المتصل و رغم هذا ضفط زر الإجابة ، و رد : -ألو ! أتاه صوت والده الحانق : -إنت فين يا باشا ؟ و مابتردش عليا ليه ؟ دي عاملة تعملها يا غ*ي ؟! عثمان ببرود: -إهدا بس يا بابا ، مافيش حاجة حصلت ، و بالع** أنا نفذت كل إللي إتفقنا عليه. "يحيى" بإستنكار : -تبعت البت لأبوها في إنصاص الليالي بفستان الفرح ، و تكون مصلت الصحافة عليها يستنوها عند بيت أبوها و تقولي عملت إللي إتفقنا عليه ؟ إنت فضحتنااا. تخيل "عثمان" الصورة التي رسمها والده بمخيلته ، لينفجر ضاحكا ، و يقول بغبطة: -بس إيه رأيك ؟ بذمتك مش ض*بة قاضية ؟ رشاد الحداد هيلبس طرحة تداريه في مجلس الشعب من هنا و رايح. و تابع ضحكه ، ليصيح والده بغيظ : -إنت يا غ*ي مش مقدر حجم الكارثة إللي وقعتنا فيها ، إنت ودتنا في داهية. أهمل "عثمان" حديث والده ، و عبس فجأة حين وصل إلي سمعه أصوات عراك في الخارج أنهي مكالمته سريعا ، ثم مشي بغضب صوب الباب ، و جذب المقبض بقوة صائحا : -إيه الدوشة إللي هنا دي ؟؟؟ توهجت عيناه و هو ينظر إلي سكرتيرته في غضب مطالبا إياها بتفسير ذلك الضجيج الغريب ، لتتلعثم الأخيرة و هي تجيبه بإرتباك : -مستر عثمان ! الأنسة دي دخلت عليا فجأة ، و م**مة أنها تدخل تقابل حضرتك قولتلها ماينفعش لازم تاخدي ميعاد الأول بردو مـُصرة و مش راضية تفهم. إنتقل "عثمان" ببصره إلي تلك الضئيلة التي تقف بجانب السكرتيرة بوجه محتقن و أعين حمراء شملها بنظرة فاحصة ، حيث عاينها من أعلي إلي أسفل بمنتهي الدقة و الجرأة .. إستفزته لأقصي درجة ، فقد إجتذبه شكل وجهها الصافي المستدير ، و ملامحها الرقيقة التي تشي بالبراءة رغم تآججها ، لكنه لم يستطع رؤية المزيد منها ، بسبب ذلك الوشاح الداكن الذي إرتدته فوق رأسها كحجاب يحظر علي الناظر إليها رؤية شعرها ، و أيضا تلك الثياب الطويلة الفضفاضة التي منعته من تبين قوامها .. أثارت فضوله و غضبه معا ، فزم شفتيه في شيء من الحنق ، ثم توجه إليها بصوته الخشن : -إنتي مين يا شاطرة ؟؟ تفاجأت كثيرا من رعونته الواضحة للعيّان دون خجل ، إسلوب لا يتناسب البتة مع مظهره الراقي .. لكنها تغاضت عنه ، و أجابت بثبات : -أنا سمر حفظي ، بنت الأستاذ شريف حفظي ، والدي الله يرحمه كان موظف عندكوا هنا. -أهلا وسهلا .. رد بفظاظة ، و أكمل : -إنتي بقي جاية عايزة إيه ؟ سمر بحدة : -جاية عايزة أقابل المسؤول عن الشركة دي .. و تحولت بحديثها إلي السكرتيرة : -من فضلك تبلغي أي حد مسؤول هنا إني طالبة مقابلة مستعجلة. عثمان رافعا حاجبيه بدهشة : -و أنا مش مالي عينك و لا إيه ؟ سمر و هي تعود لترمقه بإزدراء : -إنت مين ؟! و هنا تدخلت السكرتيرة بسرعة قائلة بحرج : -مستر عثمان البحيري مدير الشركة و كمان يبقي واحد من أصحابها. -أهلا وسهلا .. قالتها "سمر" منتهجة نفس إسلوبه السابق معها حدجها بنظرات نارية ، فأدركت أنها نجحت في إغضابه ، سرها هذا ، لكنها قالت بنبرة رسمية حازمة : -حضرتك أنا بقالي حوالي شهرين باجي هنا و بحاول أوصل لأي مسؤول أكلمه في حاجة ضرورية تخص شغل بابا بس للأسف كل مرة برجع زي ما باجي ، مابطلعش بنتيجة ، فلو أمكن يعني تساعدني إنت يبقي كتر ألف خيرك. رمقها بنظرة خاوية مطولة ، ثم قال بإقتضاب : -إتفضلي. و أشار لها بالدخول إلي مكتبه .. سبقها إلي الداخل ، لتلج هي من بعده و تسمع صوت إغلاق الباب من خلفها بواسطة السكرتيرة تبعته و هي تعاين الغرفة المستديرة الحواف في فضول و إنبهار شديد ، جدرانها خشبية ، و الأرض رخامية ، و هناك في مكان قاصي قليلا ركن أشبه بالمطبخ الصغير ، وضعت به ثلاجة صغيرة و آدوات صنع الشاي و القهوة -إتفضلي أقعدي .. قالها بعد جلوسه أمامها خلف مكتبه الضخم ، فإمتثلت لطلبه و جلست من جهة اليسار في المقعدين المقابلين له عثمان متسائلا بهدوء : -خير بقي ؟ أقدر أساعدك إزاي يا أنسة ؟ سمر بهدوء مماثل متناسية موقفها العدائي تجاهه : -زي ما قلت لحضرتك أنا كان بقالي شهرين باجي هنا بسبب مشكلة تخص شغل بابا الله يرحمه عندكوا. -و إيه هي المشكلة بالظبط ؟ شرحت له "سمر" تفاصيل المشكلة .. عثمان بجدية : -بس والدك علي حسب كلامك كان فني مصاعد مش مهندس أساسي هنا في الشركة. -مش فاهمة إيه الفرق يعني ؟! تن*د "عثمان" تنهيدة طويلة ، و قال : -الفرق إن والدك عامل بالأجرة ، لو كان في عطل بيحصل في المصاعد هنا كان بيجي يصلحه و خلاص ، يعني هو و كتير من زمايله إللي هنا في نفس شغلته أسمائهم مش في سجلات التوظيف عندنا لأن ببساطة إحنا مجموعتنا إستثمارية و تجارية و مش بنحتاج كتير للنوع ده من العمال ، إحنا بنطلبهم بس بالأجرة زي ما قلتلك. سمر بصدمة : -يعني إيه ؟!! مط شفتيه بأسف ، و قال ببرود و هو ينقر بقلمه فوق سطح المكتب : -يعني للأسف والدك مالوش مكافأة نهاية خدمة عندنا لأنه مش موظف أصلا ، ممكن يكون له مستحقات ، تقدري و إنتي خارجة تسألي تحت في شئون العاملين إذا كان في باقي حساب يخصه و لا حاجة ! أصيبت "سمر" بخيبة أمل أطاحت بصوابها ، فلم تعد تسمعه و هو يكمل باقي كلماته ، بل راحت تستمع إلي سيل جارف من التساؤلات تفجر فجأة بعقلها .. كيف ستدبر حالها ؟ كيف ستواصل حياتها من دون مال ؟ و أخويها .. ماذا ستفعل بشأنهما ؟ إنهما بحاجة إلي أشياء عديدة تمثل بقاء كلا منهما ، فـ"ملك" لن تعيش إذا عجزت "سمر" عن توفير الطعام و العلاج لها ، و "فادي" سيضيع مستقبله إذا ترك دراسته ، من أين تأتي بكل هذا ؟ الأمل الوحيد الذي إتكأت عليه وضح إنه كاذب .. لا مفر من المصير البائس ، ليس لها وحدها ، و لشقيقيها أيضا بصورة تدريجية إنتصبت "سمر" واقفة دون أن تشعر رغم إرتخاء مفاصلها ، ثم راحت تردد باكية : -هعمل إيه دلوقتي ؟ هتصرف إزاي ؟ .. إخواتي هيروحوا مني .. مش هقدر أعملهم حاجة ، ملك هتموت ، و أنا .. أنا السبب .. أنا السبب. -إنتي كويسة يا أنسة ؟ .. تسائل "عثمان" بشيء من القلق ، إلا أنه لم يلق إجابة كانت الرؤية تنعدم من أمام "سمر" شيئا فشيئا ، إلي أن تلاشت تماما .. لم تعد قدماها تقدران علي حملها ، فسقطت مغشيا عليها .. وثب "عثمان" من مقعده ، و مشي ناحيتها بسرعة إنحني صوبها ، و مد يده و هزها بلطف هاتفا : -يا أنسة ! .. إنتي يا أنسة .. تململ "عثمان" بمكانه و هو يرمقها في حيرة : -أعملها إيه دي بقي ؟ .. غمغم لنفسه بخفوت ، ثم قام و توجه إلي مكتبه ضغط زر الد*كتافون المتصل بمكتب سكرتيرته ، و قال بصوت ثابت مسموع : -شيري .. إطلبيلي دكتور الشركة فورا و تعاليلي بسرعة. ••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• في مكان أخر .. حيث يستند إلي مكتبه رجل في العقد الخامس من عمره ، شعره الأبيض تتخلله بعض الشعيرات السوداء ، و يبدو عليه الهيبة و الوقار .. يستدير فجأة إلي إبنته ، و يهوي بكفه الغليظ علي صدغها ، لتصرخ متألمة ، و بسرعة تتلقاها أحضان شقيقتها الصغري .. -فضحتيني يا سافلة .. قالها "رشاد الحداد" بصراخ ، و تابع : -سيرتنا بقت علي كل ل**ن ، جوزك طلقك يوم فرحك و الأسباب مش محتاجين نشرحها للناس ، مستقبلي و مستقبل أختك قضيتي عليه يا ------ ، هخسر في الإنتخابات و هخسر كل حاجة بسببك يا -------- إسمي بعد ما كان في السما خلتيه في الأرض. تعالي صوت نحيبها ، بينما حاولت شقيقتها تهدئة "رشاد" بقولها : -خلاص يا بابي Please , چيچي عارفة إنها غلطت ، و إنت عارف كمان إن عثمان غدر بيها ، ماكنتش عارفة إنه هيبعت وراها صحافيين. رشاد بغضب : -إخرسي إنتي مالكيش دعوة ، أنا ليا حساب مع الكلب ده كمان بس مش قبل ما أخلص بإيدي علي الـ----- دي . چيچي ببكاء و هي لا زالت تحتمي بحضن شقيقتها : -إنت إللي غصبتني علي الجوازة دي ، أنا قولتلك مش بحبه و مش عايزاه .. ثم أكملت في تردد : -إنت السبب يا بابي ! رفع "رشاد" ذراعه ، و إجتذبها من شعرها صائحا : -أنا السبب فعلا ، أنا إللي سيبتلك السايب في السايب لحد ما فاجرتي ، و أخرتها سلمتي رقبتي لإبن يحيى البحيري. تأوهت "چيچي" بألم ، و قالت بصوت مهزوز إمتزج بدموعها : -أنا ماكنتش أعرف إنه هيصورني ، و ماخدتش بالي من أي حاجة إلا يوم الفرح ، هو فاجئني. رشاد بخشونة : -مضتيله علي التنازل ليه ؟ -هددني إنه هينشر الڤيديو. صاح بإنفعال : -إنتي غ*ية ، ماكنش هيقدر يعمل أي حاجة كنت هتصرف أنا معاه و لا كنا إتفضحنا زي دلوقتي كده. ثم أفلتها فجأة ، و إلتفت محدقا في الفراغ و هو يتمتم بشراسة : -ماشي يا إبن يحيى .. و الله لأكون جايبك الأرض ، مش هرحمك لا أنت و لا عيلتك ! ••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• إستيقظت "ملك" من نومها منذ حوالي ربع ساعة ، قضت هذا الوقت كله مستلقية وحدها دون حراك ، حتي ملت من و حدتها .. فهمت بالصراخ عاليا بقدر يجذب إليها أحد أخويها ، هكذا تعلمت و حفظت الطريقة التي تستقطب بها إنتباههما وفقا لعقليتها الصغيرة و بالفعل ، لبي "فادي" ندائها ، و حضر إليها فورا .. سكتت "ملك" بمجرد رؤيته ، ليبتسم لها و يقول بلطف : -إيه يا ست ملوكة ؟ يا تري جعانة و لا صحيتي لاقيتي نفسك فاضية و قولتي أما أق*ف فادي شوية ؟ هه ؟ .. ما تقوليلي ، إتكلمي .. و راح يقوم بحركات بوجهه و هو يخاطبها ، فأخذت الطفلة تضحك له و هي ترفع ذراعيها الصغيرتين نحوه و تص*ر أصواتا تختلط بضحكاتها ضحك "فادي" معها ، ثم حملها و أخذ يلاعبها و يلاطفها .. كانت "ملك" تحمل ملامح مشتركة بين كلا من والدتها و أختها "سمر" .. فمثلا ورثت لون بشرتها الناصعة و لون شعرها البندقي عن والدتها أما خضرة عينيها الواسعتين ، فأخذتهما عن شقيقتها الكبيرة التي تمتاز هي الأخري بنوع خاص من الجمال يتمثل في شعرها الطويل الفاحم ، و بشرتها التي هي بلون الشوكولاتة الفاتحة ، و قوامها المتناسق الذي يحسدونها عليه جارتها و صديقاتها كلما يزورنها في بيتها .. جلس "فادي" بالصالة و أجلس "ملك" علي قدمه ، ثم راح يهزها حتي لا تعود للبكاء ، بينما يشاهد هو إحدي المبارايات علي شاشة التلفاز الصغير .. لفتت نظره "سمر" و هي تفتح باب الشقة بمفتاحها و تدخل ، فأغلق التلفاز ، و حمل "ملك" علي ذراعه و ذهب ناحيتها .. فادي بتلهف : -ها يا سمر ! عملتي إيه ؟ رفعت "سمر" وجهها و هي تجيبه بتعب واضح : -فادي هبقي أحكيلك بعدين ، أنا جاية تعبانة و مش شايفة قدامي ، محتاجة أريح شوية و بلّيل هبقي أقولك علي كل حاجة. عبس بقلق ، و سألها بلهجة هادئة : -مالك يا سمر ؟ إنتي كويسة ؟ أومأت رأسها إيجابا ، ثم قالت : -خلي بالك بس من ملك علي ما أصحي و لو جاعت أنت بتعرف تأكلها ، ممكن تصحيني بس علي ميعاد الدوا بتعها أنا أبقي أقوم أديهولها. و تركته متجهة إلي غرفتها .. و أخيرا إختلت بنفسها ، أغلقت باب الغرفة ، و للحال نزعت حجابها و هي تتنفس بعمق ثم تحرر شعرها من مشبك الرأس ، لينسدل بنعومة و إنسيابيه علي طول ظهرها ألقت بنفسها فوق السرير ، و حدقت بالسقف ، لتعود لها ذكري نصف اللقاء الفائت ... °°°°°°°°°°°°°°°°°°°° وجدته واقفا أمامها عندما فتحت عيناها ، كان يخاطب رجلا قصير القامة في منتصف عمره ، بدا شيء لا يذكر بجانبه .. لم تسنح لها الفرصة لإستكشاف الكثير من الأمور ، إذ هبت من مكانها كقطة مذعورة و هي تقول بلهجة ناعسة متداخلة الأحرف : -أنا فين ؟ إيه إللي حصلي ؟ طمئنها "عثمان" بإبتسامة : -إطمني يا أنسة إنتي بخير ، ماتقلقيش جت سليمة أغم عليكي بس و دكتور حسين فوقك. الدكتور حسين بلطف و لباقة : -حمدلله علي سلامتك يا أنسة ، عايزك ماتقلقيش إنتي كويسة خالص ، بس ناقصة تغذية ، إنتي ضعيفة أوي و محتاجة تاخدي بالك من أكلك و شربك أكتر عشان ماتحصلكيش إغماءة تانية. كانت "شيري" سكرتيرة المكتب واقفة بجوارها ، فإنحنت صوبها لتعطيها كأس عصير ، قبلته "سمر" بإمتنان و هي تشعر برأسها يلف بينما إنصرف الطبيب "حسين" بعد أن جمـّع آدواته داخل حقيبته ، و بدوره أصرف "عثمان" سكرتيرته لتباشر عملها في الخارج .. سمر و هي تحاول القيام : -أنا مش عارفة أشكر حضرتك إزاي علي إللي عملته معايا ! عثمان بجدية : -خليكي مكانك يا أنسة ، إنتي لسا دايخة ، ماتقوميش دلوقتي. -لازم أمشي .. إتأخرت علي إخواتي. -طب بس أصبري ، أنا عايزك في موضوع. سمر بإستغراب : -موضوع ! موضوع إيه يافندم ؟؟ سحب "عثمان" مقعد قريب ، و جلس فوقه مادا جسده نحوها ، ثم قال بهدوء : -أنا حاسس إنك واقعة في مشكلة .. ممكن تقوليلي لو تحبي ، أنا أقدر أساعدك. سمر بشك : -تساعدني إزاي يعني ؟! هز كتفيه مجيبا : -أساعدك يعني أساعدك .. قوليلي بس إيه مشكلتك ؟ سمر ب**ت و قد إنعقد ل**نها ، لا تعرف بما تجيبه ! -فلوس ؟ .. قالها بتساؤل ، و تابع : -إنتي خريجة أيه يا أنسة ؟ سمر مجيبة بل**ن ثقيل : -تسويق و تجارة إلكترونية. عثمان بإعجاب : -حلو .. حلو أوي .. ثم أردف بحماسة زائفة : -شوفي أنا هفتتح شركة جديدة خاصة بيا كمان كام يوم ، إخترت الموظفين خلاص بس لسا ماخترتش سكرتيرة .. تحبي تتقدمي للوظيفة دي ؟ حملقت فيه بعدم تصديق ، و سألته ببلاهة : -بجد ؟!! عثمان بضحك : -أه طبعا بجد .. ثم سألها مبتسما : -إنتي عندك كام سنة ؟ قصدي يعني بقالك كام سنة متخرجة ؟ سمر بتوتر طفيف : -أنا عندي 24 سنة و بقالي سنتين و نص متخرجة. -هممم .. لأ مدة مش بعيدة ، طب قولتي إيه ! موافقة تشتغلي عندي ؟؟ سمر بدون تردد : -طبعا موافقة .. لكنها تراجعت : -بس أنا ماعرفش حاجة عن شغلة السكرتاريا. عثمان بثقة : -ماتقلقيش هتتعلمي .. دي شغلانة بسيطة خالص. أشرق وجهها بإبتسامة رقيقة ، بينما مد يده إلي جيب بنطاله ، و أخرج جزدانه سحب بعض الأوراق النقدية ، ثم مد يده لها قائلا : -إتفضلي يا أنسة سمر. نظرت ليده الممدودة بالنقود ، ثم له ،و سألته متجهمة : -إيه ده حضرتك ؟؟ أجابها بإبتسامة : -أنا عارف إنك محتاجة فلوس ، من فضلك خديهم. سمر برفض مهذب : -شكرا لحضرتك .. أنا معايا الحمدلله. عثمان بإصرار و لطف : -خديهم بس يا أنسة سمر ، أعتبريهم سلفة و إبقي رديهم من أول مرتب. تخضبت وجنتاها بحمرة قانية ، و كم وجدت صعوبة في ذلك ، لكنها مدت يدها و أخذت منه النقود .. سمر و هي تقف علي قدميها و تختبر درجة ثباتها : -إستأذن أنا بقي. نهض هو الأخر ، و قال لها : -تمام ، و إنتي خارجة إبقي سيبي إسمك و عنوانك و رقم تليفونك لشيري ، و ماتنسيش بعد بكره ، هخلي شيري تتصل بيكي و تد*كي كل المعلومات عن الشركة. أومأت "سمر" دون أن تنظر في عينيه ، ثم غادرت مكتبه في هدوء ... °°°°°°°°°°°°°°°° خرجت "سمر" من الذكري و هي تشعر بضيق شديد ، فمنذ خروجها من هذه الشركة لم تكف عن توبيخ نفسها لأنها أخذت منه النقود و مرات عدة و هي في طريقها إلي البيت فكرت أن تعود و ترجع إليه ماله ، لكنها تذكرت "ملك" و "فادي" .. فإستسلمت لحكم الواقع و أكملت طريقها بفم مطبق .. أرهقها التفكير لهذا الحد ، فأوقفت كل شيء ، و إستسلمت للنوم الذي بدأ يداعب أجفانها ... ••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• في ليل الإسكندرية الساحر ، يقود "صالح البحيري" سيارته الفارهة مارا بالكورنيش المطل علي الساحل ، و المضاء بالأعمدة التي تع** نورها علي ماء البحر الحالك ، فيبدو و كأنه اللؤلؤ الأ**د في ندرته .. يصل "صالح" إلي ذلك الملهي الشهير ، و يدخل باحثا بعينيه عن إبن عمه ليجده هناك ، جالسا عند بنش البار ، تحاوطه المنكرات من كل صوب و هو يتجاوب معها بفتوره المعتاد .. -إيه يابني فينك ؟ قال "صالح" و هو يجلس بجانبه أمام البار ، و أكمل : -لازم أتحايل عليك يعني عشان ترضي تقولي إنت فين ؟ أبوك قالب عليك الدنيا. عثمان بضيق : -عارف. -طب مارجعتش البيت ليه لحد دلوقتي ؟؟ -مش مستعد لإستجواب يحيى بيه ، و مش ناقص ق*ف. صالح بصراحة : -إنت طينت الدنيا الصراحة ، أنا أعرف أنك شيطان يابن عمي بس ماتخيلتش تفكيرك يوصل لكده أبدا ! عثمان ضاحكا و هو يتناول بعض المقبلات : -يمكن عشان مابتعرفش تفكر يا صالح. -لأ بجد ، أنت إبليس ذات نفسه يصقفلك علي عملتك دي. عثمان بتفاخر : -يابني أنا مش أي حد ، أنا عثمان البحيري ، يعني الفهلوة و الجبروت كله ، و متنساش إني إسكندراني كمان. -لأ من ناحية الجبروت فأنا متأكد من دي أكتر .. ثم سأله بإستذكار : -صحيح عملت إيه في حوار شركتك ؟ خلاص كلها بقت بتاعتك. شرب "عثمان" ما تبقي من كأسه ، و أجابه و قد بدأت الثمالة تنطقه بما لا يريد نطقه : -إسكت ماتفكرنيش بالشغل خالص .. إنهاردة وقعت مع حتة بت كانت هتخرجني عن شعوري ، تصور إستهزأت بيا أنا ؟! صالح بضحكة مرحة : -يا خبر ! دي كده لعبت في عداد عمرها. عثمان بوعيد : -إنت بتقول فيها ؟ .. و حياة أمي لأ**د عيشتها !!!!! يتبع ...
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD