عودة للوقتِ الحالي.
كانت تجلس برفقةِ سميرة بعد أن غادر زوجها بعد تناولهم للطعام مِن أجلِ العودة للشركة حتى يُقابل المندوبين والعُملاء. تن*دت بعمقٍ وهي تتجرع كأس العصير التي قدمتها لها سميرة على الطاولة الرُخامية لتشرد بعينيها في البعيد بكلِ ما حدث.
انتبهت لها سميرة التي أخرجت زفيراً وهي تُدرك تماماً بما تُفكر وما الذي يدورُ بخُلدها لتتحدث بنبرة هادئة وهي تقترب لتجلس على المِقعد الذي أمامها:
-لما تُرهقين نفسكِ بالتفكير بما حدث؟
رفعت نغم عينيها لها لتُخرج زفيراً حاراً وهي تُجيب بنبرة مُرهقة:
-أنت لا تعلمين كيف كان الوضع بالشركة يا خالة لا تعلمين كيف باتت النظراتُ لي بعد أن علم الجميع بالخبر. بالبداية كانت الشائعات أنني أتلاعبُ بالرئيس مِن أجل الإيقاعِ به ونحن على علاقةٍ غرامية والآن بعد أن صرحتُ للجميع بأنهُ زوجي باتت الأنظارُ أكثر حقداً وسخرية ومغزاها بأنني قد تمكنتُ مِن الإيقاعِ بهِ أخيراً وجعلهِ يتزوجني ولهذا السببِ خصيصاً هو يقوم بترقيتي بالعمل فإن لم يكن ليفعلها لزوجتهِ لمِن سيفعلها إذاً؟
قبضت سميرة على يدها الموضوعة على ركبتها وهي تتحدث بنبرة مؤيدة لما فعلت:
-ولهذا أنا أُخبركِ بأن كل ما فعلتهِ هو الصحيح. مَن يُريدُ التحدث فليتحدث أنتِ زوجتهُ أمام الله والجميع وغرضك لم يكن كما يدعي هؤلاء الحمقى أنتِ تحبين ابني وهو يُبادلكِ هذا الحب، ما الذي تُريدينه أن تتركيهِ لهذهِ الشمطاء الصفراء حتى تتلاعب به؟ هل تظنين بأنني غير مُدركة لألاعيبها القذرة التي تُحيكها مِن أجل البقاءِ بجواره.
لوت نغم شفتيها بتهكم وهي تُردف بنبرة ساخرة مُستنكرة:
-هل سُتخبريني يا خالة! ما هي بالأساس السبب الرئيسي بنشرِ هذهِ الشائعات بالشركة وحينما اكتفيتُ مِن همساتِ الموظفين مِن خلف ظهري بُحتُ بكل شيءٍ بوجهها وأمام الملأ
رفعت سميرة حاجباً بتشفي وهي تبتسم بانتصار:
-أحسنتِ يجبُ عليكِ أن تُعلني للجميع بأن وحدكِ مَن لديهِ الحق في البقاءِ بجوارِ زين يجب عليهم الإدراكَ جيداً بأن مكانتك باتت غيرهم ويجب عليهم احترامكِ وقص ألسنتهم خاصةً هذهِ الو**ة لا تلومي نفسكِ بشيءٍ عزيزتي دعي مَن يعتقد أمراً يعتقده. يقولون بأنهُ قام بترقيتكِ بالمناصب مِن أجل كونكِ زوجته؟ فليكن لهم هذا التفكيرِ إذاً. أمام الجميع لم يكف ابني عن توكيلكِ بالعديدِ مِن المهام وأنتِ أثبتِ كفاءتكِ بالأمر أنتِ مَن كنتِ تأتيني تبكين مِن قسوتهِ معكِ بالعمل لما العجبُ منهم الآن حينما تنالين مكانة أنتِ تستحقينها بصرفِ النظر عن كونكِ زوجته. لذا أنا أُخبركِ بهذا دعي كل مَن يأخذ عنك فكرةً يأخذها النفوس المريضة لن تصح أبداً وستظل تُطلق سمومها.
ابتسمت نغم براحة وهي تستمع لحديثِ سميرة الذي كان كالبردِ على نيرانِ قلبها لتنتبه لشيءٍ ما، تحدثت بصوتٍ خافت مُترددة:
-خالتي سأصعد قليلاً إلى غرفة زين
أومأت لها الثانية بابتسامةٍ وهي تنهض لتُتابع ما تفعل وسط تافها:
-حسناً ابنتي والله أنني أُفضل لكما الزواج سريعاً لا أعلم لما الانتظار
ألقت لها نغم بابتسامة أخيرة قُبيل خروجها مِن المطبخ وهي تتوجه بخطواتها نحو الدرج إلا أن ابتسامتها تلاشت بالتزامن مع خطواتها التي أخذت اتجاهاً آخر صوب المكتب بينما عينيها تختلسانِ النظر حولها خِشيةً مِن رؤية أحدهم لها.
دلفت للمكتب لتتوجه مُباشرة صوب المدخل السريّ لحجرةِ التاجي لتقوم بفتحه، ثوانٍ وكانت تسير لداخل حجرتهِ لتبتسم ما إن وقعت عينيها عليهِ يجلس على مِقعدِ المُتحرك بينما الملفات بيدهِ يُطالعها. انتبهت إلى صينيةِ الغذاء التي لا تزال بأحد الزوايا لتتقدم نحوها وهي تقوم بحملها لتضعها على الطاولة قائلة:
-ألن تتناول غذائك يكفيك كل هذهِ القهوة التي تقوم بشُربها
ابتسم التاجي وهو يُجيب بعينيهِ التي انتقلت مِن الملفات إليها:
-لقد أتتني سميرة منذُ قليلٍ تعرض عليا تناول الطعام إلا أنني أخبرتها بوضعها جانباً وسأتناوله ما إن أشعر بالجوع، تعلمين أنني لو قلتُ لها لا شهية لدي لن ترحل حتى تُطعمني إياهُ غصباً.
ضحكت نغم ملئ شدقيها وهي تجلس على المِقعد أمام الطاولة:
-والله أنت مُخطئ إن كنتَ تعتقد بأنني لن أتولى هذهِ المسؤولية عِوضاً عنها فأنتَ مُخطئ لأنني لن أتركك إلا بعد أن تتناوله وأيضاً هناكَ الكثير الذي أريدُ إخبارُك به
قطب بين حاجبيهِ مُتسائلاً خاصةً وبعد نبرتها التي شعر بها بأنها تحمل شيئاً في جُعبتها:
-ماذا حدث أخبريني؟
قامت بإطعامهِ الغذاء بأكملهِ وهي تقص عليهِ كل ما حدث بالشركة ليتن*د بالنهاية مُردداً باهتمام:
-ابنتي أنا لا أجد سبباً يدعو للانتظار مِن أجل إقامة الزفاف كم مرّ على عقد قِرانكما شهر؟
أجابتهُ مُصححة:
-بل شهرين
أردف بنفسِ النبرة مُتابعاً:
-حسناً ما السبب الذي يدعو للانتظار لا أعلم كلما طالت المدة تزيدُ العقبات التي قد تواجهكم الأفضل أن تُقيمانِ العُرس وتنتهيان ولن يستطيع أحد التحدث بعدها، بالأساس لن يسمح زين لأحدهم بالتحدث ولكن هذا لتنتهيان مِن المُشكلةِ برُمّتها.
تن*دت بعمق وهي تتمعن بكلماتهِ التي شابهت كلماتُ سميرة لها منذُ لحظات لتنتبه لشيءٍ ما، رفعت عينيها نحوهُ وهي تتساءل قائلة:
-جدي متى تنوي أن تُعلن للجميع عن نفسك؟ لا تتوقع مني أن أقوم بحفلِ الزفافِ مِن دونك أنا إلى الآن لم أغفر لزين تخبئتهِ عن أمركِ عني الشيء الوحيد الذي شفع لهُ بالقليل هو معرفتي لكل ما قام بصنعهِ مِن أجلك كما رويت لي لكن هذا لن أسمح بحدوثهِ مرةً ثانية.
تن*د التاجي وهو يتحدث بنبرة شاردة إن لم تكن مُخطئة فقد تلمست بهذهِ النبرة الحزن حينما قال:
-ليس الآن عزيزتي لابد مِن الانتظارِ قليلاً
تساءلت بغيرِ فهمٍ مُقاطعة:
-ولما كل هذا؟
أجابها بنفسِ النبرة مُتابعاً:
-لأنني قد سبق وأخبرتكِ كيف أن زين قام بإنقاذي ولأن هناك العديد مِن الخبايا التي يجبُ الكشف عنها إن أعلنتُ كوني لا زلتُ حياً وهذا وحدهُ سيكون باباً للحروب يجب التريُث قليلاً
تن*دت باستسلامٍ وهي تُدرك تماماً بأنهُ لن يبوح بشيءٍ لها كل يومٍ عن السابق تتأكد مِن أين أتى زوجها بالرأسِ اليابس والعنيدُ بشدة لذا فضلت الصمت ستستمع إلى كلامهِ فقط وتنتظر لترى إلا سيصل بهم الحال.
على جانبٍ آخر..
بالشركة وحينما هتفت فِداء بكلماتها لهُ والتي خرجت منها بكلِ بساطة كانت كالصاعقة على رأسه:
-هذا لأن زين متزوج مِن نغم
عدة كلماتٍ جعلتهُ يقف مُحملقاً بها بغيرِ تصديقٍ بينما عقلهُ يُفسر الآن لما كلِ هذهِ الحمية الغاضبة التي أظهرها بحفلِ شركةِ الخطاب الذي كان هدفهُ هو توقيع صفقة جديدة مع المجموعة. ارتفع حاجبيهِ لأعلى بغيرِ تصديقٍ وهو يُردد بابتسامةٍ:
-حقاً لا تمزحين؟
حدقت بهِ فِداء ببرود وهي تُجيب بمعالم جامدة لا تحمل أي سخريةً بها:
-وهل تراني أمزح بموضوعٍ كهذا؟
ضحك أيمن بغير تصديقٍ وهو يمسح على وجههِ ليُتابع بنفسِ نبرتهِ:
-الذئبُ الماكر زين التاجي بحياتهِ لم يقرب امرأةً وكانت النساء هي التي تحف مِن حولهِ لكنني لم أتوقع بأنهُ قد يُصبح نِبراساً بهذهِ الطريقة ويستطيع التلاعب بالجميع وإخفاءِ الأمرِ عنا هكذا
قطبت فِداء بين حاجبيها وهي تتحدث باستنكارٍ عاقدة يديها أمام قدرها:
-أي نبراسٍ وأي ذئبٍ ماكر! الرجل لم يُخطئ بشيء لقد تزوج وهو حرٌ بقرارهِ يتزوج مَن يشاء ويفعل ما يشاء وفوق كلِ هذا هو غير مُجبر على الإطلاقِ بالتوضيح لأحدهم أو تقديم مُبررات، مثلاً لا تتوقع بأن يقوم بتعليق لافتة على ظهرهِ مُدونٌ عليها لقد تزوجت بفتاة ما رأيكم أيها البشر هل أنتم راضون؟
ضحك أيمن على حديثها بتسلية بينما هي قلبت عينيها إلى أعلى وهي تهز رأسها يأساً لتهم بالتقدم نحو سطح المكتب وهي تأخذ الملفات التي يجب عليها مُراجعتها وسط نظراتهُ التي تُحدق بها بعبث:
-سأقوم بمُراجعة الحِسابات بها وأجل هناك أمرٌ آخر وهذا أنا مَن أطلبهُ منك ولأولِ مرة
رفع حاجباً بترقب وهو يضع يديهِ بجيبي بِنطالهِ بينما ابتسامة جانبية لم تظهر ارتسمت على شفتيهِ وسط حديثها:
-رجاءاً إن سمعت أحد الموظفين يتهامس بالنميمةِ على ابنة خالتي فلتجعلهُ يصمت وكما أعلم السيد زين يكون شقيقك أيضاً لذا لا تسمح للألسن بأن تطول الحديث عنهم؟
أومأ برأسهِ وهو يبتسم باستمتاع مُراقباً بها وهي تهم بالانصرافِ إلا أن اقتحام ريم لحجرة المكتب بشياطينها قد جعل فِداء تتوقف قليلاً. لقد كان وجهها أحمراً مِن فرطِ الغضب وطريقة اقتحامها غير طبيعية وكأنها مجنونة خاصةً مع صياحها وهي تسب وتلعن:
-هل علمت ما حدث لقد تمكنت هذهِ الحُثالة مِن جعلهِ يتزوجها أيمن
ارتفع حاجبي فِداء بحدة بعد أن وصلت مسامعها هذهِ الكلمات لينتبه أيمن لريم التي ستُحدث مُشكلة ليُسارع بالحديثِ لها:
-حسناً ريم اهدئي
تقافزت الثانية في مكانها مِن فرطِ الغضب وهي تُصرخ بعصبية جامحة:
-لا تقل لي اهدئي لقد استطاعت ربيبةُ الأزقة بالإيقاعِ بهِ وجعلهِ يتزوجها
لم تشعر ريم بحالها إلا وخصلات رأسها بين يدي فِداء التي ألقت بالملفاتِ جانباً لتقبض عليها وهي تتحدث مِن بينِ أسنانها:
-مَن هي ربيبةُ الأزقة أيتها الو**ة سأريكِ.